موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

الإقلاع عـن التدخين

أريد أن أقلع عن التدخين... فما رأيك؟

يا ماهر، لماذا تقوم بذلك؟
في بداية الأمر لماذا تريد الإقلاع عن التدخين؟
ما هو الخطأ في التدخين؟
نعم، قد يكون عملاً سخيفاً أو غبياً قليلاً، تبتلع فيه الدخان وتنفخه، مسمماً نفسك وهادراً لمالك وحياتك... لكنه ليس بجريمة ولا سيئة...
عليك ألا تشعر بالذنب تجاه الموضوع...

مع التدخين ستعيش أقل بسنتين أو ثلاثة من عمرك إذا كنت لا تدخن، لكن ماذا في أن يعيش المرء ثلاث سنين زيادة؟... ماذا ستفعل إذا أطلتَ حياتك ثلاث سنين؟
سوف تضيف قليلاً من المشاكل في هذا العالم، لذا من الأفضل أن تذهب باكراً من هنا، ولا تقلق لأن أعداد البشر بالبلايين...

في الماضي، لم يفكر أحد بتحديد النسل وأعداد الولادات، أما الآن فتجد الجميع في كل البلدان يبحثون عن سبيل لإنقاص عدد السكان، وحتى كيفية منع قدوم أطفال جدد في بعض المناطق...
عاجلاً أم آجلاً علينا أن نفكر بالنهاية الأخرى: كيف نساعد الكبار في العمر على الرحيل المبكر، لأن هذا جزء منطقي من هذا التفكير...
إذا منعنا الأطفال الصغار من القدوم إلى هذا العالم لمجرد التخفيف من ازدحام الناس، والعالم منذ الآن مكتظ بأعداد مخيفة، فعاجلاً أم آجلاً سنفكر في طرق ووسائل لمساعدة الكبار في العمر على الموت بسرعة، وسنجعل هذا حقاً مكتسباً بالولادة.
إذا قرر أحدهم الموت، يجب ألا يكون هذا جريمة... بل في الواقع يجب أن يُدعم ويُحترم لأنه يفسح مجالاً جديداً ليشغله أناس جدد.. إنه خادم عظيم للعالم والبشرية بتنظيفه لمكانه.

وتقول لي: "أريد أن أقلع عن التدخين" ؟
 

 

لماذا تريد ذلك في البداية؟ لأنك قرأتَ أن التدخين سيء وضار بصحتك؟
لكنك ماذا ستفعل بـصحتك؟

هناك قصة جميلة عن المسيح، غير مذكورة في الأناجيل... لكن إحساسي كان دائماً أنه تم حذفها في زمن ما من التاريخ لأنها قصة خطيرة.... لكن الصوفيين سجلوها وحافظوا عليها كما هي.
هناك بضعة قصص عن المسيح قد حفظها الصوفيون، ويجب شكرهم على هذا لأن هذه القصص هي أجمل من كل القصص التي في الأناجيل.. وإليكم هذه القصة الرائعة:

أتى المسيح إلى إحدى القرى، ورأى رجلاً مستلقياً في قناة ري قرب الطريق، وهو يصرخ ويهذي مصدراً ضجة لا معنى لها... لقد كان الرجل سكراناً جداً ومن الصعب فهم ما يقول.
اقترب منه المسيح لكي يصغي إليه، ربما كان يحتاج بعض المساعدة... وعندما رآه عن قرب تذكرَ وجهه، هزّ الرجل ففتح عينيه، وقال المسيح: "لقد تذكرتك، هل تتذكرني؟"
قال الرجل: "نعم أنا أتذكرك أيضاً، لكن رجاءً دعني وحدي"
قال المسيح: "كما أذكر، كنتَ مريضاً جداً على حافة الموت وقد شفيتك... قمتُ بمعجزة حينها، وأنا الآن لا أرى أي امتنان في عينيك"
قال الرجل: "امتنان؟ في تلك اللحظة كنتُ سأموت وأرتاح من هذه الحياة البشعة. وأنت أتيت وأعدتَ إلي الصحة، فرجعتُ إلى المعاناة من جديد... فمن المسؤول عن هذا؟ لماذا أعدتَ إلي الصحة؟ من سمح لك بذلك؟"

صُدم المسيح.. لم يفكر بهذا أبداً من قبل... فقال:
"لكنك الآن سليم معافى، تستطيع استخدام صحتك"
قال الرجل: "وهذا ما أقوم بفعله. عندما يكون المرء بصحة جيدة فإنه يشرب ويأكل ويستمتع بالحياة، ماذا أستطيع أن أفعل بصحتي غير هذا؟"
..فعلاً هذا سؤال أتى في محله: ماذا ستفعل بصحتك يا ماهر؟ كل، اسكر، وابتهج!
وبدا ذلك الرجل مستاءً جداً من المسيح.

غادر المسيح وهو حائر، وهو يمشي رأى رجلاً آخر يلاحق عاهرة جميلة، فأوقف الرجل وسأله:
"أيها الشاب، إنني أعرفك جيداً، لقد كنتَ أعمى وقد شفيتُ لك بصرك"
فقال الشاب: "ماذا عليّ أن أفعل بعيني غير هذا؟ العينان مخلوقتان لكي تنظرا وتبحثا عن الجمال... وتلك المرأة، ألم ترى كم هي فائقة الجمال؟ اتركني وشأني! ليس لدي مزيد من الوقت لأضيّعه معك"

حزن المسيح كثيراً لأنه كان يعتقد أنه ساعد هؤلاء الناس... خرج بعدها من القرية، وإذ به يرى رجلاً سيقتل نفسه، فسأله: "الحياة ثمينة جداً! لماذا ستقتل نفسك؟"
نظر الرجل إلى المسيح وقال: "ألا تتذكرني؟ لقد متُّ، وأتيتَ أنت وخرّبتَ عليّ موتي بإعادتي إلى الحياة... يكفي فهذا كثير جداً! لا أستطيع تحمل هذه الحياة أكثر من هذا! ورجاءً، هذه المرة رغم أنك أتيت، لا تقم بمعجزتك مرة ثانية، لا أريد أياً من معجزاتك!!"

حقاً إنها قصة غريبة، لكن لها دلالة عظيمة...
الإنسان فعلاً أعمى، لدرجة أنه سيقوم بشيء خاطئ عندما تكون صحته جيدة، سيقوم بشيء خاطئ إذا كان حياً، سيقوم بشيء خاطئ إذا كان لديه عينان....
ما لم تصبح واعياً فستستمر بالأخطاء والحماقات.... لهذا حكماء الشرق لم يقوموا بأي معجزة.... أو أنهم قاموا بمعجزة واحدة فقط، وهي تحويل اللاوعي إلى وعي، لأنه إذا لم يحصل هذا التحويل فلن تجد للخير والنجاح أي سبيل...

كأنك تعطي سيفاً قاطعاً لولد صغير: إما أن يجرح نفسه أو يجرح غيره...
لا يجوز أن تعطي الطفل سماً ليلعب به، فهذا خطير جداً...
الإنسان غير واعي، تقريباً في حالة السكر والانطفاء....
فماذا ستربح من تركك للتدخين؟

دخل طوني إلى البار وطلب بيرة وكأساً من الويسكي. شرب البيرة وسكب كأس الويسكي في جيب قميصه. وكرر طوني هذا التصرف عدة مرات، إلى أن انتبه صاحب البار إليه فسأله محتاراً:
لم أفهم، ما قصدك من هذا؟
أجابه: هذا ليس من شأنك!... إضافة لهذا، أجدك فضولياً كثيراً وفي بالي أن ألكمك على عينك!
وفي تلك اللحظة، أخرجت فأرة رأسها من جيب قميص طوني وقالت:
وهذا الكلام ينطبق على قطك اللعين أيضاً!!
 

الإنسان غير واعي... إنه يبدو واعياً لكنه ليس كذلك على الإطلاق.
لذلك بدلاً من أن تسألني عن رأيي في ترك التدخين، عليك أنت أن تراقب وتشاهد.
أهم شيء هو "عدم ترك التدخين"، أهم شيء هو مراقبة السبب الذي يدفعك إلى التدخين منذ البداية... إذا كنت لا تفهم السبب وراءه ولم تتم إزالة السبب: تستطيع الإقلاع عن التدخين، وبعدها ستبدأ بمضغ العلكة، لأن السبب الأساسي لا يزال موجوداً، وعليك أن تعمل شيئاً ما تلبية له... وإذا لم تمضغ العلكة فقد تبدأ بالإكثار من الكلام.
أنا لا أدخن... وإذا توقفتُ يوماً ما عن الكلام معكم فقد أبدأ بالتدخين!

قام شاب وسيم وعشقان جداً بمحاصرة فتاة في المقعد الخلفي من سيارته، وبدأ بمدّ يده الطويلة محاولاً مداعبتها... وبقيت الفتاة تقاومه وتدفعه بعيداً عنها، لكنه استمر بالاقتراب بمزيد من الأيادي كالأخطبوط.
في النهاية صفعته على وجهه وصرخت قائلة: "لا أعرف ماذا حصل لك، لقد كنتَ مهذباً ومتعقلاً طوال الفترة التي عرفتك فيها!"
فأجاب: "نعم.... أعرف... لكنني لا أستطيع فِعل شيء حيال هذا... إنني أحاول الإقلاع عن التدخين"

التدخين يمنع العديد من الناس من القيام بأشياء ستكون أخطر بكثير...
في التدخين، تنشغل يدك، فمك، فكرك... وأنت لا تؤذي أي شخص بالتحديد، ما عدا نفسك.
لكن هذا من حقك الطبيعي وحريتك، وإلا سوف تقوم بشيء آخر.

هل راقبتَ هذا؟
عندما تشعر بالنرفزة أو التوتر، تبدأ بالتدخين...
سبب ذلك أن التدخين يساعدك على التحمل والاسترخاء قليلاً، وإلا ستكون الحياة عبئاً ثقيلاً جداً.
أما عندما لا تشعر بالتوتر، عندما تكون مستمتعاً ومرتاحاً، فأنت لا تتذكر التدخين... قد تمرّ ساعات وساعات وأنت لا تدخن والتفسير بسيط هو عدم وجود أي سبب مسبب..
من ناحية أخرى، قد تخاف حينها من احتمال قيامك بشيء خاطئ، لذلك تجد من الأفضل أن تبقي نفسك مشغولاً.

يا ماهر، اقتراحي لك:
أولاً غص عميقاً في عادة التدخين عندك... تأمل فيها... واكتشف أول سبب نفسي يدفعك إليها.
قد يستغرق هذا بضعة أشهر، وكلما تعمقتَ فيها أكثر أصبحتَ أكثر تحرراً منها.
لا تتوقف عن التدخين.
إذا اختفى من خلال فهمك العميق له ولأسبابه الجذرية، سيكون هذا أمراً مختلفاً تماماً...

مثلاً، قد يكون صدر أمك أُبعد عنك بصورة أبكر من التي أردتها، وأتى الدخان كبديل.
وقد اقترحت في مثل هذه الحالة للعديد من الناس: "إذا كنتَ حقاً تريد إيقاف التدخين، فابدأ بمصّ إبهامك" فردوا علي: "لكن هذا سيبدو في غاية الغباء!"
نعم صحيح.... تدخينك للسيجارة يبدو كأنك تقوم بعمل عظيم!
بمصك لإبهامك أنت تقوم بنفس الشيء لكن دون سم وضرر...
مص الإبهام ليس فيه أي سوء عليك، لكن الدخان فعلاً خطير على الصحة والوعي، لكن لأن الجميع يدخنون وهو شيء مقبول ويبدو دليلاً على النضج........
الأولاد الصغار يريدون أن يكبروا، لا لأجل شيء، ما عدا أن يُسمح لهم بالتدخين!
يشاهدون الناس "الكبار" يدخنون فيشعرون بالنقص لأنهم ممنوعون منه... ويقول لهم الأهل:
"أنت صغير جداً الآن، انتظر قليلاً حتى تكبر... هذا شيء لا يستطيع القيام به إلا الكبار"
وتدخل هذه الفكرة وتبقى فيهم طوال حياتهم...

التدخين يرمز إلى شخص بالغ وناضج في العمر، وإذا كنتَ فعلاً تدخن سجائراً وسيجاراً ثمينة وفاخرة، نادرة، مثيرة، فهذا يظهر نجاحك في عملك وحياتك، وأنك وصلت إلى النضوج والفهم، مما يعطيك شعوراً بالهيبة والوقار.

غص عميقاً في التدخين... قد يكون سببه إبعادك المبكر عن صدر أمك، وأقترح عليك شيئاً أفضل:
ليلاً عندما تذهب إلى النوم، اجلب زجاجة رضاعة مع حلمة مطاطية وابدأ بمصها والاستمتاع بالحليب الدافئ، وكل ليلة عد طفلاً صغيراً كما كنت... هذا ما يعطيك إياه التدخين:
دخان دافئ يدخل ويخرج من فمك، كأنه حليب الأم...

من أعظم الأمور في الحياة، أنك عندما تفهم السبب الجذري لشيء ما: تستطيع أن تتغلب عليه دون أي مشكلة وحتى دون إشغال إرادتك... إذا عُرف السبب زال العجب...
إذا استخدمتَ إرادتك لإيقافه، سوف تقع حتماً في بديل له.

قد يكون غير مسموح لك بالكلام... في المكتب يسكتك مديرك، أو في المنزل تسكتك زوجتك؛ تستمر هي بالكلام المتواصل دون أن تفسح لك مجالاً لقول حرف. كما قد تخاف لأنك إذا تكلمتَ فستقع في ورطة: أي كلمة تقولها ستكون خاطئة، وستتغلب عليك زوجتك، ستحفظ لك تلك الكلمة وتبدأ بالنق عليك ليل نهار.... لهذا في البيت عليك أن تختبئ خلف الجريدة.
مهما كان الموضوع الذي تقرؤه فيها أو لا تقرؤه، لا يهم، لكنك يجب أن تخفي نفسك وتظهر منشغلاً، وبهذا لن تحتاج إلى الكلام ولا إلى سماع ما تستمر زوجتك بقوله.

معظم النساء حول العالم، باستثناء بعض الدول الغربية، لا يدخنون، والسبب بسيط: لأنهم يتكلمون كثيراً... "حديث نسوان"، وتحصلن بذلك على تمرين جيد للشفاه لهذا لا حاجة للتدخين!
أما في الدول الغربية، والآن بعض الدول العربية، بدؤوا بالتدخين بكثرة والسبب هو حركة تحرر المرأة والأفكار التحررية الغبية.... عليهن أن يتنافسوا مع الرجال في كل شيء، سواء كان له معنى أم دون معنى.... وإنني خائف جداً من أنهن يوماً ما سيبدأن بالتبوّل وهن واقفات، لأن في هذا مساواة مع الرجل!

ابحث عن السبب يا ماهر، وإذا استطعتَ إيجاده سيتلاشى بكل سهولة ويسر، لكن لا تقم بإيقافه قسرياً... دعه يذهب من تلقاء نفسه، من خلال المراقبة واليقظة والمشاهدة.
لذلك لن أقول لك أوقف التدخين أو أوقف أي شيء، لكنني دوماً سأقترح أن تراقب وتتأمل، كن واعياً، ابحث عن الجذور.... هذا قانون أساسي في الحياة:

إذا قدرتَ على فهم جذر أي شيء سيختفي ويتبخر... وما لم تفهم الجذر فسيستمر بشكل أو بآخر.
قبل أن تسحب السيجارة وتشعلها، تذكر أنها ستسبب ضرراً كبيراً لصحتك، وفي رئتيك، وستقصّر من حياتك... والأهم من هذا أن التدخين يسلب منك دافعاً هاماً للتأمل...

مع السيجارة ستسترخي وتهدأ قليلاً، وهكذا لن تكون هناك حاجة للقراءة أو التأمل والفهم...
سيعطيك النيكوتين بعض الراحة، وتدريجياً ستتعوّد على هذه الراحة السهلة وتزداد أعداد السجائر اليومية....
 

أنا لست متشدداً في أي فكرة ولا أمنع أي شيء، لكنني لا أقبل إصابتك بأي إزعاج.
إذا أصبحتَ حزيناً وبليداً وبدأتَ بفقدان متعة الحياة، عندها لا بأس، استمر مع السجائر لكن تذكّر:
المسؤولية الملقاة عليك للدخول في التأمل أكبر الآن....
فقط في التأمل تستطيع الوصول إلى راحة وسعادة أكبر من الراحة التي يعطيها النيكوتين، وعندها سيمكنك بسهولة الاستغناء عن السجائر.



Osho – The Dhammapada: The Way of the Buddha, Vol 9, Chapter #4
 

أضيفت في:13-7-2007... فضيحة و نصيحة> وداعاً للتدخيـن
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد