موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

ما هي قصة الرجل الذي وقع في البئر؟

كان هناك معرض واحتفال كبير في إحدى المدن... وقع شخص في بئر ماء عميق قريب من المكان.. وبدأ يصرخ: "النجدة! ساعدوني لأخرج! أنا أغرق!!"

كان البئر عميقاً جداً، لكنه نجح بإيجاد بعض الصخور فوقف عليها وبقي رأسه فوق الماء... والضجة حوله كانت كبيرة في المعرض، لذلك لم يقدر أحد على سماع صراخه.

بعد قليل، أتى شيخ سنّي يتمشى قرب البئر، وكان عطشاً لذلك نظر في البئر.. عندما سمع صوتاً فيه اقترب ونظر إلى داخله.. صرخ الرجل وهو يغرق: "يا شيخي الجليل، أرجوك اسحبني من هذا البئر فأنا أغرق وأموت.. افعل شيئاً.. اسحب يدي وأمسكها جيداً لكي لا تنزلق".

قال الشيخ: "صلّي على النبي يا أخي وسلّم عليه تسليماً كثيراً.. لقد قال الله تعالى في القرآن الكريم: إنما أعمالكم تُردّ إليكم.. ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره.. هذا جزاء أعمالك أنت.. لا بد أنك ارتكبتَ الزنا أو عصيت أوامر الله أو خرجت عن سنة رسوله... هذا درس لك كي تتعلم.. ولا بد أن الله سبحانه قد كتب لك في كتاب الأقدار أن قدرك هو الوقوع والموت شهيداً في البئر.. فلماذا تصرخ وتعترض على قدر وحكم الله؟؟ ولا تزر وازرة وزر أخرى ولا أحد يُحاسب عن أحد.. إذا أنقذتك ربما أحمل ذنوبك!.. ابقى هنا في البئر وكفّر عن ذنوبك ومت شهيداَ.. عسى أن يقبلك الله في الجنة.. والشهداء أحياءٌ عند ربهم يُرزقون".

 

شرب الشيخ بعض الماء وتابع طريقه.. لم يقل أي شيء خاطئ، لأنه يعرف جيداً ويحفظ كل ما كُتب في القرآن والحديث.. لم يكن قادراً على رؤية الرجل يموت أمامه لأن الشريعة التي درسها وقفت بينهما.. كان الرجل يغرق لكن الشيخ لم يستطع رؤيته.. لم يرى إلا القرآن والتفاسير والأحكام والعقوبات.. أعطى الرجل خطبة عظيمة وتابع طريقه.. لا يوجد أي شخص أكثر جموداً من رجال الدين.

 

بعد دقائق، جاء شيخ شيعي ذو عمامة كبيرة... سمع نداء الرجل الذي يغرق فاقترب منه وبدأ يقول: "أفضل بداية للكلام هي السلام على النبي وعلى آله وصحبه أجمعين وأهل بيته الطاهرين.. أما بعد، لقد قال الإمام علي كرّم الله وجهه، أن هذه الدنيا الفانية هي فقط ممرّ إلى دار المقرّ.. وأن الدنيا عديمة القيمة، يا دنيا غرّي غيري.. فلماذا يا أخي تريد الخروج من البئر والعودة إلى هذه الحياة البالية؟ لقد أتت إليك فرصة عظيمة للانتقال إلى دار الأبدية... ولماذا يجب أن أنقذك وأساعدك؟ حتى الإمام علي شخصياً لم يدافع أو يساعد زوجته عندما ضربها شخص ما، وقال لها: بينك وبين الله يا فاطمة!.. انظر يا أخي ماذا عملتَ لله حتى أوقعك في البئر.... ابقى فيه حتى تموت وانتظر ملاقاة الله شهيداً مكرماً بشجاعة وقوة مثل إمامنا الحسين عليه السلام.. ولا تقلق فلا يوجد موت ولن تخسر شيء لأنه فيك انطوى العالم الأكبر".

 

بعد ذلك، جاء شيخ عقل درزي.. عندما سمع الرجل يستغيث قال له: "يا خيي طوّل بالك قليلاً ولا تستعجل.. في العجلة الندامة وفي التأنّي السلامة.. استخدم عقلك وفكّر وتذكّر جيداً... لا بدّ أنك في الجيل الماضي قد رميتَ أحدهم في البئر.. وحسب حقيقة مفهوم السببية وحسب مبدأ الكارما القديم الذي عمره 5000 سنة: لا أحد يُصاب بحادث أو مكروه إلا لسببٍ وحكمةٍ خاصة من ربّ العالمين... والرضى والتسليم هو نهاية العلم والتعليم.. كل شيء في ميزان وحُسبان... لا مشكلة يا خيي.. ابقى في البئر حتى الموت لكي تطهّر نفسك من السببية السلبية والكارما المكتوبة عليك.. وحتماً سوف تولد في الجيل القادم طاهراً من الذنوب! ولا تخف مطلقاً.. أنت تموت شهيد.. وهناك دائماً تقمص مستمر: تموتُ هنا اليوم وتولد هناك غداً.. لن تخسر شيء".

 

بعدها جاء قائد وناشط شيوعي.. سمع أيضاً طلب المساعدة فنظر داخل البئر وقال للرجل: "صديقي وأخي في الإنسانية، لقد كتب كارل ماركس في أحد كتبه أن كل بئر مفتوح يجب وضع غطاء عليه وبناء جدار حوله، لكي يحمي الناس من الوقوع فيه.. هذا البئر ليس له جدار لذلك أنت وقعتَ فيه.. لقد كنا نحن الشيوعيون نسافر إلى القرى ونخبر الناس أن عليهم الالتزام حرفياً بما قاله ماركس العظيم... لا تقلق أبداً يا رفيقي.. سأذهب فوراً الآن إلى المدينة وأبدأ حركة جديدة وسأشرح الموضوع لكل الناس... سأذهب حتى إلى رئيس البلاد وأخبره أن ماركس قال أن على كل بئر أن يُحاط بجدار لكي لا يقع الناس فيه، وليس هناك جدران حول الآبار في بلده، لذلك يقع الناس فيها باستمرار".

قال الرجل الغارق: "كل ما تقوله صحيح.. لكنك عندما تنتهي من ذلك أكون قد متت! اسحبني أولاً من البئر!!"

قال الشيوعي: "الموضوع لا يتعلق بك شخصياً أنت فقط، بل هذه مشكلة عامة تطال كل الجماهير.. ولا يهم كثيراً إذا مات شخص واحد.. الموضوع جماعي يخص الكل.. واعتبر نفسك بطلاً سباقاً وسبباً لحركة اجتماعية إصلاحية جديدة.. أنت حقاً شهيد المبدأ والعقيدة!.... إضافة لذلك، أنا لوحدي الآن لا يمكن أن أقوم بإخراجك.. يجب أن يأتي خمسون شخصاً على الأقل لنتعاون سوية على إخراجك من البئر... حسب مبادئ العمل الشيوعي، كل عمل يجب توزيعه على الكل والمشاركة فيه.. لا يمكن أن يعمل شخص لوحده ويبقى بقية الناس يتفرجون عليه بخمول وكسل!"

 

يقوم قادة الناس دوماً بخداع الجماهير بقولهم: "أنتم شهداء في سبيل الله أو الحقيقة أو الوطن.. سوف تموتون وتصنعون السلام بدمائكم وتؤسسون لحركة جديدة... موتكم سيكون بداية عهد جديد.. شيوعية، اشتراكية، فاشية، علمانية، وستملأ الديمقراطية العالم بأكمله... عليكم حتماً الموت... ولا يوجد قيمة كبيرة لموت بعض الأفراد، البشرية ككل هي الأهم".

لكن تلك البشرية لا توجد في أي مكان سوى عالم الكلام... كل من نقابله هو إنسان فرد.. لا يمكن أن تقابل البشرية أبداً.

لا يوجد شيء اسمه بشرية إلا في الكتب.. الكتب المقدسة تتحدث عن البشرية كثيراً ، لكننا حيثما نذهب نقابل فرد واحد من البشر... لكن الأشخاص الذين يحترمون ويؤمنون بالكتب المقدسة يقولون دائماً: "يجب علينا إنقاذ البشرية.. ولا يهم إذا تمّت التضحية بالفرد.. يمكن التضحية بأي فرد، لكن البشرية يجب إنقاذها والحفاظ عليها".

 

كان الرجل يغرق واستمرّ بطلب المساعدة... ذهب الناشط الشيوعي إلى المعرض وصعد إلى المنصة.. جمع آلاف الناس حوله وقال: "انظروا إليّ جميعاً! طالما لا يوجد جدران حول الآبار في بلادكم، فعلى البشرية أن تعاني كثيراً.. يجب بناء جدار حول كل بئر.. هذا من واجب كل حكومة جيدة تخدم شعبها... وقد كتب ماركس ذلك في كتبه"... فتح نسخة الكتاب الأحمر معه وبدأ يعرضها للناس.

 

استمر الغريق يصرخ طالباً النجدة.. كان هناك مبشر مسيحي يسير قرب البئر.. بمجرّد سماعه الصراخ في البئر، قام فوراً بخلع ثيابه وأخرج حبلاً طويلاً من حقيبته... لقد كان يحمل حبلاً طوال الوقت.. رمى الحبل في البئر ثم قفز بنفسه وأنقذ الرجل من الغرق..

قال الرجل للمبشر المسيحي: "لم أجد أي إنسان أو رجل حقيقي إلا أنت... منذ قليل أتى شيخ سنّي فأعطاني خطبة ورحل.. وأتى بعده شيخ شيعي ودرزي وأعطوني محاضرة عن التقمص والأبدية ورحلوا.. ثم أتى ناشط شيوعي فذهب وبدأ حركة جديدة.. انظر إليه هناك على المنصة يخاطب الجماهير... أنت فقط من أنقذ حياتي وأشكرك جداً على هذه الخدمة والعمل العظيم!"

بدأ المبشر يضحك وقال: "لم أفعل أي شيء لأجلك أنت.. في الواقع، أنت الذي قدّمتَ خدمةً لي... لو أنك لم تقع في هذا البئر، لما حصلتُ على فرصة القيام بالخير وكسب الحسنة... ألا تعرف ماذا قال السيد المسيح؟ "فِعل الخير وخدمة الناس هو الطريقة الوحيدة للتقرّب من الله".. أنا أقترب من الله.. وأنا أبحث دائماً عن شخص يقع في البئر لكي أقفز وأساعده.. إذا أصيب شخص ما بالمرض فأنا أذهب أيضاً وأساعده.. دائماً أحمل الأدوية والأدوات للمساعدة وكسب الحسنات والفضائل.. لقد قمتَ أنت بخدمة عظيمة لي، لأنه لا يوجد طريق للخلاص سوى الخدمة والخير... رجاءً استمرّ بمساعدتي بالقيام بمثل هذه الأعمال لكي أصل إلى الخلاص وإلى الله... مثلما كُتب  في الإنجيل المقدس.

وكذلك، أريد منك أن تأتي غداً إلى الكنيسة وتدخل في ديننا المسيحي الكاثوليكي العظيم.. هكذا نزداد بالقوة والأعداد ونحكم البلاد ونتفوق على الطوائف الأخرى.. وربما نستطيع أن نهزم البابا والأم تيريزا".

 

كان الرجل مخطئاً باعتقاده أن المبشر كان لطيفاً إنسانياً معه... لم يكن أي أحد مهتماً بالرجل الغريق.. حتى لم يشاهده أي أحد... كل شخص كان يرى كتبه المقدسة الخاصة به والمختلفة عن البقية.. كل شخص كان متمسكاً بمعرفته ومعلوماته...

 

هناك جدران عالية مصنوعة مما يُسمّى "معرفة"،

تفصل الإنسان عن أخيه الإنسان، وتفصله عن المحيط وعن الغابة وعن الوجود...

يجب هدم هذه الجدران وتحطيمها دون أي شفقة... يجب تدمير كل حجر فيها..

علينا الوصول إلى مرحلة نشعر فيها كأننا لا نعرف شيئاً..

هذه هي الطريقة الوحيدة للتواصل مع الواقع ومع الحياة..

يمكننا أن نصل أنفسنا بالحياة في هذه اللحظة بالذات..

نعم في هذه اللحظة!! يمكننا أن نتصل بالمصدر والأصل الواحد الأحد..

من يقدر على إيقافنا؟ ومن يقدر على الدخول بيني وبينك؟

 

أضيفت في:18-7-2015... رؤية للعالم الجديد> اقطع الجذور!
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد