<<<< >>>>

الحب موت وقيامة للإنسان.. هنا والآن

إذا سألنا فيلسوفاً أو مفكراً: ما هو العقل؟

سيجيب: إنه الفكر..

ولو سألناه ما هو الفكر؟ ستكون الإجابة: إنه العقل..

 

دوماً أولئك الذين يعتمدون على المنطق ستكون إجاباتهم ضحلة الأبعاد... إنهم يشرحون الكلمة بمرادفها ولكن يبقى العمق والجوهر غير معروف، وفي الحقيقة كلا الكلمتين (العقل والفكر) من المستحيل شرحهما أو إيجاد تعريف محدد يصفهما..

 

ثمة قصة قديمة عن حكيم كان يحتضر وقد اجتمع تلامذته حوله وهم يسألون: أيها المعلم أنت تغادرنا وسنبقى من بعدك في جهل وظلام.. ألديك كلمات أخيرة نحتفظ بها في قلوبنا وذاكرتنا تحمل معنى الحياة وسر الوجود؟... فتح الحكيم عينيه وظل يتمتم بهدوء وهو يحرك يده مشيراً إلى السماء ثم قال: تلك هي هناك...

 

كانت تلك عبارته الأخيرة... وقد قصد بأن الحقيقة لا يمكن شرحها أو تحديدها بكلمات... يمكن أن نعيشها وأن نراها لا أن نصفها..

 

الفكر وحده هو الذي يطالب بالتعاريف المنطقية وهو من يسأل دوماً: كيف ولماذا ووو؟؟؟

هو من يصوغ الأفكار والأفكار لا يمكنها أن تجاري اللحظة ولا حتى أن تكون جزءاً منها.. فكل فكرة هي إما تخص الماضي أو المستقبل لأنها تحتاج مساحة تمتد عبرها، واللحظة الحاضرة ليس فيها أي فضاء أو فسحة للتفكير.. فقط الماضي بما ذهب والمستقبل بما هو آتِ هما من يفسح مجالا واسعاً للأفكار..

 

الحاضر هو لحظات من اللافكر واللامنطق..

إنه وثيق الارتباط بالجسد... جسدنا دوماً يعيش الحاضر وهو أكثر حكمة من الفكر.. يطالب بالأكل فقط عند الجوع وبالماء عند العطش في اللحظة ذاتها.. هل يمكنك أن تشعر بعطش الماضي أو جوع المستقبل؟؟؟؟

فقط الفكر هو من يتحرك في جميع الاتجاهات وعبر كل أصعدة الأزمنة والأمكنة..

يمكننا استخدامه ولكن ليس الاعتماد عليه، الفكر خادم جيد ولكنه سيد سيء.. وكلما تناغمتَ مع جسدك أكثر كلما كنتَ أكثر فطرة وأقرب إلى الألوهية.. بينما اعتمادك على الفكر سيجعل حياتك جرداء جافة من الفرح والحكمة وسيعاود طرح الأسئلة مراراً وتكراراً... ما معنى الحياة؟؟ ما هو الهدف من الحياة؟؟؟

يا ترى هل رأيت إنساناً سليماً يسأل ما الهدف من الصحة؟ المريض فقط هو من يسأل ويبحث كيف ولماذا...

 

الصحة والسعادة والنشوة ليس لها هدف وليس لها معنى منطقي..

الفكر يمدك بالمال والمناصب والتكنولوجيا ولكنه لا يمدك بالحياة والوجود..

لا شيء سوى جسدك يتناغم مع كل لحظة، فما زالت الألوهية منغرسة فيه.. إنه يتنفس من وميضها بينما الفكر من صنع الإنسان..

كيف لنا أن نعرّف أو نشرح: هنا.. الآن..؟

الشجر والطير والنهر والشمس والصمت .. إنها الوجود.. إنها هنا والآن ..

 

لو سألنا مفكراً ما معنى الحاضر؟؟؟

سيقول أنه الفترة الفاصلة بين الماضي والمستقبل...

لا يمكن للمنطق أن يفهم الحاضر ما لم يذكر الماضي والمستقبل، لكن ذلك خطأ! فالماضي والمستقبل ليسا موجودين، والحاضر وحده هو الوجود والموجود.. وكيف لنا أن نشرح الوجود باللاوجود؟..

إن الحاضر هو كل لحظة أبدية.. ليس لحظة مؤقتة بين شيء مضى وشيء سيحدث.. حتى إنه ليس جزءاً من الوقت..

نحن نمضي.. والوقت يبقى..

الفكر يمضي.. والحقيقة تبقى..
فقط راقب منذ ولادتك حتى الآن ما الذي تغير فيك؟؟

إنه فقط  شكلك الخارجي.. كنتَ طفلاً ثم يافعاً ثم عجوزاً لكن كيانك وفطرتك الداخلية هي ذاتها لا تتغير ولا تتبدل ولا تمضي..

إنها الوحيدة الباقية... تماماً مثل العجلة المتحركة نجد إطار العجلة يتحرك ويدور بينما محورها في خضم كل هذا الضجيج يبقى ثابتاً بصمت دون أية حركة..

 

الحب والاحتفال والنشوة كلها هنا والآن...

عندما تحب فإن سيرتك الذاتية ببساطة تختفي ولا يعود لك أي ماضي، كما لو كنتَ غير موجود.. فقد ولدتَ من جديد عندما أحببت..

ولذلك فالحب موت وقيامة.. لا يمكن أن تتذوق نشوته ما لم تتخلف عن الماضي والمستقبل..

 

فلنتخيّل مراتب الروح كالسلم.. ستكون المتعة الجنسية هي الدرجة الأولى من السلم يليها الحب ثم الرحمة...

معظمنا يبقى عالقاً في المرحلة الأولى أو الثانية ولا يعرف كيف يسمو بجسده، وسبب ذلك هو الكبت الذي عودتنا عليه المجتمعات..

لكننا لو وصلنا بين هذه المستويات الثلاثة وارتقينا بها سيولد الإنسان المبدع بكل براءته وحكمته.. وعندها تختفي الأفكار والمنطق ويتوقف الفكر عن العمل..

إننا نمر بهذه المرحلة من النشوة في لحظات النوم العميق ونصحو في الصباح لنجد أنفسنا كمَن وُلد من جديد بكل حيوية ويقظة وإبداع حي...

لكن للأسف في ساعات النوم لا ندرك تلك النشوة لأنها مرحلة من اللاوعي المطلق.. لكننا عندما نمارس الجنس مع من نحب نعيش هذه الرعشة بصحوة ويقظة... لكن السؤال هنا:

عندما تنتهي العلاقة الجسدية هل نعود إلى الإحباط؟؟

هل تنتهي النشوة والرقصة؟؟

هل علينا دوماً أن نعتمد على الآخر؟؟

ذلك هو سبب أن الكثيرين يشعرون بالإحباط والكآبة بعد ممارسة الجنس على الرغم من وجود الحب.. وتزداد إشارات الاستفهام..

لأن النشوة التي وصلوا إليها عند ممارسة الحب تفوق كل الأمور في الدنيا جمالاً وروعة، وعندما تختفي تلك اللحظات يبدؤون بالبكاء عليها لاعتقادهم بأنها السبيل الوحيد..

لكن لا.. لحظة تأمل خير من عبادة سبعين عام..

التأمل يفتح آفاقك ويحطم قيودك ويلغي كل الحدود والمسافات التي يفرضها عليها اعتمادك على الشريك وتبعيتك له وملكيته لك..

وتذكروا بأن التأمل ليس له آلية معينة وليس مرسوماً ومحدداً وفق خطوات.. يمكنك أن ترسم تعزف تغني ترقص... تبكي وتضحك... وليس المهم متى نحزن أو نفرح.. فلنسكر بكل إحساس ولنحمد الله على امتلاك نعمة الضحك وقدسية البكاء..

 

طبعاً الفكر واللحظة لا يتوافقان أبداً كالظلمة والنور، حيث يتواجد أحدهما يختفي الآخر كلياً..

لكن أهم ما يجب أن نعتمده هو التخلص من التقاليد والتقليد.. فكل فكرة وومضة هي مولودة لحظتها ولا تصلح لأي لحظة أخرى...

ارمِ كل الأحكام المسبقة والاستراتيجيات، وابحث عن طريقة أخرى للوصول إلى الحقيقة... فعندما تقرأ صفحة ما، لا تحدّق فقط في الكلمات المكتوبة بالحبر الأسود، بل أمعن النظر في الصفحة البيضاء الفارغة واشكرها فلولاها ما كانت الكلمات..


أمعن النظر في الفراغات بين الحروف فصمتها أقوى من الكلمات..

 

وتذكر بأن الفكر هو تلك الحروف المكتوبة، بينما اللافكر هو الخلفية البيضاء..

 

تحسس الفراغ الأبيض وستدرك الحكمة والإبداع والنقاء...

 

لكنك إذا بقيتَ في سجن الكلمات والمنطق ستبقى آلة حاسبة صماء..

أضيفت في باب:18-11-2013... > ما هو الحب ؟
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد