موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

ملك الملوك و قائد القادة

في بلد من البلدان بين أميركا واليابان، كان هناك قائد طيب وقوي لكنه غارق في بحر من القلق يغمره حتى أذنيه... عندما تغرقك المقلقات فهي تغرقك بأقصى شدة وتغمرك بكاملك، لأنه عندما يدخل أحدها إلى قلبك ستلحق به البقية الباقية.

الشخص الذي يسمح بدخول أحد المقلقات، يقوم في اللاوعي بفتح الطريق أمام البقية.. ولهذا السبب تحديداً، تأتي النساء بالجملة وليس بالمفرّق.. لا أحد يلتقي بمسبّب وحيد مفرد للقلق!

 

من المفاجئ أن القادة والملوك كثيراً ما يغرقون بالمقلقات، بالرغم من حقيقة أن الذين يتحررون من كل المقلقات هم القادة والحكام الحقيقيون.... العبودية للقلق عظيمة جداً، حتى أن كل السلطة المطلقة للقائد الإمبراطور لا تقدر على إزالتها... ربما لأجل نفس السبب، طاقات كل الحكومات وأهل السلطة تقف في خدمة المخاوف والمقلقات.

في العادة، يرغب الشخص أن يصير ملكاً قائداً لأجل السلطة والقوة والاستقلال... لكنه في النهاية، يجد أنه لا يوجد أي شخص عديم القدرة ومعتمد على الآخرين وغير ناجح أكثر من القائد، لأن الشخص الذي يريد استعباد الآخرين يتحول هو ذاته إلى عبد للعبيد.... كل ما نريد أن نربطه ونتحكم به، ينجح في النهاية بربطنا والتحكم بنا.

 

لأجل الاستقلال، ليس من الأساسي التحرر من استعباد الآخرين لنا فحسب، بل التحرر من عقلية استعبادنا للآخرين أيضاً.

 

كان ذلك القائد مُستعبَداً أيضاً مثل الآخرين الذين يقودهم... وبدأ يحاول أيضاً قهر الأرض وجنة السماء.. لكن بعد انتصاره وجد أنه يجلس على كرسي عرش جهنم!... كل ما يربحه الافتخار والاستكبار يثبت في النهاية أنه جهنم، والافتخار يستحيل أن يربح الجنة، لأن الجنة تكمن في زوال الافتخار والاستكبار.

 

والآن صار الملك يريد التحرر من جهنم التي قهرته ذاتياً داخلياً..... لكن، من الصعب الوصول للجنة ومن السهل فقدانها، ومن السهل الوصول لجهنم ومن الصعب فقدانها.... أراد الملك التحرر من ألسنة نيران القلق، ومن منا لا يريد ذلك؟ من منا يريد الاستمرار بالجلوس على عرش جهنم؟ لكن كل من يرغب بالجلوس على كرسي الحكم عليه أن يجلس تحديداً على كرسي جهنم.... وتذكّر، لا يوجد كراسي في الجنة... فقط كراسي جهنم تبدو ظاهرياً مثل كراسي الجنة من مسافة بعيدة.

 

في الليل والنهار، في النوم والصحو، كان ذلك القائد يتصارع مع المقلقات بكل الأوقات... لكن المرء بيدٍ واحدة يزيل مقلقاته، وبألف يدٍ أخرى يقوم بنفسه بدعوة جميع المقلقات.

كان على الملك أن يتحرر من المقلقات وكذلك أن يصبح قائداً سيداً وقوياً.. ربما كان يفكر أنه بعد أن يصبح القائد الأعلى في الأرض سيقدر أن يتحرر من كل أنواع القلق... حماقة الإنسان دوماً ترسم له مثل هذه الاستنتاجات... لذلك أراد الملك مناطق جديدة ليحكمها كل يوم.. الشمس الغائبة في المساء يجب ألا تجد حدود مملكته التي أشرقت منها شمس الصباح..

كان يحلم كل ليلة بالفضة ويتنفس الذهب بدل الهواء... لكن بالنسبة للحياة، مثل هذه الأحلام والأنفاس خطيرة جداً، لأن الأحلام الفضية تصبح سلاسلاً تعيق التنفس، وأنفاس الذهب تسكب السم في الروح... والأثر المذهل الناتج عن خمرة الطمع لا يمكن أن ينكسر إلا بالموت.

 

وأتى وقت المساء في حياة الملك العظيم... كانت الحياة تغيب في الجانب الآخر، وبدأ الموت يبعث رسله....

كانت القوة والحيوية تتناقص كل يوم، والمقلقات تتزايد بنفس المقدار... وكانت حياته في خطر... إن ما يزرعه الشخص في شبابه سيحصده في كبره.. وبذور النباتات السامة لن تزعجك وقت زراعتها، بل ستقتلك فقط وقت نضج الحصاد... أولئك الذين يشاهدون المصيبة في البذرة ذاتها لا يقومون بزراعتها... لا يمكنك التخلص من البذرة بعد زراعتها.. لا مهرب أبداً من قطاف المحصول.

وقف ذلك الملك وسط المحصول الذي زرعه بنفسه.. وللهرب منه، فكر حتى بالانتحار... لكن الطمع بالحكم والقيادة والأمل بأن يصير قائداً عالمياً في المستقبل لم يسمح له حتى بذلك... بإمكانه فقدان الحياة، وهو فعلاً قد فقدها، لكن من سابع المستحيلات أن يستغني عن القيادة... ذلك كان فوق كل قوته وسلطته.. فتلك الرغبة تحديداً كانت كل حياته، وفقط مثل هذه الرغبات التي تبدو ظاهرياً مشابهة للحياة، هي التي تدمرها.

 

في أحد الأيام وللتخلص من مقلقاته ذهب بعيداً إلى المرج الأخضر أسفل التلال... لكن الهرب من المقلقات كان أصعب بكثير من الهرب من القبر... ربما يقدر الشخص أن يهرب من القبر لكن ليس من القلق، لأن القبر خارجي والقلق داخلي... كل ما هو في الداخل سيبقى معك دائماً في الداخل.. في كل مكان وزمان... دون تغيير النفس من أعماق جذورها، لا يوجد أي مهرب منه.

 

كان الملك راكباً على حصانه وذاهباً بعيداً في الغابة... وفجأة سمع نغمة ناي راقصة.. كان هناك شيء غامض في النغمة جعله يتوقف ثم يتوجه بحصانه إلى مصدرها.

بجانب شلال صغير وتحت ظل شجرة كبيرة، كان راعي شاب يعزف على الناي ويرقص... والخراف ترتاح في مكان قريب... قال له القائد: "يبدو أنك سعيد جداً وكأنك وجدتَ سر القوة وأصبحت ملك الملوك وقائد القادة؟".... أجاب الراعي: "رجاءً، اشكر الله أنه لم يعطيني القوة ولا القيادة، لأنني في هذه اللحظة أنا ملك وقائد، لكن عندما نصل للقيادة لا يبقى أي أحد قائداً".

 

تفاجأ القائد وسأل: "دعني أعرف ماذا تملك أنت حتى يجعلك قائداً؟"

قال الراعي الشاب: "من استغنى اغتنى... ليس بالثروة بل بالاستقلال يصبح الشخص قائداً... ليس لديّ سوى نفسي بحوزتي ولا يوجد أي ثروة أكبر من ذلك، ولا أقدر أن أفكر بأي شيء يمتلكه القائد ولا أمتلكه أنا... لديّ عيون لترى الجمال، لدي قلب ينبض بالحب، ولدي المقدرة على التأمل والصلاة... النور الذي تعطيه الشمس لي ليس أقل من الذي تعطيه للقائد.. وأشعة القمر المتلألئة التي يرشها عليّ ليست أقل من التي يرشها على القائد... الأزهار الجميلة تتفتح لأجلنا بمقدار ما تتفتح لأجل القائد... القائد يأكل حتى يملأ معدته وعندما ينام يغطي جسمه وأنا أفعل ذات الشيء...

 

فماذا إذن عند القائد وليس عندي؟ ربما مقلقات وهموم ومخاوف القائد... لكن أدعو لله أن يحفظني منها... القبر أسهل بكثير من القلق... ومن ناحية أخرى، هناك عديد من الأشياء التي أمتلكها ولا يمتلكها القائد: استقلالي، روحي، سعادتي، رقصتي وعزفي وغنائي... أنا سعيد بما أنا عليه ولذلك أنا ملك قائد"...

أصغى القائد العظيم جيداً لآراء الراعي الشاب وقال: "يا صديقي العزيز، إن كل ما قلته صحيح تماماً... اذهب وأخبر كل شخص في البلد أن الملك قال أيضاً ذات الشيء، واليوم فقط ترك المملكة وصار ملكاً حقيقياً على نفسه".

 

 

 

 

أضيفت في:8-6-2014... زاويــة التـأمـــل> رسائل من نور
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد