موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

الوعي والتواصل

كي نفهم الطريقة التي يعمل من خلالها الدماغ لتسهيل التواصل، لا بد من أن ندرس
العلاقات القائمة بين مكوناته المختلفة. ويتمثل الجزءان الرئيسان من مقدمة الدماغ
والمخيخ المتلازن. وبما أن مقدمة الدماغ متمدد أكثر فهو بالتالي ين أكثر أما المخ فهو يانغ أكثر. ويمكننا أيضاً أن نقسم الدماغ إلى منطقة مركزية تعرف بالدماغ الأوسط، ومنطقة محيطية تعرف بالقشرة. والتواصل يمثل التفاعل بين العامل المتلقي والعامل المرسل. وبما أن الدفعات ذات العامل المرسل قابلة للتمدد، يمكن اعتبارها ين أكثر، بينما المرسلات ذات العامل المرسل تعتبر يانغ أكثر.

ولكي يتم التواصل على نحو صحيح، من الضروري تحقيق التوازن بين هذين العاملين. وفي الدماغ، تشكل المناطق المركزية والأكثر تلازناً الجزء الذي يتم فيه تلقي الصور والدفعات. أما التواصل المرسل فينشأ في المناطق المحيطية الأكثر تمدداً. ويشكل الدماغ الأوسط الجزء المركزي. وبالتالي فإن الدفعات العصبية كافة كتلك المنبعثة من العينين والأذن والأنف والجلد تتجمع في هذا الجزء. وإن مختلف الدفعات التي نتلقاها من محيطنا الخارجي تجتاز جهازنا العصبي وصولاً إلى هذا الجزء من الدماغ الأوسط. من ناحية أخرى، إن جميع الصور والأحلام والذبذبات الفكرية التي نرسلها إلى الخارج تنشأ في المنطقة المحيطية أي القشرة.

وعندما نقسم الرأس إلى جزئين، جزء أمامي وجزء خلفي، نجد أن الجزء الأمامي أكثر تمدداً، بينما الجزء الخلفي أكثر صلابة وتلازناً.

وفي ما يخص إرسال الدفعات وتلقيها، يتلقى الجزء الخلفي من الدماغ الذبذبات
الآتية إليه من الخارج، في حين ترسل الذبذبات نحو الخارج من الجزء الأمامي. وفيما
تبعث الذكريات الماضية وهي يانغ أكثر من مؤخرة الدماغ، تنشأ الصور المستقبلية الين في مقدمته.

ونلاحظ في الواقع، الاختلاف نفسه بالنظر إلى العلاقة القائمة بين النصف الأيمن والنصف الأيسر من الدماغ، فالنصف الأيمن وهو يانغ أكثر يشكل مصدر الوعي والأفعال
الآلية، بينما النصف الأيسر هو ين أكثر وتنشأ عنه الأفكار المعقدة والمصقولة، أما في ما يتعلق باللغة، فنشير إلى أن العبارات البسيطة أو الأساسية تنشأ في النصف الأيمن، بينما النصف الأيسر يولد التعابير المصقولة والمشذبة. ولأن التخيل يستند بمعظمه إلى التفكير بالمستقبل، نلاحظ أنه ينمو أكثر في النصف الأيسر، في حين يستند التفكير في النصف الأيمن إلى تجارب ماضية. وإن ما يجعل الإنسان يميل إلى تطوير أحد نوعي التفكير (المستقبل أو الماضي) هو الاختلافات المناخية والجغرافية في العالم. وبالتالي، في بعض أنحاء العالم، يميل الناس أكثر إلى التفكير الخيالي، بينما في أنحاء أخرى، يرتكز تفكيرهم على تجاربهم الماضية. ولا شك في أن كل إنسان يتمتع بنوعي التفكير، ولكنه يميل في العادة إلى واحد منهما بحسب المكان الذي يعيش فيه.

أما التفكير العلمي، فيستند بمعظمه إلى الإثبات الحسي لنظرية أو فكرة ما من
خلال الاختبار الموجه. وهذا يشكل مثالاً على التفكير الناشئ عن النصف الأيمن من
الدماغ. من ناحية أخرى نشير إلى أن الشعراء والأدباء والأشخاص الذين لديهم ميول دينية أو روحانية يستندون في تفكيرهم إلى الخيال أكثر منه إلى الاختبار، وهم بالتالي يستخدمون النصف الأيسر من الدماغ أكثر مما يستخدمون النصف الأيمن. وبالإجمال يمكن تصنيف الحضارة الغربية على أنها حضارة نظرية، في حين تشكل الحضارات الآسيوية المختلفة حضارات فنية جمالية. فالحضارة النظرية ترتكز إلى التفكير الناشئ عن النصف الأيمن، فيما الحضارة الجمالية تستند إلى التفكير الناشئ عن النصف الأيسر.

وتنطبق هذه الظاهرة أيضاً على العلاقة المتممة والمتضادة القائمة بين الماضي
والمستقبل، حيث يشكل النصف الأيمن من الدماغ منبع الذكريات الماضية، ويشكل النصف الأيسر منه مصدر الرؤية المستقبلية.

وقد تطورت حضارتنا التكنولوجية بفضل النمو الحيوي للتفكير الناشئ عن النصف الأيمن من الدماغ. ولكن هذا النوع المحدود من التفكير والنشاط قد استوجب
تكاثر أنواع مختلفة من أطعمة الين كالسكر المكرر والمنتجات الكيميائية والتوابل والفواكه الاستوائية، كما استوجب تصنيع مواد مفرطة التمدد كحبوب منع الحمل أو المخدرات(LSD) . وبالتالي، فإن الكثير من الشباب في بعض الدول الحديثة قد تعرضوا لهذه الأنواع من الغذاء منذ الولادة، وكثيرون منهم تناولوا أدوية ومخدرات (LSD).

وكان أن أحدثت هذه المنتجات المتطرفة تحولاً سريعاً من التفكير الناشئ عن النصف الأيمن من الدماغ، وهو التفكير المسيطر في المجتمعات الحديثة، إلى التفكير الناشئ عن النصف الأيسر، تماماً كما أحدثت تحولاً من التفكير الناشئ في مؤخر الدماغ إلى التفكير الناشئ في مقدمته.

ونتيجة لذلك، بدأ الكثير من الشباب ينظرون نحو المستقبل، متجاهلين أو متناسين العديد من التقاليد القديمة. ومثال على ذلك حركة (الجيل الجديد) (NEW AGE) التي نشأت منذ سنوات في الولايات المتحدة، وأصبحت بعض أشكال التعبير الفني الناشئة عن تنشيط النصف الأيسر من الدماغ، كالموسيقى والشعر، جزءاً لا يتجزأ من هذه الحركة.

وفي ما يتعلق بالتواصل، نشير إلى أن هذه الحركة قد ركزت على الجانب الأكثر تمدداً
من الإرسال. وفي كثير من الحالات، يؤدي الاستهلاك المستمر للأطعمة المتطرفة إلى فقدان التوازن، بحيث يغلب الإرسال على الاستقبال (أو التلقي). وإن غلبة جانب الإرسال في التواصل تشكل ما يعرف بالإيثار (أو حب الغير)، في حين تشكل غلبة جانب التلقي ما يعرف بالأنانية.

والإيثار يتجلى أكثر لدى الأشخاص الذين يتبعون نظاماً غذائياً نباتياً، بينما الأنانية تتجلى أكثر لدى أولئك الذين يعتمدون في غذائهم على المنتجات الحيوانية. ونلاحظ في ما يتعلق بفرعي الجهاز العصبي المستقل أن الأعصاب اللاودية تنشط أكثر أثناء الليل فيما الأعصاب الودية السوية تنشط أكثر في النهار. أما في ما يخص التواصل، فيلاحظ أن جهاز الأعصاب اللاودية يقوم بوظيفة تلقي الدفعات والذبذبات، بينما جهاز الأعصاب الودية السوية يعنى بإرسال الدفعات والذبذبات، وفي الواقع، ينشط جهاز الأعصاب اللاودية أكثر بين الساعة الواحدة والساعة الثالثة من بعد منتصف الليل. وخلال هذه الفترة، يشهد الكثير من الأشخاص ما يعرف (بالحلم الحقيقي) أي الرؤية التي يمكن أن تتحقق في مكان آخر. ومثال على ذلك أن يحلم أحد الأشخاص بوفاة صديق أو قريب له، ليكتشف في اليوم التالي أن هذا الصديق أو القريب قد مات فعلياً.

ما يحدث في الواقع هو أنه مع اقتراب الموت يصبح الصديق أو القريب المحتضر ين أكثر، مما يعني أن الأجزاء الأكثر تمدداً في الجهاز العصبي كالأعصاب الودية السوية وقشرة الدماغ تنشط أكثر. وتقوم هذه الأجزاء بإرسال الصور في هيئة ذبذبات تلتقطها الأعصاب اللاودية للشخص الذي يرى الحلم، فتظهر لديه صورة صديقه أو قريبه.

ومن هنا يمكننا القول أن جسم الإنسان يعمل كآلة تواصل معقدة مبينية على شيفرة الين واليانغ، أو الإرسال والتلقي.

وإن هذه الشيفرة البسيطة تشكل أيضاً أساس الكمبيوترات المعقدة والتفاعلات القائمة في الكون. فعلى سبيل المثال، كل خلية من خلايا الإنسان تحتوى على مكونين كيميائيين متممين لبعضهما البعض ومتضادين. ويتمثل المكون الأول بحمض الديوكسي ريبونوكلئيك الأكسجين (DNA) ونجده في النواة المركزية، بينما المكون الآخر هو حمض الريبونوكلئيك (RNA) الذي نجده أكثر في السيتوبلازم المحيطي. وفي ما يتعلق بالتواصل، يقوم حمض الديوكسي ريبونوكلئيك بدور عامل تلقٍ في الخلية، في حين يشكل حمض الريبونوكلئيك عامل إرسال. ويمكن القول أيضاً أن الأول يشكل مخزناً للذكريات أو الماضي، فيما يشكل الثاني الإمكانيات المستقبلية للنمو.

وبالتالي، فإن عناصر اليانغ في جسم الإنسان كالأعصاب اللاودية والعظام والأعضاء المتلازنة وحمض الديوكسي ريونوكلئيك تعمل كلها على تلقي الذبذبات و تشكل
مخزناً للذكريات الماضية. أما العناصر الين في الجسم، كالأعصاب الودية السوية والأعضاء الغائرة وحمض الريبونوكلئيك، فترسل الذبذبات وتولد الرؤية المستقبلية.

وتنشأ هذه العلاقة نفسها بين الدماغ وأجزاء الجسم الأخرى. ففي المساحة
الصغيرة نسبياً من الدماغ، نجد مليارات الخلايا المتلازنة والتي يتوافق كل منها مع خلية من مليارات الخلايا السابحة في الجزء المتمدد من الجسم. ومن هنا نقول أن الدماغ المتلازن يقوم في عملية التواصل بدور المتلقي، بينما أجزاء الجسم الأخرى تقوم بوظيفة الإرسال.

وبالنسبة للزمن، يشكل الدماغ المحلل الرئيس للذكريات الماضية، بينما الجسم ككل
موظف في عملية تحقيق الأحلام أو الرؤية المستقبلية. وفي الواقع، إن جسم الإنسان هو نسخة عن الكون، حيث يمثل الدماغ الكون الماضي، وتشكل أجزاء الجسم الأخرى الكون المستقبلي. وجسمنا المتمدد يعتبر نسخة عن تمدد الكون في كافة الاتجاهات. ولكن الكون نفسه خاضع لنظام لامتناه من التغير، حيث يتحول التمدد إلى تقلص والتقلص إلى تمدد بشكل مستمر.

ففي الماضي، كان الكون يتقلص أكثر مما يتمدد، وانعكست هذه الظاهرة في الدماغ
المتلازن. وللبشر قدرة على جعل الذكرى تتجاوز نقطة بداية الكون إلى الماضى اللامتناهي، فيما يمكن للصورة أو الحلم أن ترسل باتجاه المستقبل اللامتناهى.

واللانهائية تتميز ببعدين هما البعد الزماني اللامتناهي والبعد المكاني اللامتناهي.
ويشتمل البعد المكاني اللامتناهي على الجانب الين من اللانهائية، باعتباره يتمدد دوماً في الإتجاهات كافة، وهو أيضاً مصدر جميع الصور والذبذبات التي ترسل إلى كل مجرة وكوكب في الكون.

ومقارنة بالبعد المكاني، يشغل البعد الزماني الجانب اليانغ من اللانهائية وهو يعمل
على تجميع أو تكثيف كافة الظواهر. وبما أن الإنسان نسخة عن الكون اللامتناهي، فإن مقدرته تشتمل على الجانبين كليهما، فيظهر البعد المكاني اللامتناهي في وعي الإنسان في هيئة المقدرة اللامتناهية على الحب الذي يشكل ظاهرة متمددة، في حين يتجلى البعد الزماني اللامتناهي في هيئة المقدرة على إحياء ذكريات لامتناهية.

وتتصل هاتان المقدرتان بعضهما ببعض في شكل علامة الجمع (+)، حيث يمثل الحب اللامتناهي البعد المكاني العمودي، وتمثل الذكريات اللامتناهية البعد الزماني الأفقي، ونجد في مركز هذه الصورة، جسم الإنسان. وعندما يتبع الإنسان نظام الماكروبيوتك الغذائي، يبقى جسمه نقياً لا تعترضه السموم أو الرؤية المشوشة أو الذبذبات المضطربة العائدة إلى أشخاص آخرين يأكلون اللحوم والسكر أو يفرطون في الأكل. وإذ
يزداد الإنسان حساسية، يبدأ باستعادة الذكريات اللامتناهية، بمعنى أنه يبدأ بالتقاط
الذبذبات من اللانهائية. وفي الوقت نفسه يبدأ بإرسال الصورة أو الحلم في هيئة ذبذبات إلى اللانهائية. وعندها، يصبح بمقدور هذا الإنسان الذي يعيش في كوكب الأرض أن يعرف ما يحدث على بعد ملايين السنين الضوئية، أو ما حدث منذ مليارات السنين، وتعرف هذه المقدرة بالوعي الكوني. وفي الواقع، إن نمو هذه القدرات التي تحدثنا عنها أعلاه لا يستوجب تدريباً خاصاً، بل هي تتطور بصورة طبيعية من خلال اتباع نظام الماكروبيوتك.

فنحن عندما نأكل بكميات صغيرة ونمضغ الطعام جيداً ونشغل أنفسنا بالعمل، ننمي
مقدرتنا على استقبال وإرسال الذبذبات من وإلى اللانهائية.

أضيفت في:14-6-2006... الغذاء و الشفاء> الجهاز العصبي
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد