موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

لا نجاة إلا بالثقة... بالعروة الوثقى..

إن الشك والإيمان ليسا اثنان... بل وجهان لعملة واحدة لذلك يضيع بينهما الإنسان..

وانقسمت البشرية قسمان:

قسم ملحد يشكك بالله والأديان.. ويفتخر أنه مفكر وعلمي فهمان...

وقسم مؤمن يعتقد بها ويؤدي فروضها.. ويفتخر أن لديه الإيمان...

يجب أن نفهم هذا جيداً، لأن كثيراً من الناس يعتقدون أنهم إذا اعتقدوا وآمنوا بشيء ما، فقد تجاوزوا الشك وتغلبوا عليه بالإيمان.

الإيمان يشبه تماماً الشك، لأن كلاهما من عمل الفكر...

فكرك يجادل ويقول "لا"... لا يجد أي إثبات لقول "نعم".. عندها ستشك.

أو أنه بعدها يجادل ليقول "نعم".. يجد الإثبات له أيضاً.. وعندها ستؤمن.

لكنك في كلا الحالتين أنت تؤمن بالتفكير، في كلا الحالتين تؤمن بالجدال..

الفرق موجود فقط على مستوى السطح، لكنك في العمق تؤمن بالتفكير والمنطق،

لكن الثقة هي اليقين.. هي الانسحاب من ضباب الفكر والتفكير...

الثقة فعلاً شيء مجنون! غير منطقي! وتافه بالنسبة للفكر!

وانتبه.. الثقة ليست اعتقاداً أو إيمان.... الثقة هي قضية شخصية فردية.

الإيمان شيء معطى أو مباع أو مستعار.. شيء من البرمجة والأفكار...

الإيمان هو تشفير من الأهل والتربية والمجتمع.. لذلك أنت لا تهتم أو تنشغل به كثيراً.

إنه شيء يعطيه لك الآخرون، وليس اكتشافك أو نتيجة بحثك وجهدك... لهذا هو قناع مزيف..

قناع مزيف مثل الذي يرتديه الناس يوم الجمعة أو يوم الأحد أو في رمضان...

تجد وجوه الناس مختلفة تماماً ستة أيام في الأسبوع وإحدى عشر شهراً في السنة..

لكن في الأيام المحددة للصلاة أو الصيام.. فجأة يلبس الناس الأقنعة وخاصة رجال الدين والسياسيين... راقب كيف يتصرف الناس في الجامع أو الكنيسة.. بإنسانية وخشوع واحترام.. نفس الناس الذين كانوا يتقاتلون وحتى المجرمين يأتون للصلاة.. راقب وجوههم...

تبدو فعلاً جميلة وبريئة رغم أنها تغطي شخصية شنيعة!

في الجامع هناك وجه خاص مناسب، وقد علموك كيف تستخدمه جيداً منذ صغرك.

الإيمان شيء مستدان... أما الثقة فهي نمو في الوجدان...

عندما تواجه الواقع وتعيشه وتتعامل معه، شيئاً فشيئاً تصل لقناعة أن الشك يقودك إلى جهنم من البؤس... كلما شككت أكثر ستصبح بائساً أكثر... وإذا شككت بصورة تامة ستعيش في بؤس تام.

إذا لم تكن في بؤس تام، فهذا لأنك لا تستطيع أن تشك بشكل تام: لا يزال عندك بعض الثقة.

حتى الشخص الملحد لا يزال عنده ثقة...

حتى الشخص الذي يشك بوجود الدنيا لا يزال يثق... وإلا فلن يستطيع أن يعيش أبداً.

إذا أصبح الشك مطلقاً، لن تقدر على الحياة لحظة واحدة... كيف يمكنك أن تتنفس إذا كنت تشك؟

إذا كنت فعلاً تشك، من يعلم ما إذا كان الهواء ساماً أم لا؟ من يعلم ما نوع ملايين الجراثيم التي تدخل جسمك مع كل نفس ونفس؟ من يعلم ما إذا كان مرض السرطان يدخل مع الهواء وخاصة هذه الأيام المليئة بالتلوث والإشعاع في كل مكان من الأرض؟؟؟

إذا كنت فعلاً تشك فلن تقدر حتى على التنفس... لن تقدر أن تعيش لحظة واحدة وستموت فوراً.

الشك انتحار ودمار... لكنك لا تشك بشكل تام أبداً، لذلك تبقى بين الحياة والموت.. تجرّ نفسك جراً.. لكن حياتك ليست حية وحيوية.... فقط فكر بهذا:

إذا كان الشك المطلق انتحار وهذيان، فالثقة المطلقة هي أعظم حياة ممكنة للإنسان...

هذا ما يحدث للإنسان الذي يثق.. يثق دائماً... وكلما وثق زادت قدرته على الثقة أكثر... وزادت أبواب الحياة المفتوحة أمامه... فهو يشعر أكثر.. يعيش أكثر وبحيوية أكبر... فتصبح الحياة غبطة حقيقية...

الآن يستطيع أن يثق أكثر.. وهذا لا يعني أنه لن يُخدع!

إذا وثقت فهذا لا يعني عدم مجيء أحد ما ليخدعك ويسرقك... بل في الواقع، سيخدعك أناس أكثر لأنك صرت حساساً وغير حصين أبداً.

إذا وثقت، سيغشك أناس أكثر، لكن لا أحد سيقدر على جعلك بائساً، هذه هي النقطة الواجب فهمها.... يمكن للناس أن يخدعوك ويسرقوا منك أشياءك وأن يستدينوا منك المال ولا يعيدوه لك، لكن لا أحد سيجعلك بائساً.. هذا مستحيل.. حتى لو قتلوك لن يقدروا على جعلك بائساً.

عندما تثق، الثقة تجعلك غير حصين أبداً، لكن في ذات الوقت تجعلك منتصراً وملك الملوك، لأن لا أحد يستطيع أن يهزمك.

يمكنهم أن يغشوك ويخدعوك ويسرقوك، وقد تصبح شحاذاً لكنك ستبقى ملكاً.

الثقة تصنع ملوكاً من الشحاذين، والشك يصنع شحاذين من الملوك...

انظر إلى أي رئيس أو ملك لا يقدر أن يثق... تجده خائفاً باستمرار.. لا يمكنه الوثوق بزوجته، ولا بأولاده، لأن أملاكه كبيرة ووفيرة ستجعل أولاده يقتلوه أو زوجته تسممه.. فلا يمكنه الوثوق بأي شخص.. عدم الثقة عنده ستجعل حياته جحيماً لا يطاق.. حتى إذا نام لن يستطيع أن يرتاح.. فمن يعرف ماذا سيحدث غداً؟

الثقة تجعلك منفتحاً أكثر فأكثر..

طبعاً عندها سيمكن حدوث أشياء أكثر...

عندما تفتح أبوابك سيتمكن الأصدقاء من الوصول إلى قلبك

وكذلك الأعداء سيصلون أيضاً... الباب مفتوح للبوح.

لذلك هناك احتمالان:

إذا أردتَ أن تبقى بأمان واطمئنان، أغلق أبوابك وأقفلها جيداً واختبئ خلفها.. والآن لا يمكن لأي عدو أن يدخل، لكن أيضاً الصديق لن يقدر أن يدخل... حتى لو أتى الله لن يقدر أن يدخل!

الآن لن يقدر أحد على خداعك.. لكن ما فائدة هذه الحالة المحالة؟ أنت تعيش في قبر....

ميت بانتظار يوم الدفن... لن يقدر أحد على قتلك لكنك ميت سلفاً ولا تستطيع الخروج إلى النور... تعيش في بر الأمان طبعاً لكن ما نوع هذه الحياة بين القضبان؟

عندها ستنتبه وستفتح الباب.

الشك هو إغلاق الباب... والثقة هي فتح الباب...

وعندما تفتح الباب ستصبح كل البدائل متاحة في الساحة... قد يدخل العدو أو الصديق...

قد تدخل الرياح، وتحمل معها شذى الأزهار الفواح... أو تحمل معها جراثيم السل الذباح..

الآن كل شيء ممكن الحدوث... الخير والشر... الجيد والسيء... الحب سيأتي وكذلك الكراهية... الله قد يأتي أو الشيطان... وهذا هو الخوف من أن تسير بعض الأمور بشكل خاطئ، فتخاف وتغلق الباب.... لكن، عندها كل شيء سيكون خاطئاً!

افتح الباااااااااااااب...

قد يسير شيء ما بشكل خاطئ، لكن إذا كانت ثقتك مطلقة لن يبقى هناك شيء خاطئ بالنسبة لك...

حتى في العدو ستجد الصديق... وحتى في الشيطان ستجد الله.. وأن ترى الله في كل شيء..

الثقة تحويل وتبديل، لن تبقى فيها قادراً على رؤية السوء، لأن نظرتك تغيرت تماماً.. من البصر إلى البصيرة.

هذا هو معنى: "أحبوا أعداءكم وباركوا لاعنيكم"... ومعنى: "وإذا الذي بينك وبينه عداوة فإذا هو وليّ حميم"....

كيف يمكن لك أن تحب أعداءك؟!!!

لقد كانت هذه دائماً مشكلة البشرية وخاصة علماء الدين المعتقدين بأنفسهم أنهم عارفين...

كيف يمكن لك أن تحب أعداءك؟... لكن الشخص الواثق يمكنه ذلك لأنه لا يعرف أي عدو..

الواثق لا يعرف إلا الصديق... سواء في أي هيئة يأتي لا فرق...

إذا أتى ليسرق فهو صديق، إذا أتى ليأخذ أو أتى ليعطي فهو صديق...

عندما قُتل الحلاج وصلب وقطعوا جسمه، نظر إلى السماء وقال آخر كلماته: "لكنك لا تستطيع أن تخدعني!"

كان هناك حشد كبير من الناس وكان الحلاج مبتسماً رغم الدماء... سأله أحدهم عن معنى كلماته ومع من يتكلم.. فأجاب: "إنني أتكلم مع الله ربي: سواء في أي شكل تأتيني لا يمكنك خداعي، فأنا أعرفك جيداً... لقد أتيتَ الآن بهيئة الموت وقد عرفتك أيضاً".

الإنسان الواثق لا يمكن أن يُخدع... فمهما أتى إليه وواجهه سيكون مقدساً لأن الثقة تجعل كل شيء مقدس.. وما رميتَ إذ رميت ولكن الله قد رمى...

الثقة تحويل وتبديل... خيمياء وسحر عظيم... لا تحوّلك أنت فحسب بل تحوّل العالم كله بالنسبة لك.... وأينما نظرت ستراه في كل شيء... في الصديق وفي العدو... في النهار وفي الليل.. في الشتاء وفي الصيف.. في الشبع وفي الجوع والغنى والفقر... الثقة أساس كل نمو روحي عند الإنسان.

 

علينا الانتقال من الإيمان إلى الثقة...

الإيمان شيء يقدموه لك، الثقة شيء تجده بنفسك...

الإيمان يقدمه لك أهلك ومجتمعك، الثقة تحتاج لبحثك وعملك وعطشك...

الثقة شيء فردي خاص بك... الإيمان شيء كالسلعة تشتريها من السوق.

طبعاً يمكنك شراؤها.. يمكنك بسهولة أن تصبح مسلماً أو مسيحياً أو هندوسياً... شيء بسيط يمكن لأي رجل دين أحمق من أي دين أن يبيعك الإيمان واليمين...

الثقة ليست سلعة... لا يمكنك إيجادها جاهزة في أي مكان... عليك أن تمرّ بكثير من التجارب... وتدريجياً تنبع الثقة في قلبك... وتغيرك وتحوّلك... فتظهر نوعية جديدة ونور جديد...

عندما ترى أن الشك يجلب البؤس، عندها ستأتي الثقة....

عندما ترى أن الإيمان شيء ميت، عندها ستأتي الثقة....

عندما تنتمي إلى دين ما وتعلن أنك مسيحي أو هندوسي أو مسلم.. هل انتبهتَ يوماً ما أنك ميت تماماً؟! أي نوع من المسيحيين أنت؟ أو من المسلمين؟ إذا كنت مسيحياً حقاً فستكون مسيحاً... وإذا كنت مسلماً حقاً فستكون نبياً... لا أقل من هذا أبداً...

الثقة ستجعلك نبياً ... والإيمان سيجعلك مسلماً فحسب.. بديل رخيص عن الأصيل.

كيف تعتقد نفسك مسيحياً لمجرد ذهابك إلى الكنيسة وقراءتك للإنجيل؟

كيف تعتقد نفسك مسلماً لمجرد صلاتك في الجامع وحفظك بعض الآيات والأقاويل؟

إيمانك ليس معرفة أو عرفان، بل مجرد جهل ونسيان....

 

حدث مرة أن أتى بروفسور في الهندسة ليلقي محاضرة علمية.. وصدف أن كان فيها رجل دين أكبر شيخ في البلدة... بعد المحاضرة قال الشيخ للبروفسور: "لقد كانت محاضرة جميلة فعلاً.. لكن لأكون صريحاً معك، لم أستطع أن أفهم أي كلمة منها"

أجاب البروفسور: "في هذه الحالة، سأقول لك ما تقوله أنت في العادة لمن يستمع إليك.. تحلّى بالإيمان ولا تسمح للشيطان أن يوسوس لك!"

عندما لا تقدر أن تفهم، عندما تكون غارقاً في الجهل، يأتي إليك المجتمع بأكمله ويقول: "تحلّى بالإيمان والصبر!"... لكنني أقول لك: الشك أفضل من الإيمان المزيف.

من الأفضل أن تشك... لأن الشك سيجلب البؤس... الإيمان عزاء وتعزية ومسكنات...

الشك سيجلب البؤس، وعندها سوف تبحث عن الثقة...

هذه أكبر مصيبة حدثت في العالم:

بسبب الإيمان، نسيتَ كيف تبحث عن الثقة...

بسبب الإيمان، أصبحت عديم الثقة!

بسبب الإيمان، صرتَ ترى الجثث أينما ذهبت...

صار الناس في علب الأديان والطوائف.. وقد فاتهم السر الذي أتى به كل الأنبياء...

بسبب الإيمان، تعتقد أنك متدين... وبهذا يتوقف سعيك وبحثك.........

الشك الصادق أفضل من الإيمان المزيف

إذا كان إيمانك مزيفاً، وكل أشكال الإيمان مزيفة ما لم يكن ناتجاً عن نموك ووعيك وتجربتك بنفسك... كل أشكال الإيمان مزيفة!

فكن صادقاً.... شكك بكل شيء! وعاني! لا مشكلة أبداً.. لأن المعاناة فقط هي التي ستجلب لك الفهم والعرفان... وإذا عانيت فعلاً فيوماً ما ستدرك لوحدك أن الشك هو الذي يجعلني أعاني.. وعندها يمكن للتحويل أن يحدث فوراً.

 

لا يمكنك أبداً استخدام الفكر للوصول للحقيقة أو للثقة، لأنك لم تكن شكاكاً صادقاً ولا مرة في حياتك... إيمانك مزيف، والشك مخفي في العمق... فقط على السطح هناك قناع من الإيمان الظاهري... وأنت في عمق كيانك تشك، لكنك خائف من الاعتراف لنفسك، لهذا تستمر بالتعلق بالإيمان والدفاع عنه، وتستمر بأداء "فرائض وحركات" الإيمان!

يمكنك تأدية الوضعيات والحركات، لكن من خلالها لا يمكنك الوصول للواقع والحقيقة... يمكنك أن تذهب لأي معبد وتنحني وتركع، أي تؤدي حركات شخص واثق، لكنك لن تنمو من خلالها، لأنه عميقاً داخلك لا يوجد أي ثقة... لا يوجد إلا الشك، وقد تم فرض الإيمان وطلائه من الخارج.

الأمر يشبه تقبيلك لشخص لا تحبه

من الخارج، كل شيء يبدو عادياً، فأنت تقوم بوضعية التقبيل جيداً... ولا يستطيع أي عالم أن يجد أي فرق... إذا قبلتَ شخصاًَ ما، فالصورة في الكاميرا، والظاهرة الجسدية الفيزيولوجية، وانتقال ملايين الجراثيم من شفة إلى أخرى، كل شيء سيبدو متشابهاً.. سواء كنت تحبه أم لا...

إذا قام عالم بمراقبة الحادثة ودراستها فلن يجد أي ذرة من الفرق...

لكنك أنت تعلم... عندما تحب شخصاً ما، سيخترقكما شيء من المجهول الخفي الذي لا يمكن لأي آلة أن تحدده وتصوره... عندما لا تحب الشخص، يمكنك تقديم القبلة لكن لن يخترق كيانك أي شيء.. لن تسري أي طاقة أو نور أو تواصل... والحالة نفسها مع الإيمان والثقة.

الثقة هي قبلة مع محبة من أعماق القلب... والإيمان هو قبلة من الشفاه دون أي محبة

 

إذاً من أين نبدأ؟؟

الخطوة الأولى هي البحث والتعمق في الشك...

ارمي بالإيمان المزيف كله... وابدأ كشكاك صادق ومخلص مع نفسك.... وإخلاصك سيساعدك...

إذا كنتَ صادقاً فكيف سيفوتك أن الشك هو الذي يصنع لك البؤس؟

إذا كنتَ مخلصاً لا بد أن تعرف.... عاجلاً أم آجلاً ستدرك أن الشك يجلب لك البؤس ويزيد الطين بلة.. وفقط من خلال الألم نتعلم.

وعندما تصل لنقطة يكون فيها البؤس شديداً لا يمكن تحمله، سوف ترميه وتطير...

ليس أنت تماماً الذي سيرميه، لكنه سيختفي لوحده...

وحالما يختفي الشك بعد أن عانيت منه الكثير، ستبدأ تلقائياً رحلتك إلى الثقة

والثقة أعظم كنز ولغز... واثق الخطى يمشي ملكاً ونبياً وأكثر...

بقرب الله... مع الله ... في الله ... الله .....

أضيفت في:13-7-2011... في قلب الله> الله و الألوهية
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد