موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

النهر الصافي

HTML clipboard

يقال أن عجوزاً حكيماً كان يجتاز غابة مع الشاب المُحب لمعرفة ذاته وجوهرها

بعد المشي الطويل والجهد العظيم تعب العجوز الحكيم ,فأمر تلميذه الشاب أن يأتي بالماء إليه لأنه يشعر بالعطش الشديد

وكان أمره له أن يأتي  به من مجرىً للنهر قريب هذا الذي مرّا به قبل قليل

يُلبي الشاب الأمر على وجه السرعة ويصل للنهر من الجهة التي حدّدها الحكيم

وإذا به يرى عربات الجواميس تغطّ في الماء عابثة به وقد تركته موحلاً بالطين وأوراق الأشجار والرواسب التي كانت مستقرة في القعر العميق

 

نظر الشاب الى النهر ولم يستطع أن يملأ الجرّة بالماء كيف يملأ من هذا الماء المُوحل كي يشرب منه معلمه الحكيم؟

فرجع الشاب خالياً حاملاً بدلاً من جرّة الماء كلمات للعذر بدَت له مقنعة,حين رجع رأى معلمه العجوز يجلس هناك تحت الشجرة متعباً

 

فبادره الحكيم بالسؤال: ها   بمَ رجعت؟ ماذا فعلت؟ هل أتيت بالماء؟

فحكى الشاب للحكيم ما حدث

وإذا بالحكيم يقول له كان عليك أن تصبر وتجلس الى جانب النهر لفترة وسيصفو لوحده كما كان ,ثم أمره بالرجوع لجلب الماء

 

الشاب الحيران يفكر في نفسه كيف أرجع لقد رأيت النهر للتو كي يعود صافياً يحتاج الأمر لعدة أيام؟

فيحاول أقناع الحكيم أنه سيأتي به من الجهة الأخرى البعيدة حيث النهر هناك أكثر صفاءاً ونقاءاً

والحكيم يصّرعلى أمره, ولأن الشاب محّب لمعلمه قرّر أن يُعيد الكَرّة مرّة أخرى بدون مناقشة أو تأخير بالمرّة

 

فيرجع للنهر ليتفاجأ بالماء نظيفاً  فقد بدا كالمرآة صافياً بعد أن ترسّب الوحل والطين وغادرت أوراق الأشجار بعيداً, وهنا ملأ الجرة بالماء

وفي طريق العودة سأل نفسه عن سبب أصرار الحكيم عليه أن يعود لنفس المكان لجلب الماء مع أن هناك جهات أخرى مع أنها بعيدة لكن الماء فيها بعيد عن التعكير فأطال التفكير الى أن ناله التعب من سؤاله الذي يلحّ في رأسه, وفي لحظة لمعَ في كيانه الجواب

 

فكما أبتعدت الشوائب وورق الشجر وكما غادر الوحل مجرى النهر كذلك الأفكار والانفعالات هي غريبة عن الأصل والجوهر

فإذا ما صبرت وانتظرت وراقبت الأفكار والانفعالات بدون تدخّل منك لإخراجها بالقوة أو التفاعل معها وإلا جعلت نهرك موحّلاً أكثر ستجد بعد فترة أنها ستُغادرك لتتركك نقياً وصافياً

 

وهذا هو سرّ التأمل الصبر على مراقبة الأفكار وعدم التفاعل مع الانفعالات التي تولّدها بل مراقبة كل ذلك الى أن تصل الى لحظة اللا فكر حيث السكون والسلام والجمال

 

إذن لا يغلبك جزعك وانتظارك لتترك المراقبة بل راقب  وأنتظر الفرصة لمشاهدة الجلوة

 

 

أضيفت في:30-7-2009... كلمة و حكمة> قصة و رقصة
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد