<<<< >>>>

المزيد عن ديوجين والمذهب الكلبي (التهكمي) Cynicism

الكلبية أو ربما التهكم كترجمة للكلمة، هي مذهب من مذاهب الفلسفة والتفكير، ويعتبر ديوجين من أوائل المؤسسي له.

إن أفكار ديوجين مثل أفكار معظم المتهكمين (الكلبيين) الآخرين، يجب الوصول إليها بشكل غير مباشر.. ولم تنجو أي من كتابات ديوجين بالرغم من أنه كتب أكثر من عشر كتب وكمية من الرسائل وسبع روايات تراجيديا (مأساة).

الأفكار الكلبية لا يمكن فصلها عن السلوك الكلبي، لذلك كل ما نعرفه عن ديوجين مأخوذ من قصص عن حياته وأقوال منسوبة إليه من مصادر متفرقة.

أصرّ ديوجين دائماً على أن كل النمو المصطنع للمجتمع غير متوافق مع السعادة، وأن المبادئ الأخلاقية تدفعنا للعودة إلى بساطة الطبيعة... وكانت بساطته وتقشفه عظيماً لدرجة أن أعضاء المدارس الفسفية العريقة أعلنوا أن ديوجين رجل حكيم...

يقول ديوجين: "لقد قام البشر بتعقيد كل نعمة وهدية بسيطة من الله"

 

ديوجين هو أول من استخدم كلمة "مواطن عالمي Cosmopolitan".. عندما سألوه من أين أتى؟ أجاب: "أنا مواطن من هذا العالم"... وكان ذلك قولاً مختلفاً جذرياً في عالم يحدد هوية الإنسان ويربطها بانتمائه أو سكنه في بلد أو مدينة محددة.

رجلٌ مرفوض ومنفيّ بدون أي هوية اجتماعية، عاش ديوجين كعلامة مميزة بين معاصريه.

لم يمتلك ديوجين إلا الازدراء لأفلاطون وفلسفته المثالية والمدينة الفاضلة.. واعتبر أن Antisthenes هو الوريث الحقيقي لسقراط، وشاركه بحبه للاستقامة والفضيلة واللامبالاة بالثروة، إضافة لازدراء الرأي العام..

كما شارك ديوجين سقراط باعتقاده أن بإمكانه أن يكون طبيباً لأرواح الناس ويقوم بتحسين أخلاقهم، بينما يقوم في ذات الوقت بالسخرية من حماقتهم... مرةً قام أفلاطون بوصف ديوجين أنه: "سقراط وقد أصيب بالجنون".

 

البذاءة أو الفحش:

قام ديوجين بتعليم الناس بكونه مثالاُ حياً.. حاولَ إظهار أن الحكمة والسعادة تنتمي إلى الإنسان المستقل عن المجتمع، وأن الحضارة هي شيء رجعي متدهور.. لم يحتقر العائلة والمنظمات الاجتماعية السياسية فحسب، بل أيضاً حقوق الملكية والسمعة الحسنة.... حتى أنه رفض الأفكار العادية عن الحشمة والكرامة البشرية... قيل عن ديوجين أنه تناول طعامه في السوق والشارع، تبول على بعض الناس الذين شتموه، تغوط في المسرح العام، وقام بالعادة السرية أمام الناس!

عندما سألوه عن تناول الطعام في الشارع قال: "إذا كان تناول الفطور ليس شيئاً في غير محله، فهو ليس شيئاً في غير محله إذا تناولته في السوق"

وعندما سألوه عن العادة السرية في العلن قال: "لو أن إزالة الجوع كانت أمراً سهلاً مثلها، بأن أفرك معدتي قليلاً!!"

 

ديوجين يعيش كالكلب:

هناك عدة قصص تشير إلى أن سلوك ديوجين يشبه الكلب، إضافة لمديحه وإعجابه بصفات ومزايا الكلب.... لا نعرف ما إذا تمّت إهانة ديوجين بلقب الكلب وألصقوا الاسم به، أم أنه هو من أخذ سلوك الكلب في البداية بنفسه.

عندما سألوه لماذا يُدعى ديوجين الكلب أجاب: "أنا أتودد للأشخاص الذين يعطونني أي شيء، وأنبح على الذين يرفضون، وأغرز أنيابي في الأوغاد"

 

آمن ديوجين بأن البشر يعيشون حياةً مصطنعة ومنافقة، وأنهم سيتحسنون كثيراً إذا درسوا سلوك الكلب.

بالإضافة لقيامه بالوظائف الجسدية الطبيعية في الشارع بسهولة، سيأكل الكلب أي شيء، ولا يثير ضجة كبيرة حول اختيار مكان نومه... تعيش الكلاب في الحاضر بدون قلق، وليس عنها أفكار ومصطلحات فلسفية غبية.... إضافةً لتلك المزايا، تعرف الكلاب بالغريزة من هو العدو ومن هو الصديق... خلافاً للبشر الذين يخدعون غيرهم أو ينخدعون، الكلاب تعطي نباحاً قوياً على الحقيقة.... قال ديوجين: "الكلاب الأخرى تعضّ أعداءها، وأنا أعض أصدقائي لأنقذهم".

 

هناك أربعة أسباب لإطلاق اسم الكلبيين... أولاً بسبب اللامبالاة تجاه طريقة حياتهم.. فهم يؤمنون باللامبالاة وهم مثل الكلاب يأكلون ويمارسون الحب في الشارع ويسيرون حفاة وينامون في البراميل والطرقات... ثانياً أن الكلب حيوان عديم الخجل، هذا معتقد راسخ عندهم، ليس أنهم أدنى من التواضع بل أعلى منه... ثالثاً أن الكلب حارس جيد وهم يحرسون عقائد فلسفتهم... رابعاً أن الكلب حيوان مميِّز يستطيع أن يميز أصدقائه من أعدائه، هكذا هم يعتبرون من يناسب فلسفتهم كأصدقاء ويستقبلونهم بمودة، بينما أولئك غير المنسجمين معها يطردونهم بعيداً ويقومون مثل الكلاب بالنباح عليهم!

 

نظرية حديثة:

تمت مناقشة ديوجين وحكمته عام 1983 من قبل الفيلسوف الألماني  Peter Sloterdijk (Dhyan Peter) ...وفي كتابه الانكليزي Critique of Cynical Reason تم استخدام ديوجين كمثال لفكرة الكاتب عن "الكلبي" أو التهكمي الساخر، التي يُستخدم فيها الحطّ من قدر الشخصية لأجل غايات التعليق أو اللوم من قبل الجماعة.

بتسمية هذه الممارسة بالتهكم التكتيكي، يشرح الكاتب أن الممثل الكلبي يقوم فعلياً بتجسيد الرسالة التي يحاول إيصالها.. الهدف هنا هو انحطاط وهمي يسخر من السلطة، وخصوصاً السلطة التي يعتبرها الممثل الكلبي بأنها سلطة فاسدة، أو مشكوك فيها، أو غير جديرة.

في الجزء الأول من الكتاب يناقش الكاتب أفكاره الفلسفية... وفي الجزء الثاني يبني على تلك الأفكار ليؤسس علم أو فلسفة ظواهر الفعل، ليوحّد كل أوجه الكلبية مثلما تظهر بأشكال متعددة في الإطار العام... ونجد في الجزئين علاقة قوية بين النصوص والصور كجزء أساسي من المناقشة الفلسفية.

يصف الكاتب تطوّر الوعي عند الطبقتين المتوسطة والعليا باستخدام أمثلة سلبية مأخوذة من التاريخ الأوروبي وتاريخ الثقافة.. ويصف الحرب العالمية الثانية كذروة أولى لـ"نظام من تفريغ النفس".... الذي: "مع تسليحه حتى الأسنان، يريد أن يعيش للأبد".

 

يستنتج الكاتب أنه خلافاً للحياة والنسخة اليونانية القديمة، لم تعد الكلبية تقف لأجل القيم الطبيعية والأخلاقية التي تجمع الناس أبعد من انتماءاتهم الدينية والاقتصادية... بل أصبحت الكلبية (التهكم) نمطاً من الفكر السائد المنتشر عند الكل، يحدد أفعاله بمصطلحات "النهاية الأسمى" كنوع من المادية الصرفة، ويقلل من "الواجب" تجاه أي إستراتيجية اقتصادية موجهة لتحقيق أقصى ربح.

هذا النوع المعاصر من التهكم (الكلبية) يبقى صامتاً عندما يأتي الأمر للأهداف الاجتماعية والغيريّة المتعلقة بـ"الحياة الجيدة" التي كان الكلبيون الأصليون يسعون إليها.

في الفصل الأخير، يشير الكاتب إلى اعتباره أن الحياة الجيدة ليست شيئاً ببساطة الواقع أو العوامل الخارجية، بل بأن تكون "منتمياً ومتضمناً في كليّة" تتذكر نفسها باستمرار وتجدد نفسها، وأن البشرية تخلقُ وتبدع من فهمهها الذاتي ودوافعها الذاتية.

******** 

 

كان ديوجين يقول أنه فقط أولئك الذين اعتادوا على الحياة الناعمة.. سيشعرون بالتذمر عندما يجربوا العكس..

أما أولئك الذين اعتادوا على حياة خالية من المتع.. فيبدو أنهم يجدون متعة أكبر في ازدراء مباهج الحياة...

تماماً كما يجد المحب قيمة ومتعة أكبر في البعد عمن يحب!!

 

يبدو أن ديوجين لم يكن يبحث عن شيء (يعرف مسبقاً أنه لن يجده) بقدر ما كان يحاول خلال هذا البحث أن يكشف الناس على حقيقتهم.. فكان يلجأ للسخرية والتهكم ليفضح طبائع البشر وسلوكهم...

 

بعض أقواله:

سُئِل مرة: هل الموت شر؟

أجاب: كيف يمكن أن يكون شراً.. ونحن لا نشعر به عندما يكون بيننا!!

 

سأله أحدهم: لماذا تدرس الفلسفة؟؟

فأجاب: ما أهمية أن تعيش.. إنْ لم تتعلم كيف تعيش بشكل جيد!!

 

رأى ذات مرة شاباً متأنقاً بشكل مبالغ به فقال:

هو حمقٌ للرجال.. وسذاجةٌ للنساء...

 

سُئِل مرة: لماذا يتصدق الناس على المتسولين ولا يفعلون ذلك مع الفلاسفة؟؟

قال: الناس تتصدق على المتسولين لأنهم يخشون أن يصبحوا مثلهم..

لكن لا أحد يتوقع أنه سيصبح فيلسوفاً يوماً ما!!!

 

سأل يوماً بخيلاً شيئاً من الطعام..

فقال له البخيل: سأعطيك لو استطعت إقناعي

فقال ديوجين: لو كنت أستطيع إقناعك .. لأقنعتك بشنق نفسك!!

 

كان هناك عداوة بين أفلاطون وديوجين..

حيث كان أفلاطون يمجّد المدينة الفاضلة وحكامها.. وكان يرفض أي نوع من الآداب والفنون إن لم يتغنوا بالحاكم والمدينة الفاضلة...

أما ديوجين فقد كان يرفض كل هذه المظاهر الكاذبة وكان يسخر من المدينة الفاضلة وينقد قوانين المجتمع والحضارة السائدة وكان يعبّر عن رفضه هذا عملياً بأسلوب حياته..

 

ذات مرة رآه أفلاطون يغسل الخس (كان يفعل ذلك للحصول على لقمة عيشه يومها)

فقال له أفلاطون: لو توددت للحاكم قليلاً لما اضطررت لهذا العمل..

أجابه ديوجين: لو غسلت أنت الخس.. لما اضطررت لتملق الحاكم!!!

 

نعتَ أفلاطون مرة ديوجين بـ (الكلب) ..

فأجابه ديوجين: هذا صحيح... لأنني دائماً أعود إلى أولئك الذين يبيعونني!!!

 

كان ديوجين يقول عن محاضرات أفلاطون بأنها إضاعة للوقت..

وذات مرة كان أفلاطون يحاضر بين طلابه ويعرّف الإنسان بـ (حيوان بلا ريش ويمشي على قدمين)... فدخل ديوجين حاملاً بيده (صوص) وقال: انظروا.. ها هو إنسان أفلاطون!!!

 

كان ديوجين يأكل تيناً مجففاً فرآه أفلاطون فسمح له أن يشاركه بها.. فتقدم أفلاطون وأكل التين..

فقال ديوجين: قلت لك أن تشاركني به لا أن تأكله كله!!

أضيفت في باب:4-3-2015... > يد الله مع الجماعة
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد