موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

للفكر ثلاث إمكانيات

إن حياتنا وكياننا هي نتيجة فكرنا وأفكارنا...

فإذا تكلم المرء أو تصرف من أفكار نقية، نجد أن السعادة تلحقه مثل ظله...

لكن ما علاقة هذا بالتأمل واللافكر وأسرار الذّكر؟

على الرغم من أنه يمكننا التفكير بإيجابية ونقاء.. والحصول على السعادة والهناء...

لكن اللافكر يبدو معاكساً للحكم والتحكم واختيار الأفكار؟

 

أول شيء لكي نعرف ونغرف... أن للفكر ثلاث إمكانيات...

الفكر الأول: هو الفكر الشرير... الذي يعيش بطريقة مدمرة ويفكر دوماً بالتخريب.. ويستمتع بتعذيب الآخرين...

هذا الفكر ستتبعه التعاسة دوماً كالظل، فإذا أردت أن تؤذي الآخرين وتصنع لهم التعاسة، ستجد في النهاية أنك تصنعها لنفسك.... إذا كنتَ ضد الوجود... فالوجود سيكون ضدك... لأن الوجود مجرد مرآة لك...

إذا أسأت... فالإساءة ستدور لتعود إليك وتسقط على رأسك...

وإذا أنشدت أغنية جميلة... فسترتد إليك تلك الأغنية وتنهمر عليك...

أي شيء تعطيه سيرتد ليعود إليك أضعافاً مضاعفة...

ومهما كان الذي تزرعه، ستحصده أضعافاً مضاعفة...

الفكر الشرير تلحقه المعاناة... ويتبعه الجحيم دائماً...

الفكر الشرير هو الذي يستمتع بالتعذيب.. بالقتل والتدمير...

ومن الأمثلة والأسماء الكثير:

تيمورلنك.. جنكيزخان.. أدولف هتلر.. جوزيف ستالين..

هؤلاء من أصحاب الفكر الشرير.


الفكر الثاني المقابل للنوع الأول من الفكر والتفكير... هو الفكر الفاضل التقيّ المحب للخير... المعاكس تماماً للفكر الشرير.

إنه فكر مبدع... يستمتع بإسعاد الآخرين.

وهو ماهر بخدمة الآخرين ومساعدتهم...

إنه واهب كريم للسعادة.. ويحب أن يرى السعادة تشع على وجوه كل الناس...

والسعادة ستلحق به أينما حل وستتبعه مثل الظل...

 

لكن هناك شيء واحد لم تدركه بعد...

حين تحضر السعادة.. فالتعاسة ستكون حاضرة أيضاً مختفية خلفها في مكان ما....

وإذا حضرت التعاسة... ستجد السعادة حاضرة أيضاً في مكان ما...

 

إنهما يسيران دائماً معاً...

الفكر الشرير تتبعه التعاسة والجحيم...

لكن في مكان ما تجد الجحيم متبوعاً بالنعيم...

والفكر الفاضل تتبعه السعادة والخير...

لكن السعادة تلحقها التعاسة... ولا يمكن لهما الانفصال... وجهان لعملة واحدة...

كيف بإمكانك أن تكون سعيداً إذا لم تستطع أن تكون تعيساً؟...

إذا نسيت كيف تكون التعاسة فقد نسيت كيف تكون السعادة أيضاً...

إذا لم تعرف معنى المرض والبلاء كيف ستعرف أنك بصحة جيدة وشفاء؟

حين يكون جسدنا سليماً معافى....أحياناً نكون بحاجة للمرض ليبقينا واعيين لصحتنا...

فلا يمكنك الكتابة بالطبشورٍ الأبيض على اللوح الأبيض...

بإمكانك الكتابة لكن لن يتمكن أحد من قراءة ما كتبت، ولا حتى أنت نفسك...

ستحتاج للوحٍ أسود إذا أردت الكتابة بالطبشور الأبيض...

اللوح الأسود يعمل  بمثابة خلفية.. تظهر الكتابة بالطبشور الأبيض واضحة جلية...

وكذلك هي الحياة...

سعادتك هي كالطبشور الأبيض بحاجة لخلفية سوداء...


صاحب الفكر الفاضل يعيش بسعادة، لكن سعادته هي كالكتابة والتعاسة هي الخلفية...

لولا وجود التعاسة لديه لن يكون بمقدوره أبداً أن يعرف معنى السعادة...

 

إذاً في النهاية، الفكر الشرير والفكر الفاضل ليسا اثنين أو منفصلين... بل وجهين لعملة واحدة...

الإبليس والقديس موجودان معاً... فالقديس بإمكانه أن ينقلب إلى إبليس في أية لحظة... والإبليس يمكنه أن ينقلب إلى قديس في أية لحظة... ليسا بعيدين أو جارين منفصلين... بل جداً متقاربين.. الحدود بينهما تتلاقى وتندمج وتتلاشى.

 

الفكر الثالث هو اللافكر... منبع الذِّكر... حيث لا قديس ولا إبليس...

لا سعادة ولا تعاسة... الازدواجية تلاشت.

والآن هناك صمت... صمت النور بين السطور...

هناك سكينة وصفاء... سلام واستسلام... وصحوة من بين النيام...

الآن ذابت القطرة في محيط الصمت... وجميع الاضطرابات اختفت.

 

تذكّر: حتى السعادة هي ضجة واضطراب... حتى السعادة هي نوع من الانفعال كالحمى... نعم أنت ترغب بها... هذا شيء آخر، لكنها في النهاية حمى... ألم تراقب ذلك يحدث لك من قبل؟

عندما تكون سعيداً جداً تبدأ تشعر بالتعب من السعادة.

يمكنك أن تكون سعيداً بين الحين والآخر... لكن لا يمكنك أن تبقى سعيداً طوال الوقت....

عاجلاً أم آجلاً ستملّ من ذلك... لأنه أمر متعب!

فإذا كنت سعيداً جداً لن تتمكن من النوم ليلاً...

والأمر نفسه، إذا كنت تعيساً جداً لن تستطيع النوم أيضاً...

لن تقدر على الاسترخاء والهدوء... السعادة والتعاسة تصيران توتراً... وكلاهما متعب...

عندما تتعبك السعادة تتجه نحو التعاسة... وعندما تتعبك التعاسة تتجه نحو السعادة...

وهكذا يستمر رقاص ساعة الحياة بالتأرجح والتمايل من اليمين إلى اليسار.. باستمرار...

تاركاً لك الخيار أيها المختار بأن تكون صاحب القرار وممن استيقظ واستنار...

 

اللافكر أمرٌ مختلف كلياً... ليس له علاقة بالفكر السعيد أو التعيس... الفاضل أو الشرير...

 

ذهب أحد الحكام العرب إلى حكيم فقير... وطرح عليه بضعة أسئلة قائلاً:

"لقد قمتُ بإنشاء العديد من الجوامع الضخمة الفخمة.. وقدمت ثرواتي لنشر الرسالة النبوية والسماوية...

ألا تعتقد بأن ما أقوم به أمر مقدس؟... وأن نصيبي مكانة عالية في الجنة؟"

ضحك الحكيم وقال: "ما هو المقدس فيه؟ إنه تجارة كأي نوع من التجارة والدعارة... أنت تخطط من أجل الحياة الآخرة... تطمع وتطمح بالجنة... لاشيء مقدس في عملك... إنه شيء عادي دنيوي تماماً."


ما الذي قصده الحكيم؟

إن ما تدعونه بالأعمال المقدسة  الفاضلة... تخفي الرذيلة وراء الفضيلة... كما لكل شيء ظل يتبعه.. أعمالك تلك تخفي وراءها الطمع بالنعيم والرغبة بالجنة.. والرغبة ليست قداسة... المقصد الحقيقي غير مقدس.

عندها ارتبك الحاكم وانصدم... وقال غاضباً: "إذاً ماذا تعتقد؟؟ أليس النبي إنساناً مقدساً؟"...

ضحك الحكيم مجدداً وقال: "إنه ليس إنسان وليس مقدس.... إنه الفناء المطلق بالله.. فكيف يمكن للقداسة أن توجد هناك؟ ستكون مجرد قذارة... إنه الصمت... السكون التام والفراغ.. حيث يختفي الظل وصاحب الظل."

 

حالة اللافكر... ليست فضيلة ولا رذيلة... لا خيرة ولا شريرة...

فالنبي لم يكن قديساً ولم يكن مذنباً أيضاً... لقد تجاوز حدود الثنائية والازدواجية...

 

لذلك أرجو منك أن تتذكر:

انطلاقاً من فكر شرير يمكنك أن تصبح فكر فاضل، لكن التحول الحقيقي لم يحدث بعد...

إنها فقط مسألة درجات... لا تزال في الفكر ولم تذهب أبعد من الفكر بعد...

وحدها حالة اللافكر تستطيع أن تحررك... تشفي ظمأك وتشفيك... تغنيك وتفنيك...

 

لذا لا تحاول أن تصبح قديساً، لأن الأشخاص المقدسين ليسوا مقدسين....

لا تحاول أن تصبح قديساً فكل تلك الجهود بلا فائدة ومجرد رحلة جديدة في الأنا..

لعبة جديدة من ألعاب الفكر... ولعبة خفية ماكرة حقاً...

دعك من كل ذلك الكذب.. من أن تكون مقدس أو غير مقدس..

قديس أو مذنب.. نور أو عتمة... نار أوجنة... نعمة أو نقمة..

أدنى أو أسمى... قل سلاماً لكليهما...

وبعدها سيظهر لك عالمُ جديد... عالم لم تكن لتحلم به من قبل..

حيث السكينة والسكون.. السلام والصفاء ..

في عمق لا يوجد فيه أي اضطراب... ولا موجة واحدة...

تلك الحال هي حال التأمل.. لا تفرحوا ولا تحزنوا...

لا يوجد ألم ولا متعة أيضاً.. لأن المتعة لا تختلف عن الألم والألم لا يختلف عن المتعة. 

 

لكن ماذا يوجد هناك؟؟... ما هي الحقيقة؟؟

وصمت المسيح... وكذلك النبي... والله أعلم...

لا شيء يقال عنها... لأن أي كلمة ستقولها ستكون جزءاً من الثنائية

إذا قلتُ أنها نعمة، ستظن أنها ليست نقمة...

وإذا قلت أنها نور، ستظن أنها ليس عتمة...

وإذا قلت أنها صيف، ستظن أنها شتاء حار...

وإذا قلت أنها نوع من الأزهار فستظن أنها ليست أشواك...

وهكذا ستبدأ التفكير بازدواجية وتدخل عالم الكلمات والأقوال...

لا يمكنك التعبير عن الصمت سوى بالصمت...

كيف ستعبّر عن الصمت بالصوت؟

أضيفت في:21-1-2011... زاويــة التـأمـــل> تأمل ساعة
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد