موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

ممارسة الحب مع الوجود

إنني  أستطيع الشعور بتجلي الألوهية في غروب الشمس وفي الأشجار الراقصة وفي الطيور المرفرفة.. أرى الله في كل شيء لكنني أخاف بشكل لا يصدق من الانفتاح على الناس.. على هؤلاء الأشخاص الملموسين من حولي.. ولا يمكنني تقبل الله إلا إذا كان متجلياً ما وراء البعد البشري.. أحياناً أشعر أنها حقاً مشكلة فأرجوك ساعدني لأواجهها؟

 

طبعاً يا فريدة... أولاً، من السهل دوماً أن تحبّي الأشياء المجردة ومن الأسهل أن تحبّي الإنسانية ككل على أن تحبي إنسان..

لأنك بمحبتك للإنسانية أنت لا تخاطر بأي شيء، أما محبة الإنسان فهي أكثر مجازفة..

الإنسانية هي مجرد كلمة بدون أي ارتباط واقعي، أما الإنسان فهو حقيقة ومتى ما توجب عليك أن تختبر الحقيقة سيكون عليك أن تمر بأوقات جيدة وأخرى سيئة، بمشاعر ألم تارة ومشاعر فرح تارة أخرى.. ستمر بالعذاب والنشوة، بالهبوط والصعود..

لكن بمحبتك للإنسانية لن تختبر لا العذاب ولا النشوة.. وهذه فقط طريقة تتجنب بها محبة الإنسان، ولأنك لا تستطيع ذلك فأنت تخادع نفسك بمحبة الإنسانية.. عليك أن تتخلى عن الأفكار التجريدية!!

ثانياً، من الأسهل عليك أن تحب شجرة فالشجرة كائن غير فعال لا يستجيب لك، ومحبتها هي مجرد لعبة خيال تختلقها أنت.. وهي بغاية السهولة إذ يمكنك أن تخلق منها ما شئت.. فالشجرة قد تعصف في مهب الرياح ويمكنك عندها أن تختلق أنها تحاكيك وتبسط يديها نحوك وترحب بك، لكن في الحقيقة فهذه الشجرة وبكل سعادة هي غير واعية لوجودك!!

ويمكنك كلما ذهبت إلى الشجرة أن تسقط عليها خيالاتك مع أنك لا تعرف التكوين الوجودي لهذه الشجرة حتى الآن.. فأنت لم تدرك كينونتك الخاصة بعد ومن الصعب عليك أن تفهم هذه الشجرة فهي أقل تطوراً منك وهناك فجوة كبيرة بينك وبينها، فكيف سيكون بإمكانك حتى أن تقترب منها؟؟

بالمقابل ليس هناك تلك الفجوة الكبيرة بينك وبين جارك مثلاً.. فكلاكما معاصرين للتطور كلاكما متعادلين وعلى نفس المستوى إلى حد ما والتفاهم بينكما سيكون أسهل..

لكنك تقول بأنك تشعر أن الأمر ليس بهذه البساطة..

يا ترى أين ستكون علاقة التفاهم أسهل؟؟ مع الشجرة أم مع جارك؟؟ وما هي المشكلة؟؟

ببساطة لا يمكنك أن تسقط خيالك على كل شيء!!

لأن الإسقاطات لا تأتي إلا عندما تكون عاجزاً عن فهم الطرف الآخر..

يمكنك أن تحب حجرة أيضاً، ففي أميريكا مثلاً يبيعون أحجاراً في صناديق جميلة! إنه حجر عادي لكنه يكلف عشر دولارات..

العلبة جميلة وهي مرفقة بتعليمات مطبوعة تعلمك كيف تحب هذا الحجر وتعتني به وتجعله أليفاً، ويذكر هذا الكتيب المرافق أنه عليك الحذر فهذا حجر عجيب ومرهف الإحساس..

إنها ببساطة لعبة يمكنك أن تلعبها وإن كنت ممن يجيدون إسقاط الخيال ستشعر بالحجر كأنه يستجيب لك عندما تحمله في يدك وبطبيعتك الشاعرية ستشعر أن الحجر يرسل لك نبضات ويقول لك: "مرحباً! كيف حالك؟ أنا أحبك وأشعر بشعور رائع في يدك.."

وهذا ببساطة حوار مع ذاتك وليس مع الآخر فالحجر غير مدرك لوجودك.. وأما بالنسبة للبشر الملموسين من حولك سيكون من الصعب أن تلعب هذه اللعبة معهم فهي مكلفة..

ولهذا تبدأ بمحبة الكلاب والقطط والأشجار والأحجار..

إنك تريد أن تعيش الحب لكنك تريد لهذا الحب ألا يكون فيه مجازفة، ومحبة الكلب مثلاً ليس فيها مجازفة أما محبة امرأة فهي مخاطرة كبيرة هنا..

فهي ليست موجودة لتقوم فقط بممارسة إسقاطاتك عليها، وهي ليست شاشة بيضاء يمكنك أن تعكس عليها ما شئت من صور..

كما أنها لن ترقص بالضرورة على ألحانك وتدللك دائماً عندما تعود إلى المنزل، لن تهز لك ذيلها!..

ذهب رجل إلى طبيبه النفسي وقال له: "ما الذي يحدث؟؟ منذ سنة فحسب عندما تزوجت اعتدتُ أن تأتي لي زوجتي بنعالي واعتدت على كلبي وهو ينبح.. والآن يحدث العكس: فكلبي يأتي لي بنعالي وزوجتي تنبح!!"

فأجابه الطبيب النفسي: "لكنني لا أفهمك، أنت تحصل على نفس الخدمات حتى ولو بدلت زوجتك والكلب دوريهما، فما هي مشكلتك؟"

مع الإنسان ستجابه تارةً الغضب وتارةً أخرى الحب وهز الذيل..

والمرأة تغضب أحياناً وعندما تغضب فهي حقاً ستمارس هذه الدور بكامل طاقتها، وما من رجل يمكنه أن يغضب نفس غضبها.. فالرجل فاتر المشاعر لا يحب حباً كاملاً ولا يغضب غضباً كاملاً كالمرأة..

هو دائم الحساب والتفكير بما يتوجب عليه فعله وما لا يتوجب عليه فعله، فهو مخلوق عقلاني ويبقى مسجوناً في رأسه..

أما المرأة فهي تعيش بلا تفكير وبلا منطق، ومن هنا ينبع جمالها وعذاب العيش معها في نفس الوقت..

إنها جميلة جداً، مستديرة جداً وناعمة جداً.. وكل ذلك لأن رأسها لا يقوم بالحسابات.. إنها تعتمد على قلبها مما يجعلها أكثر حدس وغريزية وفطرة..

عندما تحبك فهي ستحبك بكل جوارحها وستكون مستعدة لتضحي بنفسها من أجلك ولن تتردد في أي لحظة للموت في سبيلك.. لكنها إذا غضبت فهي أيضاً لن تتردد في أي لحظة في قتلك!!

المرأة لا تزال كاملة فطرية وبدائية، وهذا شيء جيد وفي الحقيقة فإن فطرتها هذه هي الأمل الوحيد للإنسانية كلها..

إذا قمتَ بتعليم المرأة وتربيتها وجعلها أكثر تعقيداً، إذا حاولت جعلها تصبح بنفس ذكاء الرجل ومكره كما تقوم حركات تحرير المرأة في كل أنحاء العالم، فأنت للأسف تسبب خسارة الكوكب لهذا الأمل الوحيد والذي هو المرأة الفطرية الأصلية..

لأن المرأة ما تزال جزءاً من الطبيعة وما تزال متجذرة في الطبيعة بطريقة أو بأخرى..

لا تزال دنيوية ومرتبطة بالأرض ولم تتحول إلى شيء مجرد حتى الآن ولا تهتم بالأشياء المجردة فمشاكلها الحقيقية ملموسة.. إنها واقعية وحقيقية..

سمعتُ ذات مرة عن امبراطور صيني أراد أن يصنع لوحة لغرفة نومه وكان قد رأى في أحد أحلامه طائر الكركي يحلق وخلفه بدر كامل وأراد أن يجسد هذا المشهد..

بحث عن أعظم الرسامين فكانت امرأة رسامة وقال لها الامبراطور: "ما عليك إلا إنجازها وسأكافئك بإعطائك أي شيء تطلبينه فأنا أريد هذه اللوحة بشدة.. لقد رأيتها في حلمي وهي عبارة عن طائر كركي يحلق وخلفه بدر كامل."

فقالت له المرأة: "عليك الانتظار.." ومرت سنة كاملة والامبراطور يستفسر مجدداً مرات ومرات عديدة وهي تقول له: "انتظر".. مرت سنتان والملك يسأل: "كم ستستغرق هذه اللوحة من الوقت؟ إنها مجرد بدر كامل وطائر كركي يمر عبره؟؟؟"

فتقول المرأة: "لقد كنت أراقب كل بدر كامل في الليالي ولم أشاهد حتى الآن طائر كركي يمر.. ولا يمكنني رسمه حتى أراه يمر فأنا لست رجلاً.. أنا امرأة وأنا واقعية.."

لقد أحببت القصة عندما تقول المرأة: "أنا لست رجلاً ولا يمكنني الرسم بتجرد.. لا يمكنني أن أتخيل الطائر بل علي أن أراه لأرسمه.. فقط عندما يحدث المشهد سأراه وعندها سأرسمه"..

فهم الملك وجهة نظرها وقال: "لا داعي للوحة، أنت ستكافئين ولا تقلقي أبداً بشأنها فأنا فهمت عليك.."

المرأة ما تزال تعيش الحقيقة.. إنها واقعية..

سمعت ذات مرة أيضاً عن رجل كان يسكب ممراً اسمنتياً وبعد لحظات امتلأ هذا الممر بحشد من الأطفال أتوا ليركضوا عليه تاركين آثار أقدامهم على سطحه الطري.. وقد سمعه جاره يشتم الأولاد ويوبخهم فعاتبه قائلاً: "اعتقدتك تحب الأطفال يا جورج!!" فأجاب جورج: "أنا فعلاً أحبهم لكن بتجرد وليس بشكل ملموس.."

من السهل جداً أن تحب الناس بتجرد والمشكلة الحقيقة تكمن في قدرتك على محبتهم في الواقع الملموس.. فإذا لم تحب الإنسان الحقيقي الملموس فإن كل محبتك للأشجار والطيور هي محبة زائفة..

عندما تحب الإنسان سترتفع عتبة وعيك لاحقاً وستحب عندها كل شيء من أشجار وجبال لكن ستكون هذه المحبة حقيقية فقط عندما تكون المرحلة الأولى هي محبة الإنسان وما عدا ذلك فهي زائفة..

فكيف يمكنك أن تتواصل مع الحجر وأنت لا تعرف بعد كيف تتواصل مع البشر؟؟كيف يمكنك أن تدرك الحقيقة البعيدة جداً عن مستواك إذا لم تدرك الحقيقة الأقرب إليك؟

لا يوجد لغة مشتركة بينك وبين الحجر، فإما أن تتحول أنت إلى حجر أو يتحول الحجر إلى بشري مثلك والمسافة بينكما هائلة جداً ولا يمكن تحقيق التقارب!

عليك أن تحقق التقارب مع البشر أولاً وأنا أقول لك سيكون بإمكانك لاحقاً أن تحب الشجرة لكن فقط بعد أن تتعلم كيف تحب الإنسان حباً عميقاً كاملاً وعندها ستجد روح الشجرة في هذا الكائن البشري أمامك..

عندها فقط سترى محبة الحيوانات في الإنسان وسترى محبة الطيور في الإنسان.. سترى الله في الإنسان..

لأن الإنسان هو كل هذه الأشياء معاً، هو لا يزال يحمل إشارات عديدة في اللاوعي أو اللاوعي الجماعي.. فقد كان ذات يوم شجرة وطيراً وحيواناً وحجراً.. لقد كان يتجلى في كل هذه الأشياء.. ملايين الأشياء وكل هذه التجارب ما تزال محفوظة في لبه الداخلي..

والسبيل الوحيد لكي تتواصل مع الشجرة الخارجية هو أن تتصل أولاً مع الشجرة المتجذرة في داخلك..

وذلك من خلال وقوعك في حب البشر..

 

جازف.. كن شجاعاً.. اختبر ألم هذا الحب ونشوته..

 

تعمّق في هذا الإنسان وقريباً ستجد أنه ما من إنسان هو مجرد إنسان فقط.. فالإنسان هو كائن يحمل الوجود والكون بأكمله..

الإنسان هو مركز الوجود المطلق.. وفيك انطوى العالم الأكبر...

وكل المستويات التي كنت عليها في الماضي ما تزال موجودة في داخلك طبقة تلو الأخرى..

ألا تشعر أحياناً أن المرأة تتجسد على شكل قطة؟؟!!

ألم تنظر في عيني امرأة ذات مرة وفجأة تشعر وكأن هناك قطة في داخلها؟؟

لو لم تكن المرأة قطة في أحد مراحل تطورها لما كانت امرأة على الإطلاق... وسترى من بينهن العاهرات أيضاً..

وكذلك هو الأمر بالنسبة للرجال.. ستجد الرجل شبيهاً بالذئب وكل ذلك موجود في مراحل التطور التي اجتازها..

الفكرة تماماً كأنك كنتَ طفلاً ثم غدوت بالغاً فهل تعتقد أن طفولتك تم محوها كلياً؟؟

بالطبع لا فهي ما تزال موجودة هناك في داخلك.. فقط اجتمعت طبقات من الفتوة والشباب حولها لكن المهم أن طفولتك لا تزال قابعة في كينونتك ويمكنك أن تحفزها في أي وضع أو حالة معينة تتطلب فيها أن تعود طفلاً..

فمثلاً عندما تأتي لرؤية صديق طفولتك فأنت فجأة ستنسى أنك أصبحت بالغاً وتعود مجدداً لتتحول إلى طفل يستذكر كل تلك الأيام الجميلة والذكريات والاحتفالات والحنين وكل شيء..

أنت تنسى فقط..

أيضاً عندما تصبح عجوزاً  فهل تعتقد أن شبابك اختفى ببساطة؟؟

وبنفس الطريقة طبعاً لا.. فهو موجود ومحاط هذه المرة بطبقات إضافية.. عندما تقطع شجرة ستجد هذه الطبقات في داخلها واحدة تحيط بالأخرى وهذا المخطط يمثل العمر الزمني لهذه الشجرة فإذا كان هناك ستون طبقة فهذا يعني أن عمرها ستون عاماً.. وفي كل سنة تسقط قشرة من لحائها وتنمو فيها طبقة جديدة..

كذلك الأمر بالنسبة للحجر فإذا قمت بشرخ حجر ستجد نفس الطبقات في داخله..

وبالغوص في عمق الإنسان ستجد طبقاته مثله مثل الأشجار والصخور وكلما تعمقت أكثر كلما وجدت أشياء أكثر غرابة..

فعندما تمارس الحب مع امرأة وإذا استطعت أن تذوب فيها كلياً ستجد نفسك تمارس الحب مع الحيوانات والطيور والصخور.. ستشعر وكأنك تمارس الحب مع الوجود بأكمله.. فكل إنسان هو كون صغير.. هو عالم مصغر يحتوي الكل.. يحتوي الكون الأكبر..

إذن لا يمكنك تجنب الإنسان ولا يمكنك أن تقول: "سأحب الشجر لكن ليس البشر"

لأنه عندها ستكون أشجارك هذه خاطئة وأسلوبك بالتقرب منها خاطئ..

عليك أولاً أن تحب الإنسان وأن تجد حب هذه الأشجار في قلب الإنسان وعندها فقط يمكنك أن تفهم لغة الصمت لغة اللغات كلها والاتصال بالوجود..

أضيفت في:13-9-2017... الحب و العلاقات> ما هو الحب ؟
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد