موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

قصة الشيخ وثيابه المزينة

في أحد الأيام، أصبح أحد أصدقائي شيخاً... وعندها أتى ليزورني في أول يوم له من هذا العمل الجديد.. استقبلته في البيت، وعندما رأيته يلبس ثياباً سوداء مزينة وعمامة قلتُ له: "كنتُ أعتقد أنك أصبحتَ شيخاً في عالم الحقيقة.. لكن ما هذا؟ لماذا صبغتَ ثيابك بالحبر الأسود؟"

ابتسمَ على جهلي وقال: "الشيخ دائماً عنده لباس مميز مثل هذا".

عندما سمعتُ جوابه بدأت أفكر بصمت.. فقال: "ماذا هناك لتفكر به؟!"

قلت له: "الموضوع يستحق تفكيراً عميقاً... لأن الشيخ القديس يجب ألا يكون عنده لباس، وإذا كان عنده لباس فهو ليس شيخاً تقياً".

ربما لم يفهم ماذا قلت، وسأل: "من الطبيعي في النهاية أن يرتدي الشيخ شيئاً ما، أم هل تريد أن يبقى الشيخ عارياً؟!!"

قلت له: "ليس هناك مانع من ارتداء الثياب.. ولا شرط بأن يبقى الشيخ عارياً.. الموضوع هو ارتداء لباس مميز طوال الوقت، أو عدم الاهتمام وارتداء أي شيء متاح".

قال: "لكن هذا اللباس الخاص هو تذكير دائم بأنني شيخ".

الآن صار دوري أنا أن أضحك.. وقلت: "ليس من الضروري أن أتذكر من أنا، أو ماذا أنا.. عليّ فقط تذكر ما لستُ أنا... وهل التقيّ والقداسة التي يمكن تذكرها فقط بالثياب هي قداسة فعلاً؟ الثياب سطحية جداً ورقيقة جداً... حتى الجلد ليس عميقاً كثيراً.. حتى اللحم والدهن ليست عميقة كثيراً.. الفكر أيضاً ليس عميقاً كثيراً.. ما عدا الروح، ليس هناك أي عمق آخر يمكن أن يصير مسكناً للقداسة... وتذكر أن الذين يبقى بصرهم على السطح يظلون فارغين من البصيرة.. أولئك الذين يفكرون بالثياب، لذلك السبب تحديداً، لا يمكنهم التفكير بالروح...

ما هو العالم سوى هذا؟؟ العالم هو فكرٌ مركّز على الملابس فقط.....

وحده القادر على التحرر من الملابس هو القديس والشيخ الحقيقي".

 

بعدها أخبرته قصة:

ذهب رجل يرتدي ثياباً فاخرة إلى باب الملك وقال: "أريد منك خمس ليرات كهدية"... قال الملك: "يمكنني إعطاء مكافأة للفنان، لكن ليس هدية".

ابتسم الرجل وعاد.. لكنه قبل المغادرة قال: "يا ملكي العزيز، سوف أقبل المكافأة فقط إذا قدرتُ الحصول على الهدية.. رجاءً تذكر هذا".... ومضى ذلك الحدث.

بعد مرور بضعة أيام، انتشرت أخبار وصول قديس عظيم في كل المملكة مثل انتشار النمل... هناك خارج المدينة، جلس شيخ شاب يتأمل ويذكر.. لم يكن ليفتح عيناه أو يتكلم أو يتحرك أبداً... وبدأت حشود من الناس تصل لكي تتفرج عليه... وجلبوا معهم جبالاً من الأزهار والفاكهة والهدايا.. لكنه كان يتأمل ولم يرَ شيئاً منها.

مضى يوم.. مضى يومان.. واستمرت الحشود بالقدوم... في صباح اليوم الثالث، ذهب الملك شخصياً لرؤيته... ووضع ألف ليرة ذهبية عند قدمي الشيخ وطلب منه المباركة، لكن الشيخ بقي جامداً مثل الصخر.

لم يكن هناك أي شيء يثيره أو يخرجه من حال التأمل... حتى الملك قد فشل وعاد محبطاً إلى قصره.

كان كل الناس يمدحون ويشكرون وجود الشيخ العظيم بينهم... لكن في اليوم الرابع تفاجؤوا بأن الشيخ قد اختفي في الليل.

في ذلك اليوم، ظهر الرجل ذو الثياب الفاخرة في قصر الملك وقال له: "لقد قدّمتَ لي سلفاً هدية قدرها ألف ليرة ذهبية... والآن أريد منك لطفاً إعطائي خمس ليرات مكافأة".

تفاجأ الملك وقال للرجل: "أيها الأحمق.. لماذا تركتَ تلك الألف ليرة ذهبية؟! والآن أنت تطلب فقط خمس ليرات"... أجاب الرجل: "آه يا ملكي.. عندما لم تعطني الهدية في ذلك اليوم، فلماذا عليّ قبول الهدية الأخرى؟ يكفي الحصول على المكافأة أجار تعبي وعملي.... وفوق كل ذلك، كنتُ شيخاً حينها، وربما أكون شيخاً مدّعياً فماذا أفعل؟ كان من الضروري الحفاظ على كرامة لباس الشيخ".

 

إذا فكرتم بالقصة ستفاجئكم عدة أشياء فيها... الرجال في الثياب الفاخرة يمكن أن يكونوا شيوخاً، لماذا؟ لأنه في ما يُدعى لباس الشيخ، هناك مجال للثياب الفاخرة والعمامة الفخمة الضخمة.. عندما يكون موضوع اللباس مهماً، فهذا يعطي فرصة لظهور الثياب الفخمة.. عندها ذلك الرجل ذو الثياب الفاخرة كان فعلياً يحمل فكر شيء، ولذلك ترك ألف ليرة ذهب وكان راغباً بقبول خمس ليرات فقط... لكن ليس صحيحاً أن نتوقف كل الناس الذين يلبسون ثياباً فاخرة بأن يكونوا أتقياء ويحملون فعلاً فكر شيخ.

تم خداع الملك بسبب تلك الثياب.. ولأن الثياب يمكن أن تخدع، لذلك قام العديد من المخادعين بإعطاء أهمية كبيرة للثياب واللباس.. وعندما ينجح شخص بخداع الآخرين، فذلك النجاح يصبح قاعدة قوية لخداع النفس أيضاً.

يقولون أن: "الحقيقة وحدها هي التي تنتصر"... الحقيقة تقهر كل شيء وتسود في النهاية... هذا مقياس خطير جداً!.. لأنه اعتماداً على هذا القول، تتطور فكرة أن أي شيء يمكنه الانتصار سيكون هو الحقيقة.

الحقيقة تنجح، وعندها كل ما ينجح هو حقيقة... الفكر لا يحتاج وقتاً طويلاً ليصل إلى هذا الاستنتاج!

مثل هذه المشيخة والقداسة ليست حقيقية، لأن الرجل ذو الثياب الفاخرة استطاع تمثيلها، ولأنه عندها ليس هناك أسهل من التمثيل عند من يرتدي الثياب الفاخرة.

إذا أمكن للرجال في الثياب الفاخرة أن يكونوا شيوخاً، فالشيوخ أيضاً يمكن أن يكونوا في ثياب فاخرة.

في الحقيقة، ليس هناك لباس خاص للشيخ... اللباس مصمم للرجال ذوي الثياب الفاخرة فقط.. وإذا لم يكن هناك لباس للشيخ، ليس هناك أساس لكرامة ذلك اللباس... تلك الذكرى هي أيضاً ليست من الشيخ بل فقط من الرجل ذي الثياب الفاخرة، لكن مثل هذه الذكرى يمكن أيضاً أن تكون من الرجل ذي الثياب الفاخرة الذي يعرف نفسه أنه يرتدي ثياب فاخرة.

أولئك الذين بدؤوا يعتقدون أنفسهم شيوخاً على أساس ثيابهم الخارجية، هم مجرد مجانين يخدعون الناس ويخدعون أنفسهم.

 

أضيفت في:16-1-2016... زاويــة التـأمـــل> رسائل من نور
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد