التأمل يختلف عن التركيز التأمل ليس تركيزاً، لأنه في عملية التركيز هناك عملية فصل بين الإنسان الذي يمارس التركيز وبين الشيء الذي يقوم بالتركيز عليه، كما أن التركيز عملية متعبة ومُجهدة بسبب هذه الازدواجية الزجاجية الوهمية...
في التأمل هناك عملية وصل لا فصل... تزول فيه الفواصل والحدود لتذوب جميعها في بحر الوجود... وتحصل بهذا على وعي أحدي موحّد بين الداخل والخارج، بين الجسد والروح....
التركيز يقود إلى انفصام الوعي والشخصية، لذلك كلما مارستَ التركيز لفترة محددة ازداد الشعور بالتعب والحاجة إلى أوقات طويلة من الراحة، كما أنك لا تستطيع أن تمارس عملية التركيز لمدة أربع وعشرين ساعة متواصلة، لأنه ليس من طبيعتنا الداخلية المتكاملة...
أما التأمل فهو جوهرة من جواهر الطبيعة الإنسانية والفِطرة الربّانية... يمكنك أن تعيش التأمل وتكون حياتك كلها تأمل، طوال زيارتك لهذه الأرض من دون أن تشعر بالتعب والإجهاد... لأن التأمل يعني أن نكون أولاً موحّدين جسداً وفكراً وروحاً، فنتّحد ونتناغم مع هذا الوجود... فنصبح غير موجودين لأننا جزء من الكل دون علب أو قيود... عندما ينهمر المطر من السماء نستطيع أن ندرك قطراته وحبّاته ولكن ما أن تصل تلك القطرات إلى الأرض أو إلى البحر فإنها تختفي ويصبح من المستحيل فصلها أو تمييزها لأنها أصبحت جزءاً من الكل... ذابت في الفناء في بحر النقاء مع الواحد الموجود...
التركيز عمل إرادي ورغبة بتحقيق هدف ما... أما التأمل فهو حالة من الاسترخاء والاستسلام التام... حالة من اللافعل واللارغبة... إنه عودة الإنسان إلى جوهره المكنون... وهو جوهر واحد في كل الكائنات والكون...
في التركيز يعتمد الفكر على الاستنتاج: أنت تقوم بعمل ما وستحصل على نتيجة ما... التركيز يستند على الماضي الفاضي... أما التأمل الحقيقي فهو مشاهدة بلا أمل.. أنت حاضر في الحضرة ببساطة دون أي عمل.... نقياً من آثار الماضي وآمال المستقبل...
هذا هو سر كُن فيكون... الفِعل دون أي فعل... وهو نفس الحال الذي يتحدّث عنه الصوفيون العارفون وحكماء الزنّ:
اجلس بصمت دون أن تفعل شيئاً... وسيأتي الربيع وينمو العشب والزهر من تلقاء ذاته.
تذكّر هذا التعبير لتعرف وتصنع المصير: "من تلقاء ذاته"... أي أنه غير مطلوب منك أن تسحب العشب من الأرض لكي ينمو!.... فقط انتظر بهدوء وسلام وسيتحقق كل شيء على ما يرام...
وهذا هو حال التأمل بكل بساطة... الاستسلام لقوة الحياة النابضة في عروقنا... دون أي تسلّط أو تحكّم... دون فرض أي قوانين أو شرائع مشرّعة بالجهل... تلك الحالة العفوية التلقائية هي التأمل.
في التأمل لا يوجد ماضي ولا مستقبل بل نعيش هذه اللحظة بنقاء...
تستطيع أن تركّز... لكنك لا تستطيع أن تستغرق في التركيز...
لا تستطيع القيام بالتأمل... بل تستطيع أن تكون متأملاً...!
التركيز عملٌ للآلات والحواسب... أما التأمل فهو عمل للمؤمن والمُشاهد المُراقِب...
أضيفت في:12-3-2006... زاويــة التـأمـــل> تأمل ساعة .... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع
|