موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

تغيير النفس و تغيير الملابس

سألتني امرأة: "أريد أن أغيّر نفسي... فماذا عليّ أن أفعل؟"

فقلت: "أول شيء، تجنّبي تغيير الملابس.. لأنه في العادة متى ما أتت لحظة الثورة في حياة الشخص، نجد أن فكره يشغله بتغيير الملابس... هذا ملائم للفكر وهنا يجد الأمان والضمان...

مع تغيير الملابس لن يموت الفكر، ومن ناحية ثانية سيحصل الفكر على حياة أطول في الثياب الجديدة بدلاً من القديمة المهترئة.


مع تغيير الملابس لن يحدث تغيير في النفس، ومن ناحية ثانية يحدث إشباع للنفس، وإشباع النفس انتحار".

 

سألتني المرأة: "أي ثياب؟؟؟"

فقلت: "هناك أنوع عديدة من الثياب... هناك أنواع عديدة من خداع النفس... عليكِ الانتباه من أي شيء يمكن ارتداءه كقناع... أي شيء يغطّي حقيقة النفس هو شيء يؤدي إلى خداع النفس... هذه هي فقط الأشياء التي أدعوها ثياب.

إذا كان الشخص مذنباً خاطياً سيرتدي ثياب الصلاح والإحسان... إذا كان الشخص عنيفاً سيرتدي ثياب اللاعنف... إذا كان الشخص جاهلاً، سيحشو نفسه بالكتب المقدسة والكلمات ويغطي نفسه بمعرفتها.... إنها خدعة قديمة من الفكر الكافر عندما يرتدي قناع الدين لأجل الهرب من الدين.... ألا يمكنك رؤية ما أتكلم عنه في كل مكان حولك؟"

 

عندها فكرت المرأة قليلاً وقالت: "أريد أن أصبح راهبة وعازبة"

فقلت: "انتهى الأمر!! اعتبري أن تغيير الملابس قد بدأ.. متى ما أراد الشخص أن يصبح شيئاً ما، فهذا إعلان بأن مؤامرة الفكر قد بدأت... الطموح بأن نصبح شيئاً هو الفكر بحد ذاته... هذا الطموح تحديداً يريد تشويه ما هو موجود، ويريد ارتداء قناع شيء غير موجود... القدوات والمُثل هم آباء كل الأغطية والأقنعة.

إن الذي يريد معرفة الحقيقة، ولا يوجد أي ثورة أصلية ممكنة دون معرفة الحقيقة، عليه معرفة ذلك الموجود فعلاً.... الثورة ستصبح مثمرة ليس بالطموح لما هو غير موجود، بل بكشف الغطاء عما هو موجود....

عندما يصل المرء للمعرفة الكاملة لحقيقة نفسه، فهذه المعرفة تصير ثورة... وفي ثورة المعرفة لا يوجد فجوة من الزمن.... عندما يكون هناك فجوة زمنية فلن يكون هناك ثورة... بل هناك فقط بحث عن الغطاء وعن التغيير".

 

بعدها رويتُ هذه الحادثة.... أتى رجل إلى أبو حسان العارف الحكيم وقال: "آه يا شيخي، يا حبيب الله... أنا خائف من حياتي المليئة بالذنوب، وعازمٌ على تغيير نفسي... أريد أن أصبح شيخاً قديساً.. فهلا أشفقتَ عليّ وعلّمتني؟؟ ألا تقدر أن تعطيني الثياب التقيّة التي ترتديها دائماً؟ فأنا أيضاً أريد أن أصير تقياً بعد ارتدائها".... وانحنى الرجل واضعاً رأسه عند قدميّ أبي حسان وملأهما بالدموع... لم يكن هناك شك حول رغبته العميقة، ألم تكن دموعه الوافرة شاهدة على ذلك؟

ضحك أبو حسان وقال: "يا صديقي، قبل أن أرتكب خطأ إعطائك ثيابي، هل تسمح لطفاً أن تجيب على سؤالي؟ هل تقدر أي امرأة أن تصير رجلاً بارتداء ثياب رجل؟ أو هل يقدر أي رجل أن يصير امرأة بارتداء ثيابها؟".

جفف الرجل دموعه... ربما قد أتى إلى مكان خاطئ... وقال: "لا".

بدأ أبو حسان يضحك وقال: "خذ.. هذه ثيابي... لكن ماذا سيهمّ حتى لو ارتديتَ جسدي أيضاً؟.. هل أصبح أي شخص قديساً بارتداء ثياب القديس؟".

ولو أنني كنتُ مكان أبي حسان لقلتُ: "وهل قدر أي شخص أن يصبح قديساً بمجرد أن تعجبه الفكرة ويحب هذه الشخصية؟!"

القداسة تأتي.... إنها ثمرة المعرفة... ومتى ما كان هناك رغبة لأن تكون شيئاً ما، فليس هناك معرفة.. لأن الفكر المدفوع بالرغبات لا يعرف الراحة والاستقرار، وأين هي المعرفة في جو التوتر والقلق؟

متى ما كان هناك رغبة لتكون أي شيء، فهناك هروب من النفس، وكيف سيقدر الذي يهرب من نفسه أن يعرفها؟؟؟

لذلك أقول: "لا تهرب، بل استيقظ.... لا تغيّر شيئاً بل انظر وشاهد... لأن الشخص اليقظ والذي يشاهد نفسه، يجد الدين يأتي إليه ويطرق بابه".

 

أقامَ رجلٌ ثريّ حفلة لأصدقائه في إحدى المناسبات... وكان ملك ذلك البلد حاضراً أيضاً في الحفلة.. لذلك لم تعرف سعادة الثري حدوداً في الحفلة... لكن عندما بدأ الضيوف بتناول الغداء، تحوّلت سعادته كلها إلى غضب.. لأن أحد الخدم بينما كان يقدم له الطعام، سكب طبقاً مليئاً بالطعام الساخن على قدمه.

احترقت قدم الثري واشتعلت نار الغضب في عيونه... بالتأكيد لا يمكن لهذا الخادم أن يبقى على قيد الحياة... وكان الخادم يرتجف من الخوف، لكن الغريق يتعلّق ولو بقشة.... وكدفاعٍ عن نفسه، اقتبسَ قولاً من الكتب الدينية المقدسة في ذلك البلد: "إن الجنة من نصيب الذي يقدر على التحكم بغضبه".

سمعه السيد الثري.. كانت عيونه مليئة بالغضب، لكنه تمالك نفسه وقال: "أنا لستُ غاضباً".

عندما سمع الضيوف قوله هذا، طبعاً صفقوا له بحرارة وحتى الملك ذاته أثنى عليه... وتحوّل الغضب في عيون ذلك الثري إلى افتخار واستكبار... وشعر بنفسه مترفعاً عالياً فوق السماء.

لكن الخادم قال مجدداً: "والجنة من نصيب الذي يعفو ويصفح.. والعفو عند المقدرة من شيم الكرام"

فقال سيده: "أنا أسامحك"

مع أن الصفح والسماح كان موجوداً في تلك العيون المليئة بالاستكبار، لكن الاستكبار أيضاً يمكنه التغذية حتى على السماح... كم هي خفيةٌ طرق الاستكبار!

الآن، ظهر ذلك الثري كرجل متديّن جداً أمام ضيوفه... لقد كانوا يعرفونه دائماً كرجل مستغلّ ومجرم... لكنهم مع رؤية وجهه الجديد تفاجئوا جميعاً... والملك الذي كان جالساً في المقدمة، نظر إليه أيضاً وكأنه ينظر لشخص أعلى منه... ذلك الثري لم يعد الآن على هذه الأرض.. ورأسه كان مطلاً فوق الغيوم!

في النهاية، أكمل الخادم الكلام الديني حتى آخره: "لأن الله يحبّ من عنده رحمة... ارحموا مَن في الأرض يرحمكم من في السماء"

نظر الثري حوله... لقد كان الطمع الدنيوي دائماً يملأ عيونه... واليوم قد أصبح طمعاً أخروي... من طمع الدنيا إلى طمع الآخرة وهل تغيّر شيء؟... قال للخادم: "اذهب فأنت حر الآن... لستَ خادماً لي بعد الآن".... وأعطاه أيضاً كيساً مليئاً بالذهب.

في عيون الثري، تحوّل الغضب إلى افتخار، وتحول ذلك الآن إلى طمع..... غضب، طمع، كراهية، خوف، عنف... أليست كل هذه مظاهراً تتجلى من الطاقة نفسها؟... وإذا كان الدين رخيصاً لهذه الدرجة، فمن من الأثرياء لن يرغب بشرائه؟

 

أليس الدين يقف أيضاً على دعامات من الخوف والطمع؟

وأسألكم هنا، ما هي إذاً دعامات الكفر؟!

أليس الافتخار والاستكبار واقفاً في أعلى قمة معابد الدين؟

وأسألكم أيضاً، ماذا يقف إذاً في قمة معبد الكفر؟

أضيفت في:8-5-2014... زاويــة التـأمـــل> رسائل من نور
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد