حكت لي الشجرة ...
HTML clipboard
كان هناك شجرة قديمة وضخمة، بأغصان منتشرة إلى حدود السماء... عندما
تتفتح أزهارها تأتيها الفراشات من جميع الأشكال والألوان وترقص حولها... وعندما
تنضج ثمارها تأتي الطيور من الأراضي البعيدة لتأكل وتغرد فيها.... وكانت أغصانها
كالأيادي الممدودة تُفرِح كل القادمين إليها فيجلسوا في ظلها.
اعتاد صبي صغير أن يأتي ويلعب تحتها، ونَمَتْ عند الشجرة عاطفة حب
لهذا الصبي الصغير.
إن الحب بين الكبير والصغير ممكن إنْ لم يكن الكبير مُدركاً أنه
كبير.... لم تكن الشجرة تعرف أنها كبيرة، الإنسان فقط عنده هذا النوع من المعرفة.
إن الكبير عنده دائماً غرورٌ يشكّل اهتمامه الأكبر، لكن بالنسبة للحب، لا أحد كبير
ولا صغير.. لا أحد وزير أو فقير... الحب يُعانق كل من يأتي بقربه.
هكذا نما الحب في هذه الشجرة تجاه الصبي الصغير الذي اعتاد أن يأتي
ويلعب بقربها. كانت أغصان الشجرة عالية، لكنها أمالتها للأسفل وجعلتها منحنية لكي
يستطيع أن يقطف أزهارها ويلتقط ثمارها.
الحب مستعدٌّ دائماً لكي ينحني؛ الأنا ليست مستعدة أبداً
للانحناء.... إذا نظرنا إلى الذات المغرورة، لكانت الأغصان امتدت تلقائياً للأعلى
أكثر فأكثر؛ ثم تتصلّب بحيث لا يستطيع أحد أن يصل إليها.
أتى الصبي المرح، وأمالت الشجرة أغصانها. وكانت الشجرة مسرورة جداً
عندما قطف الصبي بعض الأزهار؛ وامتلأ كيانها الداخلي بفرحة الحب. الحب دائماً يفرح
عندما يستطيع أن يُقدم شيئاً؛ الأنا دائماً تفرح عندما تستطيع أن تتلقّى أو تنتزع
شيئاً...
مع مرور الأيام، كَبرَ الصبي. وكان أحياناً ينام على جذع الشجرة..
في حضنها، ويأكل من ثمارها، وأحياناً يرتدي إكليلاً من أزهارها ويتظاهر بأنه ملك
الغابة. إن الإنسان يصبح كالملك عندما يحمل أزهار الحب، لكنه يصبح فقيراً وبائساً
عندما يحمل أشواك الغرور.... رؤية الشجرةِ للصبي مرتدياً إكليل الزهور يرقص حولها
ملأتها بالفرح.. فتمايلت من الحب وغنّت مع النسمات.
كبرَ الصبي أكثر... وبدأ بالتسلق على الشجرة ليتأرجح على أغصانها.
أحسّت الشجرة بسعادة غامرة عندما استراح الصبي على أغصانها... الحب يَسعَد عندما
يؤمّن الراحة لشخص ما؛ والأنا تسعد فقط عندما تُقدّم الإزعاج.
مع مرور الوقت تكدّست أعباء الواجبات على الصبي. كَبِرَ طموحه؛ لديه
امتحانات ليجتازها؛ لديه أصدقاء يتكلم معهم ويقلق بشأنهم، لذلك لم يعد يأتي كثيراً.
لكن الشجرة انتظرته بتلهف ليأتي.
ونادَت من روحها:
"تعال.... تعال.... أنا أنتظرك."
الحب ينتظر ليل نهار دون ملل... وانتظرت الشجرة.... وشعرت بالحزن
عندما لم يأتِ الصبي.
الحب يحزن عندما لا يستطيع المشاركة؛ الحب يحزن عندما لا يستطيع أن
يعطي. الحب يشعر بالامتنان عندما يشارك الآخرين. وعندما يستسلم تماماً يكون في أفرح
حالاته.
مع ازدياد عمر الصبي أصبحت زياراته أقلّ إلى الشجرة. الرّجلُ الذي
أصبح كبيراً الآن، الذي كبرت طموحاته، يجد وقتاً أقل للحب. أصبح الصبي منشغلاً
بشؤون التجارة العالمية والبزنسس.
في يوم من الأيام بينما كان عابراً صدفة بالمنطقة قالت له الشجرة:
"لقد انتظرتك لكنك لم تأتي. كنت أتوقع مجيئك يومياً."
قال الصبي:
"وماذا لديك؟ لماذا يجب أن آتي إليك؟ هل لديك أي مال؟ أنا أبحث عن المال."
إن الأنا تحثّ الإنسان فقط إنْ كان هناك بعض الغايات المفيدة، عندها
سوف تأتي الأنا. لكن الحب ليس لديه دافع. الحب هو مكافأة لذاته.
قال الشجرة مصدومةً:
"ستأتي فقط إن أعطيتك شيئاً ما!؟"
هذا ليس حباً. إن الأنا تجمع وتحسب، لكن الحب يعطي دون شروط. قالت
الشجرة: "نحن الأشجار ليس لدينا
هذا المرض، ونحن مبتهجون دائماً.... تتفتح الأزهار علينا وتنمو عدّة ثمار على
فروعنا. ونقدّم ظلاً لطيفاً. نتراقص مع النسمات وننشد الأغاني.
تحطّ الطيور البريئة على أغصاننا وتزقزق مع أننا لا نملك أي مال.
وفي اليوم الذي نصبح فيه متورطين بالمال، سوف يصبح واجباً علينا أن نذهب إلى
المعابد كما تفعل أيها الإنسان الضعيف، لنتعلم كيف نحصل على السلام، لنتعلم كيف
وأين نجد الحب! كلا، نحن ليس لدينا أي حاجة إلى المال."
قال الصبي: "إذاً لماذا يجب أن آتي
إليك؟ أنا سأذهب حيث يوجد المال. أنا أحتاج المال." ....الأنا تسأل عن المال
لأنها تحتاج إلى القوة.
فكّرت الشجرة للحظة وقالت:
"لا تذهب إلى أي مكان آخر يا عزيزي. اقطف ثماري وبِعْها في السوق.
وسوف تحصل على المال بهذه الطريقة."
ابتهج الصبي في الحال. تسلّق عليها وقطف جميع ثمارها حتى أنه هزّ
الثمار الغير ناضجة. شعرت الشجرة بالسعادة، على الرغم من أن بعض الأغصان كُسرت، على
الرغم من أن بعض أوراقها الخضراء سقطت على الأرض.
الانكسار أيضاً يجعل الحب سعيداً، لكن حتى بعد الكسب لن تكون الأنا
سعيدة..... الأنا دائماً ترغب بالمزيد.
لم تلاحظ الشجرة أن الصبي لم يلتفت أبداً إلى الخلف ويشكرها. لقد
حصلت على الشكر عندما قبل الصبي عرضها بقطف وبيع ثمارها.
لم يأت الصبي مرة أخرى لمدة طويلة. الآن لديه مال، وهو مشغول بكسب
المزيد من المال بواسطة ذلك المال. لقد نسي كل شيء عن الشجرة. ومرّت السنين والشجرة
كانت حزينة. واشتاقت إلى عودة الصبي ...مثل الأم التي صدرها ممتلئ بالحليب لكن
ابنها ضائع... يتلهّف كيانها بالكامل إلى ابنها؛ وتبحث بجنون عنه ليأتي ويبهجها.
هكذا كان بكاء الشجرة، كان هناك ألم مبرح داخلها.
بعد عدة سنين، أتى الصبي وقد أصبح رجلاً بالغاً.
قالت الشجرة:
"تعال يا ابني. تعال وعانقني..."
قال الرجل: "أوقفي هذه العواطف. هذه
كانت أشياء طفولية تافهة، وأنا لست طفلاً الآن." إن الأنا ترى الحب كأنه
جنونٌ وخيالٌ طفولي!!!
لكن الشجرة دَعَتْه:
"تعال، تأرجح على أغصاني، تعال وارقص والعب معي."
قال الرجل:
"أوقفي كل هذا الحديث غير المفيد! أنا أحتاج إلى بناء منـزل الآن. هل تستطيعين أن
تعطيني منـزلاً؟"
هتفت الشجرة: "منـزل؟؟؟! أنا بدون
منـزل!!" الإنسان فقط يعيش في المنازل... لا أحد يعيش في منـزل إلا الإنسان،
وهل لاحظتَ حالته بعد حبسه بين أربع جدران؟ كلما كبرَ منـزله أصبح الإنسان
أصغر......
"نحن لا نقيم في المنازل، لكنك تستطيع أن تقطع وتأخذ أغصاني --
وعندها ستكون قادراً على بناء منـزل."
دون هدر أي وقت، جلب الرجل فأساً وقطع جميع أغصان الشجرة. الآن
أصبحت الشجرة جذعاً عارياً.
لكن الحب لا يهتم بمثل هذه الأشياء -- حتى لو تم تقديم أطراف جسمه
الأربعة إلى المحبوب. الحب يعطي؛ الحب مستعد دائماً للعطاء.
لم يُزعج الرجل نفسه بأن يشكر الشجرة.... بنا منـزله، ومرّت الأيام
والسنين.
انتظر الجذع وانتظر.... لقد أراد أن يناديه، لكن ليس لديه أي أغصان
أو أوراق لتعطيه القوة. مرّت به الرياح، لكنه لم يستطع حتى أن يعطيها أي رسالة...
ولا تزال روحه تردد صلاةً واحدة: "تعال. تعال يا
عزيزي. تعال" لكن لم يحدث شيء.
مرّ الوقت وأصبح الرجل هرماً. ومرّة مرّ بالشجرة ووقف بقربها...
سألت الشجرة: "ماذا أستطيع أن
أقدم لك أيضاً؟ لقد أتيتَ بعد فترة طويلة جداً من الزمن."
قال الرجل العجوز:
"وما الذي تستطيعين أن تقدميه لي؟ أنا أريد أن أذهب إلى أراضي بعيدة
للتجارة وكسب المزيد من المال. أنا أحتاج قارباً لكي أسافر."
قالت الشجرة بفرح:
"لكن هذه ليست مشكلة يا حبيبي. اقطع جذعي واصنع قارباً منه. وأنا
سأكون سعيدة للغاية إنْ استطعتُ أن أساعدك في الذهاب إلى الأراضي البعيدة لكسب
المال... لكن أرجوك تذكّر، سأكون دائماً بانتظار عودتك."
جلب الرجل منشاراً ونشر الجذع، وصنع قارباً وأبحر فيه.
الآن أصبحت الشجرة قِرْمَة (بقيّة الشجرة بعد قطعها). وانتظرت
محبوبها ليعود.... لقد انتظرت وانتظرت وانتظرت.... والرجل لن يعود؛ إن الأنا تذهب
فقط حيث يوجد شيء ما للأخذ. والآن الشجرة ليس لديها أي شيء أبداً لتقدّمه.
إن الأنا لا تذهب إلا حيث توجد المرابح والفوائد... الأنا هي شحّاذ
أبدي، في حالة مستمرة من الطلب، والحب هو الإحسان..... الحب هو ملك الملوك،
إمبراطور! هل هناك أي ملك أعظم من الحب؟
كُنت أستريح قرب تلك القِرمة في إحدى الليالي، وقد همست لي:
"صديقي ذلك لم يأتِ حتى الآن. أنا قلقة عليه إنْ كان قد غرق أو ضاع.
قد يكون ضاع في واحدة من تلك البلاد البعيدة. قد يكون غير حيّ الآن... كم أتمنى أن
أسمع أخباراً عنه! وبما أنني اقتربتُ من نهاية حياتي، سأكون راضية ببعض الأخبار منه
على الأقل....
عندها أستطيع أن أموت بسعادة. لكنه لن يأتي حتى لو استطعتُ أن
أناديه. لم يعد عندي شيء لأقدّمه، وهو فقط يفهم لغة الأخذ."
إن الأنا تفهم فقط لغة الأخذ؛ أما لغة العطاء فهي الحب.
لا أستطيع أن أقول أي شيء أكثر من ذلك عن الحب.... وفوق ذلك، لا يجب
قول أكثر من التالي:
إذا استطاعت حياتنا أن تصبح مثل تلك الشجرة، ناشرة فروعها باتساع
يحمي الجميع في ظلها، عندها سوف نفهم ما هو الحب.
الله محبة والمحبة هي الله.... لا يوجد أي كتاب مقدس ولا خرائط ولا
قواميس للحب.... لا يوجد أي مبادئ للحب!
لقد تساءلتُ ماذا أستطيع أن أقول عن الحب... من الصعب جداً وصفه.
الحب موجود فقط وغير موصوف... ومَن عرفهُ عاشه وما وصفه...
قد تستطيع أن تراه في عينيّ إنْ اقتربتَ ونظرت خلالهما.... وأتساءل
إنْ كنتَ تستطيع أن تشعر به عندما أنشر ذراعيّ لمعانقتك.
الحب....
تسألني ما هو الحب؟؟؟
إنْ لم تشعر بالحب في عينيّ، في ذراعيّ، في صمتي، عندها لن يمكنك
أبداً إدراكه من كلماتي.... إنني ممتنّ لك جداً على سماعي وقراءة كلماتي.... وفي
النهاية أنحني إلى الألوهية التي تسكن داخل كلٍّ منا... أرجوك تقبّل احترامي.
أضيفت في:29-7-2009... كلمة و حكمة> قصة و رقصة .... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع
|