موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

المؤمن خائف... والملحد أيضاً خائف

إذا فهمتَ مخاوف المؤمن ومخاوف الملحد، ستصل لمعرفة شيء مفاجئ: ليس هناك فرق بين الاثنين.. الجذر الرئيسي لكليهما هو الخوف.

المؤمن خائف.. يقول في نفسه: "أنا لا أعرف ماذا سيحدث بعد الموت، ولا أعرف ماذا كان هناك قبل الولادة.. لا أعرف، يا ترى هل سأبقى وحيداً؟ الزوجة سترحل، الأصدقاء والأهل كلهم سيرحلون... لقد جمعتُ وجهزتُ كثيراً من الأمور وكلها ستزول.. سأسافر رحلة موحشة لوحدي دون أي رفيق طريق.. لذا سأؤمن بالله، هذا الإيمان سيعطيني رفقةً ما، على الأقل الله يبكون معي دائماً".

المؤمن يؤمن بالله انطلاقاً من الخوف.. صلوات الناس الذين يركعون ويسجدون في كل المعابد والكنائس والمساجد تأتي من الخوف.. ومتى ما أتت صلاةٌ من الخوف ستكون مغبرة ومتسخة.. حتى المعابد قد أصبحت متسخة بسبب صلواتكم.. لقد تحولت المعابد إلى مراكز سياسية بسبب عفونة صلواتكم.. صار يحدث فيها كل أنواع التنافس والعدائية والعنف والقتال.

المعابد والكنائس والمساجد لا تفعل شيئاً سوى قتال بعضها البعض..

 

مثلما المؤمن خائف، فالملحد خائف أيضاً.. قد يفاجئك هذا الكلام..

في العادة، يفكر الناس أن الملحد إذا كان خائفاً سيؤمن بالله.. فقد فشلَ الناس بمحاولاتهم لإخافته، فشلوا بصنع الخوف من النار داخله.. قاموا برسم صورة تفصيلية لنار جهنم: ألسنة نار ملتهبة، براميل زيت مغلي، شياطين مرعبة ستضربك وتعذبك وترميك في النيران للأبد... قاموا بإظهار أعظم إرهاب وترهيب، ومع ذلك لم يؤمن الكافر أو الملحد بالله، لهذا فكر الناس أن الملحد ربما يكون شجاعاً وخالياً من الخوف، لكنهم مخطئون.

 

إن أي شخص ينظر عميقاً في فكر الإنسان سيرى أن الملحد ينكر وجود الله لأنه خائف أيضاً.. إنكاره أيضاً ناتج عن الخوف.. إنه خائف أن الله قد يكون موجوداً، وعندها سيكون هناك جنة ونار.. سيكون هناك حسنات وخطايا.. إذا كان الله موجوداً، عندها على المرء أن يجاوب أسئلة الله، فهناك عيون تراقبنا.. أحدهم يسجل ويحسب كل أعمالنا ويتم الاحتفاظ بسجل حياتنا في مكان ما وعلينا دفع الثمن، لا يمكن التهرب أبداً.. إذا كان هناك إله، عندها علينا تحويل أنفسنا، وعلينا أن نعيش بطريقة تسمح لنا برفع رؤوسنا أمام الله...

وإذا كان لا بدّ من وجود الله، سيستولي خوفٌ آخر على الملحد: إذا كان هناك إله، عليّ أن أسعى إليه وعليّ المجازفة بكامل حياتي.. هذا ليس رخيصاً.. من الأسهل ألا يكون هناك إله، عندها نكون أحراراً... عندما تكون حراً من الله ستكون حراً من الجنة ومن النار.. ليس هناك خوف من النار ولا خوف من فقدان الجنة.. ولا خوف من ذهاب أولئك المؤمنين المصلين في المعابد إلى الجنة لوحدهم... كل ذلك غير موجود.. مَن ذهب أبداً إلى الجنة؟ ومن سيذهب؟ أين هي؟ ..الإنسان لا يقدر على النجاة من الموت والانتهاء.. ما هي الحسنة وما هي السيئة؟

 

المصدر الأصلي للإلحاد في الشرق وهو Charvaka قالوا: "لا تقلق أبداً.. استمتع بتناول الزبدة حتى إذا احتجتَ لاستدانة المال".. لا تقلق حول إعادة المال.. فمَن أصلاً يستدين أي مال؟ ومن يُعيده؟ المرء يموت ويترك كل شيء خلفه، كل شيء لك وكل شيء له يرحل، ولا شيء يبقى بعد ذلك... عندما لن يبقى أي شيء فما هو الخوف؟ إذا أردتَ أن تُخطئ أخطئ.. إذا أردت فعل الشر افعله.. عش بحرية بالطريقة التي تريدها.. إنها مجرد حياة مدتها يومان، ارمِ كل ما يقلقك وعش كما يحلو لك.. حتى لو تم أذية الآخر أو تم ممارسة العنف مع الغير لا تقلق أبداً.. أي عنف؟ أي أذى!؟ كل ذلك قناع ووهم صنعه رجال الدين لإخافتك.

لكن إذا دخلنا إلى فكر Charvaka سنجد نفس الخوف موجوداً.. إنه ينكر الله انطلاقاً من الخوف.

 

هل لاحظتَ أن هناك كثيراً من الناس ينكرون وجود الأشباح أو الجن، والسبب هو الخوف؟ قد تعرف أشخاصاً يقولون: "لا.. الأشباح غير موجودة".. لكن عندما يقولون لا.. لا.. فقط راقب وجوههم بدقة.

مرةً كان هناك رجل كبير أتى ضيفاً عندي في البيت... لم يكن يؤمن بالله، وكان دوماً يقول: "الله كذبة وغير موجود ببساطة".

قلت له: "دع الله جانباً.. هل تؤمن بالأشباح؟"... أجاب: "لا أؤمن بها مطلقاً.. هذا كله هراء".

قلت له: "فكر بذلك مرة أخرى.. فالليلة ليس هناك إلا أنت وأنا في هذا البيت الكبير.. لا أستطيع قول أنني أقدر على جعلك تقابل الله، لكن مع الأشباح أقدر".

قال لي: "عن ماذا تتحدث؟ ليس هناك شيء اسمه شبح"... لكنني قدرتُ أن أرى التوتر يظهر عنده.. بدأ ينظر هنا وهناك.. وكان ظلام الليل يزداد.. وقلت: "إذن لا مشكلة، سأخبرك بكل شيء".

قال لي: "أنا ببساطة لا أؤمن بوجود أشباح.. ماذا ستخبرني؟ أنا لا أؤمن بها مطلقاً!".. قلت له: "ليس الموضوع أن تؤمن أو لا تؤمن.. قديماً كان هناك نجار يعيش في نفس المكان الذي بُني فيه هذا البيت.. عندما حدثت حرب أهلية كبيرة.. كان قد تزوج للتو، وأتت زوجته الجميلة لتعيش معه.. كانت العروس جميلاً جداً بكل المقاييس ما عدا شيء واحد: عندها عين واحدة فقط.. كان جسدها رشيقاً وجلدها أبيض ناصع لكن فقط ينقصها عين".. قمتً برسم صورة واضحة عنها للضيف.

"اضطر النجار أن يذهب إلى الحرب مع الاحتياط.. وبقيت الرسائل تأتي منه إلى زوجته ويقول أنه سيعود قريباً.. بقيت الزوجة تنتظره طويلاً لكنه لم يأتِ أبداً.. فقد مات في الحرب.

ماتت الزوجة وهي تنتظره وتحولت إلى شبح.. ولا تزال تعيش في هذا البيت وتنتظر عودة زوجها.. كان عندها عين واحدة وجلدها أبيض وشعر أسود طويل وترتدي دوماً فستاناً أحمر".

 

أصر الضيف قائلاً: "أنا لا أؤمن بالأشباح".. لكنني رأيت أنه قلق ويجول بنظره في زوايا البيت.. قلت له: "أنا أخبرك كل هذا لأنك الليلة ستنام هنا لأول مرة.. كلما أتى ضيف جديد وأراد النوم هنا، تأتي المرأة في منتصف أول ليلة وتسحب عنه الغطاء لترى إذا عاد زوجها أم لا".

في هذه اللحظة بدأ وجه الضيف بالشحوب.. وقال: "عن ماذا تتكلم؟ رجل مثقف مثلك يؤمن بالأشباح وهذه القصص السخيفة؟!".. قلت له: "الموضوع ليس عن الإيمان بها... لكن من الضروري تحذيرك سلفاً لكي لا تصاب بالرعب.. الآن لقد أخبرتك، لذلك إذا أتت امرأة بيضاء بعين واحدة وشعر أسود وترتدي فستاناً أحمر وسحبت عنك الغطاء فلا ترتعب، فهي سترحل محبطة وتضرب الأرض بأقدامها".. وسأخبرك أكثر عنها.

كان خالي يسكن معي في البيت وكان عنده عادة صك الأسنان في الليل... كل ليلة يصك أسنانه عدة مرات.. لذلك قلت للضيف: "سأخبرك أيضاً عن عادة عند تلك المرأة، عندما تأتي إلى الغرفة ستكون أسنانها تصطك ببعضها.. طبعاً كما تعلم، لقد انتظرت زوجها فترة طويلة.. عشرات السنين مضت لليوم.. لقد أحبته كثيراً، لذلك صارت تأتي غاضبة الآن، فالزوج خدعها ولم يأت أبداً.. إنها تستمر بصك أسنانها، وربما تسمع صوت أسنانها أولاً قبل قدومها إليك".

قال الضيف: "ما هذا الكلام؟ هل أصابك الجنون؟ أنا ببساطة لا أؤمن ولا أصدق كلامك.. رجاء توقف عن هذا الحديث.. أنت تحاول إخافتي دون جدوى".

قلت له: "إذا لم تكن تؤمن بالأشباح فليس هناك أي خوف عليك".. بقينا نتكلم بهذه الطريقة حتى جاء منتصف الليل.. فقلت: "من الأفضل الذهاب للنوم الآن".

 

ذهب الضيف إلى غرفته.. وصادف أنه بعد رقوده في السرير بدقائق، بدأ خالي النائم يصك أسنانه.. لقد كان نائماً في الغرفة المجاورة، وكنت واثقاً منه.. كل ليلة سيصك أسنانه عشر مرات على الأقل.

ذهب الضيف ونام في سريره، وبدأ خالي يصك، فصرخ الضيف عالياً... ركضتُ إلى غرفته وأشعلت الضوء.. كان الضيف شبه مشلول من الصدمة، يشير إلى زاوية الغرفة ويقول: "انظر! المرأة البيضاء تقف هناك!".

حاولت أن أشرح له بملايين الطرق أن الأشباح غير موجودة لكنه قال: "لا يمكنني تصديقك.. إنها موجودة بالتأكيد.. إنها تقف أمامي هناك! وهي تماماً مثلما وصفتها: بيضاء بعين واحدة وشعر أسود وفستان أحمر وتصك أسنانها".

عانيتُ طوال تلك الليلة لأن الضيف لم ينم ولم يتركني أنام.. قال: "الآن لا يمكنني النوم أبداً... إذا نمت ستأتي المرأة مجدداً، وأنت قلت أنها سترفع الغطاء وتقترب مني!".

قلت له: "كيف تعتقد أن الأشباح موجودة؟ إنها مجرد أوهام وخيالات.. لقد كنت أروي لك مجرد قصة، فقط لأشرح لك.."

أصيب الضيف بالحمى واضطررت إلى طلب الطبيب...

رحل الضيف في صباح اليوم التالي.. ولم يرجع مطلقاً.. أرسلتُ له عدة رسائل لاحقاً أدعوه للزيارة لكنه قال أنه لن يعود أبداً إلى هذا البيت المسكون.. وكنت أجاوب وأشرح أن الأشباح غير موجودة، لكنه يجيب: "مَن تحاول أن تخدع الآن؟ انسَ الموضوع.. لقد اختبرتُ وجود الأشباح بنفسي".

 

تذكر، أنت في العادة تبدأ بإنكار الشيء الذي تخاف منه..

تُنكر بحيث تنسى أنك خائف منه.. طبعاً إذا لم يكن موجوداً فمن ماذا ستخاف؟

ليس هناك أي فرق بين المؤمن والملحد.. فقط واحد منهما خائف إيجابياً والآخر خائف سلبياً.. الفرق فقط بالموجب والسالب، لكن كلاهما خائفان..

انطلاقاً من الخوف السالب يقول الملحد أن الله غير موجود.. حالما تؤمن بالله، سيتبع ذلك كثير من الأشياء الواجب الإيمان بها وهذا يجعله يرتجف.

المؤمن يقول أن الله موجود، وهو خائف بطريقة موجبة.. إنه يقول: "الله موجود.. إذا لم أؤمن به، إذا لم أسبحه وأصلي له سأقع في العذاب وأذهب للحساب وللنار".

 

الإنسان المتدين الحقيقي يقول:

الله هو كلاهما سوية..

الله أكبر وأبعد من كلا مفاهيم ومعتقدات المؤمن والملحد

وكلماتنا تعجز عن وصفه...

كلماتنا مجرد ملاعق شاي والله هو المحيط!

لا تراه الأبصار بل تدركه البصائر المفتوحة

أضيفت في:16-4-2017... في قلب الله> الله و الألوهية
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد