الله حيّ باقي
من الأبد وإلى المدد... ونحن من الله وإلى الله...
إنا لله وإنا
إليه راجعون.... وهكذا كل شيء في الحياة أيضاً....
لا شيء قد
ولد... ولا شيء سوف يموت...
الأشياء فقط
تنتقل بين الخفي والظاهر.... بين الفكرة والتجسيد...
عندما تصبح
خفية، ترتاح في عالم الأرواح... في عالم الخفاء والفناء...
تماماً مثلما
أنت تحتاج إلى نوم عميق كل ليلة لتجدد جسمك، وتستعيد حيوتك وقوتك... هكذا أنت
تحتاج بعد كل حياة للموت...
النوم هو الموت
الأصغر، والموت هو الموت الأكبر...
الموت ليس إلا
نوماً أعمق من النوم العادي ولا شيء أكثر!
بعد كل حياة
يتعب جسمك وأنت بحاجة لجسم جديد، لجسد وتجسيد جديد...
موجة البحر
القديمة تختفي، لكن الماء في تلك الموجة يبقى في البحر، وسوف يأتي مجدداً في موجة
جديدة...
وهكذا تجد أن
القديم يتحول إلى جديد باستمرار، فاسمح له!
ببساطة اسمح
للحياة أن تمشي وامشي معها بثقة عميقة...
هذه الثقة هي
بالضبط ما أسمّيه التديّن الحقيقي...
هذه الثقة ليست
معتقد، المعتقدات دائماً موجودة في الشرائع والمذاهب والنظريات والفلسفات
والإيديولوجيات...
ما أقصده لست
معتقد، بل هو ببساطة ثقتك بالوجود...
لقد أتينا منه،
فهو مصدرنا ومنبع نورنا...
نحن لسنا غريبين
عنه...
وسوف نعود إلى
المصدر لأنه بيتنا نحن بالذات...
الخروج منه أمر
جيد، وكذلك العودة إليه أمر جيد...
كل شيء خير في
الحياة!
شعورك هذا يجلب
البهجة والاحتفال... كل شيء جيد...
وهذا معنى أن
تثق بالله: كل ما يأتي منه خير ونور...
إن أعظم سر في
الحياة ليس الحياة نفسها بل الموت...
الموت هو أوج
الحياة وأجمل أزهارها...
في الموت يتم
تلخيص حياتك كلها، وعندها تصل إلى الوصول...
الحياة رحلة حج إلى
الموت...
منذ لحظات
الحياة الأولى تجد أن الموت بدأ يأتي ويقترب...
منذ لحظة
الولادة يبدأ الموت بالسير تجاهك، وتبدأ أنت بالسير تجاهه...
وأعظم مصيبة
حدثت للفكر البشري هي أنه صار معادياً للموت!
معاداتك للموت
تعني أنك ستخسر أعظم الأسرار....
ومعاداتك للموت تعني
أيضاً أنك ستخسر الحياة نفسها...
لأنهما مترابطان
ومتشابكان كثيراً مع بعضهما، وليسا شيئين اثنين.
الحياة هي عملية
نمو.... والموت هو عملية إزهار وسمو...
الرحلة والهدف
لا ينفصلان، لأن الرحلة تكتمل بالوصول إلى الهدف...
يجب أن نعتبر
الموت ذروة الحياة، وعندها ستظهر رؤية مختلفة، عندها لن تتفادى الموت، لن تعاديه
ولن ترتعب منه، بل ستأخذك الدهشة لهذا السر الكبير وتغوص في اللغز العميق، وتبدأ
التمعّن والاستمتاع والتأمل فيه...
والموت يأتي
بعدة طرق، عندما تموت أنت فهذه طريقة واحدة فقط...
عندما تموت أمك،
فهذا موت لك أيضاً لأن أمك مشتركة معك، تشغل جزءاً كبيراً من كيانك، وبموت الأم
يموت ذلك الجزء داخلك أيضاً...
أبوك سوف يموت،
أخوك، أختك، صديقك... حتى عندما يموت عدوك، فإن شيئاً ما سيموت داخلك، لأن العدو
أيضاً كان منشغلاً بك وأنت منشغل به، وسوف تفقد وتفتقد شيئاً ما، ولن تعود مجدداً
كما كنت من قبل.
إذاً، الموت لا
يأتي حصرياً في موتك أنت فقط، الموت يأتي بطرق كثيرة، وهو يأتي بصورة متواصلة:
عندما تختفي طفولتك وتصير شاباً أو شابة، ألا تستطيع الرؤية؟؟ لقد حدث الموت ولم
تعد الطفولة موجودة... ماتت وتم إغلاق ذلك الباب... لا يمكنك العودة إلى الخلف
لإعادة إحيائها من جديد... حالما تختفي الطفولة ستختفي للأبد، وأنت بهذا متّ كطفل.
بعدها في أحد
الأيام سيكبر الشاب وينتقل إلى العمر الأكبر: لقد مات مجدداً...
هناك ألف موت
وموت...
في الواقع، إذا نظرتَ
بعمق ونظرة مخترقة، سترى أنك تموت في كل لحظة، لأنك في كل لحظة تتغير... شيء ما
ينسحب من كيانك وشيء آخر يدخل إليه... كل لحظة هي ولادة وموت، وأنت تتدفق بين ضفتي
النهر: الولادة والموت....
نهر وجودك
وحياتك لا يمكن أن يكون إلا بفضل الولادة والموت، اللذان يحدثان في كل لحظة...
لكن هذا يحدث
بصمت... لا يمكنك سماع وقع خطواته لأنه لا يصدر أي صوت... ويستمر الموت بالحدوث
وبصورة متواصلة بحيث لا تتمكن أيضاً من رؤيته، رغم أنه واضح جداً....
لكن الواضح
غالباً ما يُنسى ويصبح جزءاً من حياتك العادية... ولا تلحظ إلا الأشياء التي تحدث
فجأة دون توقع... والموت شيء مستمر متواصل لذلك لا تلحظ أبداً وجوده ومسيرته معك.
أيضاً، ما
ذكرناه ليس كل أشكال الموت، بل هناك أشكال أرق وأخف وأخفى... عندما تقع في الحب
مثلاً فهذا موت لك أيضاً.
الحب هو الموت،
وهو الموت في أنقى أشكاله... والناس المستعدين للموت هم فقط القادرين على الحب... إذا
كنتَ خائفاً من الموت فستكون خائفاً من الحب أيضاً، ولهذا نرى أن الحب مفقود في
العالم...
يستمر الناس
بالتفكير بالحب، يكتبون الشعر والفن والأغاني والمسرحيات عن الحب لكنهم لا
يعيشونه... ببساطة لأن الحب موت والموت يخيفك بل يرعبك!
العاشقان يذوبان
ويموتان في بعضهما البعض، وأولئك القادرين على الموت في الآخر هم الذين يمكن أن
يكونوا عاشقين... بقية الناس يلعبون اللعبة ليس أكثر... ولعبة الحب المزيفة ليست
حقيقة الحب...
ويستمر ملايين
الناس بالزيف والتمثيل، لأنهم خائفون من الموت، وهكذا خائفون من الحب أيضاً...
والحب الحقيقي
دائماً يحمل الموت في طياته...
الحب هو باب إلى
الموت... والموت هو باب إلى الحب.
أو أنك عندما
تتأمل، عندها أيضاً أنت تموت...
لهذا يخاف الناس
من الغوص عميقاً في التأمل... كثيراً ما تصلني أسئلة منكم: "الآن التأمل يحدث
داخلي، وأنا أشعر بالرعب يمتد لأعمق أوصالي... التأمل يحدث وأنا أشعر بنوع من
الاختفاء... ساعدني ماذا أفعل لكي أحمي نفسي!"...
لقد كان ذلك
الشخص يتوق متلهفاً ليتأمل... وعندما لم يكن يحدث شيء كان قلقاً جداً ومنتظراً...
والآن بدأ التأمل يحدث فصنع قلقاً جديداً، وأنا أعرف لماذا... لأن أكثر الناس عندما
يقرؤون عن التأمل أو يسمعون شرحاً عنه، يصبحون طموحين طامعين به، دون أن يدركوا أن
التأمل سيقود المرء في النهاية إلى موت عميق.. إلى فناء الأنا ومنه إلى البقاء...
أو أنك تسلّم
وتستسلم إلى معلم... هذا واحد من أعمق أنواع الموت... تموت فيه الأنا وتختفي...
هذه كلها طرق من
الموت، والموت دائماً يأتي...
موت أي شخص هو
موتي أنا أيضاً وهو ينقص مني شيئاً ما... ولو تعثرت ناقة في العراق لسُؤلتُ
عنها... لذلك لم أعد أهتم بمعرفة اسم الشخص الذي يصلّون عليه صلاة الميت أو يقرعون
له أجراس الموت... إنها كلها لأجلي أنا.....
عندما يموت أي
شخص في أي مكان، فالموت يطرق على بابك أنت أيضاً... وليس البشر فحسب، بل كلب يموت،
غراب، أو أن ورقة شجر تشحب وتموت فتسقط على الأرض.. أنت تموت بآلاف الأشكال...
لأننا جميعاً
مرتبطون ببعضنا، وكلنا أجزاء من بعضنا، ولا يوجد أي إنسان كجزيرة معزولة... كلنا
أعضاء من جسد واحد، إذا مرض عضو تعبت وسهرت له كل الأعضاء الباقية...
الموت يحدث في كل لحظة بملايين الطرق وعبر العالم كله...
وبهذا يعيش الوجود من خلال الموت...
يجدد نفسه من خلال الموت...
الموت هو أعظم لغز وسر، أكثر غموضاً حتى من الحياة...