موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

الحياة حلوة مع الحمار


يا حمارنا العزيز كيف بدي كون متلك، راخي قلبك ودنبك وبدون هموم؟

أنا دائماً مسجون بأفكاري وعنادي، فيك ترسملي طريق للعفوية والفرح؟

أكيد أنا معلول أو مشلول لذلك ما في أي فرحة ولا ضحكة بحياتي...

 

يا إنسان.. مشكلتك كالعادة إنك زيادة فهمان...

لا يوجد أي طريق إلى السعادة والمتعة، لأن كل الطرق تصل إلى الجدّية والفكر يهوى هذه الهاوية.

العفوية تأتي عندما تشهنق بالحق وتستغني عن كل الطرق والتقنيات وتحرق جميع الخرائط.

لا يوجد طريق إلى الفرح لأنه ليس هدفاً أبداً... وعندما تنسى كل الأهداف ولا تنوي على تحقيق شيء أو الذهاب إلى أي مكان ستجد أن الفرح سينبع ويحدث داخلك هنا والآن...

السعادة ليست في مكان بعيد أو زمن قادم: بل هي هنا والآن...

فكيف يمكن أن يكون لها خريطة؟

لستَ بحاجة إلى أي انتقال... بل كن هنا واشعر بهذا الحال...

 

الجدّية مربوطة دائماً بهدف، وعندما يبدأ شخص جدّي باللعب فإنه يحول طبيعة اللعبة إلى علبة، فتصبح مقامرة فيها ربح أو خسارة.. وهذا ما يحدث كل يوم.

يذهب الناس إلى مشاهدة المصارعة بين المتلاكمين أو مع الثيران أو كرة القدم العنيفة الأميركية والعربية... وكل ما فيها من عنف وقبح وهمجية... المتفرجين على هذه الأشياء ليسوا ناضجين بعد، لا بل منحرفين نفسياً!

 

المشاهدين من نفس مستوى وعي الممثلين، وكلاهما يطرح قاذوراته بطريقة ما... باسم اللعبة والمباراة يستفرغ كل مشارك ما في داخله من عنف وشتائم... فعلاً عالم البشر هذا عنيف جداً جداً!!! لذلك لم يبقى مكان للحب بينكم.

 

الناس جدّيين، يحوّلون الفرحة في اللعبة إلى مذبحة في الحلبة

 

 انظروا إلى الحمار مثلاً... كله براءة!

عفوي في حركاته ومطرب في غنائه... طوال النهار يأكل العشب ويلعب مع الفراشات والأنهار.. وإذا انزعج من أحد ما ولو كان بروفيسور يرفسه وينسى ما حصل... أما البشر.. آهٍ منا نحن من معشر ومحشر...

 

 

عندما يصبح البشر فعلاً بشر، لن تسمع أبداً بوجود أشياء كمصارعة الثيران والملاكمة.. فقط تخيّل آلاف الناس أتوا لمشاهدة كيف يقتل الثور وتفور دمائه.. عفواً لا تستطيع عيناي ولا أذناي الطويلتان احتمال هذا المنظر الشنيع! لكن الناس جدّيين، يحولون الفرحة في اللعبة إلى مذبحة في الحلبة.

 

المتعة تحدث عندما لا يوجد هدف أو حدث... مجرد حركة اللاعبين مع بعضهم فيها كثير من الجمال.. وفي عالم أفضل مع زيادة الفهم والوعي ستختفي كل المباريات وتبقى الألعاب... لن يكون هناك رابح ولا خسران، لأن فكرة الربح والخسارة فيها انتقاص للإنسان.

ليس لها أي ضرورة... لماذا لا يمكننا الاستمتاع بكوننا معاً فحسب؟

لا ضرورة لعدّ الأهداف والنقاط والمخالفات... لا ضرورة لأي نتيجة بعد هذه البهجة.

 

 

المتعة تحدث عندما لا يوجد هدف أو حدث

 إذا كنت فعلاً تحب كرة القدم، فالعب بها... فقط العب بها لأجل اللعب دون انتظار النتيجة.. النتيجة تجلب الجدّية إلى اللعبة فتدمرها وتجعلها صفقة تجارية.

استمتع بتدفق الطاقة عندما تركض مع رفاقك.. في كل لحظة وحركة بركة.. فلا تضحي بها لأجل أي مربح.

 

هذه هي روح المرح والفرح.... الجنة التي نعيشها ونصنعها داخلنا وخارجنا... لكنك بمجرد أن تحب أحداً ما، بسرعة يعمل فكرك وتصبح جدياً في الموضوع فتبدأ تخطط للزواج والعائلة وجلب الأولاد، وهكذا يصبح كل شيء جامداً وبشعاً!!!

 

إذا حصلت هذه الأشياء، فدعها تحصل كنتيجة ثانوية وليس كهدف.

نعم، إذا أحببتَ امرأة، فستحب أن تكون معها... هذا زواج بحد ذاته...

مثل المرأة التي سألت النبي ثم ذهبت إلى حبيبها وقالت له: زوّجتُك نفسي فهل قبلت؟ والشاهد هو الله... ينبغي ألا يوجد أي زواج غير هذا... ينبغي حتى ألا توجد أي فكرة أو قاعدة.

 

فرض أي فكرة سيدمر كل شيء... كل شيء جميل من العشق والرفق والإحساس سيزول.. لكن في لحظة حصول الحب، يبدأ فكرك فوراً باللف والدوران، ويخيط نسيج العنكبوت... يرسم رغباته بالعائلة.. كيف يمتلك عائلة خاصة به... لماذا أنت بحاجة إلى "عائلة خاصة بك"؟

الناس يتملّكون الأشياء.. وكذلك يتملّكون أناساً آخرين. إذا امتلكت الأشياء يمكنك أن تسامح نفسك، لكنك إذا بدأتَ بامتلاك البشر مَن سيسامحك؟

تقول: هذه زوجتي، زوجي، طفلي...

ماذا فعلتَ لتقول أن هذا الطفل لك؟

من أنت؟ وكيف أدخلت نفسك؟

هل تستطيع خلق طفل؟ هل تستطيع صنعه حسب رغبتك الخاصة؟

هل الطفل سيارة تصنعها ثم تشتريها وتبيعها؟

 

الناس يتملّكون الأشياء.. وكذلك يتملّكون أناساً آخرين

الطفل هبة من الله... عطاء من السر الكوني المجهول.... وأنت لستَ الخالق، فكيف يمكنك أن تكون المالك؟

 

الطفل لا يتشكل وينمو جسده وروحه حسب ما تريد... لقد كنتَ تتوقع طفلاً جميلاً وذكياً وإذا بطفل مغفل يولد لك فتسميه "طفلي"!

 

أنت مجرد أداة في يد الكون أو المكون... ممر ليس أكثر...

مثلما هناك حركات تحررية في العالم، كحركة تحرر المرأة، يجب البدء بحركة جديدة هي حركة تحرر الطفل!

يجب منع استملاك أي بشر... ومتى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً...

 

أولادكم هم عيال الله، ويمكنك فقط أن تعتني بهم وتحميهم ليس أكثر... وعليك أن تكون ممتناً لأن هذا الدور أتيح لك لكي تعتني ببرعم حياة جديدة وتراقب نموّه.

استمتع بهذه اللعبة وكأنك تراقب حديقة منزلك المليئة بالأزهار... شاهدها لكن لا تمتلكها... لكن الاستملاك انتشر في أعماق فكرنا، وهو أعظم عائق لنمو الإنسان.

 

عندما يكون الحب مستملكاً أو مستأثراً، يكون حباً محصوراً ومقصوراً..

عندها: "هذه المرأة لي، وحصرياً لي أنا لوحدي!"... وعندها لا يمكنها أن تضحك مع أي شخص آخر، لا يمكنها أن تمسك بيد أي شخص أو تنظر إلى عينيه مثلاً.. لماذا؟ ما هذه التفاهة والسفاهة باسم الأديان نقتل الروح ونمتلك جسد الإنسان؟ هل هذا من الإسلام أو السلام أو مكارم الأخلاق؟

 

من أنا لكي أمتلك؟ وكيف يمكن للحب أن يكون امتلاك؟

 

الحب دائماً غير محدود ولا مشروط... إنه نمو وسمو الروح وليس تقييداً بالسلاسل والجروح... إذا أحببتُ المرأة فعلاً، فسأحبّ أن أراها سعيدة بألف طريقة وطريقة مع ألف شخص وشخص... سأحب سعادتها فهذه هي سعادتي... إذا كانت تضحك أو ترقص مع أحد غيري يجب ألا أشعر بالغيرة... أنا أحبها! كيف يمكن أن أشعر بالغيرة والحيرة؟... يجب أن أطير من الفرح برؤيتي لفرحها.... لكنك إذا كنتَ تدّعي أنها زوجتك فلا يمكن أن تسمح بهذا طبعاً... ستبدأ بربطها فتنتقم هي بربطك أيضاً، وتصبحان عدوان لبعضكما.

 

 

الناس منذ أول التاريخ وإلى الآن، لا يُقتلون بسبب الكراهية: بل يُقتلون بسبب الحب

تذكرتُ عندما كنتُ في جماعة من أهل الطريق، وبينما كنت أمشي صادفتُ شاباً وصديقته يسيران باتجاهي... أوقفني الشاب بكل تهذيب وقال لي هل يمكن أن أطلب منك شيئاً؟... قلتُ له تفضل... قال لي ولا يمكنني أن أنسى كلمة قالها:

صديقتي رأتك جميلاً وأحبّت أن تسلّم عليك وتضمك، وأنا لأنني صديق ورفيق أحبها بصدق، فيجب أن أحب ما تحب ومَن تحب.....

 

لم أصدّق ما هذا الصدق في المعاملة... وبعدها قلتُ في نفسي، لو أن الأمر حصل في الأمة العربية لكان الزوج طلقها أو قتلها وقتلني وطبعاً يخرج بريئاً من المحاكمة لأنه يدافع عن شرفه وعرضه حتى لو ارتكب الجريمة الواضحة!

 

الحب أعظم طاقة خلق وإبداع في العالم... لكنه حتى الآن لا يزال أكبر مصيبة وكارثة... الناس منذ أول التاريخ وإلى الآن، لا يُقتلون بسبب الكراهية: بل يُقتلون بسبب الحب...... الحياة أصبحت مرّة جداً، ليس بسبب الغضب: بل صارت جحيماً بسبب الحب!

 

طبعاً لأنك تقاتل وتقتل لأجل حب امرأة أو رجل... تقاتل لأجل حب العائلة أو العشيرة... تقاتل لأنك تحب دينك ومعتقداتك... تقاتل لأجل حب الوطن وأرضه.... وتستمر بالقتال وصنع الحرب باسم الحب!

 

كل جرائم القتل والعنف وكل أنواع المعاناة في العالم نتجت عن ما يسمّى "الحب".

 

السبب:

هناك شيء أساسي خاطئ في مفهوم الحب عندك: إنه حب مقيّد... نوع من التعلّق والعلق.... ليس نهراً يجري من المشاركة والمرح، بل صخرة جديّة جامدة راسخة، إنه استملاك ومليء بالغباء.

يمكنك أن ترى ما يحدث داخلك وحولك... وبمجرد رؤيتك يمكنك أن ترتاح قليلاً، ثم يبدأ وعي جديد بالظهور فيك.

 

إنني أستغرب عندما أصادف رجلاً ماتت زوجته، ورغم مضي الشهور والسنين لا يزال يبكي ويتألم: لقد ماتت حبيبته....

لماذا هذا السجن والتعذيب لنفسك؟ لا يزال هناك الكثير من النساء الجميلات على قيد الحياة!

 

 

التقييد والتعلّق يأتي منذ بداية الحياة

ما هذا المنطق؟ مات زوجك مثلاً، لذلك ستبقين طوال حياتك في كابوس مرير لأنك لا تستطيعين حب أي شخص سواه؟ هل حبك ضئيل ومحدود إلى هذه الدرجة؟ هل هو حب أم نوع من الهوس؟

 

نعم.. إنه مرض وليس صحة أو محبة... وإلا عندما يموت الزوج، نعم، سيكون هناك حزن لبعض الوقت، لكنك ستقولين وداعاً وتكملين الطريق... لن تضحي بحياتك، لأن التضحية بالحياة شيء خطير!..

 

إذا ضحيت بحياتك وصرت شهيداً أو شهيدة، فستنتقم بشدة من الحياة: ستصنع شعوراً كبيراً بالذنب في أطفالك وأصدقائك وكل من حولك، وأنت أكثر من يعاني... عندما يعاني الشخص ويتألم، سيصنع ذبذبات من المعاناة تنتشر في بيته ومحيطه.

 

لا... هذا كله هراء وغباااااء!

العالم مليء بملايين الناس وكل الناس خير وبركة، فلماذا عليك أن تحصر نفسك بقيود لا أساس لها؟

 

لكن....

التقييد والتعلّق يأتي منذ بداية الحياة: بمجرد أن يقول الطفل: "يا أمي"... وتشعر الأم بالسعادة العارمة... يظهر فوراً التعلق، والآن سيبقى الطفل في مرض الاستملاك والاستحواذ طيلة حياته.

وعندما يكون الطفل صغيراً، سيكون طبعاً معتمداً تماماً على الأم، ولقد استغل الآباء والأمهات هذا الاعتماد بشكل كبير.

الطفل بلا حول ولا قوة، لا يستطيع النجاة والحياة لوحده، ولا بد من الاعتماد على الأب والأم...

 

كيف يحدث استغلال الأهل؟ الطفل يشعر بأن أمه إذا ذهبت أو ابتعدت عنه فلن يبقى حياً أبداً، وتستمر هذه الفكرة بالنمو وتتعمق أكثر في نفسيته.... والأم تدعمها أيضاً، لأن الأنا عندها تستمتع بفكرة التملك: "يا طفلي لا يمكنك العيش بدوني"

لا بد أنك سمعتَ كثيراً من الأمهات يهددن: "اسمع كلامي يا ابني، وإلا سأرحل عنك، أو سأموت، وعندها سأريك كيف يجب أن تسمع لأوامري!"

والطفل عندها يرتجف بكامل كيانه من الرعب.. طبعاً لا يستطيع العيش دون أمه.

 

ينمو هذا ويتطور إلى برمجة نفسية يحملها الإنسان طوال حياته... ستنعكس لاحقاً على كل علاقاته.. سيفكر بنفس الطريقة تجاه زوجته: إذا اختفت الزوجة فلن يقدر على الاستمرار بالحياة... سيكون المرض مزروعاً في اللاوعي.

 

 

التأمل لا يمكن أن يحدث إلا في جو من الراحة والمرح

سيفكر بنفس الطريقة تجاه كل شيء: "إذا اختفت هذه الوظيفة التي أعمل فيها فستنتهي حياتي وكل آمالي.... إذا سُرق أو حرق منزلي فأين سأكون؟..... إذا أفلس رصيدي في البنك فكيف سأعيش؟"

سيفكر الشخص طوال حياته بمصطلحات التعلق والتربط، وستكون حياته سلسلة طويلة من المعاناة بلا سبب.... لم يعد طفلاً لكنه بقي طفولياً بسبب التنشئة الخاطئة.

 

بمجرد أن تشعر بالحب، ستحوّل هذه الزهرة الفواحة إلى شوكة ذباحة لأنك تأخذ الأمر بجديّة ورسمية فوراً... تبدأ بالتفكير بالمستقبل.. بالزواج والأطفال والأمان...

تتحول اللعبة إلى علبة وغلبة... وهذه لعبة خطيرة، ستكون فيها حتماً خسران لأنه لا يوجد فيها أي ربحان.

أما في اللعبة والمشاركة كفيض من القلب، كل شخص ربحان لأنه... إنسان.

 

حتى في التأمل، لا تقع في مصيدة الجديّة... انتبه!

التأمل لا يمكن أن يحدث إلا في جو من الراحة والمرح التام... عندما لا تبحث أو تركض وراء أي شيء، عندما ببساطة تغني أو ترقص بعفوية.... عندما يكون هدف الفعل هو الفعل نفسه ليس أكثر، دون تدخل الماضي ولا المستقبل...

غنّ وكأن لا أحد يسمع... اكتب وكأن لا أحد سيقرأ... إعشق وكأنك زهرة تنشر العطر دون انتظار أي أحد... والتأمل سيأتي لوحده.

 

التأمل حادث يحدث... لا يمكنك سرقته من يدي الله!

لا يمكنك طلبه أو امتلاكه... بل يمكنك فقط عمل شيء واحد:

كُن في الفراغ والفناء والانتظار بلا موعد، وهذا ما يحدث عندما تلعب بمرح.

 

التأمل ممتع! تأمل ساعة خير من عبادة سبعين عام، وكل عمل عبادة فيه أحلى متعة ومتاع... لكن عبر العصور تم تعليمك أن العبادة هي أكثر الأشياء جديّة: اذهب إلى الجامع أو الكنيسة ولا تضحك، بل اجعل وجهك رسمياً وصاحب شخصية محترمة، ويفضل أن تكون مكتئباً عابساً قليلاً لتكتمل المسرحية... لا تضحك أو تمزح، فأنت أمام الله وبين يديه!!

 

ألا يبدو هذا "الله" غريباً قليلاً؟ لا يستطيع السماح بالضحك أو الرقص أو الحب أو المرح؟ هذه هي المعتقدات القديمة وجذورها، حيث فكرنا بجهلنا أن الله منتقم وغاضب وغيور، مستعد فوراً ليقتلك ويشويك بالنار والجحيم المؤبدة، ونسينا أنه الرحمن الرحيم...

 

التأمل حادث يحدث... لا يمكنك سرقته من يدي الله!

لنتعلم الآن لغة جديدة... التأمل متعة ونعمة... وخير عبادة هي الحب ورسم البسمة على وجهك ووجوه الآخرين، والمعبد مهما كان، هو مكان للاحتفال والابتهاج بنِعم الحياة... مكان للرقص وشبك الأيدي والقلوب مع مقلّب القلوب... مكان لتشارك الآخرين بما أعطاه الله لك في كل لحظة.

 

هذا هو معنى الفرح والمرح والضحك: أن تكون ذائباً تماماً في زمن هذه اللحظة، وكأنه لا يوجد أي زمن آخر... فكيف يمكن أن تطلب وتنتظر أي نتيجة؟ النتيجة تحتاج إلى لحظة إضافية وهي غير موجودة بالنسبة لك.

 

لن تدخلوا ملكوت الله ما لم تعودوا كالأطفال.... يمرحون ويصرخون ويرقصون، والله سيأتي إليك دون موعد مسبق.... فجأة في لحظة ما ستجده محيطاً بك... فجأة ستجد أنك لا تمسك بيدي حبيبك بل الله يمسك بيديك...

 

انظر إلى عينيّ الآخر باستسلام وبراءة ومرح، فجأة ستصل إلى أعماق لا تعرفها، مجهولة بالنسبة لك ولفكرك، فتغوص في بحر ليس له نهاية... هذه هو الله!

 

الله فعل وليس اسم... ألوهية حية وتنبض في حبل الوريد... ليس في الكتب المقدسة بل في أعين الناس، والعين مرآة المؤمن، وفي الأزهار والشجر والقمر... أن ترى الله في كل شيء....

كيف ستجده إذا كنتَ تبحث بين الأوراق المطبوعة الميتة؟

وإذا كنتَ لا تستطيع إيجاد الحيّ في الأشجار الحية الخضراء والحمراء والصفراء، فلن تجده لا في إنجيل ولا قرآن ولا أي كتاب... أما إذا وجدتَه في الحياة وفي نبض قلبك وقلوب الكائنات، ستجده في كل مكان وسترى في الآفاق كل الآيات... وعندها فقط سيكون في كل مكان من الأراضي والسماوات.

 

حالما تجد الله، ستجده في كل مكان وزمان، لكنك يجب أن تجده أولاً هنا والآن... في عفوية ومرح وصخب الحياة... المرح يجعلك حياً لأقصى درجة..

راقب الأطفال...

 

الجديّة تجعلك معاق.. متجمد متبلد... مغلق ومعزول وأناني، لهذا السبب كنا ولا نزال نحترم ونقدّر الجديّة والرسمية في الحياة لأنها تعطيك "أنا" متضخمة... كالسرطان... والعفوية تأخذها منك وتشفيك.

  

إذا أردتَ أن تحيا... يجب الاستغناء عن الأنا...

تسألني: "أنا دائماً مسجون بأفكاري وعنادي..."

طبعاً عندما تقول "أنا".. هذه الأنا وأنت لا يمكن أن تعيش إلا في سجن الأفكار والجدية والعناد... أما إذا أردتَ أن تمرح، فعليك أن ترمي فكرة الأنا لأنها تقاوم اللعب واللهو وتموت فيهما...

 

هل لاحظتَ أنك عندما تضحك... راقب ما يحدث داخلك: الأنا تختفي للحظات... لهذا لا يمكن للأشخاص المتكبرين أن يضحكوا أبداً!

أيضاَ عندما ترقص أو تعزف، تأتي لحظة تختفي فيها الأنا...

لكن الأشخاص الأنانيين المتكبرين لا يستطيعون الرقص والسماح باختفاء الأنا، وطبعاً سيبقوا سجناء جهلهم.... إذاً الفرح والمرح قرارك واختيارك.

 

إذا أردتَ الأنا، عليك أن تقبل بالسجن والحدود...

وإذا أردتَ أنا أكبر وأكبر، سيكون السجن أضيق وأصغر...

وإذا أردتَ أن تكون أضخم أنا في العالم، فلن تكون شيئاً سوى سجن محاط بسور الصين العظيم وأنت ترتدي قيوداً حديدية يا فهيم...

لكن إذا أردتَ أن تحيا... يجب الاستغناء عن الأنا...

وهي الحاجز الحاجب عن الحق والحياة.

 

لا تسأل أبداً عن أي خريطة إلى المرح والحقيقة، فسؤالك شيء جديّ!

ليس معي أي خريطة إلى أي هدف... كل ما عندي أن أدعوك إلى ترك عالم البشر وأهلاً بك إلى عالم الحمير... الزريبة واسعة... والزريبة الضيقة تتسع لمئة حمار من أهل الدار... لكن تعلّم الشهنقة وتدرب جيداً قبل المجيء! هيء هيء!

 

لكن إذا كنتَ مصراً على الخريطة،

إذهب إلى أي معبد أو رجل دين وسيبيعك ألف خريطة!

 

في الواقع، كثير من المعابد القديمة فيها خرائط إلى الجنة والنار وكيف تصل إلى هناك وماذا ستجد.... جغرافيا المنطقة والخرافة كلها!.. ومن يسكن هناك، وأين يعيش الله، ومكان سكن القديسين العظماء وكل التفاصيل يا هبيل.

 

لقد رسموا كل هذه الخرائط لكنها كلها وهم... لا يمكنك معرفة "الله" أو تحقيقه باستخدام أي خريطة.... والجنة ليست خريطة والنار أيضاً، إنها حالات نفسية وليست أماكن جغرافية... عندما تكون جدّياً تكون في النار، وعندما تكون عفوياً تكون في الجنة، وأنت الجنة والنار وكل ما انطوى...

 

عندما تكون جدّياً تكون في النار، وعندما تكون عفوياً تكون في الجنة

واطمئن... لا أحد معلول أو مشلول... وحتى لو كان الجسد أو الفكر مشلول أو مصطول فهذه ليست المشكلة... المشكلة تأتي من الأنا... والأنا ليس لها علاقة بالجسد.

إنها طريقة تفكير وحياة... عندك فكر، وهذا هو مرضك!

ليس لديك فكر مريض مشلول، بل الفكر هو المرض والشلل في الأرض!!

 

عليك أن تتجاوز الفكر.. وعندها فجأة ستفيض الفرحة والبهجة في حياتك، وستكتشف أنك كنت ولا تزال تعيش في الجنة وأنك لم تخرج منها ولو للحظة، ولا أحد يستطيع الخروج منها أيضاً... لكننا فقط يمكننا أن ننسى.. أفلا تتذكرون..

عندما نفكر بجديّة ننسى الجنة الأبدية الحية.

 

أنتم لا تزالوا أطفالاً تلهون على شاطئ البحر... تبحثون عن الأصداف الملونة... تجمعون الأزهار البرية وتلحقون الفراشات... نقاء الطفولة لا يزال حياً فيكم، ولا أحد أخذه منكم، لكنه فقط وقع في سجن الفكر، العناد، والجديّة...

النقاء والصفاء موجود دائماً كالنبع، هناك صخرة تسد جريانه، لكن النبع لم يختفي، فقط أزل تلك الصخرة واستمتع بنافورة من الماء الشفاف اللطيف.

 

لا تبحث عن الضحكة أو عن السعادة... مجرد بذل الجهد للبحث هو شيء جديّ يبعدك عنها.... إنها هنااااا! لستَ بحاجة إلى البحث عنها.. بل ابدأ بالاستماع بها.

ابتهجوا وتهللوا الآن!...

 

كثير من الناس يبحثون عن السعادة والفرح والمتعة وعلى مدى سنين، ويبحثون بإصرار وجديّة رهيبة، طبعاً وإلا كيف ستبحث؟

وأثناء هذا البحث تقوى الجدّية عندك وتقوى أكثر كل لحظة.. غداً ستبحث من جديد وتبرمج نفسك أكثر، وستجد كمية أقل من الضحك في اليوم التالي، واليوم الذي بعده ستكون أيضاً أقل وأندر... وهكذا ستقضي حياتك في البحث ومحاولة إيجاد السعادة، ناسياً أن مصدرها فيك، منك وإليك.

 

فقط ابتسم واحتفل في هذه اللحظة!... شاهد النقطة المقصودة وافهمها الآن ولا تؤجلها أبداً، هناك خدع كثيرة من الفكر تجعلك تؤجل الفرح.

إنك لا تريد أن تفرح، بل هناك شيء فيك يطلب الحزن، وقد أتى هذا العذر:

"إنني أبحث عن السعادة والنشوة الكونية.. أنا الآن غير سعيد، وسأسعد كثيراً عندما أجد سعادتي.. لكنني الآن كيف يمكن أن أكون سعيد؟ عليّ أن أجدها، والطريق طويل ومتعب مثل صعود الجبال".....

 

الإنسان الذي يموت مبتسماً يكون قد اكتشف الكشف ووصل إلى بيته المعمور   

لذلك أقترح عليك أن تفرح بحزنك الآن، وغداً سنرى ماذا يحدث.. والغد لا يأتي أبداً!

 

لا تحاول أن تؤجل فرحة اللحظة..

ارقص واضحك الآآآآن...

 

في البداية قد يبدو الأمر غريباً، لأنك لم تضحك ضحكة من قلبك منذ زمن، ففقدت الشفاه مرونتها، لكنها ستعود... فقط أعطها فرصة صغيرة وانتظر ماذا سيحدث.

 

لا تقلق، لأنه لا يمكن لأحد أن ينسى الضحك.. إنه مثل السباحة: حالما تتعلمها لا يمكن أبداً أن تنساها.. قد لا تذهب إلى البحر طوال خمسين سنة، لكن حتى عندها يمكنك أن تسبح بمجرد دخولك في الماء، ولن تحتاج حتى إلى تذكر واسترجاع الحركات.

 

لقد كنتَ تضحك منذ أن كنتَ طفلاً... كل طفل يولد والبسمة مرسومة على وجهه، وهناك أناس نادرون جداَ جداً يغادرون الحياة لحظة الموت وهم يبتسمون...

الإنسان الذي يموت مبتسماً يكون قد اكتشف الكشف ووصل إلى بيته المعمور، لكنك إذا أردتَ أن تموت مبتسماً عليك أن تعيش مبتسماً.

 

كل طفل يولد كنبي أو كمسيح، فرحاً بدون سبب، محتفلاً في كل الحالات والأوقات، لكننا نجعله يموت في حزن وخوف ومرض...

كل الأطفال والحيوانات والأشجار مبتهجة، لكن ماذا نفعل بالطفل؟

نأخذ منه كل ما جلبه معه من الله، ونجعله طبيباً، مهندساً، رجل أعمال، جندي، سياسي، ونربطه بصفة محددة.

 

كلنا ولدنا كطاقة خلاقة غير محدودة وكل الإمكانيات متاحة في أي مساحة، لكننا نغلق كل الأبواب ونبقي باباً واحداً... لقد قتلنا الطفل!... لم نسمح إلا لجزء صغير منه بالحياة.. فقط تخيّل رجل أعمال:

إنه ببساطة يعيش ويشعر ويتصرف كرجل أعمال!

 

في الصباح والظهر والمساء والليل يتصرف كرجل أعمال ورأسمال، يحلم بالأعمال، يتكلم عنها، يقرأ عنها في الكتب والمجلات، لقد تحولت حياته كلها إلى أعمال في أعمال... ماذا فعلتَ لهذا الرجل؟

ما هي المصيبة التي حدثت له؟

 

 

كن شجاعاً، والضحكة والحكمة ستأتي لوحدها

لا يمكنه أن يكون إلا رجل أعمال... لا يعرف كيف يرتاح ويسترخي، كيف يخرج من العلبة الضيقة التي يعيش بها دائماً، ويدعوها: رجل أعمال، دكتووور، باش مهندس، بروفيسووور...

 

الإنسان نهر ينهر... يتغير ويسيل مثل الماء... عليه أن يقدر على عمل أي شيء، فيه انطوى العالم الأكبر، كل تاريخ وأعمال البشرية في الماضي والمستقبل والآن...

أنت كائن متعدد الأبعاد، فعش هذه الحياة الشاملة... عش مثل كرة واسعة لا مثل خط ضيق... عش الغنى الداخلي...

 

كل شخص صنع داخله زاوية ضيقة ووضع فيها فكره والأنا وغيرها من العادات، وصار متعلقاً بها كثيراً رغم أنها مظلمة ومتسخة ومكتئبة... لكنه تعوّد عليها، ويخاف من فتح النافذة واستقبال الهواء المنعش والسماء الشاسعة والشمس والرمال... لذلك تجد أن الضحكة اختفت.

 

طبعاً لأن الحياة قد اختفت!... كيف يمكن للضحكة أن تعيش دون الحياة؟

روحك ميتة، وهذه الآن معجزة: أن الناس الروحانيين الذين تتبعهم هم أقل الناس روحية وحيوية، لكنك تدعوهم متدينين ورجال دين يا مسكين.

 

الإنسان المتدين صاحب الدين الحق هو الشخص صاحب الروح الحية الذي يعيش حياة مفعمة بالطاقة والمغامرة، يعيش لأجل الدنيا كأنه يعيش أبداً، ويعيش لأجل الآخرة كأنه يموت غداً...

 

فكن شجاعاً يا صديقي، والضحكة والحكمة ستأتي لوحدها...

كن شجاعاً وعش الحياة بكامل أبعادها.... ولن تحتاج لأي سؤال...

إذا صدق السائل هلك المسؤول...

إذا عشتَ الحياة بكليّة ستأتي العفوية...

عندما تعيش بحيوية فإن الطاقة الفائضة هي المرح والفرح...

لا يوجد أي خريطة تدلك عليها...

ولا يوجد أي طريقة تأمل محددة...

فقط الفهم والاستيعاب...

والباب مفتوح لكل الأحباب...

 

أضيفت في:9-11-2008... جسد و ساجد> أنت والجسد
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد