موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

الجسد الروحي.. ومقام النطق

HTML clipboard

Noteمع موسيقى مرفقة


اعتباراً من الجسد الخامس ستنتقل إلى مملكة أخرى وبعد آخر.. من الجسد الأول إلى الجسد الرابع يكون الانتقال من الخارج إلى الداخل، ولكنه يصبح من الأسفل إلى الأعلى عند الانتقال من الجسد الرابع إلى الجسد الخامس.... من الجسد الخامس فما بعد يكون الانتقال من الأنا إلى اللا أنا... والآن يصبح البعد مختلفاً، حيث لا يوجد معنى للخارج والداخل أو الأعلى والأسفل... الموضوع هنا هو وجود الأنا أو اللا أنا... المعنى الآن يدور حول وجود مركز عندك أو عدم وجوده.

 

الإنسان ليس لديه أي مركز إلى أن يصل إلى الجسد الخامس لذلك ينقسم كيانه لعدة أقسام... فقط في الجسد الخامس يصبح هناك مركز وتوحد ووحدانية... إلا أن المركز يصبح الأنا هنا.... والآن يصبح ذلك المركز معيقاً للتقدم المستقبلي... كل خطوة كانت من قبل تساعد على التقدم تصبح الآن معيقة لمزيد من التقدم.... لذا عليك أن تترك كل جسر تعبره... لقد كان معيناً لك في العبور ولكن سوف يصبح معيقاً لك إذا تعلقت به.

يجب خلق مركز داخلنا إلى حد الوصول إلى الجسد الخامس... ويقول جوردجيف أن المركز الخامس هو التبلور... الآن لا يوجد أي خدم، لقد استلم السيد زمام الأمور... الآن السيد هو السيد.... لقد استيقظ وعاد.... عندما يكون السيد حاضراً يخمد الخدم ويصمتون. لذا فإنك عندما تدخل الجسد الخامس، عندئذ يحدث تبلور للأنا... ولكن الآن، ومن أجل المزيد من التقدم، يجب أن يضيع هذا التبلور مجدداً.... يجب أن يضيع في الفراغ في الكون....

فقط الذي يملك يستطيع أن يفقد، لذا فإن التحدث عن اللاأنا قبل الجسد الخامس يكون هراء وسخف!.... إذا لم يكن عندك أنا فكيف يمكن لك أن تفقدها؟ أو يمكنك القول أن عندك العديد من الأنا، كل خادم عنده أنا... إنك متعدد الأنا، متعدد الشخصيات متعدد النفسيات، ولكنك لست أنا واحدة متحدة.

 

إنك لا تستطيع أن تفقد الأنا لأنك لا تملكها بعد... يمكن لرجل غني أن يتخلى عن غناه ولكن الفقير لا يستطيع.. الفقير ليس لديه ما يتخلى عنه أو يفقده... ولكن يوجد من الفقراء من يفكر بالتخلي أو نكران الذات! الشخص الغني يخاف من التخلي عن الثروة لأنه يملك ما يفقده ولكن الشخص الفقير مستعد دائماً للتخلي عن الثروة... إنه مستعد ولكنه ليس لديه ما يتخلى عنه.

الجسد الخامس هو الأغنى... إنه منتهى كل ما هو ممكن بالنسبة للإنسان... الخامس هو قمة التفرد، قمة الحب والرحمة وكل ماله قيمة... لقد فقدت كل الأشواك، والآن الوردة أيضاً يجب أن تضيع... وعندها سيكون هناك ببساطة عطر بلا وردة.

 

السادس هو مملكة العطر، العطر الكوني... لا يوجد وردة ولا مركز... محيط بلا مركز... يمكنك القول أن كل شي أصبح مركز، أو أنه الآن لا يوجد مركز، يوجد فقط شعور متمازج. لا يوجد انشطار ولا انقسام – ولا حتى انقسام الفرد إلى "الأنا" و "اللاأنا" أو "الأنا" و"الآخر". لا يوجد انقسام على الإطلاق...

لذا فإنه يمكن للمرء أن يضيع في أحد الاتجاهين: الأول – انفصام الشخصية منقسماً إلى عدة أجزاء أشخاص... أو الثاني: إلى اتجاه كوني... يضيع في المطلق... يفنى في الله.. في الأعظم، الأعظم على الإطلاق، في حضن الرحمن.... الآن الوردة لا تكون لكن العطر يكون... لذا لا يمكن أن تموت... إنها غير قابلة للموت... كل شي عنده مصدر سوف يموت ولكن الوردة ليست كذلك لأن المصدر اختفى... العطر غير مُسبب لذا فلا يوجد موت أو حدود له.... الوردة قاصرة: أما العطر فغير محدود... لا يوجد حاجز له لذا فهو يتدفق ويتدفق ويستمر إلى الماوراء...

 

إذاً اعتباراً من الجسد الخامس ليس هناك معنى للأعلى والأسفل الجوانب والداخل والخارج. المعنى يدور حول كونك بأنا أو بدون أنا... وفقد الأنا هو الأكثر صعوبة من كل شيء... الأنا ليست مشكلة حتى الجسد الخامس لأن التقدم كان يغذي الأنا... لا أحد يريد أن يصبح منفصم الشخصية: الكل يفضل أن يكون لديه شخصية متبلورة... لذا فكل مريد يمكنه أن يتقدم إلى الجسد الخامس.

لا يوجد أي طريقة للانتقال إلى ما وراء الجسد الخامس لأن كل نوع من أنواع الطرق مرتبط بالأنا... في اللحظة التي تستخدم فيها طريقة ما تتم تقوية الأنا... لذا فلمن أراد الذهاب وراء الجسد الخامس لا تتحدث عن أي طريقة... بل استخدم اللاطريقة إلى الحقيقة... الآن لا يوجد أي كيفية لما تعمله... من الجسد الخامس فصاعداً لا يوجد أي طريقة ممكنة.

يمكنك استخدام طريقة ما حتى الخامس، ولكن عندها لن تكون هناك طريقة لاستخدامها لأن المستخدِم سوف يضيع.... إذا استخدمت أي شيء سوف يصبح المستخدم أقوى... سوف تستمر أناه بالتبلور... وسوف تصبح نواة للتبلور والتدهور... لذلك فإن أولئك الذين بقوا في الجسد الخامس يقولون أن هناك عدد لا نهائي من الأرواح والأطياف... يظنون أن كل طيف ذرة...

ولا يمكن لذرتين أن تلتقيا... فهما بلا نوافذ ولا أبواب، مغلقة عن كل ما هو خارج ذاتها.... الأنا بلا نوافذ.... مغلقة مثل خلايا وحيدات الخلية... الآن أنت وحدك ووحدك ووحدك...

ولكن هذه الأنا المتبلورة يجب أن تضيع... كيف يمكن أن تضيع ولا يوجد طريقة؟

كيف يمكن الذهاب ما ورائها ولا يوجد ممر؟ كيف يمكن الفرار منها؟ ولا يوجد باب...

يتحدث العارفون عن البوابة التي لا بوابة لها... الآن لا يوجد بوابة، ورغم ذلك على المرء أن يتخطاها... فما العمل؟؟؟

أولاً: لا تتماهى وتتقيد بهذا التبلور... فقط كن مدركاً لذلك البيت المغلق للـ "أنا". فقط كن واعياً له – لا تفعل شيئاً- وهاك الانفجار! سوف تكون وراءها فوراً!

 

هنالك قصة عميقة يستخدمها المعلمون مع تلاميذهم...

وُضعت بيضة إوزة في إناء...خرجت الإوزة من البيضة وبدأت بالنمو ولكن فم الإناء صغير جداً بحيث لا تستطيع الإوزة الخروج من الإناء... تنمو الإوزة لتصبح أكبر فأكبر ويصبح الإناء صغير جداً للعيش فيه.... الآن إما أن يتم كسر الإناء لإنقاذ الإوزة أو أن الإوزة سوف تموت. يسأل المعلم تلاميذه: "ما العمل؟ إننا لا نريد أن نفقد أياً منهما... يجب إنقاذ الإوزة والإناء... فما العمل؟"... هذا هو سؤال الجسد الخامس. عندما لا يكون هناك مخرج والإوزة تنمو، وعندما يصبح التبلور تاماً، ما هو العمل الآن؟

يدخل المريد داخل غرفته، يغلق الباب ويبدأ التفكر بالأمر... ما العمل؟ يبدو أن هناك شيئان ممكنان فقط: إما تخريب الإناء وإنقاذ الإوزة... أو ندع الإوزة تموت وننقذ الإناء... يستمر المتأمل بالتفكير والتفكير... يفكر بحل ما ولكن يتم إلغاؤه لأنه لا يوجد طريقة لفعل ذلك... فيعيده المعلم للمزيد من التفكير.

يستمر المريد بالتفكير لعدة ليال وأيام ولكن لا توجد طريقة لفعل ذلك... في النهاية تأتي لحظة يتوقف فيها التفكير... يركض خارجاً وهو يصيح "وجدتها! الإوزة في الخارج الآن!"

والمعلم لا يسأل كيف، لأن الأمر كله هراء...

 

للانتقال من الجسد الخامس تصبح المشكلة لغزاً وأحجية وعبرة أبعد من الفكر... على المرء فقط أن يكون واعياً للتبلور – والإوزة في الخارج!

تأتي لحظة تكون عندها خارجاً... لا يوجد "أنا"....

لقد تم الوصول إلى التبلور ومن ثم ضياعه... بالنسبة للجسم الخامس كان التبلور، المركز، والأنا جوهرياً... لكونه ممراً وجسراً فقد كان ضرورياً وإلا فلن يكون بالإمكان اختراق الجسد الخامس... ولكن لا حاجة له بعد الآن.

 

هنالك أشخاص وصلوا إلى الجسد الخامس دون المرور عبر الرابع... الشخص الذي يمتلك العديد من الثروات يكون قد وصل إلى الخامس، لقد تبلور بطريقة ما... الشخص الذي أصبح رئيساً أو ملكاً لدولة قد تبلور بطريقة ما... حتى شخص كهتلر أو موسوليني قد تبلور بطريقة ما... ولكن التبلور محدد في الجسد الخامس... إذا لم تكن الأجسام الأربعة الأدنى متوافقة معه، فإن التبلور يصبح مرضاً... النبي أو المسيح أو بوذا قد تبلوروا أيضاً لكن تبلورهم مختلف.

 

إننا جميعاً نتوق لإرضاء الأنا بسبب حاجة داخلية عميقة للوصول إلى الجسد الخامس.. ولكن عندما نختار طريقة مختصرة فإننا سوف نضيع في النهاية... إن أقصر طريق تكون عبر الثروات، السلطة، والسياسة... يمكن تحقيق الأنا ولكن ذلك تبلور زائف... إنه لا يتوافق مع شخصيتك الكاملة... إنها مثل مسمار القدم الذي يتشكل على رجلك ومن ثم يتبلور... إنه تبلور زائف ونمو غير طبيعي و مرض.

 

مقام النطق

المقام الخامس هو مقام النطق.. ويرتبط بالنقاء... بعد حدوث الحب هنالك النقاء والبراءة بالتأكيد، وليس قبل الحب.. وحده الحب ينقي الإنسان وفقط الحب... حتى إن أبشع شخص واقع في الحب يصبح جميلاً... الحب عسل ورحيق ينقي كل السموم والهموم..

مقام النطق ينبع فيه النقاء المطلق وهو مركز الحنجرة...

تقول حكمة قديمة من علوم الحب: لا تتكلم إلا عندما تصل إلى المركز الخامس عبر الرابع- لا تتكلم إلا من خلال الحب، وإلا فلا تتكلم! تكلم من خلال الرحمة، وإلا فلا تتكلم!

ما المغزى من الكلام؟

إذا وصلتَ من خلال القلب وإذا سمعت الله يتكلم هناك أو سمعته يجري كالشلال، إذا سمعت صوت الله، صوت اليد الواحدة تصفق، عندها يسمح لك بالكلام، عندها يستطيع مقام النطق لديك أن يوصل الرسالة، عندها يمكن صياغة شيء ما حتى بالكلمات.

عندما تمتلكه يمكنك سكبه بالكلمات...

 

يصل القليل من الناس إلى المركز الخامس وبشكل نادر جداً... لأنهم لا يستطيعون الوصول حتى إلى الرابع، فكيف لهم الوصول إلى الخامس؟ إنه نادر جداً...

وصل تقريباً مسيح واحد، نبي واحد، وبوذا واحد إلى الجسد الخامس... وجمالهم وحتى جمال كلماتهم هائل، فماذا يقال عن صمتهم؟.. حتى كلماتهم تحمل الصمت... إنهم يتكلمون لكن لا يتكلمون. إنهم يقولون ويقولون ما لا يمكن قوله، الأبعد من حدود الوصف والتعبير.

أنت تستخدم الحنجرة أيضاً، ولكنها ليست مقام النطق... تلك المنطقة ميتة تماماً... عندما يبدأ ذلك المقام بالعمل، يصير هنالك عسل في كلماتك ومن ثم يصبح لكلماتك عطر ومن ثم يصبح لكلماتك لحن و رقصة... عندها يكون كل ما تقوله شعراً، وكل ما تقوله يزرع المتعة والبهجة في النفوس....

 

المقام الخامس يوجد في منطقة الحنجرة والجسد الخامس هو الجسد الروحي وهما مرتبطان معاً... الأجساد الأربعة الأولى ومقاماتها كانت منقسمة إلى نصفين.. لكن الثنائية تنتهي مع الجسد الخامس.

كما قلنا سابقاً، الاختلاف بين الذكر والأنثى يستمر فقط حتى الجسد الرابع... إذا لاحظنا عن قرب فإننا نجد أن كل ثنائية تعود للذكر والأنثى... وحيثما يزول البعد بين الذكر والأنثى فعند تلك النقطة بالضبط تتوقف كل الثنائيات... الجسد الخامس هو جسم غير ثنائي ليس له احتمالان ولكن احتمال واحد فقط.

هذا هو سبب عدم ضرورة بذل الكثير من الجهد عند المتأمل: لأنه لا يوجد في الخامس شيء معاكس لنا لنحققه، بل على المرء الدخول فحسب...

في الوقت الذي نصل فيه إلى الجسد الرابع نكون قد حصلنا على الكثير من القدرة والقوة بحيث يصبح من السهل جداً الدخول للجسد الخامس....

في تلك الحالة كيف يمكن لنا أن نفرق بين الشخص الذي دخل الجسد الخامس والشخص الذي لم يدخله؟ الفرق سيكون أن الذي دخل الجسد الخامس يكون قد تخلص من كل اللاوعي... في الواقع إنه لا ينام في الليل... سينام بجسده فقط ولكن هناك أحد ما بالداخل مستيقظ للأبد... عندما يتقلب في نومه فإنه يعلم ذلك وعندما لا يتقلب سيعلم ذلك أيضاً... وعيه لا ينقص عند النوم... إنه واعي طوال الأربع والعشرين ساعة.. أما الشخص الذي لم يدخل الجسد الخامس، فإن حالته هي العكس تماماً.. في النوم ينام وفي ساعات الصحو تنام إحدى طبقاته أيضاً...

 

يبدو على الناس أنهم يعملون بجد... عندما تعود للمنزل كل مساء وتنعطف السيارة إلى اليسار نحو بوابتك، تدوس المكابح عندما تصل إلى الكراج... لا تتوهم أنك تفعل ذلك بوعي.. إن ذلك يحدث بدون وعي بقوة العادة وحدها فقط.. إننا نصبح يقظين في لحظات معينة فقط لحظات الخطر الكبير.. عندما يكون الخطر كبيراً بحيث لا يمكن تخطيه بوجود نقص في الوعي عندها نستيقظ... على سبيل المثال: عندما يضع رجل ما سكيناً على صدرك فإنك تقفز إلى الوعي فوراً... إن حد السكين تأخذك للحظة إلى الجسد الخامس.. وباستثناء تلك اللحظات المعدودة في حياتنا فإننا نعيش مثل الذين يسيرون في نومهم.

الزوجة لم ترى وجه زوجها بشكل كافي، ولا حتى الزوج رأى وجه زوجته... إذا حاول الزوج تصور وجه الزوجة فلن يكون قادراً على ذلك... إن خطوط وجهها سوف تنساب بعيداً وسيكون من الصعب الجزم فيما إذا كان نفس الوجه هو الذي رآه في الثلاثين سنة الماضية... إنك لم ترى أبداً لأنه لا بد من وجود شخص واعي داخلك حتى ترى.

الشخص "المستيقظ" يبدو أنه يرى ولكنه في الواقع لا يرى لأنه نائم في الداخل ويحلم وكل شيء يحدث في حالة الحلم هذه... إنك تغضب وبعد ذلك تقول: "أنا لا أعرف كيف غضبت، أنا لم أرد ذلك" ..إنك تقول: "سامحيني! أنا لم أرد أن أكون وقحاً.. لقد كانت زلة لسان".

أنت الذي استخدمت لفظاً فاحشاً وإنك أنت الذي تنكر النية باستخدامه..

المجرم يقول دائماً: "أنا لم أرد قتله، لقد حدث ذلك رغماً عني".. هذا يثبت أننا نصول ونجول كالإنسان الآلي... نقول ما لا نريد قوله ونفعل ما لا نريد فعله.

عندما ننام في المساء ننوي الاستيقاظ في الرابعة صباحاً، وعندما تحين الرابعة تماماً ويرن المنبه فإننا نستدير ونحن نقول لا داع للاستيقاظ مبكراً لهذه الدرجة... ثم تستيقظ عند السادسة وأنت نادم على استغراقك في النوم، ومن ثم مرة أخرى تقسم أن تحافظ على ذلك العهد مثل البارحة.... من الغريب أن يقرر الشخص شيئاً ما في المساء ويتراجع عنه في الصباح! ومن ثم فإن ما يقرره في الرابعة صباحاً يتغير مرة أخرى قبل السادسة.. وما يقرره في السادسة يتغير قبل المساء بوقت طويل وما بينهما يتغير ألف مرة... هذه القرارات وهذه الأفكار تأتي إلينا في حالة النعاس تلك.. إنها كالأحلام: تتوسع و تنفجر كالفقاعات... ليس هناك شخص متيقظ وواعي وراءها.

 

إذاً النوم هو الحالة الفطرية قبل بداية المستوى الروحي... الإنسان يسير في نومه قبل أن يدخل في الجسد الخامس، والميزة هناك هي اليقظة... لذلك بعد نمو الجسد الرابع نستطيع أن ندعو الشخص بالواعي أو اليقظ... يتغير هنا جسده ووعيه وحتى اسمه... النبي محمد كان اسمه أحمد.. لكن بعد وصوله للمستوى الخامس صار محمد.. وعيسى صار المسيح... صار صفة بدل الشخص والاسم.. حقق الذات المحمدية الواعية أو وعي المسيح الكوني الموجود والممكن لكل شخص واعي أيضاً.

 

هذا الاختلاف يأتي مع بلوغ الجسد الخامس... كلما نقوم به قبل الدخول إليه هو فعل لا واعي ولا يمكن الوثوق به.. في لحظة ما يتعهد الرجل بأن يحب ويصون محبوبته طول الحياة وفي اللحظة التالية يكون قادراً تماماً على خنقها!!.. إن الزواج الذي وعد به طول الحياة لا يستمر طويلاً... لا ينبغي لوم هذا الرجل المسكين.. فما هي قيمة الوعود المقطوعة خلال النوم؟ في الحلم قد أعد أن: "هذه علاقة ستدوم طوال الحياة". لكن ما قيمة هذا الوعد؟ في الصباح سوف أنكره لأنه كان مجرد حلم.

لا يمكن الوثوق بالإنسان النائم... وعالمنا الراهن بالكامل هو عالم من أناس نائمين.. ومن هنا ينشأ الكثير من الارتباك والكثير من الصراعات والكثير من النزاعات والكثير من الفوضى.. كل ذلك من صنع النائمين.

 

هناك اختلاف مهم آخر بين الإنسان النائم والإنسان الواعي يجب أن يؤخذ بالحسبان... الإنسان النائم لا يعلم من هو، لذا فإنه يكافح دوماً ليظهر للآخرين أنه كذا أو كذا... هذا هو مسعاه في الحياة.. يحاول بألف طريقة وطريقة أن يثبت نفسه... أحياناً يصعد سلم السياسة ويصرح: "أنا كذا وكذا"... أحياناً يبني منزلاً ويعرض ثروته.. أو يتسلق جبلاً ويعرض قوته... يحاول بشتى الطرق أن يثبت نفسه... في كل تلك الجهود، إنه في الواقع يحاول دون أن يعلم أن يجد لنفسه من هو ومن يكون.. إنه لا يعلم من هو.

قبل عبور المستوى الرابع لا نستطيع أن نجد الجواب... الجسد الخامس يدعى الجسد الروحي لأنه هناك تحصل على الإجابة في السعي من أجل "من أنا؟"

إن النداء لأجل "الأنا" يتوقف نهائياً عند هذا المستوى... والادعاء بأنك شخص غير عادي يتلاشى على الفور.. إذا قلت لشخص كهذا "أنت كذا وكذا" سوف يضحك... كل الادعاءات من جهته سوف تتوقف الآن لأنه الآن يعرف.. لا حاجة لإثبات نفسه بعد الآن لأن ذلك صار حقيقة مثبتة.

 

تنتهي الصراعات والمشاكل للفرد في المستوى الخامس... ولكن هذا المستوى عنده مخاطره الخاصة به.. لقد وصلت إلى معرفة نفسك وهذه المعرفة مباركة جداً ومرضِية جداً بحيث أنك تريد أن تنهي رحلتك هنا.. قد لا ترغب بالاستمرار.. إن المخاطر كانت إلى الآن كلها من نوع الألم والمعاناة.. أما المخاطر التي تبدأ الآن هي من نوع النعيم.. المستوى الخامس منعم جداً بحيث لن يطاوعك قلبك على تركه والمتابعة إلى الأمام!.. لذلك فإن الفرد الذي يدخل هذا المستوى يجب أن يكون متيقظاً من التعلق بالنعيم، بحيث لا يعيقه عن الذهاب أبعد من ذلك.. النعمة هنا سامية وفي قمة مجدها... وفي أعمق أعماقها... إن تغيراً كبيراً يطرأ داخل المرء الذي عرف نفسه... ولكن هذا ليس كل شيء ولا يزال هناك المزيد لاجتيازه.

 

من المسلّم به أن الضيق والمعاناة لا تعيق طريقنا إلى الحقيقة مثل السعادة... السعادة والنعيم يعيق جداً!... لقد كان من الصعب جداً ترك الحشود والفوضى في السوق، ولكن ترك صوت الذكر اللطيف أو موسيقى الناي الناعمة في المعبد أصعب ألف مرة... هذا هو السبب في أن العديد من المتأملين يتوقفون عند إدراك الذات، ولا يرتقون إلى الرحمن والحقيقة الكونية.

 

يتوجب علينا أن نكون متيقظين بشأن هذا النعيم... وجهودنا هنا يجب أن تكون حول عدم الضياع في هذا النعيم.

النعيم يجذبنا باتجاهه.. إنه يغرقنا وننغمس فيه بالكامل... فحذار من أن تنغمس في النعيم! اعلم أن هذا أيضاً هو اختبار على الطريق... السعادة كانت اختبار والبؤس كان اختبار والنعيم أيضاً اختبار... قف خارج الاختبار وكن شاهداً... طالما أن هناك اختبار سيكون هناك عائق، والغاية العظمى لم يتم الوصول إليها... في الحالة النهائية كل الاختبارات تنتهي.. الفرح والأسى ينتهيان وكذلك النعيم... من ناحية أخرى فإن اللغة لا تتجاوز هذه النقطة.. لذلك فقد وصفنا الله بالأسماء التسعة والتسعين والمئة هو السر في الصمت...

النعيم هو التعبير الأسمى عن الإنسان... في الواقع لا تستطيع الكلمات تجاوز المستوى الخامس. ولكن عند المستوى الخامس نستطيع القول أن هناك نعيماً ما، هناك وعي تام، هناك إدراك للنفس التي هناك... كل هذا يمكن وصفه.

لذلك لن يكون هناك غموض حول أولئك الذين يتوقفون عند المستوى الخامس.. سيبدو كلامهم علمياً جداً لأن مملكة الغموض تقبع وراء هذا المستوى.. كل الأشياء تكون واضحة جداً حتى المستوى الخامس.. وأعتقد أن العلم عاجلاً أم آجلاً سوف يحتوي تلك الديانات التي ترتقي إلى الجسد الخامس لأن العلم سوف يتمكن من الوصول إلى الروح.

 

عندما ينطلق المريد في هذا الطريق يكون بحثه عن النعيم بشكل رئيسي وليس عن الحقيقة. ينطلق في بحثه عن النعيم وهو محبط بالمعاناة والتوتر... لذا فإن المرء الذي يريد النعيم سوف يتوقف حتماً عند المستوى الخامس، ولهذا السبب يجب أن أقول لك بألا تريد النعيم ولكن الحقيقة... حينئذ لن تبقى هنا طويلاً.

بعد ذلك يظهر السؤال: "هنالك نعيم عظيم.. وهذا جيد.. فأنا أعرف نفسي... ولكن هذه هي الأوراق والزهور فقط.. أين هي الجذور؟ أنا أعرف نفسي وأنا في نعيم – هذا جيد ولكن من أين أنشأ؟ أين هي جذوري؟ من أين أتيت؟ أين هي أعماق وجودي؟ من أي محيط نشأت هذه الموجة التي هي أنا؟"

 

إذا كان بحثك عن الحقيقة، سوف تتجاوز الجسد الخامس.. لذا من البداية الأولى يجب أن يكون بحثك عن الحقيقة وليس عن النعيم، وإلا فسوف تكون رحلتك حتى المستوى الخامس سهلة ولكنها سوف تتوقف هناك... أما إذا كان المسعى هو الحقيقة فلا احتمال للتوقف هناك.

لذا فإن العقبة العظمى في المستوى الخامس هي اختبارنا لسعادة منقطعة النظير – بل أكثر من ذلك لأننا نأتي من عالم لا يوجد فيه إلا الألم والمعاناة والقلق والتوتر... بعد ذلك عندما نصل معبد النعيم داخلنا سيكون هنالك رغبة عارمة بالرقص بنشوة، رغبة بالغرق رغبة بالضياع في هذا النعيم... هذا ليس هو المكان للضياع!.. هناك فرق كبير ببن أن تضيّع نفسك و أن تضيع. بكلمات أخرى سوف تصل لمرحلة حيث أنك لن تستطيع أن تنقذ نفسك حتى لو تمنيت ذلك. سوف ترى نفسك وأنت تصبح ضائعاً ولا يوجد علاج... ومع ذلك هنا أيضاً في الجسد الخامس يمكن أن تضيّع نفسك... إن جهدك ومسعاك لا يزال يعمل هنا- وعلى الرغم من أن الأنا ميت بشكل جوهري في المستوى الخامس إلا أن روح الأنا أو حضورها لا يزال موجود.... لذا من الضروري فهم الفرق بين الأنا والحضور.

الأنا أو الشعور بـ "أنا" سوف يموت، ولكن الشعور بالكينونة لن يموت... يوجد هنالك شيئان في "أنا أكون".... "أنا" والتي هي الأنا، والـ "أكون" التي هي الشعور بالكينونة.

لذا فإن "أنا" ستموت في المستوى الخامس ولكن الكينونة " أكون" سوف تبقى.

عند الوقوف في هذا المستوى سوف يقول المتأمل: "هناك أرواح لا نهائية وكل روح مختلفة ومنفصلة عن الأخرى"... في هذا المستوى سوف سيقوم المتأمل باختبار وجود الأرواح اللانهائية لأنه لا يزال يمتلك شعور "أكون" شعور الكينونة الذي سيجعله منفصلاً عن الآخرين. إذا سيطر البحث عن الحقيقة على الفكر فإنه يمكن تجاوز عقبة النعيم- لأن النعيم المتواصل يصبح مملاً... طبعاً لأن لحناً موسيقياً لنغمة واحدة يصبح مضجراً!

 

قال أحد الكتاب مرة مازحاً: "أنا لستُ منجذباً إلى النجاة والجنة، لأني سمعتُ أنه لا يوجد هنالك إلا النعيم... والنعيم وحده سوف يصبح مضجراً جداً.. النعيم والنعيم ولا شيء سواه... إذا لم يكن هناك ولو مسحة حزن واحدة، لا قلق ولا توتر، فكم من الوقت يمكن للمرء أن يتحمل نعيماً طويلاً كهذا؟"

 

أن تضيع في النعيم هو الخطر الكامن في المستوى الخامس، ومن الصعب جداً التغلب عليه... في بعض الأحيان يستغرق الأمر العديد من الولادات ليتم ذلك...

الخطوات الأربع الأولى ليست صعبة العبور ولكن الخامس صعب جداً... ربما تدعو الحاجة إلى العديد من الولادات حتى تمل من النعيم وتمل من النفس وتمل من فكرة انفصال وتعدد الأرواح.

لذا فإن السعي حتى الجسد الخامس هو التخلص من الألم والكراهية والعنف والرغبات... بعد الخامس يكون البحث للتخلص من النفس... لذلك يوجد شيئين: الأول هو "التحرر من شيء ما" وهو ينتهي في المستوى الخامس... الثاني هو "التحرر من النفس".. ومعه يبدأ عالم جديد تماماً.

أضيفت في:8-1-2011... علوم المقامات والطاقات> سبعة أجساد وسبعة مقامات
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع



 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد