تأمّل وارتفع... من المال إلى الجمال
HTML clipboardالتأمل
ليس مالاً تستطيع أن تستمر بتجميعه وتكديسه....
التأمل هو طريقة حياتك ووجودك... لا يمكنك تكديسها وهي ليست ثروة وأرقام..
لذلك، كل طرق التأمل الموضوعة في موقعنا ليست تأملات في الحقيقة.. بل مجرد حالات
تمكنك من الرؤية، كلها تهيئة للتأمل.. نسميها تأملات لأنها تهيؤك أنت للتأمل الصحيح...
وهي مجرد تنظيف للأرض داخلك، لأن التأملات الحقيقية لا يمكن لأحد أن يقوم بها، إنها
مثل الحب الحقيقي لا يمكن أن يقوم به أحد.... الحب الحقيقي يحدث.
ما عليك إلا أن تنظف جسدك-فكرك.. وتنقي نفسك لتتحول إلى مركبة ويتجلى فيك النور
والله.. عندها كل ما تقوم به سيكون عبادة.. ستقوم به بتأمل.
هناك قصص عن أناس كانوا سارقين أو جزارين ومع ذلك حققوا الاستنارة... لكنهم وصلوا
إليها لأنهم مهما فعلوا كانوا يفعلونه بتأمل...
سمعتُ قصة عن أحد الملوك وكان عنده جزار في المطبخ.. وأحب الملك أن يشاهده كلما
يأتي ليقتل حيواناً ما في مطبخ القصر.
كان الملك يأتي طل يوم ليراقب بشغف، وكان ذلك الذبح شيئاً جميلاً... حتى شيء قبيح
مؤلم مثل ذبح الحيوانات يمكن أن يكون جميلاً، لأن الجزار كان جميلاً.
كان يقوم به وكأنه يقوم بالصلاة... وكأنه في نشوة مقدسة عميقة..
راقبه الملك طيلة ثلاثين سنة.. ولم يمل أبداً.. كان كل يوم ينتظره مع متعة هائلة
حتى يأتي...
وقد حمل ذلك الجزار هالة وجواً خاصاً يحيط به.. وكأنه ذاهب إلى المعبد ليصلي لله...
وكان كل ما يعمله هو قتل الحيوانات.
كان في البداية يصلي، ثم يتكلم قليلاً مع الحيوان، ثم يشكره... وعندما يقتل الحيوان
كل حركة يقوم بها تحمل جمالاً فائقاً... وراقب الملك هذا الاحتفال.
في أحد الأيام سأله الملك: "لقد كنتُ أراقبك باستمرار طيلة ثلاثين سنة ولم أملّ
أبداً... كل يوم أنتظرك بفارغ الصبر.. وأنا لا أنتظر أي شيء آخر مثلما أنتظرك....
ما هو السر في هذا؟"
أجاب الجزار: "لأن عملي هو تأمل بالنسبة لي... أنا جزار، هكذا أراد الله لي أن أكون...
لقد خُلقتُ كابن لجزار وهذه إرادة الله... وهذه هي حياتي... ولقد عملتها تأملاً كل
لحظة.
إذا أراد الله مني أن أكون جزاراً، فليكن ذلك... لكن عليّ أن أكون متأملاً....
وهذا هو تأملي: أطير في نشوة عميقة.. عملي ليس مجرد عمل، بل فعل من الحب...
الله موجود هناك في الحيوان، والله فيّ أنا أيضاً، والله يريد أن يقتل الله بنفسه...
هذا مقبول تماماً ومَن أنا حتى أتدخل؟... إنني ببساطة أسمح لنفسي أن أكون وسيلة
ويتجلى فيّ التجلي ويعمل ما يريد".
هناك قصص أخرى عن سارقين ولصوص وصلوا للاستنارة أيضاً... ماذا كان سرهم؟
نفس السر تماماً... وأعرف أناساً عاشوا طوال حياتهم منعزلين في الجبال، لكنهم لم
يحققوا أي شيء.
الموضوع ليس حول الكمية... بل النوعية...
ليس حول كمية وعدد ساعات تأملك، بل حول كيفية قيامك بكل عمل..
يمكنك ببساطة المشي، ويمكن للمشي أن يكون تأملاً...
يمكنك ببساطة الجلوس، ويمكن للجلوس أن يكون تأملاً...
تناول الطعام... الاستحمام... حاول أن تفهم هذا...
على التأمل أن
يصير جواً يحيط بك.. وسطاً تعيش فيه...
لهذا لا داعي لأن تذهب بعيداً في عزلة في الجبال مثلاً، لتتأمل هناك طوال اليوم..
لأن هذا سيعطيك فكرة خاطئة عن التأمل.. فكرة الكمية...
عندما تتعمق تدريجياً في ذاتك دون تشويشات... لا يمكنك الذهاب عميقاً دون فهم ما هو
التشويش.
إذا حاولتَ تجنب التشويش لن تستطيع الغوص بعمق.. لأنك أينما ذهبت سيلحقك التشويش
ذاته، لأنه داخلك وليس خارجك.
هناك قصة عن رجل كان ينزعج ويتشوش كثيراً من زوجته.. لأنه كلما جلس يتأمل، كانت
زوجته تتحدث بصوت عالي، أو تمشي وتغلق الأبواب بقوة لدرجة تقع فيها الصحون!
لذلك غادر المنزل.. ذهب إلى الغابة ليتأمل، لكن عندها أتت الحيوانات والغربان
لتشوشه من جديد... وأحياناً كان يتوقف كل التشويش والأصوات المزعجة، لكن هذا يصير
التشويش الجديد: ماذا حدث؟ صمت مطلق دون تشويش... ماذا يحدث؟ هل اختفت كل الحيوانات
والطيور؟
التشويش ليس شيئاً ملموساً، ليس شيئاً خارج نفسك بل داخلك...
إذا لم تستطع قبوله ستتشوش... وإذا قبلته سيختفي التشويش...
حدث مرةً عندما كنت في أحد الفنادق الريفية... كان هناك أيضاً أحد القادة السياسيين
ينام في نفس الفندق... فندق صغير في قرية صغيرة..
أتى إلي ذلك السياسي في منتصف الليل، هزني وقال: "من المستحيل النوم هنا... كيف
تنام أنت؟.. هناك كثير من الإزعاج والضجيج والتشويش!"
كان الموضوع أن حوالي عشرين كلباً، قد جعلوا الفندق مقراً لهم تلك الليلة، كل كلاب
القرية اجتمعوا حول الفندق... ربما كان عندهم اجتماع سياسي خاص... وكان عددهم كبيراً
ونباحهم قوياً جداً وكانوا يتقاتلون...
قال القائد السياسي: "لكن كيف تنام أنت؟ هذه الكلاب لا تسمح لي بالنوم مطلقاً! وأنا
متعب الآن.."
أجبته: "لكن هذه الكلاب لا تعرف أنك موجود هنا.. إنها لا تقرأ الجرائد ولا تسمع
الإذاعات ولا تشاهد التلفاز... لقد أتيتُ أنا إلى هذا الفندق من قبل، وهذه الكلاب
تقوم بهذه الحركات أحياناً، إنها لا تقوم بها من أجلك خصوصاً... وأنت تصارع وتقاوم..
مجرد فكرة أنها تشوشك تشوشك... وليس الكلاب... فاقبلها".
وقلت له أن يعمل تأملاً صغيراً: "استلقي في سريرك، واستمتع بنباح الكلاب... دعها
تكون موسيقى بالنسبة لك... استمتع بها وأصغي إليها بانتباه واهتمام قدر الإمكان.."
أجاب: "كيف سيساعدني هذا؟ أنا أريد تجنب النباح، أريد أن أنسى أن الكلاب موجودة،
وأنت تقول لي أن أصغي إليها؟ هذا سيزعجني ويشوشني أكثر!"
أجبته: "ما عليك إلا أن تجربها... لقد كنتَ تجرب طريقتك ولم تنجح... الآن جرب
طريقتي أنا، ويمكنك أن ترى أنها تنجح معي وأستطيع أن أنام جيداً".
لم يكن مستعداً لهذا التأمل، وحتى لم يصدقه... لكن لم يكن هناك خيار آخر... فجربه
وفي فترة خمسة دقائق كان غارقاً في نوم عميق ويشخر... لذلك ذهبت إليه وهززته قائلاً:
"كيف تنام أنت؟ كيف يمكنك النوم؟".
إذا قبلت.. فلا يمكن لأي شيء أن يشوشك...
رفضك بحد ذاته هو الذي يصنع التشويش..
لذلك، إذا أردت أن تتأمل دون تشويش، لا ترفض شيئاً..
اقبل ضجيج المرور في الشارع.. فهو جزء من هذا العالم.. وجيد تماماً..
طفل صغير يصرخ ويبكي... لا مشكلة...
حالما تقبل وتقول أن كل شيء على ما يرام سيأتيك السلام
سيبدأ شيء ما داخلك يذوب مع هذا الشعور من القبول
بعدها لن يشوشك أي شيء...
وما لم يحدث هذا فيك، فأينما ذهبتَ
ستجد أنك تنزعج وتتشوش بشيء أو صوت
فليكن القبول طريقك إلى التأمل والصمت
|