موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

من أنا؟ ومن أنت؟

البحث عن...

 

جميعنا نبحث عن شيء ما... سواء كان الشخص المناسب أو المال أو أفخم السيارات أو أعلى المناصب أو الجسم المثالي أو الجنس! قد نبحث عن حياة الحفلات الصاخبة أو الحياة الهادئة فقط! إننا دائماً نلاحق شيئاً ما سواء كنا مدركين للأمر أو لا، فكم شخصا تعرفه يستطيع أن يقول لك بكل صدق "لا أريد أي شيء" هل يوجد هذا الإنسان؟! إذا استطعنا أن نلخص بحثنا ليصل إلى كلمة واحدة فقط فما هي هذه الكلمة؟ الحب؟ السلام؟ السعادة؟ الأمن؟ النجاح؟ الكمال؟ البيت؟ الشيء؟

 

إن الغريب في الأمر هو أننا جميعاً نعلم بأن هناك أمر ما ينبغي أن نصل إليه ولكننا لا نعلم ما هو بالضبط وأين نبحث عنه بالتحديد! بعضنا يعتقد بأنه يعرف ما يريد إلى أن يصل إلى هذا الشيء ليكتشف حينها بأنه "في الحقيقة ليس هذا!"

 

وبالرغم من أننا نبدو وكأننا نسير جميعاً وراء أهداف مختلفة إلا أننا نبحث في الأساس عن شيء واحد... ذاك الشيء الغامض والمحير.. سمّه ما شئت! فطرق بحثنا والزوايا التي ننظر فيها والسرعة التي نسير بها هي ما يختلف من شخص لآخر. بعضنا يبحث في هذا العالم ويكتفون بقلب الصخرة الغريبة الشكل فقط بين وقت وآخر ليروا ما الذي يمكن أن يكون تحتها... بينما بعضنا الآخر يسير في طريق واحد لينجز "المهمة" التي ينبغي القيام بها فيفتح جميع الأبواب ويغوص في كل الزوايا.. إذاً فالفرق في الطريقة فقط ولكن جميعنا نبحث عن الإجابة لسؤال حتى لم نعرف ما هو... إن السؤال هو "من أنت؟" والإجابة هي "أنت هو أنت!"

 

قد تسأل "وما الفائدة من البحث عن شيء موجود؟ يا له من أمر في غاية الغباء".. إني أتفق معك... ولكن عند قراءة أمر ما لا يعني أننا أصبحنا نعرفه، فالفرق شاسع بينهما. وقد نسأل ما سبب صعوبة هذا البحث وغموضه؟ في الحقيقة إنه ليس كذلك ولكنه يبدو هكذا! فمعرفة أنك أنت هو أنت من أسهل وأصعب الأمور التي ستقوم بها. إنه أشبه بالقفزة الطويلة... فعملية القفز هي التي تحتاج إلى الجهد وبمجرد ما أن تصبح في الهواء تصل إلى هواك....

 

إن البحث لا يبدو صعباً، إلا أننا لسنا معتادين على القيام بالأمور البسيطة! إن البحث عن حقيقتنا أشبه بسمكة في المحيط تبحث عن الماء! كأننا نبحث عن عيوننا... كأننا نشعل ضوءاً في الكهف لنبحث عن الضوء... إنه موجود أمامنا ونعلم بأنه موجود ولكن لسبب ما لا نستطيع إيجاده! لماذا؟ لأننا نضع على أعيننا نظارات داكنة السواد فهناك حاجز عليها يمنعنا من الرؤية بوضوح.. وهذا الحاجز هو العقل والتفكير المستمر.. فطالما نعتقد بأننا نعرف من نحن فلن نستطيع اكتشاف من نحن!

 

في الحقيقة لن نتوقف عن هذا البحث إلى إن نعرف حقيقتنا... فإلى أن تمتلئ معدتنا سنبقى جائعين... إلى أن نجد أجوبة لهذه الأسئلة "ما هي الحياة؟" و"ما هو الموت؟" و"لماذا أنا هنا؟" سنظل نسأل... ولن تختفي جميع الأسئلة والأجوبة أيضاً إلا إذا وجدنا أنفسنا. فالسمكة الموجودة في البحر لا تشعر بالعطش.. ولا حقيقتك تشعر بالجوع...

 

أنت هو أنت!

 

إن جملة "أنت هو أنت" تبدو بسيطة ولكن ماذا تعني بالضبط؟ لقد استغرق مني الأمر 60 سنة لكي أستطيع أن أقول بأنها "أنت هو أنت!" أنت ذاك الشيء، أنت كما أنت تكفي دون الحاجة إلى أي مكان تذهب إليه أو أمر تقوم به أو شخص لتصبح مثله! فأنت مثالي وكامل تماماً كما أنت إلا أنك لا تعلم بعد بهذا!

 

أن تكون أنت هو أنت أي أن تكون على حقيقتك... أنك لا تحتاج إلى الابتكار أو البناء أو إيجاد شيء جديد.. والأمر لا يتعلق بتغيير أو تحسين أو تطوير "أنت" القديمة لتصل إلى الجديدة لأنك لست هذه ولا تلك بل كلاهما معاً! كل ما تحتاج إليه أن تفتح عينيك وتستيقظ من أجل "أنت" الحقيقية.. إنها في الواقع الرحلة للعودة إلى البيت وليست للذهاب إلى مكان ما فقد كنت في الخارج فترة طويلة أما الآن فقد حان وقت الرجوع للبيت... إن الأمر لا يتعلق بالقيام بأي شيء بل بالتراجع عن كل ما قمت به سابقاً! إنها النزول من على قطار التفكير والمحاولة والتحويل لتتخلص من جميع الأمتعة العقلية والتجرد من جميع طبقات الأفكار التي تغطيك وتخفي حقيقتك... حتى تصبح في النهاية عارياً!

 

والرائع في الأمر هو أنك عندما تعرف من أنت فإنك تعرف كل شخص آخر... عندما ترى حقيقتك ترى حقيقة الآخرين أيضاً فتعرف حينها بأن مشكلتك هي مشكلة الآخر أيضاً... إن كل إنسان فريد من نوعه ولديه إطاره المختلف ولكننا في الأساس متشابهين... نفس الآلة! فإذا كنت أنا هو أنا، فلا بد أنك أنت هو أنت!

 

المرشد...

 

إن المرشد أو المعلم الروحي ليس شخصاً واحداً فقط فالمرشدون والمعلمون في كل مكان وفي كل جزء من حياتنا. آباؤنا وإخوتنا وأخواتنا وأصدقاؤنا وحتى أعداؤنا جميعهم معلمون لنا... حتى الأشياء تعلمنا الكثير، كالانترنت على سبيل المثال عندما تصبح سرعته أبطأ من مشي الحلزون فإنه يعلمنا الصبر أكثر! كل شيء له دور في تعليمنا فالوجود بأكمله معلمنا.

 

وليس المطلوب هنا أن تجد معلم لك ولكن أن تتعلم من الحياة بذاتها فهي أكبر معلم ومن الوجود فهو أصفى معلم... نعم فهو لا يخبرك بما ينبغي عليك أن تقوم به ولكنه يدعك تختار وتجرب بنفسك وبعد ذلك يوضح لك عواقب أعمالك ويشير لك إلى الطريق الصحيح. كل ما ينبغي عليك فعله هو الاستماع إلى ذاتك الأصغر لتصل إلى ذاتك الأكبر.

 

وما أنا إلا صديق أبين لك تجارب الحياة، قد يبدو الأمر وكأني أتحدث عن نفسي ولكني أستعمل نفسي لأوضح نفسك! وعندما تتضح لك الصورة وتعرف من أنت... سترى لعبة الكون وسخريته وعندها نستطيع أن نجلس سوية لنضحك عليها.

 

اعقل وتوكل

 

لقد قال معلم من قبل "أن وجود رأسي على كتفيّ أمر رائع ولكن أن يكون رأسي فوق كتفيك أنت فهذه فكرة سيئة جداً". أي أن ما أقوله يعتبر لي وينبغي تطبيقه من قبلي أنا وليس من قبلك أنت مباشرة... ولكني أشاركك بهذه الكلمات لأني اكتسبتها من تجارب وخبرات منذ زمن بعيد وقد تكون مفيدة لك وتساعدك في رحلتك بأن توفر لك الوقت... ولكن الأمر يعود لك أنت فيمكنك أن تأخذ ما أقوله بعين الاعتبار وتلعب به.. أو قد ترميه وتنسى أمره.. خذ حذائي وامشي به! حتى لو لم يكونا بمقاس قدميك فلن يدمراها!

 

 

ولذا العب بهذه الأفكار لتجد أي منها يناسبك وأي منها لا يناسبك. ولكن اتخذ القرار بنفسك ولا تعتمد علي أو على الآخرين ليخبروك بما ينبغي لك أن تفعل. تفاعل مع حياتك واتبع ما يجذبك أنت بغض النظر عن مدى غرابته وجنونه... لقد قال بوذا "كن النور لنفسك" وقال أوشو "كن أضحوكة لنفسك!" نعم... فالطريق هو أن تتبع نورك وتتحمل المسؤولية.

 

إن هذا يذكرني بقصة جميلة تدور حول رجل يصلي لربه وخلال الصلاة هرب الجمل. فاشتكى إلى الله وقال "انظر يا رب لقد هرب جملي وأنا أصلي لك ومتّكل عليك" فرد عليه "اعقل جملك أولاً وبعد ذلك توكّل علي". أي لا تلومني على تصرفاتك واختياراتك.. بل تحمل مسؤولية حياتك فأنا لا أستطيع أن أعيش حياتك بدلاً عنك ولا أنت تعيش حياتي بدلاً عني... فلا بدّ لكل منا أن يعقل جمله!

 

ما هي قصة حياتك؟

 

لكل إنسان حكايته مهما كانت حياته فلا بد من أنه مرّ بتجارب وأمور خاصة به وحده. لقد كنت أقارن قصتي بقصص الآخرين وأرى بأني لم أحظَ بحياة رائعة أو قصة جميلة لتروى... إلى أن اكتشفت بأنه لا يوجد أي قصة تشبه الأخرى. كل إنسان له بداية مختلفة لحياته وكذلك التجارب التي يمر بها بعد ذلك.. إن رحلة كل إنسان فريدة من نوعها، حتى التوائم المتطابقة والذين يجمعهم وقت ولادة واحد وتربية واحدة وعائلة واحدة وبيت واحد تكون وجهات نظرهم وتجاربهم وقصصهم وحياتهم مختلفة... وإذا اقتربت أكثر سترى فوارق في أشكالهم أيضاً.

 

ولكن اختلاف قصصنا أو تشابهها ليست بالقضية المهمة، فالسؤال هو "هل قصة حياتي هي فعلاً أنا؟" أي هل هذه الحكاية التي نستمر في إخبارها للناس وتعديلها وتطويرها في كل سنة مجرد معلومات جمعناها لتدل علينا؟ وإذا كانت كذلك "فمن أنا؟" و"من أنت؟"

 

من أنا؟ ومن أنت؟

 

هل توقفت مرة وسألت نفسك من أنت؟ لماذا أتيت؟ ووجدت أفكار معينة أو مشاعر غامضة أو مجرد مجموعة من جملة " لا أعرف" ؟ في الحقيقة لا مشكلة في جملة "لا أعرف".. فهي نقطة بداية رائعة، لأنك عندما تعتقد بأنك تعرف لا تكون منفتحاً لتعلّم الجديد... فعندما تظن أنك عرفت نفسك لن تكون مستعداً للبحث عن ذاتك الحقيقية. هناك جملة أحبها وهي "أولئك الموجودين بينكم والذين يعتقدون بأنهم يعرفون... يغيظوننا نحن الذين نعرف!"

 

إذاً فجملة "لا أعرف" جيدة على عكس ما يعتبرها العالم دليلاً على الشك وعدم الثقة بالنفس... خاصةً وأن الجميع يتحدث اليوم عن الثقة بالنفس وقيمة النفس وتقدير النفس! ولكن لننظر للأمر من ناحية أخرى، فالشك مجرد سؤال وتحقيق للبحث عن الذات ولذا فهو أمر جيد ومفيد.. إن الشك والتحقيق هو ما تقوم عليه الأبحاث العلمية! فالعلم مبني على التحقيق في كل شيء إلى أن نجد الحقيقة ولذا فإنه كما يحتوي البحث على الثقة فإنه يحتوي على الشك أيضاً. وهو يبدأ في عقولنا على شكل بذرة من الشك وسؤال ملح سواء كان "من أنا؟" أو "ما الذي أفعله هنا؟" أو "ما هي الحقيقة؟" لقد قال أوشو من قبل "لا تكبت الشك بل ادخل فيه واشعر بالشك... إلى أن تجد ما هو غير قابل للشك"

 

من تظن نفسك؟

 

من تظن نفسك؟ تبدو جملة وقحة أليس كذلك؟ ولكن ما الذي يخطر على بالنا عندما نسمع هذا السؤال... "أنا رجل" "أنا امرأة" "أنا لطيف" "أنا خبيث" "أنا جذاب"... إن كل ما نقوله يأتي من عقولنا وتفكيرنا، أي أننا نستعمل العقل لنحدد من نحن فنفكر ونحلل ونتصور ونخترع من نحن... وذلك بدلاً من أن نضع أفكارنا على جنب لنرى من هو هذا الموجود هنا!

 

هناك فرق بين الظن وبين المعرفة لمن نكون... فالظن والتفكير يحدث بسبب استعمال العقل ووجود الأفكار بينما المعرفة تحدث عند وضع العقل والأفكار جانباً! تماماً كالتفكير في طعم القهوة وتذوقها حقيقة... لنقل أنك لم تذق القهوة من قبل ولكنك تستطيع أن تتخيل كيف يمكن أن يكون مذاقها وذلك من رائحتها وشكلها أو قد تسأل أحداً أن يشربها ويصفها لك... مهما كانت الطريقة فلن تكون كوضع شفتيك في هذا السائل وتذوقه بنفسك!

 

باختصار، أن تظن ما هي حقيقتك ليس كمعرفتها... وعندما تعرف من أنت فإنك لا تستطيع أن تصفها لأي شخص آخر، فكل ما يمكنك فعله هو التلميح والإشارة وبعد ذلك الأمل بالقدرة على إيصالها!

ولذا قبل أن تعرف من أنت لنلق نظرة على من تظن قد تكون هذه "الأنت"!

 

عندما يسألك شخص ما "من أنت؟"... فماذا تجيب؟

 

اعتقد أن الأمر يعتمد إلى حد ما على الظروف! نعم فنحن أصدقاء شخص ما إذا ساعدنا ولسنا أصدقاؤه إذا أقفل بابه أمامنا! نحب فلان إذا كان يرتدي أحلى الملابس ولا نعرف حتى من هو إذا لم يهتم بمظهره! نغيّر ونعدّل قصصنا بحسب الوقت والموقف... الجميع يقوم بهذا فهو أمر ممتع!

 

ولكن بشكل عام عندما يسألنا شخص ما "من أنت؟" غالباً ما نجيب بأسمائنا مباشرة.. دون أي تفكير تخرج فوراً من أفواهنا لأن هذا ما تم تعليمنا إياه وتدريبنا عليه... مثل عندما يسألنا أحد "كيف حالك؟" نجيبه "بخير، شكراً" حتى لو لم نكن كذلك.

 

ولكن هذا ما يتوقعه الناس منك هذه الأيام! اسمك ومن أين أنت هما مفتاحك للمجتمع. فلن يبدو الأمر مقبولاً إذا سألنا شخص ما من نحن أن نجيبه "امممم، إني لا أعرف بالضبط!" حتى ولو أنها إجابة صادقة!

إذاً، فكما هي إجابة "بخير شكراً" ليس حقيقية لسؤال "كيف حالك" فإن إجابة "أنا أيمن عادل من مصر" ليست الإجابة الحقيقية لسؤال "من أنا؟"

 

على ماذا يحتوي الاسم؟

 

هل أنت أحمد أو وائل أو هدى؟ هل أنت مثل كل أحمد أو وائل أو هدى تعرفهم؟ ماذا يحدث إذا غيرت اسمك؟ هل تتغير شخصيتك أيضاً؟ ماذا عن الألقاب التي كنت تلقب بها في صغرك؟ هل غيرت في حقيقتك شيء؟ إذا على ماذا يحتوي الاسم؟ لا شيء!

 

إذا سألك معلم مستنير "من أنت؟" وأجبته باسمك فسيضحك! لأنه لا يسألك عن جسدك أو عقلك أو الملصق الذي أعطاك إياه والديك ليعرف عنك... سيضحك لأنه يسألك "من كنت قبل أن يأتيا بك والداك إلى هذه الحياة؟" "من ستكون بعد أن تفارق جسدك؟" "ومن هو (أنت) الذي لا يولد ولا يموت أبداً؟" سيضحك لأنك فشلت في معرفة حقيقتك.

 

إننا لسنا أسماء فهي مجرد ملصقات استعملناها لكي لا نبقى طوال الوقت ننادي بعضنا بـ "يا هذا ويا ذاك"! إنها طريقة لتحديد الجسد والعقل فقط... فنحن لسنا أسماء ولسنا رقم الهوية ولا رقم الجواز ولا رقماً سرياً...!

 

هل أنت عبارة عن عملك؟

 

إننا نمضي أغلب الأوقات في العمل معتقدين بذلك أننا نحن هذه الوظيفة أو تلك المهنة أو آخر ترقية حصلنا عليها! وينقل البالغون فكرة "إننا نحن عبارة عن أعمالنا" إلى الصغار. فنبدأ كأطفال نعتقد بأننا تقاريننا المدرسية الجيدة أو السيئة أو بأننا تلك الجوائز البرّاقة المصفوفة على الرف أو بأننا الألعاب التي لدينا! فنبدأ نشعر بالفرح للربح وبالحزن للخسارة.

 

وإذا لم يتم تصنيفنا بحسب وظائفنا فإننا نصنّف بحسب تصرفاتنا أو حتى بحسب عاداتنا أو ما ندمن عليه... وهناك من يقول "أنت عبارة عما تأكله!" ولكن هذا لا يعني أنك شطيرة جبن أو رز أليس كذلك؟ عندما نصرخ بألفاظ نابية لشخص ما فهذا لا يعني بأننا سيئون... عندما نلفظ الكلمات بطريقة معينة فهذا لا يعني بأننا أكثر الناس ثقافة على وجه الأرض. وقد نعتقد أيضاً بأننا أفعالنا الطيبة أو الشريرة... كالكلب الذي أنقذناه أو الهرة التي دهسناها أو المال الذي تبرعنا به أو رداء الاستحمام الذي سرقناه من الفندق!

 

كان الرجل يحتضر على فراش الموت بينما كانت زوجته بجانبه تمسك بيده الضعيفة وتمسح الدموع عن وجنتيها... وبينما كانت تصلي له إذا به يستيقظ وينظر إليها لتبدأ شفتاه الشاحبتان بالتحرك وكأنه يريد أن يقول شيئا...

فهمس قائلا: "زوجتي العزيزة."

قالت له: "ارتح.. لا تتحدث."

فأصر وقال: "لا بد من أن أتحدث فهناك ما أود الاعتراف به لك"

قالت زوجته وهي تبكي: "لا شيء لتعترف به فكل شيء على ما يرام... عد للنوم."

فقال: "كلا، لا بد أن أموت بسلام... يا زوجتي العزيزة.. لقد خنتك وأقمت علاقة مع أختك وصديقتك المقربة ووالدتك"

فقالت الزوجة: "أعلم.... ولهذا وضعت لك السم!"

 

إني لا أقول هنا بأن ما نفعله أو نقوله لا يكون له تأثير وعواقب على الكون.. فأفعالنا وكلماتنا تحدد وبكل تأكيد ما نواجهه في حياتنا. إننا مسئولون عن تصرفاتنا وأفعالنا ولكن المهم هو... هل هي حقيقتنا؟ هناك الكثير من الأهمية تدور حول العمل في مجتمعاتنا ولكن متى سنتوقف عن العمل قليلا ونستمتع بحقيقتنا؟ متى سنتوقف عن العيش كآلات ونبدأ العيش كإنسان في هذه الحياة؟

 

من يقوم بماذا؟

 

إن الكثير من الرياضيين يتحدثون حول ما يسمى بالدخول إلى "الحالة"...والمقصود بهذا هو القيام بنشاط ما إلى أن يشعروا وكأنهم لا يقومون به بل يحدث من تلقاء نفسه... وهناك الكثير من عدائي المراثون قالوا بعد الركض لأميال عديدة بأنهم وصلوا إلى مرحلة حيث استرخوا وبدؤوا بمشاهدة ركضهم يحدث بنفسه!

 

تماماً كالتأمل... فهم يصلون إلى مكان حيث يشعرون وكأنهم يقومون بأشياء هم لا يقومون بها في الحقيقة، وحتى قد يرون أنفسهم وهم يتأملون. ولهذا... إذا كنا فعلاً قادرين على الاسترخاء ورؤية جسدنا أثناء النشاط فمن نحن ومن يقوم بهذا النشاط؟

 

في المجالات الروحانية هناك من يؤكد بأنك لست أنت الفاعل! ولكن إذا لم تكن أنت فمن يكون؟ إنه سؤال يحتاج إلى إجابة دقيقة. ولكن لنقل الآن بأنه لا بد من العمل والعيش بحقيقتك كلاهما معاً وليس واحداً فقط... ففي حياتنا اليومية أي الصورة الصغيرة نعمل بينما في الصورة الكبيرة نكون على حقيقتنا... إن الحياة ليست حب العمل فقط ولكن الاستمتاع بذاتك أيضاً.

 

هل أنت سيارتك الفارهة؟

 

هناك فكرة أخرى يعتقد بها البعض وهي أن ممتلكاتنا أو أموالنا تعكس لنا من نحن... باختصار أي أننا نحن ما نملك! فما لدينا يساعد على تحسين أو تشويه صورتنا ولذا إذا أردنا أن نبدو مهمين وجذابين ومتميزين فعلينا أن نملك ليس فقط الكثير من الأشياء ولكن باهظة الثمن أيضاً! فالرجال ينبغي أن يكون لديهم حساب منتعش في البنك وعدة ممتلكات وإما سيارة مرسيدس أو رولزرويس! بينما النساء لا بد أن يمتلكن خاتم ألماس ضخم وثياب لأغلى المصممين وساعة فخمة أو اثنتين! عندها تكونون مستعدين لإقامة الحفلات والذهاب إلى كل مكان لعرض أغراضكم! وأنا كنت لا أختلف عنكم! فلطالما اعتقدت بأنه لا بد أن امتلك سيارة فخمة لأثير إعجاب الفتيات الجميلات وأن امتلك سيارة فخمة وفتاة جميلة لأثير إعجاب الشباب... ولا أعرف إلى الآن لماذا كنت أريد إثارة إعجاب الشباب!!

 

عندما تحصل على السيارة تغمض عينيك وتعتقد بأنك أخذت كل ما تريد فالآن لا تريد أي شيء آخر من الحياة... ولكن بعد قيادتك للسيارة بدقائق فقط ترى فتاة جميلة وتفكر... "لو أستطيع أن أحصل على تلك الفتاة فلن يكون هناك ما أريده بعدها" ولكن بعد حصولك عليها تكتشف أن هناك أمر آخر تريده، وهكذا...

 

لا يوجد أي خطأ في هذا! نعم... فهذه هي طريقة العقل دائماً يؤمن بالمزيد ويقنعك بهذا، حتى وأنت تقوم بعمل رائع لا تشعر بأنك كامل تماماً فالعقل يرغب بالمزيد.. ويستمر بالثرثرة "طالما أنك تملك الكثير وتقوم بما تريد ستصبح ناجحاً." ونستمر بقيادة المرسيدس ونحن نفكر بالرولزرويس معتقدين بأن هذه السيارة التي نضيع عمرنا كله للحصول عليها هي التي تحدد من نكون... ولذا نحاول تطوير من نحن بالأشياء التي نملكها بينما في الحقيقة كل ما نقوم به هو مطاردة ذيولنا! والبحث عن زاوية الدائرة!

 

أنا لا أعني بأن لا تستمع بحياة جميلة وترمي كل ممتلكاتك الرائعة لتأخذ صحناً وتتسول به! كلا، استمتع إلى أبعد الحدود وقم بشراء كل ما تريد ولكن لا تقع في الفخ... وتعتقد بأنها تعكس حقيقتك وبأنك تحتاج إليها لتصبح شخصاً مهماً! بل تحكم بها دون أن تتحكم بك... فكونك يقظاً وواعياً لحقيقتك لا يعني بأن لا تمتلك سيارة فارهة ولكنه يعني أن تعلم بأنها مجرد سيارة!

 

ماذا عن عمليات التجميل؟

 

حسنا، لقد وصلنا إلى موضوع الجسد فلنواجه الأمر... جميعنا نقيس الجمال على أساس الجسد فهو ليس بالأمر السهل أن لا نعتبر أنفسنا هذه الكتلة الكبيرة من العضلات والعظام التي نحملها معنا دائماً! فمن لا يفكر بطوله أو وزنه؟ من لا يقارن لون جلده وشعره وعينيه؟ حجم الأنف والأذن والشفاه؟ إن جميع المجالات تعزز الفكرة التي تقول بأننا عبارة عن هذا الجسد وذوقنا في ارتداء الملابس وصورتنا الخارجية بشكل عام! ولهذا نهرع دائماً لشراء أحدث صيحات الموضة من الثياب والمكياج لنعلقها ونعرضها على أجسادنا لأننا نظن أن هذه هي حقيقتنا... بأننا اسم ماركة البنطال أو ماركة الساعة! بأننا السليكون المحشو في أجسادنا وشفاهنا المنفوخة وابتسامتنا المصقولة! فهذا ما قالته المجلة في عددها الأخير!

ولكن اعتقاد الجميع بأن أمراً ما صحيح لا يعني بالضرورة أنه كذلك!

 

في مكان ما على جبل جليدي بالقرب من القطب الشمالي المتجمد، ذهب دب صغير إلى أمه وسألها:

"أمي، من أي نوع من الدببة أنا؟"

فأجابته الأم: "أنت دب قطبي"

فسألها: "هل أنت متأكدة من أني لست دباً بنياً؟"

قالت: "متأكدة تماماً، أنك دب قطبي"

ولكن هذا لم يرضِ الدب الصغير فقال: "أمي، من الممكن أن أكون دباً رمادياً؟"

فسألته الأم: "لم كل هذه الأسئلة يا بني؟ إنك دب قطبي"

وذهب الدب الصغير إلى والده وقال: "أبي هل أنا دب باندا؟"

فقال الأب: "كلا يا بني إنك دب قطبي"

فسأل الصغير: "ولا دب كوالا"

قال الأب: "كلا دب قطبي... لم كل هذه الأسئلة؟"

أجاب الصغير: "إذا كنت دباً قطبياً..... فلم أشعر بالبرد الشديد؟!"

 

من الممكن أن لا يكون دباً قطبياً ويتضح بأنه ليس الغبي في هذه الدعابة. فقد صدق بأنه دب قطبي لأنه تم إخباره بذلك طوال الوقت... تماماً كما يحدث معنا، فكل ما حولنا يبيّن لنا بأننا هذه الأجساد التي تتحرك ولهذا توقفنا عن السؤال والاستفسار عن صحة الأمر وسلمنا به. وبالإضافة إلى شكل الجسد فنحن نؤمن أيضاً بأننا عمر هذا الجسد! فنسأل "كم عمرك؟" وتأتي الإجابة 20 أو 30 أو 40 .... ولكن قد يكون الأمر أكثر دقة إذا سألنا "كم عمر جسدك؟" لنجيب "21 مرة أخرى!"

 

ألست أنا هذا الجسد؟

 

إنه لأمر سهل أن نقول "أنا هذا الجسد!" ولكن لماذا؟ بالنسبة للذين يعيشون في الغرب فهو بسبب الاهتمام الكبير بالأمور الجسدية والمادية... فنعتقد بأننا عبارة عن هذا الجسد وننتهي بانتهائه. بينما في الشرق يؤمنون بأن الإنسان أبعد من حدود الجسد فهو تلك الروح الموجودة فيه أو شيء آخر أبعد من هذا أيضاً.

 

هناك الكثير من الناس الذين عاشوا تجربة الخروج من الجسد وآخرون كانوا يفعلون أشياءً ولكن لا يشعرون بأنهم هم من يقوم بها.. وهذا لا يعني أن أحداً غيرهم كان يقوم بما يقومون به، ولكن كأنه جزء آخر منهم الذي كان يتحكم بالأمر. فإذا كنا قادرين على الذهاب إلى خارج حدود الجسد ورؤية ما يقوم به في ذاك الوقت... فمن نحن إذاً؟

 

إنه من السهل علينا أن نقول "أنا لست عبارة عن جسد" ولكن كم واحد منا لا يشعر بالانزعاج عندما يخبره أحد ما بأن وزنه قد ازداد أو بأنه بدأ يفقد شعره؟.. أو من منا لا يشعر بالسعادة عندما تخبره بأنه فقد وزناً أو بأنه يبدو جميلاً وجذاباً؟ إن الجسد قد يعاني من الآلام وقد يعيش السعادة ولكن هل يعني وجود المشاعر والأحاسيس في هذا الجسد بأنه أنا؟

 

إن الفرق بين الغرب والشرق يكمن في هذا... أن الغرب عندما يقول "أنا عبارة عن جسد" فإنه يعني بأن سبب وجودي هو الجسد، بينما يعني الشرق عندما يقول "أنا لست عبارة عن جسد" بأنه أنا سبب وجود الجسد... كل منهما لديه قطعة من الصورة ولكنهما لا يملكان الصورة كاملة...

 

فوجودنا في الجسد لا يعني بأننا محدودين به فقط... ووجودنا خارجه أيضاً لا يدل على أننا لسنا هذا الجسد! اعتقد أن الأمر سيكون أكثر دقة لو قلنا "أنا الجسد وما بعده!"

 

جسدي وجسدك وكل جسد...

 

تحدثنا عن جسدنا ولكن ماذا عن أجساد الآخرين؟ إلى أي مدى نشعر بأننا مرتبطين بهم؟ فعلى سبيل المثال، عندما يقع أحد أفراد عائلتنا في مشكلة فإننا نشعر بتأثير سيء علينا. أو عندما يرتدي أحد أصدقائنا ملابس غريبة ومضحكة فإننا لا نريد البقاء بجانبه. أو إذا فاز أحد أصدقائنا بجائزة ما فإننا نشعر بالفخر الشديد.

 

إننا نشعر وكأن الأشخاص المقربين منا جزء من هويتنا ومنا نحن! فنشعر ونتأثر بأحوالهم، ولكن هل أنت عبارة عن الناس الذين ترتبط بهم؟ أو أعمالهم التي يقومون بها؟ أو علاقاتك بهم؟

 

السباحة في بركة الأفكار!

 

يميل بعضنا أكثر إلى كونه جسد فيُصنف  الناس بحسب ما يملكون أو يفعلون، بينما يميل البعض الآخر إلى كونه عقل فيصنف الناس بحسب أفكارهم ومشاعرهم. ولذا فقد نرى أنفسنا على أساس الإدراك أو النوايا أو قد نراها على أساس المعرفة ومعدل الذكاء أو قد نراها على أساس التعليم والشهادات.

 

من أين تأتينا الأفكار؟ وهل هي أفكارنا أم أفكار الآخرين؟ هناك الكثير من المصادفات التي تحدث لنا في حياتنا ولكن... هل لأفكارنا دور في حدوث هذه المصادفات؟

 

"أنا أفكر إذاً أنا موجود"... مجرد هراء!

 

لقد قيل من قبل "أنا أفكر إذاً أنا موجود"... إنها تبدو جملة عميقة المعنى وفلسفية جداً لدرجة أن الغرب نسب هويته كاملة لهذه الجملة، ولكنها مجرد هراء غير صحيح فهي تقول أنا موجود بسبب العقل... بينما الحقيقة عكس ذلك تماماً، العقل موجود لأني أنا موجود. إن جملة "أنا أفكر إذاً أنا موجود" أشبه بمشاهدة فلم والاقتناع بأنه حقيقة وبأنه سبب وجود آلة التصوير! ولكن الواقع هو أن آلة التصوير هي سبب وجود الفلم! ولذا ستكون الجملة أكثر دقة لو كانت "أنا موجود إذاً أنا أفكر" فأنت موجود سواء بالتفكير أو بدونه! وذاتك الحقيقية تسبق تفكيرك وحمداً لله لا تعتمد عليه!

 

الآخرون يفكرون... إذاً أنا موجود؟

 

من نظن أنفسنا يختلف تماماً عمن يعتقدنا الناس... إلى أي درجة نأخذ بآراء الناس عنّا؟ دائماً،في بعض الأحيان، نادراً، لنواجه الأمر... إننا نأخذها أكثر مما نتصور! فمجرد ما أن يقول أحد ما "إنه سمين!" أو "إنها جذابة!" نعتقد فوراً بأنها حقيقتنا والتي تبين لنا من نحن! وبحسب طباعنا الفردية إمّا سنأخذ المدح ونلقي الانتقاد أو نأخذ الانتقاد ونلقي المدح... ولكننا نصل في النهاية إلى مجموعة آراء مزدحمة في رأسنا أغلبها ليست لنا!

 

لا أحد يعيش لوحده لأنه يعيش مع الجميع! فكل شخص قابلته في حياتك لا بد أنه يعيش معك بآرائه وأحكامه التي ما زالت تدور في رأسك. نعم... فكل تعليق ومدح ونقد عبارة عن صوت يتحدث إليك فتخيل جميع هذه الأصوات تخبرك من أنت ومن ينبغي أن تكون! ولكن اللوم لا يقع عليهم فأنت من استضفتهم في فندقك! والآن أصبح هذا الفندق ممتلئ والوحيد الذي يريد أن يخرج هو أنت... والطريقة الوحيدة لإخراجهم وتنظيف الفندق هي البدء بطلب المغادرة منهم، فقل لهم "لقد أحببت تواجدكم ولكني الآن أريد مكاناً هادئاً لنفسي!" وعندما تصبح مستعداً أكثر وأكثر لأن تعرف نفسك سيرحل الضيوف ويخلو الفندق. بمجرد التخلص من آراء الآخرين تستطيع أن ترى آرائك أنت... وبتنظيف وتصفية أفكارك التي تتعلق بك ستحصل على مساحة كافية لأن ترى من "أنت" الحقيقية! هذه هي عملية التأمل والتي تعتبر الطريقة الوحيدة لتصفية كل ما يوجد بداخلك.

 

باختصار، إننا نعتمد على العقل سواء كان عقلنا أو عقول الآخرين لتخبرنا من نحن.. نعطيها الصلاحية لتخبرنا كيف تكون الحياة بدلاً من أن نجربها بأنفسنا... فنستمع إلى جميع الأفكار والآراء والأصوات.. "أنت غبي" "أنت كسول"... ونصدق بأنها نحن.

 

أنا ما يعتقده والدي؟

 

ومن هم الذين نستمع إلى أصواتهم أكثر من غيرهم؟ إنهم والدينا أو من تولوا تربيتنا. فكم هو عدد الأسماء والألقاب التي أعطيانا إياها؟ وكم من هذه الأسماء أخذناه واعتبرناه من نحن عليه؟ جميع تلك الآراء... "أنت لا تفهم" "أنت خجول" "أنت لا تعرف التحدث بلباقة" "أنت تحب الأكل"... فبعد الاستماع لهذه الجمل لسنوات عديدة وبشكل يومي نجد أنفسنا نخبر الجميع بأن هذا هو ما نحن عليه! فبعضنا يأخذ هذه الآراء باستسلام ويعتمدها لنفسه، بينما هناك من يذهب في عكس الاتجاه ليثبت فقط بأنه ليس هذه التعاريف التي وضعوها! ولا نعلق في فكرة من يعتقدنا الناس وحسب بل من يتوقعون لنا أن نكون أيضاً!

 

لا أعتقد بأن هناك والدان راضيان عن أبنائهم لأنه غالباً ما يكبر الطفل ليصبح شخصا غير الذي كانا يتوقعانه منه. ولكن خيبة أمل الأهل فينا لا تعني بأن هناك خلل ما بنا أو بأننا فاشلين... ولكن تلك الفكرة أو القالب الذي وضعاه لنا من الصغر لا بد أن يتحطم إذا تعارض مع الدور الذي جاء الطفل ليقوم به في هذا العالم. إن الوالدة أو الوالد الحكيم يعرف بأن كل طفل متميز وكل طفل يمشي بطريق مختلف... لذا لا ينبغي علينا أن نقلق مما يفكرون (هم) به، فالأمر غير مهم... في الحقيقة عندما نحاول أن نصبح الشخص الذي يريده لنا أحد ما... فنحن نبتعد تماماً عن حقيقتنا!

 

قد تؤدي عملية البحث عن حقيقتنا في بعض الأحيان إلى عدم رضا الآخرين والابتعاد عن "العرف السائد" و"طريقة الحياة العادية" ولكن لا ينبغي لهذا أن يوقفنا أبداً... فهذا ما يحدث عندما يتوقع الناس أمراً ولا يحدث. ولكنها حياتك أنت ولا أحد سيعيشها بدلاً منك... فاضحك على الأمر لأنه مضحك وستعرف ذلك فيما بعد!

 

صناديق اقتراع لأراء المجتمع!

 

إلى جانب ما يعتقده الوالدان فهناك ما يعتقده المجتمع أيضاً... أي سمعتنا وأوضاعنا الاجتماعية، فبينما يرضي البعض نفسه بإيجاد سمعة طيبة له يلجأ آخرون على الحصول على السمعة السيئة في سبيل الشهرة... ولكن سواء كنا مشهورين أو غير مشهورين، معروفين أو غير معروفين، محترمين أو غير محترمين... كل هذا يعتمد على اهتمامنا بآراء الآخرين حولنا! ولكن لم كل هذا الاهتمام؟ لأنه تم تدريبنا على أن نرى أنفسنا من خلال الآخرين، على أن نقارن ونقيس أنفسنا بهم وعلى أن نستمع لهم بدلاً من الاستماع إلى أنفسنا. فقبل أن نرى جمال العشب الذي لدينا... أخبرونا بأنه يوجد عشب أكثر خضرة في الجهة المقابلة!!!

 

واعتدنا أيضاً على إخبار الجميع بوضعنا الاجتماعي فأصبحنا نضيف الأحرف والكلمات بل والجمل أيضاً قبل أسمائنا ليعرف الآخرون بحالتنا الاجتماعية وجنسنا وتعليمنا ومناصبنا... فأنت إما ( أ. أو د. أو م.)، إما سيد أو سيدة أو آنسة، إما صاحب الجلالة أو فخامة الملك أو معالي الوزير... وهناك من هم سعيدون بالألقاب المنتشرة عنهم والمشهورين بها مثل "المتهور!" و"الشقراء!" و"اللطيفة!"... ونستمر في تغيير تعريفنا لأنفسنا كما نغير نكهات العصير!

 

ولكن في نهاية اليوم، هل أنت هذه الشهرة أو هذا اللقب الاجتماعي؟ هل أنت آراء الآخرين وأحكامهم عليك وتوقعاتهم لك؟ إننا نهتم كثيراً لأمر الأحكام... فنغضب عندما يكون هناك شخصاً يطلق الأحكام جزافاً على الناس، ولكن هل هي مهمة إلى هذه الدرجة؟ إنها مجرد أفكار والأفكار هي الأمر الوحيد الذي يبرع به العقل!

 

إن كل فكرة لدينا هي نوع من الحكم... حتى "العشب لونه أخضر" أو "البيتزا سيئة" أو "تلك المرأة غير شريفة!"، ماذا يمكن لهذه الكلمات أن تغير؟ إنها مجرد كلمات والكلمات مجرد أفكار! والكلمات والأفكار مثل الغيوم التي تسبح في السماء... فهي تذهب وتأتي ولكنها ليست أنت، ألقِ نظرة على الصحيفة... كل أولئك المشاهير من نجوم الأفلام والغناء والسياسة، إنهم حديث اليوم والقمامة المتكدسة في الغد! فهل أنت فكرة لدى الآخرين؟ فكر مرة أخرى!

 

أنا أشعر إذاً أنا موجود؟

 

لم أسمع من قبل بأن أحداً قال هذه الجملة، ولكن لو سمعته لقلت أيضاً... هراء! وهذا عن تجربة! فلطالما اعتقدت أن مشاعري هي أنا! كنت أعتقد بأني إنسان مزاجي وكنت كاره لنفسي وللحياة... لقد كانت فترة تعيسة في حياتي أسميها بـ"حربي مع نفسي" حيث بدأت عندما استدعاني الجيش الأمريكي في حربه مع فيتنام.

 

ولكنني لم أرد أن أقاتل فلم أستطع أن أجد سبباً وجيهاً يدعوني للقتال أو أي عدو يستحق أن أقاتله... بصراحة كان القتال الوحيد الذي كنت مستعداً لخوضه هو القتال مع جيشي! وبدأت التدريبات التي كانت في منتهى الصعوبة وقد كنت في احتياطي الجيش الأمريكي في ذلك الوقت إلى أن صرّح الطبيب النفسي للجيش بأني مختل عقلياً فرموني خارجاً، ولكن اتضح أن الرمي خارجاً من احتياطي الجيش الأمريكي يعني الرمي داخل الجيش الأمريكي! إلا أن الجيش لم يرغب بي أيضاً لأني في النهاية اعتبر "مختل عقلياً"!

 

ولذا مررت بخمس سنوات من التخبط بينما كانت القوى الأمريكية تفكر ماذا تفعل بي، فلم تكن فترة سعيدة في حياتي بل كانت أفكاري تملأ المكان... فلم أرغب بأن أقاتل أحداً ولكني كنت محبطاً لعدم وقوفي في صف الوطن.. ولم أكن أرغب بأن أقابل العدو ولكن لَربّما يعلمني هذا العدو شيئاً... في النهاية استغرق الجيش 5 سنوات لكي يقدم لي تسريحاً افتخر إلى الآن بما كتب فيه وهو "غير قادر على التأقلم مع نمط الحياة العسكرية"... لقد أصبتم في هذا!

 

فأخذت أوراقي وذهبت إلى لندن، ولكن لم يكن الوضع أفضل بكثير... فبهذا الماضي غير المشرف مع الجيش! لم أستطع أن أجد وظيفة إلا كمشربي في حانة، وبسبب الوضع الذي كنت فيه وشعوري بأني خذلت وطني كرهت نفسي كما كرهت حياتي... وغرقت في الشراب كما غرقت في تعاستي... كانت مشاعر سيئة إلى أبعد الحدود. وفي يوم من الأيام ودون أي تفكير حجزت تذكرة ذهاب بلا عودة إلى الهند! وبهذا القرار المفاجئ وصلت هناك إلى المعلم المستنير أوشو... وأتذكره جيداً بردائه الأبيض وهو جالس بكل هدوء وكيف أحببته فوراً. وبينما كنا نستمع إليه نظر إلي فجأة وقال: "إن الثورة في داخلك أنت"... في تلك اللحظة شعرت وكأني شارفت على الموت، وكأن قنبلة انفجرت أمام وجهي لأني إلى تلك اللحظة كانت الثورة في الخارج والعدو في الخارج والجيش في الخارج والحب في الخارج... في الحقيقة، حياتي كلها كانت في الخارج.. وكنت كارهاً لها كلها. ولكني أدركت عندها بأني أستطيع أن أُسقط هذا الكره الذي كنت أحمله لنفسي وهذا القتال والحرب التي كنت أشنها على نفسي فاكتشفت باني أستطيع أن أذهب إلى أبعد من هذه المشاعر والألم والمعاناة التي في داخلي والتي كل ما في الأمر هو أني لم أعرف التعامل معها فقط!

 

وكما ترى فقد كنت أعتقد بأني عبارة عن مشاعري وإحساسي.. كل ذاك الذنب والعار والحزن وخيبة الأمل والكره الذاتي هو أنا! ولكن بعد سنوات من التأمل هل تعرف ما الذي وجدته؟ بأن مشاعري مهما كانت فهي ليست أنا... لكي تتضح الصورة أكثر، لا بد لك أن تعلم بأنك موجود قبل المشاعر أي أنها تأتي لأنك أنت موجود! فقد أتيت قبلها... كأنك أنت السماء وعواطفك هي الغيوم التي تنتقل فيها.. فبعض الغيوم بيضاء وجميلة وبعضها رمادي وينذر بالخطر وبعضها يحمل الأمطار ولكن جميعها تظهر وتختفي بشكل طبيعي... هكذا هي العواطف تظهر من الأفكار لتبقى في الجسد لفترة ما وبعد ذلك تذهب بسرعة كما ظهرت بسرعة! لذا متى ما قرعت التعاسة على بابك لا تحبسها خارجاً وتحاول إبعادها، بل افتح لها الباب ودعها تدخل... فهي لا تستطيع أن تبقى للأبد! لأنه لا بد للسعادة أن تتبعها! بالإضافة إلى أن التعاسة تعطي معنا للحياة... لكي ترى كل جوانب الوجود.

 

 إن الهدف من الحياة لا أن تكون خالياً من العواطف متجرداً منها 100% طوال الوقت! كلا، فستكون رجلا آلياً! ولكن دع العواطف تنساب من نفسها وأنت عالم بأنك أبعد من حدودها... فلدي الكثير من العواطف ولكني أعلم بأنها ليست أنا! ولذا عندما تعتقد في المرة المقبلة "يا إلهي، أنا حزين" أو "أنا غاضب" أو حتى "أنا سعيد" لاحظ... هل هذا أنا؟ كيف تصنف نفسك؟ سريع التأثر أو لا؟ عاطفي أو مزاجي أو عنيف؟ منفتح وحساس؟ أو منغلق وصعب المراس؟ أو عديم الإحساس؟ راقب ما هي الأحاسيس التي تتمسك بها وما التي تتجنبها... واسأل هل هي أنا؟ في الواقع جميع الأفكار الرائعة والمشاعر السعيدة تأتي وتذهب ولكن ما يتبقى هو "أنت" الأساسية!

 

ماذا عن المآسي العائلية؟

 

جميعنا لدينا قصص "الحظ العاثر" و"الأوقات الصعبة" و"يا لي من مسكين!" ونحفظها في مكان ما لنسردها متى ما أردنا بعض الشفقة! ولكن علينا أن نرى هذه القصص بوضوح ونتخطّاها لكي نستطيع السير في رحلة الحياة والوصول إلى الحقيقة... وأن نعرف بأني لست طفولتي ولا عائلتي ولا تاريخي ولا مأساة عائلتي! وإذا أردت أن تتحقق من صحة ما أقوله ينبغي عليك أن تنظر عميقاً في حياتك وعقلك وأن تمضي وقتاً أكثر في التأمل والهدوء!

 

وبعد رؤية كل شيء بوضوح ستبكي وستحتفل في نفس الوقت! ستشكر والدتك لأنها جاءت بك إلى هذه الحياة... ستشكر كل شيء سيء حصل في حياتك لأنه أخذك لكل شيء رائع فيها! ستشكر ألمك ومعاناتك لمساعدتهما لك وجعلك تستيقظ وتبدأ البحث.

 

ماذا عن الدين؟

 

الجميع لا يرغب بالتحدث عنه ولكن لا بد لنا أن نبدأ بالحديث عنه! فما هو الدين بالتحديد... هل نحن المعتقدات التي نحملها بداخلنا والثياب الدينية الخاصة التي نرتديها والأكل المحدد الذي نأكله والشعائر التي نتّبعها والأعياد التي نحتفل بها؟ أليست كل هذه الأمور عبارة عن أشياء نؤمن بها ونقولها ونعمل بها فقط؟ هل ولدنا بالدين؟ انظر إلى مولودك الجديد... هل ينتمي إلى دين معين؟ هل خرج من رحم أمه مسلم أو مسيحي أو هندوسي أو أو أو؟ أو أنك أخبرته بدينه؟ إنه قد لا يعرف حتى بأنه طفل صغير... فنحن نصنفه هكذا... قد يكون الشيء الوحيد الذي يعرفه هو أنه موجود في هذا الوجود ويعيش فيه، قد يكون الآن "هو" على حقيقته.. متدين بدين الله دون حتى أن توجهه إلى أي شيء... يشعر بوجود الله ويعرفه أفضل مما نعرفه نحن! ولكن ماذا سيحمل يا ترى من مبادئ ومعتقدات دينية بعد 20 سنة... ومن سيظن نفسه آنذاك؟

 

نحن لم نولد بدين محدد ولكننا تربينا على معتقدات معينة وغالباً ما نأخذ بها وبهذا النمط من الحياة لأننا وجدنا الأمر هكذا وليس بالفطرة. قد يكون الموضوع حساس قليلاً فهناك من يصنف نفسه وبقوة تحت دين معين بينما لا يكون البعض الآخر كذلك... ولكن لو سألنا أنفسنا للحظة... جميع هؤلاء الناس التي تصلي وتعبد الله.. هل يعرفونه فعلا؟ أي هل توجد بداخلهم تلك الصلة به والشعور بحبه لهم ومبادلته هذه المحبة؟؟؟

إن الحقيقة واضحة وموجودة أمام الجميع! ولكن لو يفتحون أعينهم قليلاً!

 

أعظم وأفضل متأمل!

 

أن لا تصنَف تحت دين معين لا يعني أن تبتعد عن الله...على العكس تماماً، أن تتصل به طوال الوقت على مدى 24 ساعة بدلاً من أن تكون مجرد كلمات نقولها لدقائق معدودة في اليوم دون أي صلة حقيقية.. فستكون موصولاً بالله في داخلك أينما ذهبت... ستكون واحداً مع الواحد الأحد... ستكون محباً وواعياً لكل ما هو حولك ويصبح عملك عبادة. ولكن ألا ينبغي لنا أن نتوقف ونسأل أنفسنا.. أليس هذا شكل آخر من التصنيف؟ كلا... فأنا لا أصر على البحث والمشي في طريق التأمل، إنهما استعداد رائع بالتأكيد للبدء بالرحلة ولكن أن تكون أعظم متأمل على وجه الأرض أمر سيضع حدوداً لحقيقة من تكون!

 

من هي تلك الـ"نحن" الكبيرة!

 

لماذا تبدو صورنا في جوازاتنا دائماً سيئة ومضحكة؟ لماذا تكون الصورة التي نحملها معنا كإثبات لهويتنا في كل مكان لسنوات عدة هي ما يظهرنا كمطلوبين للعدالة؟! هل هي سخرية الكون أم أنها مجرد فرصة للضحك؟ لقد حان الوقت لكي تنظر إلى هذه الهوية أو الجنسية التي معك... وترى إلى أي مدى تنتمي إلى البلد الذي ولدت به؟ إلى أي مدى تعتبر وطني؟ إلى أي مدى تشعر بالسعادة عندما يربح وطنك ميدالية ذهبية أخرى في ألعاب الأولمبياد؟ إلى أي مدى تشعر بالتعاسة عندما يخسر كأس العالم؟ إنها مجرد لعبة أليس كذلك!

 

لقد لاحظت بأن الروسيين دائماً ما يقولون "في بلدي هذا.. وفي بلدي ذاك" بينما يقول الأمريكيون "نحن فعلنا هذا.. ونحن فعلنا ذاك" ولكن من هم هؤلاء الـ "نحن" المشهورين؟ أنت وأصحابك؟ قبيلتك؟ من تنتمي معهم إلى نفس العرق؟ إلى نفس الدين؟ أو ربما فريق كرة القدم المفضل لديك؟ فكم مرة تقول "سنواجه الفريق الآخر" أو "لقد غلبناكم"؟ هل شراؤك للقميص والوشاح والقبعة يعني بأنه أنت؟

 

إننا لا نتحدث عن "نحن" فقط ولكن أيضاً عن "هم"... وبالطبع نعشق المقارنة بينهما! فعلى سبيل المثال... ما الفرق بيننا "نحن" العرب وبينهم "هم" الغرب؟... إلى جانب نقطة الغين! هناك الكثير من الاختلافات سواء كانت في طريقة التحية أو العلاقات أو الأكل أو حتى التفكير...

 

إنها ليست مسألة صح أو خطأ ولا مسألة الأفضل والأسوأ... فكفانا مقارنة! ولكن كل ما في الأمر أنه وببساطة جميعنا نشأنا في بلدان مختلفة وتعلمنا القيام بالأمور بطرق مختلفة. فلو أن صينياً نشأ وترعرع في الكونغو الأفريقية لكانت تصرفاته وعاداته مختلفة ويتحدث بلغة مختلفة ويتبع لثقافة مختلفة... ولكن هل نحن البلد الذي ولدنا فيه والثقافة التي تلقيناها؟ هل أي منا عربي أو أمريكي أو أوروبي أو أفريقي أو استرالي أو صيني على حقيقته وبذاته الإنسانية؟

 

هل سمعت آخر نكتة!

 

تم عرض عربي وأمريكي وياباني على جهاز لكشف الكذب..

فقال الياباني: "نحن نفكر في الاعتماد على البشر وليس الرجل الآلي!" فأصدر الجهاز إشارة الكذب.

وقال الأمريكي: "نحن نفكر في حماية الأرض وليس في الوصول للمريخ واستيطانه!" فأصدر الجهاز الإشارة.

وقال العربي: "نحن نفكر... فأصدر الجهاز الإشارة!

 

إن الجنسية مجرد نكتة! ولكن هناك من يشعر بالإهانة إذا ضحكت على جنسيته أو بلده لأنه يعتقد بأنها هو! بينما في الحقيقة إذا نزعنا ثقافاتنا التي تلفنا كورق التغليف فسنجد بأننا جميعاً متشابهين تحتها... اعتقد بأن هذه القصة توضح ما أقصده تماماً...

 

كان هناك رجل مسافر وصل إلى حدود دولة غير معروفة ووجد رجلاً كبيراً في السن يجلس تحت شجرة، فذهب إليه وسأله عن أهل هذه الأرض الجديدة. ولكن الرجل الكبير بادله السؤال بسؤال "كيف هم الناس في بلدك أنت؟"

فقال المسافر: "إنهم طيبون وكرماء وبشوشون"

فقال الرجل: "ستجدهم في بلدي مثلك أيضاً!"

بعد عدة أيام، جاء مسافر آخر وذهب إلى الشجرة ليسأل الرجل أيضاً عن أهل هذه البلد التي يدخلها للمرة الأولى، فرد الرجل بسؤاله: "كيف هم الناس ببلدك أنت؟"

فقال المسافر: "إنهم دائماً على عجلة من أمرهم ولا يهتمون كثيراً بغيرهم بالإضافة إلى أن هدفهم الأساسي من الحياة هو المال وكيف يحصلون عليه"

فقال الرجل فورا: "ستجدهم في بلدي مثلك أيضاً"

 

إننا نقسم العالم إلى أقسام مختلفة... فهناك الشرق والغرب والشمال والجنوب وهذه القارة وتلك القارة ودول العالم الثالث والدول المتقدمة... ولكن إذا أزلنا الحدود ومحونا تلك الخطوط من على الخرائط ونزعنا جميع تلك الأسماء والملصقات التي وضعناها على الأرض... فماذا ستكون جنسيتنا؟ من نحن خلف تلك الأعلام الملونة وعاداتنا ومبادئنا الوطنية؟ هذا ما نريد معرفته!

 

الأبطال الخوارق

 

هل الرجل الخارق أو المرأة الخارقة مجرد خيال! أعتقد بأننا جميعاً خوارق! نعم... فنحن نبدّل شخصياتنا وأدوارنا في الحياة طوال اليوم، جميعنا نسعى لأن نكون أشياء مختلفة لمختلف الناس أو أسوأ من هذا... أن نكون كل شيء لكل الناس! ففي لحظة واحدة نتحول إلى شيء آخر تماماً بينما تحت هذه الملابس الرائعة كلنا ممثلين في مسرحية الحياة لا أكثر!

 

مشهد من هذه المسرحية...

تذهب للعمل وأنت نائب مدير بنك ما، فترتدي خلال الدوام قبعة "أنا مهم جداً".. فإذا سألك شخص ما من أنت تجيب بأنك نائب مدير البنك. ولكن عندما تذهب إلى منزلك في المساء وتسكب لنفسك كأساً من مشروبك المفضل وتسترخي أمام شاشة التلفاز... آملا بأن لا تأتي زوجتك لتسأل كيف كان يومك! فها أنت ذا... بدون قبعة نائب المدير، مجرد رجل جالس أمام التلفاز ترشف مشروبك إلى أن يأتي ابنك ذي 3 أعوام إلى الغرفة والذي لا يأبه بنائب المدير ولا الذي فعله اليوم... كل ما يعرفه هو أن يكون كما هو على حقيقته. ولذا فإنه يتسلق ليأتي إلى جانبك وينظر في عينيك ويقول "بابا لنلعب!"

 

فتبدل القبعات مرة أخرى... وتخلع قبعة "الرجل ومشروبه" لترتدي قبعة "الأب" وتصبح في لحظات على يديك وقدميك تزحف على أرض الغرفة! وبعدها تناديك زوجتك فتضع قبعة "الزوج"... وبعدها تتصل والدتك وتضع قبعة "الابن"!

 

لا شك في أننا نلعب أدواراً كثيرة في الحياة ونغير قبعاتنا دائماً ولكن سؤالي لك هو... من أنت في تلك اللحظة التي تمر بين تغيير القبعات؟ من أنت عندما لا ترتدي أي قبعة على الإطلاق؟ انظر إلى الأمر من منظور طفل الثلاث سنوات... إنه جديد على هذا العالم، ما زال عقله فارغاً من الأفكار والمعتقدات.. إنه لا يعرف بأنك نائب مدير البنك وبأنك أب تبلغ الـ 45 من العمر وتعتنق الديانة اليهودية، وبأنك تحب زوجتك وتكره والدتك.. بأنك تعاني من آلام في الظهر ومن طفولة مريرة! كلا فهو لا يرى قصصك التي تدور حول من تكون أنت! إنه يراك هنا.. هنا في هذه اللحظة فقط كشخص ليلعب معه! والحقيقة هي أن ما يراه هو الحقيقة... ما يراه هو أنت بذاتك عارياً من كل الأمور!

 

إن رحلة معرفة الذات في غاية البساطة! فهي مجرد خلع جميع القبعات والألقاب والقصص والأسماء التي وضعتها لنفسك... هذا ما أسميه بالتعرّي والخروج عن طريقك الذي تسير به الآن! فكم من الطاقة نهدر لكي نؤدي دور المدير الماهر والزوج المخلص والأب المرح والابن المطيع والصديق الوفي؟ كم من الطاقة نستطيع المحافظة عليها فقط بإلقاء صندوق القبعات بعيداً والعيش بحقيقتنا وذاتنا؟ إنه من الممتع طبعاً القيام بعدة أدوار وارتداء أقنعة مختلفة ولكن... متى هو الوقت الذي نشعر فيه باسترخاء وراحة حقيقية؟ فقط ذاك الوقت الذي نجلس فيه لنحتسي مشروبنا المفضل؟

 

والآن... وقت مستقطع!

 

نعم... فنحن بحاجة إلى وقت مستقطع في هذه المباراة التي نعيشها طوال الوقت... لماذا لا نحاول ولو للحظات قليلة في اليوم أن نخلع جميع القبعات التي نرتديها ونسقط جميع الأدوار التي نمثلها لنكون أنفسنا لا غير! أنت فقط دون قبعات ولا أدوار!

 

ما بعد الماضي!

 

لا يمكنك أن تغير الماضي... ولكن يمكنك أن تدمّر الحاضر الجميل وذلك بقلقك من المستقبل! بعضنا يعتقد بأننا خلاصة كل ما قمنا به إلى هذه اللحظة! بأننا تاريخ حياتنا! فالبعض يحاول أن يسعد نفسه بجعل سيرته الذاتية لامعة بنجاحات وأمجاد تركها خلفه، بينما يشعر البعض الآخر بالانزعاج لوجود مجموعة من التجارب الفاشلة أو المخزية في ماضيه! ولكن هل نحن فعلا تلك التجارب سواء كانت البطولية أو الفاشلة التي حدثت منذ 10 سنوات؟ هل يحدّد ماضينا حقيقتنا؟

 

عندما نلجأ للمخدرات أو المهدئات مثلاً للهروب من أنفسنا بدلاً من التوقف والرجوع إليها لمعرفتها! فنعتقد بأنه يمكنننا ذلك عن طريق إدماننا عليها ظناً منّا بأنها ستحسن الأمور... ولكن نتفاجأ بالعكس. فبعد النشوة وشعورنا بالسعادة للحظة نغرق فجأة في أعمق اكتئاب وألم قد نمر به في حياتنا... ولكن لا بد لك أن تقرر إما أن تستمر في هذا ويزداد السقوط إلى الهاوية أكثر أو أن تعود إلى حياتك السابقة وتنهي الأمر برمته. ففي النهاية هذه المخدرات لا تحل أي مشكلة بل تزيد الأمر سوءاً... فأنت لا تستطيع أن تهرب من ألمك ومعاناتك، بل عليك أن تواجه الأمر وتتعرف على نفسك لكي تتغلب عليه.

 

مهما كان الماضي بصعوباته وآلامه وأفعالنا غير المشرفة! فإنه لا ينبغي أن نشعر بأنه نحن... بل هي مجرد تجارب وتجارب جيدة! نعم فلولاها لما تعلمنا وعرفنا بأنه ينبغي لنا أن نتركها للمكان الذي تنتمي إليه... وهو الماضي... وأين هذا الماضي الآن؟ لقد اختفى، انتهى، مات للأبد، وكأنه لم يحدث أصلاً من البداية! أنت الآن ليس الشخص الذي تعاطى المخدرات بالأمس وليس الشخص الذي توقف عنها اليوم! فأنت لست الماضي من حياتك أو حيواتك السابقة كما أنك لست ملكك أنت! لأنك إنسان جديد في كل لحظة! لا بد لنا أن نرى الحقيقة الآن!

 

سوف أصبح... في المستقبل!

 

وبالطبع.. إذا لم نعتقد بأننا ماضينا نعتقد بأننا مستقبلنا، فدائماً ما نعتقد بأن الأمور ستكون على خير ما يرام... غداً! ونظل نعيش على هذا الأمل بينما يضيع الحاضر من بين أيدينا.

 

جميعنا نقوم بهذا لأننا تعلمنا بأننا لا بد أن نخطط جميعنا للمستقبل وذلك لأن المستقبل سيكون رائعاً فالحاضر لا يبدو كذلك! فنفكر "قد لا أكون شيئاً مهماً الآن ولكن بضع سنوات وسأري الجميع ما الذي يمكنني أن أفعله!" ولذا نبني هويتنا على من "سنصبح" ومن "نريد أن نصبح" غداً، لأننا لسنا راضين عما نحن عليه اليوم! "انتظروا حتى أحصل على تلك السيارة... ولن تضحكوا علي بعد ذلك!"

 

لنأخذ على سبيل المثال... رجل الغاز أو من يعمل في محطة الوقود أو أي عمل صنفنّاه على أنه غير مشرف! سترى أغلبهم غير راض وإذا سألته عن عمله سيقول لك فوراً "كلا إنه عمل مؤقت فأنا أحضر لرسالة الدكتوراه... أو أكتب بعض المؤلفات... أو أو أو" أنا لا أقول بأنه أمر سيء أن تحاول القيام بأمر ما بطرق مختلفة أو أن تجد حياة كريمة لنفسك... وبأن رجل الغاز لا ينبغي له أن يكمل دراسته وتعليمه.. كلا.. فإذا أردت أن تكون طبيبا كن طبيبا وإذا أردت أن تكون رياضياً كن رياضياً... فنحن جميعاً لا بد لنا أن نعمل لنكسب دخلنا بطريقة ما... ولكن من الأفضل أن تحب عملك الذي تقوم به بدلاً من أن تكرهه وتمقته على أساس أنه وسيلة لتصل إلى شيء آخر وحسب... والأهم من هذا، لا تخلط بين من تود أن تصبح ومن أنت في الحقيقة! ولا تقل لنفسك طوال الوقت "ستصبح شخصاً ما عندما..." لأنك عندما تصل إلى تلك الـ "عندما" من المستقبل ستظل تفكر وتقول الشيء نفسه مرة أخرى! حالياً فإن جميع أفكارك وتوقعاتك ومشاريعك وطموحك وأهدافك تعيقك عن ذاتك التي أنت عليها الآن!

 

فما أدراك... قد تكون "أنت" على حقيقتك أكبر وأفضل مما تحاول أن تكون... قد تكون الآن في هذه اللحظة كل ما تريد أن تصبح... إن رحلة العودة لذاتك الداخلية ليست أن تصبح شخصاً ما أو أن توجد هوية لنفسك... ولكنها التوقف عن محاولة خلق هذه الذات لكي ترى بأنها موجودة منذ زمن! في الحقيقة أنت لست من كنت عليه في الماضي ولا الذي ستكون عليه في المستقبل، فأنت هو أنت الموجود الآن... والذي لطالما كان وسيكون!

 

من أنت... الآن في هذا المكان والزمان؟

 

توقف للحظة! من أنت... الآن! انظر إلى نفسك من أنت في ذلك الفراغ الذي يمر في أجزاء الثانية بين الفكرة والفكرة قبل أن يمتلئ عقلك بالأفكار. ربما لا تعرف، ربما تكون قد اختفيت... إنها تلك اللحظات التي يتوقف فيها الفكر، كما يحدث في الصدمة أو المفاجأة، التي نستطيع فيها فعلاً أن نلمح وجهنا الحقيقي. فعندما لا يكون هناك وجود للأفكار أو الذكريات أو الأحلام أو جسد أو عقل أو هوية نتمسك بها...

عندها فقط نستطيع أن نعرف من نحن...

أن نكون أحياء إلى أقصى الحدود!

أن نكون صفحة بيضاء وجديدة بكل معنى الكلمة!

أن تكون إنسانا للمرة الأولى منذ قدومك إلى هذا العالم!

 

ماذا عن شخصياتنا؟

 

هناك مفهوم آخر وهو بأننا عبارة عن "الشخصية" كاملة! أي أسماؤنا وأعمارنا وجنسنا وشكلنا وتعليمنا وشهاداتنا ومواهبنا وعائلاتنا وديننا وجنسياتنا وماضينا ومستقبلنا... كل هذه الأمور مجتمعة! فنحن كل ما يقوم به هذا الجسد والعقل الإنساني أو يشعر به أو يفكر به أو يقوله!

 

الجميع يقوم بإيجاد شخصية معينة له وهذه هي المشكلة! فنحن نبدأ ببناء هذه الشخصية وهذه القصة التي ننسبها لأنفسنا منذ اليوم الذي نولد فيه! وبمرور السنين نعدّل هذه الشخصيات فنزيل ما نريد إزالته ونضيف أسطر جديدة على النص! فنجتمع في الحفلات لنتحدث عن شخصياتنا ونستمع إلى شخصيات الآخرين كذلك... "هل تعرف خالد! إنه شخص محبوب ولكنه وغد في بعض الأحيان" و"تعرفين سارة، إنها في الحقيقة ليست بالهدوء الذي تبدو عليه!" وبمجرد حصولنا على بعض التفاصيل عن حياتهم نعتقد بأننا عرفناهم فنصنفهم كما نريد "امممم، إنها من برج العقرب لا بد أنها جذابة!" و"يا إلهي إنه من برج الأسد... احذر منه!"

 

إن الشخصية عبارة عن قناع... فنحن نضعها ونخفي حقيقتنا تحتها، إننا نمضي بداية حياتنا في بناء شخصيتنا وتطويرها وفي تحديد شكل القناع الاجتماعي. وهذا القناع نستطيع تغييره كما نريد ليبدو بأي شكل نريد، حيث نستطيع وضعه ونزعه في أي وقت بالإضافة إلى إيجاد شخصيتين عامة وخاصة بدلاً من واحدة فقط. نعم... إذا أردنا أن نمزّق هذه الشخصية المزيفة فلا بد لنا أولاً من معرفة حقيقة هذه الشخصية... فهذا ما تتطلبه الرحلة الداخلية، تمزيق جميع الأقنعة الاجتماعية وتحطيم جدران هويتنا إلى أن نغدو متجردين وعاريين من كل ما يخفي "من نحن".

 

إن الشخصية عبارة أساساً عن مجموعة من المعلومات... مجرّد أفكار عن حقيقة من نكون موضوعة على شكل كلمات. ولكنها ليست أمور ملموسة بل في غاية الرقة والهشاشة وقد تختفي في أي لحظة... إن الشخصية هي عبارة عن "من نعتقد بأنه نحن" والكلمة الأساسية هنا هي "نعتقد"! فالاعتقاد مجرد فكرة... وهذا ما تعتمد عليه الشخصية... "الفكرة" ولكن عندما لا يكون هناك فكرة فلا يكون هناك شخصية، ألم تلاحظ من قبل في تلك اللحظات التي يتوقف فيها العقل عن التفكير مثل لحظات الصدمة أو التأمل بأننا نفقد شخصياتنا على الفور ونصبح مثل المساحة الفارغة! إن هذا هو ما نتحدث عنه نزع جميع طبقات شخصياتنا ليظهر وجهنا الحقيقي من تحتها.

 

لا تنظر للأنا... ولا تشعر بالأنا... ولا تكون الأنا!

 

لقد تحدثنا عن الشخصية والهوية ولكن ماذا عن "الأنا"؟ إننا نستخدمها عادة بمعنى الغرور فنقول عن شخص مزهو بنفسه بأن "الأنا لديه تَسَع الأرض الكاملة!" فنتحدث عن الأمر وكأنه مرض مريع يوجد لدى البعض فقط بينما لا يعرفه الآخرون! ولكن لو نظرنا للأمر من منظور آخر سنجد بأنها كلمة مرادفة لشخصيتي "أنا" وهويتي "أنا"... في الحقيقة جميعنا نعاني من هذه المرض!

 

إننا نتعامل مع الأنا وكأنها أمر ملموس بينما في الواقع هي مجرد مجموعة من الأفكار موجودة في عقولنا تعبر لنا من نكون، ولذا عندما نقرأ عن قتل الأنا وتجاوز الأنا فإنه يعني ببساطة أن نسقط تلك القصة التي نعتبرها نحن... فلن نتمكن فعلا من رؤية الحقيقة إلا بتصفية العقل من جميع الأفكار... إنه أمر سهل وبسيط وليس عملية حسابية معقدة!

 

غالبا ما نمضي الجزء الأول من حياتنا نعظم وننفخ في هذه الأنا ونبعد أكثر عن حقيقتنا... ولكن فقط بانفجار هذه الفقاعة التي تسمى الأنا يمكننا أن نرى حقيقتها وبأنها مجرد كلام فارغ! وعندها سنضحك عليها فلن نرى الأنا... ولن نشعر بالأنا... ولن نكون الأنا!

 

نحن أبعد من حدود السماء!

 

إن شخصياتنا أو هويتنا مجرد مجموعة متنقلة من الأفكار ولكي نوضح الأمر لنتخيل أن شخصيتنا عبارة عن منزل وكل صفة في هذه الشخصية نافذة في هذا المنزل، وبما أننا نملك الكثير من الصفات في الشخصية الواحدة فهناك الكثير من النوافذ في المنزل... وبما أننا نحاول دائماً تطوير شخصيتنا فإننا دائماً نلمّع النوافذ لكي تصبح نظيفة وبراقة أكثر... وبما أننا نميل إلى أن نتخصّص في شيء معين في الحياة فإننا نلمع نافذة أو اثنتين أكثر من غيرهما!! ظناً منّا بأننا نحن هذه النافذة التي تطل على هذا الجزء الصغير من الحياة!

 

وها نحن ذا كل مشغول بتلميع قطع الزجاج هذه بينما كل ما نحتاج إليه هو فتح النافذة والطيران خارجها! وعندها سنرى بأننا لسنا هذه النافذة الصغيرة ولا هذا المنزل أيضاً ولكننا السماء اللا محدودة! وإذا نظرنا للأسفل سنرى بلايين الناس الذين ما زالوا عالقين في منازلهم ويلمعون نوافذهم معتقدين بأنهم شخصياتهم! ولكن إذا ضحكت وقلت ساخراً "إنني حر الآن بينما ما يزال هؤلاء عالقين في السجن" قد تسقط في فخ الاستكبار... ولكن إذا نظرت للأسفل وبدلاً من السخرية أمعنت النظر بدقة ووعي شديد فإنك سترى بأن كل شخص يحاول جاهداً أن يتقدم في حياته بأفضل ما يستطيع وبأنه موجود تماماً كما هو مقدر له.

 

يقولون في الشرق بأن المنزل يحتوي على العديد من النوافذ ولكنه لا يعرف إلا "سماء واحدة"... شخصيتنا لها عدة أشكال ولكن ذاتك الحقيقية واحدة، والعظيم في الأمر أنه بمجرد ما أن تعرف بأنك أبعد من حدود السماء تستطيع أن تمرح كثيراً! فتستطيع أن تعود للمنزل وتجعل كل النوافذ لامعة وتفعل ما تريد وتلعب بما تريد... لأنك تعرف الآن بأنك تلك السماء الشاسعة، إنها في غاية البساطة... منزلك ليس مكانك وشخصيتك ليست حقيقتك!

 

وما المهم من كل هذا؟

 

قد تتساءل الآن عن أهمية كل ما نتحدث عنه... فتقول ما المهم سواء عرفت من أنا أم لا؟ وسأقول لك... ليس مهما أبداً! "أنت هو أنت!" سواء علمت بهذا أو لا! فقد تكون حقيقتك نائمة وغافلة عن كل شيء وقد تكون واعية ويقظة، ولكن الحياة تستمر من خلالك مهما كان! فالوجود لا يعتمد عليك ليعيش ولا يعتمد عليك كشخصية مسرحية لا بد لها أن تستيقظ! فالوجود دائماً حاضر وفي استمرارية دائمة بغض النظر عما تفعله وتقوله وتفكر أو تشعر به! أنت حر... فإذا لم ترغب في أن تستيقظ... رائع! إذا كنت مشغولاً جداً في الجري وراء هذه الحياة أو أنك لا تهتم بالأمر فلا مشكلة! فقط كن حياً ومحباً وضاحكاً... وضع هذا الكتاب جانباً!

 

ولكن إذا أردت أن تستيقظ وتصحو من هذه الغفوة... رائع! إذاً كان عطشك للمعرفة موجود ورغبتك الملحة في البحث موجودة وفعلاً تهتم بأمر ذاتك... إذاً فالأمر مهم. واعلم بأنه إذا أردت فعلاً أن تصل للحقيقة فستجد طريقك وتجد كل ما تحتاج إليه. وبالتالي.... إذا كان الأمر ممكناً وبيدك اليقظة والقدرة... لم لا؟ ما الذي يمنع المحاولة؟

 

كل ما أستطيع قوله هو بأني جربت كلا الجهتين من السور، ومعرفتي لمن أكون أمر أبعد من حدود الروعة وللأسف لا يمكن للكلمات إعطاؤه حقه من الوصف! فاليقظة لا يمكن وصفها أبدا ولا مقارنتها بالغفوة والعيش مثل الأموات... واليقظة لا تعني أن يصبح كل شيء خالياً من الأخطاء ولكنها تعني أن لا ترى الأخطاء...

إنها لا تعني أن تحصل على كل شيء ولكنها تعني بأن تعرف ما هو الشيء...

إنها لا تعني أن تكون متميزاً ولكنها تعني بأن تكون عادياً جداً... لتتميز بحقيقتك كما أنت!

 

فالاستنارة ومعرفة الذات لا تعني بأنها ستدفع عنك أجورك! فستظل تدفع ثمن قهوتك كما هو!! للأسف لن يصبح أي شيء بالمجان!

 

وفي النهاية... كل ما تحتاج إليه هو النكتة... أيتها السمكة العطشة في محيط الحياة!

 

بينما كان القطار يشق طريقه متوجه إلى فرنسا كان يجلس في داخله أربعة أفراد متقابلين: ' أمريكي وأفغاني وفتاة وامرأة عجوز، دخل القطار في نفق مظلم فسمع الركاب صوت قبلة، ثم تلاها صوت صفعة على الوجه فلما خرج القطار من النفق شوهد الأمريكي يحك خده وقد احمر، فدار هذا الحوار:

قالت العجوز في نفسها: يا لها من فتاة أبية قبّلها الأمريكي فصفعته على وجهه.

وقالت الفتاة في نفسها: يا له من أمريكي تعس، قبّلني لكن العجوز صفعته.

وقال الأمريكي في نفسه: يا له من أفغاني محظوظ، يقبل الفتاة وأتلقى أنا الصفعة.

وقال الأفغاني في نفسه: يا لي من أفغاني ذكي، قبلت الفتاة ثم صفعت الأمريكي!!!

أضيفت في:11-7-2008... كلمة و حكمة> من قلب الأحباب
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد