موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

رجل يعيش من دون أي مال

مارك، Mark Boyle رجل من أيرلندا حاول أن يعيش حياة من دون أي وارد أو دخل مادي، من دون أي حساب مصرفي أو مصروف.. وإليكم هنا كيف تمكن من ذلك... وكيف صار مؤلف Moneyless Man and the Moneyless Manifesto  ومؤسس حركة Freeconomy عبر العالم....

يقول مارك: لو أن أحداً ما أخبرني منذ سبع سنين عندما كنت في السنة الأخيرة بكلية التجارة والاقتصاد، بأني سوف أعيش من دون مال، لكنت قد اختنقت وأنا أتناول وجبة طعامي الجاهزة المحضرة بالمايكروويف! ففي تلك الفترة كانت خطتي المستقبلية هي أن أجد عملاً جيداً محترماً، وأجني من المال أكثر وأكبر قدر ممكن، ثم أن أشتري تلك الأشياء التي تُظهر للناس بأنني رجلٌ ناجح..
ولفترة قمت بذلك فعلاً، كان عندي وظيفة رائعة في إدارة شركة ضخمة للغذاء العضوي، وقد اشتريت لنفسي سفينة شراعية في المرفأ... ولولا أني حظيت صدفة بشراء فيلم يدعى غاندي لكنت إلى اليوم مستمراً في فعل الشيء نفسه.. عوضاً عن ذلك أنا اليوم ومنذ خمسة عشر شهراً لم أنفق أو أتلقى حتى قرشاً واحداً.

هذا التغيير الكامل في مجرى حياتي حدث في أحد الأمسيات عندما كنت سهراناً مع صديقٍ لي على السفينة ونحن نتناقش ونفلسف الأشياء مع كأسٍ من المارتيني.. وعلى الرغم حينها من أنني كنت متأثراً جداً بمقولة غاندي وهي: "كن أنت التغيير الذي تريد أن تراه في هذا العالم"، إلا أنني لم أكن أملك أدنى فكرة عن معنى هذا التغيير حتى تلك اللحظة... لقد بدأنا بالحديث بشكل عام عن كل المسائل التي تحدث في العالم: الكوارث البيئية، الحروب على الموارد، مزارع الإنتاج التجاري، المؤسسات الصناعية المُستَغِلِّة.. وأي مسألة منها علينا أن نكرس لها وقتنا... ولم نكن نشعر بأنه يمكننا أن نصنع فرقاً، فماذا ستفعل قطرتين صغيرتين في هذا المحيط الملوث جداً؟

لكن في ذلك المساء وصلت لإدراكٍ ورؤية حقيقية، وهو أن تلك المسائل لم تكن غير مترابطة ببعضها كما اعتقدت أنا مسبقاً، فجميعها تمتلك سبباً جذرياً مشتركاً... أنا أؤمن بحقيقة أننا لم نعد نرى بوضوح النتائج اللاحقة لما نشتريه على الناس، البيئة، والكائنات التي تؤثر بها.. وهذا هو العامل الذي يربط كل تلك المشكلات والمسائل ببعضها.
إن درجة التباعد بين المستهلك والأشياء التي يستهلكها تضاعفت بشدة لدرجة تُظهر أننا لسنا واعيين نهائياً لدرجات الدمار والتخريب والمعاناة المتضمنة في "الأشياء" التي نقوم بشرائها.

مقدار ضئيل جداً من الناس يرغب بالتسبب في معاناة الآخرين، الغالبية لا يملكون أدنى فكرة بأنهم يفعلون ذلك بشكلٍ مباشر، والأداة التي سمحت بهذا التباعد هي المال، وخاصة في شكله العالمي المعولم عولمة.
على سبيل المثال: إذا قمنا نحن بزراعة طعامنا الخاص بنا، لما تم هدر ثلثه كما يحدث اليوم...
إذا قمنا نحن بصناعة طاولتنا وكراسينا، لما كنا قمنا برميهم في اللحظة التي نقرر فيها تغيير الديكور الداخلي لمنزلنا.
لو كان علينا أن ننظف مياه الشرب الخاصة بنا، لما قمنا بالتبول فيها!

إذاً لكي أكون التغيير الذي أريد رؤيته في هذا العالم، كان يعني لسوء الحظ بأن عليّ أن أتخلى عن المال، وهذا ما نويت القيام به لسنة كاملة مبدئياً..
لذلك قمتُ بعمل قائمة للحاجات الأساسية التي سأحتاجها للبقاء.. أنا أحب الطعام فكان هذا على رأس القائمة، وكان هناك أربع أرجل لطاولة الطعام المجاني: البحث عن الطعام البري، زراعة الطعام بنفسي، المقايضة، والحصول على الطعام المرمي الفائض.
في اليوم الأول قمت بإطعام 150 شخص ثلاث وجبات من الطعام البري والمرمي.. أغلب أيام السنة أتناول طعامي من الخضار والمحاصيل التي أزرعها بنفسي ونسبة الطعام المرمي لا تتجاوز 5% من طعامي.. وأطبخ في الخارج صيفاً وشتاءً، على موقد خشبي يشبه الصاروخ (تصميم خاص طويل يوفر كثيراً من استهلاك الحطب حتى 50%).

الشيء الثاني على اللائحة كان المنزل أو المأوى.. فحصلت على كرافان بيت متنقل مصنوع من الأشياء المعاد تدويرها.. وقمت بوضعه في مزرعة عضوية كنت أتطوع للعمل فيها، وقمت بتجهيز البيت بكهرباء مستقلة فلا أحتاج للشبكة العامة ودفع فواتيرها.. استخدمت الأخشاب البسيطة التي كنت ألتقطها لتدفئة مسكني المتواضع، بحرقها في موقد مصنوع من أسطوانة غاز قديمة.. ولدي حمام كومبوست يحول الفضلات إلى سماد طبيعي لأجل الزراعة.

أستحم في النهر، وكمعجون لأسناني أستخدم عظام سمك الحبار التي رماها البحر مع بذور الشمّر البري، وهذا ليس ملائماً تماماً للنباتيين ههههههه.. ولأجل ورق الحمام أخفف الحمل عن بائعي الجرائد المحلية باستخدام أوراقها (مرةً مسحت مؤخرتي بصورتي في مقالة جريدة تتحدث عن قصتي!) طبعاً ليست محارم ناعمة ومضغوطة لكنها بسرعة صارت عادية ومقبولة.
ولكي أتنقل في الأماكن المجاورة لدي دراجة هوائية مع عربة مقطورة وراءها... والمسافة إلى المدينة وهي 55كم مضاعفة تُمثل اشتراك النادي الرياضي بالنسبة لي... وللإنارة أستخدم شموعاً من شمع العسل.

العديد من الناس يصنفونني بأنني ضد الرأسمالية.. على الرغم من أنني أرى الرأسمالية خاطئة ومُعيبة من أساسها، تتطلب نمواً غير محدود في كوكبٍ محدود، لكن أنا لست ضد أي شيء.... بل أنا مع الطبيعة، مع حياة الجماعة، ومع السعادة..
وهذا هو الشيء الذي لا أحصل عليه... لو أن كل هذه النزعة الاستهلاكية والتخريب للبيئة جلبت السعادة لنا لكان الأمر معقولاً نوعاً ما، لكن جميع مؤشرات عدم السعادة، الإحباط، الجريمة، الأمراض النفسية والعقلية، الانتحار، البدانة وغيرها تستمر بالتزايد والتزايد.. ويبدو بأن المزيد من المال لا يساوي المزيد من السعادة.

ومن المضحك أنني وجدت أن هذه السنة هي أسعد سنة في حياتي... لدي المزيد من الأصدقاء في مجتمعي أكثر من أي وقت مضى، لم أمرض أبداً منذ أنت بدأت، ولم أكن رشيقاً كهذا من قبل... لقد وجدت بأن الصداقة وليس المال هي الضمان والأمان الحقيقي.... وأن معظم الفقر في الغرب هو الفقر الروحي... وأن الاستقلال هو حقاً في التعاون المتبادل.

هل يمكننا جميعاً أن نعيش هكذا في المستقبل؟؟ لا، سيكون ذلك كارثة، نحن مدمنون كثيراً على التقنية الرقمية والانترنت وعلى المصادر الرخيصة للطاقة، ونجحنا بإنشاء بنية تحتية عالمية كاملة معتمدة على الوفرة في تلك التقنيات والمصادر.
لكن إذا قمنا بتغيير صنع القرارات وأعدنا توزيع أنفسنا بجماعات ومجتمعات محلية لا تزيد عن 150 شخص، فلم لا نقدر حينها؟؟
طوال أكثر من 90% من فترة وجودنا على هذا الكوكب، كانت حياتنا بيئية وصحية أكثر بكثير، وكنا نعيش من دون مال... أما الآن نحن الكائنات الوحيدة التي تستخدمه، غالباً لأننا أكثر الكائنات التي فقدت اتصالها بالطبيعة الأم...
الناس الآن يسألونني كثيراً عن الذي افتقدته مقارنةٍ بحياتي السابقة وعالمي السابق من الترف والمال والتجارة والربح والأعمال... وأجيبهم: الضغط النفسي، الإجهاد، الازدحام وحركة المرور الخانقة، البيانات المصرفية، فواتير الهواتف والكهرباء والمياه.. آه نعم، أيضاً نصف لتر البيرة مع زملائي في المدينة الذي كنت أشربه لأخفف معاناتي...

للمزيد: http://www.shareable.net/blog/interview-with-the-moneyless-man

مقابلات:

The Moneyless Manifesto by Mark Boyle

TEDxO'Porto - Mark Boyle - The Moneyless Man

 

أضيفت في:15-11-2013... في قلب الله> يد الله مع الجماعة
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد