موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

لماذا قانون الجذب.. لا يعمل؟

قانون الجذب، الذي تم نشره رسمياً والترويج له في فلم وكتاب "السر The Secret" قد أصبح شهيراً ومنتشراً جداً بعد طرح الفلم منذ بضعة سنين...

قام هذا "السر" بالتغذي على جشع الناس، وكانت فكرته الأساسية أنه يمكنك جذب كل ما تريد في حياتك، كالمال والنجاح والعلاقة المثالية والمنزل الفخم والسيارة الفارهة وغيرها... وذلك ببساطة بالتركيز عليها مع النوايا الإيجابية بأنك ستحصل عليها.

بكلمات أخرى، يمكنك باستخدام النوايا أو التفكير الإيجابي تجسيد أي شيء تريده في حياتك.

لقد كان "التفكير الإيجابي" موجوداً فعلاً منذ عدة عقود، وكان هو سر نجاح إمبراطوريات عدة أشخاص لامعين مثل - Napoleon Hill, Vincent Peale and Dale Carnegie - وهم من رواد تفكير العهد الجديد وتطبيقه لتحقيق النجاح في الحياة.

هكذا صارت كل وصفة "جديدة" للنجاح مبنية على التفكير الإيجابي تنتشر وتضرب ضربتها في الأسواق.. طبعاً فمن منا لا يرغب بطريقة سهلة ليصبح غنياً؟ إنها تفتح شهية الجميع في هذا العصر المليء بالطمع والكسل!

في الاندفاع الهائل عند الناس ليدخلوا عربة السيرك الجديدة ويسيروا مع الحشود وصرعات الموضة، قليل جداً ما يقف أحد ويتساءل: إذا كان الموضوع سهلاً جداً فلماذا إذاً لا يعيش كل الناس أحلامهم وآمالهم؟ وعلى أي حال، كيف سيسير العالم إذا عاش كل شخص أحلامه.. من الذي سيقوم بالأعمال التي رفضها كل شخص آخر؟ وهل سيكون الأمر ممتعاً حقاً إذا كان كل شخص يعيش في بيت كبير ويقود سيارة فخمة؟؟

يمكنك الاستنتاج بالنظر للكتب والدورات الحديثة المنتشرة اليوم، أن التفاؤل الكبير الذي جلبه "السر" قد حل محله خيبة أمل كبيرة... وصرتَ تجد دورات لتعلمك لماذا قانون الجذب لا يعمل معك- ادفع لي المال وسأعطيك المادة الناقصة من الوصفة السحرية السرية!

لكن هذا لن يصنع فرقاً يذكر........

لقد سمى أوشو كل هذه الفكرة سخافة وهراء، قبل أن يصدر فلم "السر" بزمن طويل.. ويقول أن التفكير الإيجابي لا يمكنه تغيير شيء لأنه طريقة لتفادي النظر إلى فكرنا اللاواعي، وهو مليء بسلبيات حياتنا.

 

"...عندما تتجاهل شيئاً ما ولا تنظر إليه، هل تعتقد أنه سيختفي؟

أنت تخدع نفسك فحسب... ولا يمكنك تغيير الواقع...

الليل سيبقى جاثماً هناك... يمكنك أن تفكر أن النهار يمتد ويستمر أربع وعشرين ساعة

لكنك مهما فكرت لن تجد النور يملأ السماء بعد حلول المساء..."

 

واليوم بعض العلماء مثل Dr Bruce Lipton جلب الإثبات العلمي الذي يدعم ما كان أوشو يقوله طوال هذه السنين.

لقد قال أن التفكير الإيجابي لا يعمل، لأنه يتم فعله عبر الفكر الواعي.. والفكر الواعي ليس هو الذي يسيّر حياتنا.

حياتنا محكومة بما يُسميه د.ليبتون الفكر دون الوعي، وهو ما يسميه أوشو الفكر اللاواعي... وقال أن العلم يؤكد اليوم على أن اللاوعي يدير حياتنا 95-99% من الوقت كل يوم... والفكر اللاواعي أقوى بكثير من الفكر الواعي – وهو أقوى بملايين المرات من أي معالج معلومات.

الأثر المجتمع من أجزاء الدماغ اللاواعية وهي الأقوى، وحقيقة أنها تحكم حياتنا حتى 95% من الوقت، يعني أن فكرنا الواعي (حيث يعمل هذا "التفكير الإيجابي") يحتاج لمعركة هائلة لمجرد أن يسمع صوته!

إذا كانت رغبتنا الواعية ملائمة للأفكار اللاواعية عندنا، فلن يكون هناك أي مشكلة، وعندها سيعمل "قانون الجذب" تلقائياً – ولا حاجة لعمل أي شيء لتحقيقه... لكن معظم أفكارنا اللاواعية (70% حسب د.ليبتون) سلبية وتدميرية، وهي ليست أبداً ما نريده في وعينا! وطالما أن هذا هو الذي يحكم حياتنا، يمكنك رؤية حتمية فشل أي تفكير إيجابي واعي... ولن يترك أثراً مثل الكتابة على الماء، أو مثل البصق على الرياح!

هذا يعني أنه قد نفكر ونريد المزيد من المال على مستوى الوعي، ونركز مخيلتنا على حساب بنك سمين فيه الملايين، لكن إذا كان هناك اعتقاد في اللاوعي بأننا لا نستحق أن نكون أثرياء، أو أننا لن نربح اليانصيب أبداً، أو أن الثراء لأناس آخرين وليس لي... عندها لا يهم كم تتخيل الملايين ولا مدة التخيل مهما طالت، لن تحصل على أي منها!!!

الفكر اللاواعي كما يقول د.ليبتون، مثل مشغل أشرطة الكاسيت – عمله الاستمرار بتشغيل الأشرطة القديمة نفسها التي تعلمناها في طفولتنا المبكرة.

تلك الأشرطة هي الرسائل التي التقطنا معظمها من أهلنا أو من أي شخص كان له أثر كبير على أول ستة سنين من حياتنا.

ومعظم الأشرطة تحتوي على سطور مثل: "أنت لستَ جيداً كفاية".. "أنت لا تستحق"... "الآخرين أفضل منك"... "أنت غير مقبول ولا جدير بالاحترام كما أنت، عليك أن تكون أفضل".

سواء أعطيت لنا هذه الرسائل بشكل مباشر أو غير مباشر، فهي أشياء نلتقطها من الطريقة التي كنا نُعامل بها، ودخلت تلك الرسائل إلى فكرنا اللاواعي البريء حيث أصبحت حقائق..... بعدها بدأ مشغل الأشرطة بتكرار الرسائل في أي لحظة نمر فيها بمواقف مشابهة، فيجعلنا نتصرف حسب ما تقوله لنا.

بكلمات أخرى، بدأنا نعيش في حلقة مفرغة، حيث نستمر ونستمر بإثبات صحة تلك الأفكار السلبية عن أنفسنا، وبهذا نجعلها حتى أقوى مما سبق... وهذا لا يزال يحدث إلى اليوم!... لا نزال نخرب محاولاتنا للسعادة والنجاح والحب وغيرها... ونحن غير مدركين أننا نحن من يصنع هذا لأنفسنا، لأنه... شيء غير واعي.

 

وأين هو دور فكرنا الواعي في كل هذا؟

ذلك الجزء الضئيل الذي يفترض وجوده في 1% على الأقل من نهارنا؟

حسناً... الفكر الواعي يظهر عندما نستخدم إبداعنا للعمل على موضوع أو مشروع ما... لكن عندما لا نستخدمه فماذا يفعل؟ يحلم أحلام اليقظة!!!... يتجول هنا وهناك في الماضي أو المستقبل، وبهذا يصبح غير واعي... عندما يكون الفكر في مكان آخر، فهو لا يراقب الآليات اللاواعية التي هي حقاً من يحكم حياتنا وسلوكنا في هذه اللحظة.

لذلك، نحن لسنا غير مدركين لأوقات تشغيل أشرطة اللاوعي فحسب، بل حتى ليس عندنا القدرة لاستعمال فكرنا الواعي لإدراك ومراقبة آليات اللاوعي الخفية المخفية.

وهنا يأتي دور التأمل ودور الشخص الواعي أو المعلم مع من حوله.. وخاصة التنبيهات اللطيفة أحياناً والصادمة أحياناً أخرى.. وقد اختبرتُ هذا مع عدد من الأصدقاء.. منهم من كان يرمش جفونه كثيراً أو يهز رجله أو يحك رأسه وغيرها من الحركات الميكانيكية اللاواعية... ونجد غالباً أن الشخص إذا لم يستخدم وعيه، ربما يترك التدخين وينتقل لمضع العلكة، أو إلى حك رأسه أو هز رجله وغيرها... وهنا التنبيه الصادم له دور فعال في استرجاع اليقظة والتحول من آلة إلى إنسان........

 

كما قال د.ليبتون: عليك تعلم طريقة استخدام "زر التوقف" مع تلك الأشرطة بدل من "زر التشغيل الأوتوماتيكي"، وبعدها أن تغير الأشرطة.

أوشو يقول ذات الشيء في الأساس، وأن الطريقة للقيام بذلك هي التأمل...

التأمل هو أصلاً المهارة في صيد فارة، أقصد تعلم مهارة مراقبة الفكر دون أن ننشغل به (أي دون ضغط زر التشغيل)، ودون الحكم عليه (فهو بعد كل هذا مجرد أشرطة قديمة لم تعد مهمة لحياتك، هذا إذا كانت مهمة أصلاً).

أوشو من أعظم معلمي التأمل الذين مروا في هذه الأرض.. وهو لا يشرح لماذا نحن مقيدون جداً بفكرنا اللاواعي فحسب، بل أيضاً يصيغ نفسية ونظرة جديدة، نفسية المتأملين المستنيرين بنور الله، حيث التأمل هو حجر البداية للتحرر من اللاوعي... ويقدم لنا ثمانية تأملات نشيطة وأكثر من 112 تقنية للتأمل – ولا حاجة لمذهب أو اعتقاد معين تتبعه لكي تصل إلى الأصل... لا تحتاج إلا بعض التقنيات للبداية برحلة الهداية والرحلة داخلية وفردية.

سفراً ممتعاً!

Read more about: Positive Thinking: Philosophy for Phonies

 

 

أضيفت في:9-9-2011... زاويــة التـأمـــل> العلم و التأمل
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد