موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

الخوف ليس له معابد، بل له فقط سجون

الإنسان دوماً وحيد... يعيش في العتمة دون أي دعم أو سند... يعيش حياة تمتلئ بالخوف وتفتقد الأمان.. هذه الوحدة هي سبب قلقه وخوفه، وطريق التخلص منها هي الدّين... الدين في الأساس هو طريقة العيش بجرأة دون خوف.

لكن الأديان السائدة التي هي أديان بالاسم فقط، هي أكثر من يخاف من الجرأة ذاتها.. دعمها ومصدر حياتها هو الخوف في قلوب الناس... الخوف ذاته هو غذاؤها وحياتها... والجرأة هي نهاية حياة الأديان كلها.

لقد تم استغلال الخوف في قلب الإنسان بشكل كبير، وفي هذا السباق للاستغلال لم تكن الأديان متأخرة بل دوماً في المقدمة... فمع مساعدة الخوف ظهرت للوجود الكائنات الماورائية الخارقة للطبيعة، مع مساعدة الخوف ظهر ما يدعونه "الله" في الأديان.

الكائنات الخارقة مدعومة بالخوف، لم تقم إلا بتهديد الناس ولم يكن ذلك سوى لعبة ممتعة بالنسبة لها! لكن ذلك "الله" المدعوم بالخوف قد قتل الإنسان تماماً.... لقد كانت لعبته مكلفة جداً.. وأصبحت الحياة مقيدة بشبكات معقدة من الخوف، وكيف يمكن للفرح والسعادة أن توجد حيثما يوجد الخوف ولا شيء سوى الخوف؟ كيف يمكن للحب أن يوجد؟ كيف يمكن للسلام أن يسود؟ كيف يمكن للحق والحقيقة أن تُعرف؟

السعادة هي فرع من شجرة الجرأة...

الخوف هو موت، والجرأة هي حياة أبدية...

يمكننا فهم أن الكائنات الخارقة تعيش على الخوف، لكن أن يعيش الله أيضاً على الخوف: هذا شيء غير لائق أبداً!

وإذا كان الله أيضاً يتغذى على الخوف، فلن يكون هناك أي مهرب من قبضة الكائنات الخارقة...

أقول لكم: ليس لله أي علاقة بالخوف... بالتأكيد، تحت غطاء الله وبإسمه قام شخص آخر باستغلال هذا الخوف...

الدين ليس موجوداً في أيدي الناس المتدينين الصادقين... قيل مرةً، أنه متى ما حدث اكتشاف للحقيقة، فإن الشيطان هو أول من يمسك بها ويستولي عليها... الأرواح التي تجسّدَ وتجلّى فيها الدين، والأشخاص الذين يتعاملون بالدين، ليسوا فقط مختلفين بل متضادين تماماً... لقد كان الدين دائماً ولا يزال في أيدي أعدائه، وإذا لم ندرك هذه الحقيقة قبل فوات الأوان فلن يكون هناك مستقبل جيد للإنسان، ولا شيء يستحق الانتظار.

الدين يجب إنقاذه، ليس من أيدي الكفار بل من أيدي من يدعون أنفسهم متدينين.. ومن دون شك هذه مهمة شاقة أصعب بكثير...

طالما الدين يستند على الخوف، لا يمكنه أن يكون ديناً حقيقياً.. أساس الله هو الحب.. الله ليس له أي علاقة بالخوف.. والإنسان يحتاج إله الحب في كل نفس ونبض..

لا يوجد أي طريق إلى الله سوى الحب... الخوف ليس خطأ فحسب لكن قاتل أيضاً، لأن وجود الخوف يقود للكراهية وانعدام الحب..

أراد الدين أن يعيش على الخوف، ولذلك تدمرت كل معابده تدريجياً...

المعابد هي معابد الحب لا الحرب... معابد الخوف يستحيل أن تستمر...

الخوف ليس له معابد، بل له فقط سجون... أسأل الناس أحياناً: "هل معابد دينكم هي معابد أم سجون؟"

إذا كان الدين خوفاً، ستكون المعابد سجوناً... إذا كان الدين خوفاً، فالله ذاته لن يكون أكثر من المدير العام لكل تلك السجون.

ما هو الدين؟ خوف من الخطيئة؟ خوف من النار والعقاب؟ أو طمع بالجنة؟ ثمناً للأعمال الجيدة تطمع بهدايا الجنة؟

لا... الدين ليس خوفاً ولا طمعاً... والطمع ما هو إلا امتداد من الخوف.

الدين هو الجرأة والشجاعة... حرية من كل أنواع الخوف... كما قالت رابعة لله: أحبك لا خوفاً من نارك ولا طمعاً بجنتك، أحبك لأنك أهل للحب...

هناك قصة قديمة عن أخوين عاشا في قرية... وكانا أكبر الأثرياء في القرية.. ربما كان اسم القرية "قرية الظلام".

كان الأخ الأكبر متديناً جداً.. يذهب للمسجد يومياً وبانتظام.. يعطي الصدقات والزكاة ويعمل أعمال الخير... يستمع للخطبات والوعظات والنقاشات والتفسيرات الدينية... لا يجلس إلا مع الناس الجيدين ومع شيوخ رجال الدين.... وبسببه كان شيوخ الدين يجتمعون كل يوم في منزله... وبفضل اهتمامه المستمر بالله والشيوخ كان من المؤكد أن الجنة هي نصيبه بعد الموت... هذا ما شرحه له الرجال الصالحون ورجال الدين، وهذا مكتوب أيضاً في الآيات والنصوص المقدسة، لأن نفس المجموعة من الرجال هي من كتبت تلك النصوص.

من جهة أولى، كان الأخ الأكبر يستغل الثروة.. ومن جهة ثانية يعطي الصدقات ويفعل أشياء جيدة... طبعاً، الجنة لا يمكن الحصول عليها دون زكاة وصدقات!... لكن ليس هناك ثروة دون استغلال... هناك ثروة تأتي من سلوك نقيض للدين، وهناك دين يأتي من الثروة!!... هكذا استغلّ الأخ الآخرين، ورجال الدين استغلوه، وكان المستغلون دوماً أصدقاء جيدين.

لكنه كان دوماً يشفق على أخيه الصغير.. فلم يكن جيداً في جمع المال، وبالتالي لم يقدر على جمع الدين أيضاً... سلوكه الفطري المليء بالمحبة والحقيقة كان يعترض طريقه للوصول إلى "الله".... وهكذا لم يكن يذهب للمسجد ولم يعرف حتى تهجئة حروف النصوص المقدسة... كانت حالته دون شك تثير الشفقة، وحسابه المصرفي في العالم الآخر مفلس تماماً.

اعتاد الأخ الصغير على تفادي أولئك الصالحين ورجال الدين أيضاً، مثلما يتجنب الناس الأمراض المُعدية.. إذا دخل الشيوخ إلى البيت من أحد الأبواب، تجده يخرج بسرعة من الباب الآخر... وكان أخوه الكبير كثيراً ما يطلب من الشيوخ أن يغيروا قلب أخيه غير المتدين...

كان من الممكن حدوث تغيير لو أنه بقي بقرب الشيوخ قليلاً، لكنه لم يكن يبقى معهم أبداً... في أحد الأيام، جاء أكبر الشيوخ وصاحب أطول لحية وأضخم عقل ومنطق وأكثر حجج وبراهين في المدينة.. لا أحد يعرف كم من الكفار قد حوّلهم إلى متدينين صالحين... كان شيخاً ماهراً خبيراً في نظريات السلام والاسلام والتسليم والإقناع والتهديد والتقسيم والتوحيد.. فقد كان اختصاصه الخاص تحويل الناس وإدخالهم في الدين... إنه شيخ من الشيوخ الذين تقوم عليهم أساسات الدين، وإلا لكان الدين قد اختفى منذ زمن بعيد.

عندما ألحّ الأخ الأكبر على الشيخ الكبير قال له: "لا تقلق.. ذلك الأحمق سيكون في ورطة الآن بإذن الله.. وستشاهد قريباً أنه يتذكر الله إنشاء الله.. أنا دائماً أوفي بوعدي عندما أعد بأي شيء"... بعد قوله هذا تناول عصا طويلة وذهب برفقة الأخ الأكبر... لقد كان شيخنا الجليل مصارعاً قوياً في الماضي، بعد ذلك وجد في مهنة الدين اختصاصاً أفضل وأربح من المصارعة فأصبح شيخاً.

وصل إلى الأخ الصغير وأمسك به على الفور، لم يمسك به فحسب بل أوقعه على الأرض وجلس فوق صدره... لم يقدر الأخ الصغير أن يفهم ماذا يحدث... وصمت من الدهشة والمفاجأة.. لكنه قال: "ما هذا يا سيدي؟"

قال الشيخ: "تغيير في القلب"

ضحك الشاب وقال: "رجاء دعك من هذا.. هل هذه طريقة مناسبة لتغيير قناعات القلب؟ انتبه فقد تؤذي جسدي بوزنك الثقيل!"

قال الشيخ: "نحن لا نؤمن بالجسد الفاني... نحن نؤمن بالله فقط... قل الشهادة فوراً أشهد أن لا إله إلا الله وعندها فقط سأتركك... وإلا لن تجد أي مقاتل أسوأ مني"... كان الشيخ كريماً جداً، لذلك وحرصاً على منفعة وصلاح الشاب كان مستعداً لتحطيم جسده قطعة قطعة.

قال الشاب: "ما هي العلاقة بين الخوف وبين الله؟ وهل الله له اسم أو عبارة محددة تناديه بها؟ وهل هو بحاجة لشهادتي أم أنني أنا بحاجة للشهادة الحية في أعمالي وليس فقط بقول عبارة رخيصة ببساطة؟.. لن أقول شهادة لا إله إلا الله سواء قتلتني أم لا".. وعندها دفع الشيخ بقوة فسقط بعيداً عنه.

بعد سقوط الشيخ نهض وقال: "جميل جداً ما شاء الله ما شاء الله! لقد قلتَ ما يجب عليك أن تقول!! حتى في قولك بأنك لن تقول شهادة لا إله إلا الله، فقد نطقتها بعظمة لسانك."

كان الأخ الأكبر غاضباً جداً من أخيه لأنه أوقع الشيخ على الأرض، لكنه كان سعيداً جداً بكلام الشيخ.. فقد جعل أخاه الكافر ينطق بالشهادة أخيراً... مجرد جمال وجلال صوت كلمات الشهادة هائل جداً، لدرجة أنه حتى لو قالها شخص ما بالخطأ ستأخذه بعيداً عن الدنيا الفانية وتوصله إلى جنة الخلود.... في ذلك اليوم، أقام الأخ الأكبر وليمة كبيرة لكل سكان القرية احتفالاً بأخيه الصغير الذي أصبح متديناً بعد عناء طويل.

أضيفت في:11-4-2014... زاويــة التـأمـــل> رسائل من نور
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد