موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

أوهام حول الحقيقة

تعودّنا أن نتعرف على العالم عن طريق حواسنا الخمس؛ كيف نرى؟ كيف نسمع؟ كيف نلمس؟ العطر الأفضل! والذائقة الأحلى!!

هكذا تعرفنا على أشياء كثيرة سواء بالملمس أو بالعطر أو بالشكل.

 

كلما ازدادت الفواصل بيننا كلما انجذبنا لاكتشاف الأشياء بشكل أكبر؛ فانجذابنا إلى فنان من بلد آخر أكبر من انجذابنا إلى أهالينا. وكذلك نحب الصناعات الأجنبية حتى وإن كانت بخسة وبلا قيمة؛ ولم يكفينا هذا بل اخترقنا الأرض وأصبحت الكواكب أكبر همنا؛ نحاول أن نكتشفها ونقتحمها بكل الطرق، نستضيف مخلوقات من الفضاء!! هل هي حقيقة أم وهم أم ماذا؟

 

لماذا كل هذا؟ كل هذا من ألاعيب الفكر...

 

الفكر يبحث دائماً عن المجهول ليقوي الأنانية فيه. إذا اكتشفت شيئاً جديداً ستكون ذكياً بل عبقرياً؛ إذا تواصلت مع شخص مهم سواء أن كان فناناً أو سياسياً؛ حتى وان كنت تعرف أنه لا يتحلي بصفات أخلاقية حسنة ستفخر وتقول أنا حاورت فلان؛ حتى وإن كان الحوار تافهاً ولكن الفكر يجمَل لك هذا ويجعلك تتصوره حدثاً مهماً في حياتك...

 

هذه الفكرة تنطبق على أشياء أخرى في حياتنا؛ كلنا نبحث عن أشياء ملموسة في الحياة حتى نفتخر بها ولهذا ازدادت فكره التصوير والآن تجد كاميرات التصوير موجودة على كل جوَال! لماذا؟ حتى نصور في الفور ما نراه ونفتخر ونتباهى به ونرسله من محمول إلى محمول ومن ثم نشاهده على الانترنت ونصبح مشهورين ومعروفين وفي الحقيقة موجودين ولنا صوره وصوت في هذا العالم....

 

كل هذا لأننا فقدنا الثقة بالكلمات أو بالأحرى فقدنا الثقة بالإنسان. الكل يكذب حتى يثبت صدقة، إذن نحن بحاجة إلى دليل وبرهان؛ ولى زمن أبو بكر الصديق!! كيف نصدق شيء لم تراه أعيننا؟ أين ذهبت الثقة والبراءة؟ لماذا لا نحاول البحث والكشف عن كلمات مثل الحب والسلام والحقيقة؟

أكيد ستقول في نفسك أن هذه الكلمات ليست جديدة فكيف سنكتشفها مرة ثانية؟؟!!

 

الحب، ما أكثر الكلام وما أكثر الأغاني والأشعار والقصص التي تتكلم عنه إذن ما فائدة البحث مرة أخرى؟

 

السلام! ما أكثر القمم والأمم التي تبحث في السلام!! ألا تعي للكم الهائل من الأسلحة المصنوعة لحماية الإنسان؟

 

والحقيقة، موجودة في الكتب السماوية ومن ألوف السنين والأنبياء والمستنيرين يحدثونا عنها، هل نكفر بما يقولون ونكتشف حقيقة جديدة لا سمح الله!!!

 

دعنا من كل الكلمات والبحث عنها ولنكتشف أهم جزء في هذا العالم ألا وهو أنت!

 

أهم جزء في العالم!!! هل سنتعلم الأنانية؟؟

 

كل الأديان تنهي عن الأنانية وتوجهنا للنظر للآخرين وتلبية رغباتهم، ولكن كيف يمكننا أن نتعرف على النفس البشرية دون التعرف على أنفسنا؟ كيف يمكننا أن نسامح ولا نحكم ولا نلوم الآخر إذا لم نسامح أنفسنا؟

هذه أيضاً من ألاعيب الفكر؛ بقدر ما يحب أن يكتشف الأشياء من حوله ليرضي فضوله بقدر ما يخاف من الكشف عن نفسه والتعري أمام مرآه الذات والروح. ماذا لو اكتشفت أني كذَاب؟ الكذب ليس من الصفات الحميدة! هل أنا سيء؟ لا أكيد لا أنا عندي مبرراتي!!

 

ماذا لو اكتشفت أني أكره أبي؟ هذا ليس أخلاقياً وسأدخل النار لأن الله أوصي بالوالدين... أنا عندي مبرراتي الخاصة...

 

أنا أخذت رشوة من فلان ولكن الفقر هو السبب... كل هذا من ألاعيب الفكر....

 

هل تعلم لماذا يختار الناس قدوة؟ لأننا لا نعرف أنفسنا وقدراتنا وكل هذه أوهام لأنك لا تستطيع أن تكون فلان أو علان... لو اتخذت الوردة شجرة الليمون قدوة لها لما أصبحت وردة.... ولو اتخذ شكسبير، بيتهوفن قدوه له لما أصبح كاتباً وشاعراً... ولو اتخذ المسيح سيدنا إبراهيم أو سيدنا موسى قدوة له لما أصبح المسيح...

 

في قرية ما في مكان بعيد عنا، كان هناك شحاذاً أعمى يقف في مكان خاص به للشحاذة لمدة خمسة وثلاثين عاماً وكان الناس تعود على وقوفه في تلك البقعة إلى أن توفي الشحاذ فقرر أهالي القرية أن يدفنونه في نفس المكان الذي كان يقف فيه، وحين حفر الناس المكان تفاجئوا بوجود كنز كبير تحته!! لقد كان يجمع أمواله في حفرة تحت الأرض التي يقف عليها. الكنز كان كبيراً؛ والناس تتساءل: كيف يمكنه أن يملك هذا الكم من المال ويعيش شحاذاً طول هذه السنين؟ حتى نصف هذا الكنز كفيلاً ليعيش حياة بكرامة ورفاهية...

 

هذا هو حالنا!! عندنا كنز ثمين ولكن ندسه تحت الأرض ونتجاهله؛ لا نعرضه حتى لا يكشف أسرارنا وأحوالنا...

 

إذن الخطوة الأولى للتعرف على الحقيقة هي أن تتعرف عن نفسك وهذا لا يتحقق إلا بالتأمل... تأمل نفسك وأفكارك؛ لا يمكنك أن تتعلم حقيقة ذاتك من شخص آخر... كن شجاعاً وابحث في هذا الشخص المألوف الغريب حتى تتضح نواياه وأحاسيسه وتكتشف الكنز المدفون فيه...

 

كلنا نعلم إذا زرعنا بذرة ستتحول إلى شجرة بمرور الوقت ولكن حين تنظر إلى البذرة لا تصدق أنها تستطيع أن تكون شجرة في يوم ما حتى وإن فتحتها ونظرت إلى أجزاءها لا يوجد شيء يدل على ذلك ولكنها ستتحول إلى شجرة فعلاً... وكذلك إذا نظرت إلى الشجرة لا تستطيع أن تتصور أنها كانت بذرة في يوم من الأيام؛ هذا ما يوهمنا به الفكر؛ كيف يمكنك أن تتعرف على الحقيقة عن طريق التعرف على نفسك؟ بماذا سيفيدنا هذا؟ هذا الجسم الصغير بالنسبة للكون كيف يمكنه أن يتعرف على الله؟ الله أو الإلوهية، كيف يمكنها أن تكون محصورة في هذا الجسم الصغير ومع هذه الروح المشوشة والمعذبة؟

 

لا يستطيع أن يساعدك أحد لأنها تجربة شخصية جداً وإذا لم تختبرها بنفسك لا تستطيع أن تتعلمها أو أن يشرحها لك شخص آخر لأن كل نفس وكل شخص له ماضي وحاضر وهدف من الخلق مختلف تماماً عن غيره، لهذا التجربة ستكون فريدة من نوعها...

 

هل تتذكر اسكندر الكبير حين أوصى الخدم أن يضعوا يديه خارج التابوت حين يحملوه إلى بلده؟ الكثير شاهد يداه ولكن البعض فقط عرفوا ما هو الدرس؛ اسكندر كان يسعى طوال حياته ليمتلك العالم ولكن حين مات ذهب ويداه فارغتان. إذن استغلّ هذا الوقت الذي أعطاك إياه الكون لتتكامل.... أنت لا تعرف من أين أتيت ولا إلى أين ستذهب ولكن عندك وقت محدود لتعيش وتتكامل، إذن لا تهدر وقتك بالبحث عن الثراء والشهرة والخلافات وغيرها من أمور لا تستطيع أن تأخذها معك... بل استغل هذا الوقت بالتعرف على نفسك وبصقل هذه الجوهرة وهذه الطاقة الداخلية التي يمكنها أن تكون معك... أنت لست هنا عبثاً... الكون كان بحاجة إلى هذه الموجة وهذه الذبذبة للتكامل، لا تضيع الفرصة.....

 

تأمل قليلاً، إذا أحسست ألم في ذراعك!! لا توجد أي طريقة لتثبت وجود هذا الألم. أنت الذي تحسه وأنت الذي تستطيع أن تشعر بمدى عمقه، يمكنك أن تسكت ولا يعرف بوجعك أحد ويمكنك أن تصرخ وتُعرف الناس بوجود هذا الألم الفظيع، ولكن حتى إذا فتحنا ذراعك سنرى العضلات والأعصاب والدم ولكن لن نرى الألم، الألم هو إحساس وشعور يخصك أنت فقط إذا لم يشعر به أحد غيرك هذا ليس لأنه غير موجود بل لأنه خاص بك أنت... تجربتك أنت.

 

أنت الوحيد الواعي لهذا الحدث في جسمك؛ لا تستطيع أن تنقل هذا الوعي لشخص آخر ولا تستطيع أن نشرحه أو تعطي فكرة عنه...

 تصور أنك تريد أن تشرح لأعمى اللون الأبيض أو الأزرق!! كيف يمكنك أن تشرح له الألوان؟ لا توجد طريقة لشرحها أو أي فكرة تقربه لها....

 

هذا هو الحال حتى تتعرف على نفسك سيصبح لديك وعي مختلف تماماً عن ما كنت عليه، وهذا الوعي خاص بك أنت لا تستطيع أن تشرحه أو تحصره في فكره، أنت تستطيع عن طريق الكتب الطبية أن تتعرف على العضلات والأعصاب والمجاري والأوردة والدم وكل شيء في جسمك ولكن هذا سيكون علم ومعرفة ولكن أنت لست هذه الأعضاء‌ التي يحيط بها هذا لجلد، أنت حتى لا تفكر بها لأنه يوجد شيء أسمى فيها إلا وهي الحياة؛ هذه الطاقة التي لا تعرف من أين ابتدأت وإلى متى ستظل نابضة فيك؟ لماذا اختارتك أنت؟

 

إذن الخطوة الثانية هي الوصول للوعي وليس للعلم والتعلم والفكر والتفكر.....

 

نحن لسنا بحاجة لاكتشاف ما تعلمناه مرة أخرى، بمعنى إنك لن تكتشف أن واحد وواحد يساوي اثنين. لماذا تهدر وقتك لتكتشف هذه الحقيقة مرة ثانية؟ ولكن في عالم الوعي لا يمكنك أن تضع إطار أو قالب للحقيقة، لن تتعلمها من أحد ولهذا نرى الكثير من الأنبياء والمستنيرين الذين زاروا الأرض لا يزالون يتحدثون عن الحقيقة وعن كشفها؛ إذا كان ممكننا أن نحصر الحقيقة في إطار أو قانون واحد؛ نبي واحد كان يكفي ليخبرنا عنها ولكن نرى أن كل نبي جاء ليكمل ما قاله الأنبياء من قبل؛ هم متفقين في الأساس وهو لا إله إلا الله ولكن مختلفين في الطريقة كل منهم وضع تجربه مختلفة في الصلاة والشرائع والطقوس.. وهذا الفرق ليس لنختلف عليه أو نقتل بعض بل وضع للفكر البشري الذي يمل بسرعة ويحاول اختبار كل الطرق وها هو الباب مفتوح لكل أنواع الطقوس والشرائع لنغذي كل أفكارنا ومعتقداتنا.. ولكن الأحاسيس والذكاء الكوني الداخلي لن يخترقه أحد ولن يتأثر بأي شريعة وعقيدة....

 

لا يمكنك تعلم الحقيقة، ولا يفترض بك أن تتعلمها لأنك أنت الذي يجب أن تكتشفها إذن كيف تتعلمها من شخص أو دين أو كتاب أو أي شيء آخر...

 

ملّا نصر الدين كان يملك قارباً ويحمل الناس من ضفة النهر إلى الضفة الأخرى وفي يوم ركب معه عالم كبير فسأله: هل تعلم شيء عن الرياضيات؟

فأجاب ملّا نصر الدين: ما هي الرياضيات؟ هل هي طبخة؟

 فضحك العالم وقال لقد فقدت ثلث عمرك لأنك لا تعرف شيء عن الرياضيات.

 ثم سأله مرة ثانية: هل تعلم شيء عن علم الأفلاك؟

 فأجاب ملا نصر الدين: لا لم أسمع شيء عنها.

 فقال له العالم لقد فقدت ثلث عمرك الآخر.

بعد قليل هبت عاصفة وأحدثت موجاً كبيراً وانكسر القارب.

 فسأل ملّا نصر الدين العالم: هل تعرف شيء عن السباحة؟

أجاب العالم: لا لم أتعلم السباحة طوال حياتي. فقال ملّا نصر الدين: إذن أنت فقدت كل عمرك...

 

كل الذين يحفظون القرآن أو الكتب السماوية؛ يتعلمون الكلمات فقط؛ يتعلمون كلمات عن الله وعن جنته وناره ولكن هل تعرفوا على الحقيقة؟ كيف يمكنه تصور لا اله إلا الله؟ كيف يتأمل "يد الله فوق أيديهم " تأملوا وتذكروا يا أولي الألباب...

 

كان هناك عالم يبحث في الأرض ويحاول الوصول إلى الحقيقة؛ ذهب وسافر وتعلم من مرشد إلى مرشد ومن طريقة إلى طريقة إلى أن وصل في يوم إلى رجل حكيم كبير وأراد أن يكون من تلاميذه. فقال له أنا اعرف أشياء كثيرة وتعلمت الكثير من مرشدين كبار وجئت إلى هنا لتحدثني عن الحقيقة فقط أنا لا أحتاج إلى الكثير من التعاليم. فأعطاه الحكيم ورقة وقلم وقال: إذن اكتب ما تعرف وما لا تعرفه في هذه الورقة حتى لا نضيع وقتنا بالكلام عن أشياء تعرفها. وافق العالم وجلس وصار يفكر؛ وكتب أو جملة " أنا أعرف عن الله " وانتبه لما كتب!! " أعرف عنه " ولكن لا أعرفه؛ أعرف أسماءه وأعرف ثوابه وعقابه... كيف لي أن أتعرف على الله؟ أتعرف على الحقيقة.. وبعد ساعات من الجلوس في خلوته رجع إلى الحكيم وقال: أنا لا أعرف شيئاً ولم أجد ما أكتبه والآن أنا أعرف إني لا أعرف...

فقال له الحكيم: هذه هي الخطوة الأساسية؛ أن تكون شجاعاً وتعترف بأنك لا تعرف.

 

أحد الأحوال التي تحجب الحقيقة عنك هي الأنانية والاستكبار!!

 

إذا كنت تذهب للمسجد أو الكنيسة أو للمعبد كل يوم فهذا لا يعني أنك تعرف كل شيء أو أنك متدين أو روحاني، النظر إلى الظلام لا يجعل منك نوراً، إذا تعرفت على جهل الآخرين لا يعني أنك مستنير أو عالم...

 

كلما اقتربت من الحقيقة كلما أحسست بإرباك أكثر لأنك ستحس أن كل ما تعلمته يقع منك؛ كل العلوم التي تعلمتها تقع من تلقاء نفسها وهكذا يصنع الإنسان السد للوصول لأنه يخاف من سقوط العلوم عنه؛ هذه العلوم والعقائد تشكل شخصيته. عاش معها كل هذه السنين والآن كيف يمكنه أن يقول أن كل هذا كان هباءً.... لن يستمر الإرباك طويلاً بل سيتحول إلى حكمة ووعي.

 

حين تكون عالماً وترى شخصاً يخطئ، توجه له إصبع الاتهام وتلوم وتحكم أو تحاول أن تحلل شخصيته والأسباب النفسية والسيكولوجية التي أدت إلى هذا الخطأ... وإذا كنت موصولاً بالحقيقة فسترى أن الإنسان لم يوجد ليحظى بالكمال بل هو موجود ليتكامل بالخير والشر بالطاقة السلبية والايجابية إذن يحق له أن يخطئ وأن يصحح الغلط لأنه حر ونقي وخالص.

 

القانون الثالث للوصول للحقيقة هو أن تترك كل العلوم التي تعلمتها ولا تتمسك بها حتى لا تصنع منها سداً يحجب عنك الحقيقة..

 

إذا استطعت أن تفرغ الفكر من كل المعلومات والعقائد والتعصب والتشدد... ستسمح للحقيقة والوعي بالحلول محلها؛ احذف الفكر حتى تجد الحقيقة مساحة في ذاتك.

أضيفت في:7-12-2008... كلمة و حكمة> من قلب الأحباب
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد