موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

لا تكن طبيب بل حبيب!

سألني أحد الأصدقاء الأطباء البارحة: أنا طبيب نفسي.. أشك أنني أقدر على الاستمرار في عملي... لأن العلاج يبدو أحياناً مستحيلاً فماذا أفعل؟

معك حق، فالفكر البشري صار معقداً جداً لدرجة أن المعالج يحتار ويشعر أنه من المستحيل تغيير أي شيء... لكن فهم هذه الحالة من الاستحالة لا يعني أن تيأس وتفقد الأمل.

بالعكس دع الموضوع يكون تحدياً... مع أنه صعب وصعب جداً، ومشاكل البشر النفسية وحتى الجسدية تبدو أحياناً مستعصية على كل الحلول... لكن استمرّ بالبحث والتجريب والصراع لتحدي المرض والجهل...ولا أقول أنك ستجد حلولاً لمشاكل للآخرين، بل خلال هذا الصراع ستجد حلولاً لنفسك أنت... لأن كل إنسان تقابله ما هو إلا صورة منعكسة عنك أنت.

وعندما تساعد شخصاً آخر فأنت تساعد نفسك بطريقة خفية، لأن هذه المشاكل هي مشاكلك أنت أيضاً... ألم تلاحظ أن كثيراً من الأطباء المختصين يكون مرضهم من نفس الاختصاص الخاص بهم!؟.... في كل مشكلة عند أي إنسان ستجد انعكاساً ما لمشكلة موجودة داخلك، بشكل أكثر أو أقل والفرق فقط بالكمية.

 

وعملك في هذا المجال يجب أن يعطيك السعادة!.. صحيح قد لا نقدر على فعل الكثير لكننا نحاول بأقصى جهد... ربما لا يمكنك تدمير الظلمة لكن يمكنك إشعال شمعة.. حتى شمعة واحدة تكفي لليلة المظلمة لإعطاء الدفء والأمل وجعل الحياة سهلة محببة وقابلة للعيش.

لذلك لا تترك مجالك، بالعكس ادخل فيه أكثر بكل قلبك... وكل ما تقرأ وتختبر من التأمل سيساعدك جداً ويعطيك رؤى وطرقاً جديدة... كل حالة تمرّ بها ستعطي أفكاراً جديدة لم تكن مدركاً لها من قبل.

وعندما يشعر الطبيب الجسدي أو النفسي أنه عاجز والمشكلة مستحيلة الحل، ومع ذلك يستمر بالمحاولة، سوف يقدم فائدة أكثر من الذي يعتقد أنه قادر على المساعدة وأن كل المشاكل سهلة الحل! ذاك الشخص يتصرف بحماقة، الحمقى هم فقط الأكيدون المتأكدون!

الشخص الحكيم دوماً متردد... وكلما صرتَ أكثر حكمة صرتَ أكثر تردداً.. لكن ذلك لا يعني أن تهرب... بل على الرغم من كل التردد تستمر وتستمر.

الأغبياء هم فقط من ليس عندهم شك أو تحير، لأن الشك يتطلب ذكاءً منك....

التردد يتطلب أن يكون المرء مدركاً لتعقيدات الحياة المتشابكة ومشكلاتها.. الحمقى دائماً متأكدون 100% ولديهم أجوبة وأدوية لكل شيء لأنهم غير مدركين لعمق المشكلة... إنهم مثل بائعي وتجار الأعشاب والأطباء الغربيين تجار الأدوية.. يحفظون ويرددون الكلمات المستعارة ويحفظون الوصفات الجاهزة سهلة البلع والدفع ومستعدون لإعطاء النصيحة لأي مريض!

 

من الجيد لطبيب نفسي مثلك أن يشعر بالتردد، لأن فكر الإنسان فعلاً منطقة مقدسة.. وأن تدخل إلى فكر شخص لمساعدته يعني أن تدخل إلى محراب طاهر مقدس... لا بد للمرء أن يتردد.. ولا بد أن يخلع نعاله وينحني باحترام.... الإنسان معجزة هائلة، فلا تتظاهر بأنك تحل مشاكله.... بل أكثر ما يمكنك فعله هو الصلاة والدعاء لأن تقدر على مساعدته... إياك أن تتظاهر بحل المشاكل.

وإذا أتت المساعدة من خلالك، تذكر أنك دائماً مجرد أداة في يد الله أو الكون... مجرد أداة... وإذا كنت مفيداً له فاشكر الله أنه استخدمك للمساعدة.... وإذا لم تكن مفيداً فببساطة اشعر أنك دون فائدة له، قم بمزيد من الصلاة والدعاء... تذكّر أنك بطريقة أو بأخرى أنت تغلق الطريق فلا يقدر الله على العبور من خلالك.... استرخي أثناء علاجك للمريض وكنْ متأملاً ومتعبداً.

وعندما تواجهك مشكلة لا يمكنك التعامل معها، فلا تشعر بالخوف... أخبر المريض أن ينتظر ويسمح لك بالتأمل والدعاء في البداية.... اركع على الأرض أو تربع، أغمض عينيك، وغص عميقاً في صلاتك وتأملك واطلب المساعدة من الكون.... والمساعدة تأتي دوماً بآلاف الإشارات والأجوبة كل لحظة.

لا تشعر بالإحراج، لأن ذلك هو طبيعة الأنا البشرية: على الأقل أن تتظاهر أمام الآخرين بأنها تعرف وقادرة على فعل كل شيء... وهذه الطبيعة تظهر أكثر خاصة أمام المريض، لأن الطبيب يخاف دائماً من معرفة المريض لتردده وشكوكه وبالتالي سيفقد الهيبة والاحترام.

ارمي هذا الاحترام للكلاب البرية!.. دع المريض يشعر أنك أيضاً إنسان مثله.. لستَ بعيداً عنه بل قريب جداً تقف بجانبه... ترتجف وتخاف مثلما هو يخاف... هذا سيعطيه دفئاً عميقاً شافياً.

 

في هذه النقطة تحديداً فشل الطبيب النفسي المشهور فرويد... لقد كان بارداً جداً.. لم يكن يظهر وجهه الحقيقي لمرضاه، وفي الواقع كان يختبئ خلف الستارة والمريض مستلقي على السرير... عندما تجعل أي شخص مستلقياً سيفقد كل طاقته وقوته.

كن دوماً وجهاً لوجه مع المريض، وأحياناً كتفاً إلى كتف... المس المريض ودعه يلمسك... دعه يشعر أنك إنسان، تعمل بجهد لمساعدته رغم وجود المرض والمشكلة الكبيرة... دعه يشعر بقلبك... لا تلقي وتفرض معرفتك عليه، بل دعه يشعر بمحبتك... الحب هو علاج أما المعرفة لم تكن يوماً ذات نفع.... لا تكن طبيب بل حبيب!

 

اعتاد فرويد أن يجلس خلف المريض وبينهما ستارة فاصلة... لم يكن يسمح للمريض برؤية أي انطباع يظهر على وجهه... كان جامداً مثل التمثال بارداً وميتاً بعيداً جداً عن المريض.... تلك كانت حيلة للتظاهر بأنه يعرف كل شيء وأن متأكد تماماً، للتظاهر أنه المساعد والمريض هو من يتلقى المساعدة من مسافة شاسعة.

يجب رمي هذا من كل الطب النفسي والطب الجسدي... اقترب من المريض... الفرق بين الطبيب والمريض، بين الشافي والمتشافي، هو فقط بالدرجة أو الكمية.... اقترب منه وأمسك بيده... دعه يشعر بالدفء والمحبة.. هكذا سيشعر أنه مع إنسان وليس آلة ميكانيكية... أنه مع شخص لديه قلب حي ينبض.

إذا لم تجد حل المشكلة، صلّي وتأمل وادعي... إذا شعرت بالحيرة دع المريض يعرف أنك محتار... إذا شعرت بالخوف دعه أيضاً يشعر بخوفك... إذا بدأت تبكي بسبب حالة المريض ومعاناته فدعه يرى ذلك أيضاً.... قد يكون لدموعك قيمة شفائية أكثر من كل النصائح التي يمكنك تقديمها، وأكثر من كل التشخيصات التي يمكنك إجراؤها.

 

 اقرأ أكثر:

  ...باتش آدمز.. طبيب القلوب

  ...اختصاص طبي جديد: الدكتورولوجيا.. طب خاص لعلاج الأطباء

  ...المافيا الطبية تكشفها غيسلين سانت بير لنكتوت

  ...وليهلم رايخ والتحليل النفسي وطاقة الحياة الأورغون
 

أضيفت في:26-7-2014... فضيحة و نصيحة> فضائح "الطب"
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد