<<<< >>>>

.. العِلم محدود

الحقيقة هي الاختبار الذي تختبره بذاتك...
هي الرؤية التي تراها بعين بصيرتك...
حتى لو كنتُ أنا قد رأيتُ الحقيقة وأخبرتك...
في اللحظة التي أقولها، تصبح كذبة بالنسبة لك...
بالنسبة لي كانت حقيقة، لأنني رأيتها بنفسي...
أما بالنسبة لك، فهي مستعارة وليست لك...
وستتحول من حقيقة إلى شريعة... إلى معتقدات ومعلومات... إلى معرفة لا إلى تعرّف وتصرّف...
وإذا بدأتَ بالاعتقاد بما أقوله... ستكون معتقداً بكذبة ولعبة...
حتى الحقيقة قد تتحول إلى كذبة إذا دخلت من الباب الخاطئ...
الحقيقة يجب أن تدخل من الباب الأمامي.. من العينين... من البصيرة...
الحقيقة رؤية... وعلى المرء أن يراها ويشهد عليها بذاته وبروحه...

كان هناك معلم كبير.. لديه عشرة آلاف تلميذ يسمعون ويدرسون عنده... في يوم من الأيام كان جالساً بين آلاف الكتب المقدسة القديمة والحديثة والنادرة من كل الأديان والبلدان... وفجأة غلبه النعاس ونام وأتت الأحلام... وهي رؤية أكثر من الأوهام...
رأى عجوزاً قبيحة جداً... إذا رأيتها ستظن أنها عفريتة شريرة خطيرة... وكانت بشاعتها مخيفة لدرجة أن المعلم بدأ يرجف في نومه... أراد أن يهرب منها، لكن عيونها كانت قوية وجذبته كالمغناطيس إليها...

سألته: "ماذا تدرس؟" فأجاب: "الفلسفة، الدين، نظريات العلوم والمعارف، اللغة والقواعد والمنطق."
سألته مجدداًَ: "هل تفهم هذه الأشياء؟" فأجاب: "طبعاً.. أنا أفهمها كلها".
سألته مجدداًَ: "هل تفهم الكلمات والأواني أم المعلومات والمعاني؟"...
لقد سُئل المعلم آلاف الأسئلة في حياته... وآلاف التلاميذ استفسروا وطلبوا منه الشرع والشرح... لكن لم يسأله أي منهم إذا كان يفهم الكلمات أم المعاني... وكانت عيون العجوز تخترق أعماق كيانه... تستطيع أن ترى أفكاره... فلم يستطع أن يكذب عليها... لو أن شخصاً عادياً قد سأله لكان أجاب: "طبعاً أنا أفهم المعاني وروح الكلمات"... لكن هذه العجوز ونظراتها أجبرته على قول الحقيقة: "إنني أفهم الكلمات."
ابتسمَت العجوز وتحوّلت إلى فتاة ساحرة ترقص فرحاً وطرباً... وفكّر المعلم في نفسه: "لقد جعلتُها في غاية السعادة.. لمَ لا أزيد من سعادتها قليلاً؟".. فأكمل كلامه وقال: "نعم.. وأفهم المعاني أيضاً."
توقفت المرأة عن الضحك والرقص.. وبدأت بالبكاء والنحيب وعاد شكلها القديم بأبشع من ما كان... وأصبحت قبيحة جداً جداً... قال المعلم: "لماذا تبكين وتصرخين؟ ولماذا كنتِ ترقصين وتنشدين قبل قليل؟؟؟"
قالت المرأة: "كنتُ سعيدة لأن معلماً عظيماً مثلك لم يكذب. لكنني الآن أبكي بسبب كذبك علي!... إنني أعرف وأنت تعرف أنك لا تفهم المعاني ولستَ بعارف.."

اختفت الرؤية والمرأة واستيقظ المعلم في النور والاستنارة... لقد تغيّر كيانه ووعيه واستنار... هرب من الجامعة.. ولم يلمس أي كتاب مقدس أو غير مقدس طوال بقية حياته... وأصبح جاهلاً بعدما عرف أنه لا يعرف... وأدرك بعدها أن تلك المرأة لم يكن شخصاً قد أتى من بعيد.. إنها انعكاس لفكره ووعيه هو بالذات...
إنها تجسّد وعيه الذي أصبح بشعاً من كثرة تراكم المعارف والعلوم... وبمجرّد اعترافه بأنه يفهم الكلمات ويجهل المعاني، تحوّل القبح إلى جمال يفوق الوصف في الحال...
رؤية هذا المعلم مهمة جداً...
أنت أيضاً... لن تبحث عن الحكمة ما لم تدرك أن المعرفة مغرفة دون فائدة... ما لم تدرس وتبحث وتدرك بعدها أن العلم محدود، وأن العلم يعمي والجهالة تعمي وكلاهما بلاء...
إذا لم تدرك هذا فستبقى تحمل السراب معتقداً أنه الجواب.. تفهم الكلمات في الفكر، وتتلهّى بها فتخسر العِبر التي تجدها في الذّكر... المعرفة تختلف عن التعرّف والعلم يختلف عن التعلّم...
ولا تغرق في بحر الشرح والمعاني علّك ألا تراني.....
 

 http://www.baytalhaq.com/images/ecards/flowerbar.gif



أضيفت في باب:28-9-2009... > البطاقات
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد