موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

الإنسان العادي يعيش حياة غير عادية

"هل من المعقول أن الشريكين الحبيبين حتى لو قدرا على تحويل الطاقة الجنسية إلى طاقة روحية، فلن تكون علاقتهما مشبعة أو مُرضية رغم كل ذلك؟"

 

.....نعم لن تكون مرضيةً لهما رغم ذلك.. وفي الواقع، ستخلق هذه العلاقة أقصى حالة سخط وفقدان للرضى داخلك، لأنها ستجعلك مدركاً للأبعاد الممكن تحقيقها.

ستجعلك مدركاً لتلك اللحظة العارمة من الاتحاد في النشوة الجنسية، من التحويل الروحي والنور الإلهي.. لكنها ستبقى لحظة مؤقتة فحسب..

مع الشخص الآخر لا يمكن أن يبقى أي شيء دائماً.. وحالما تذهب تلك اللحظة، وكلما كانت القمة أعلى، سيكون الوادي بعدها أعمق وستقع في أعماق الظلمة.

كنتُ أقرأ وأفهم هذه الحقائق أيضاً من ناحية جسدية هرمونية في كتاب Vagina كتاب مهم جداً... هذه القمة والوادي بعدها تحدث بسبب تغيرات الهرمونات عندنا أثناء الإثارة والنشوة وما بعدها.. لا يوجد مشكلة في الهرمونات الطبيعية، لكن بسبب الكبت والجهل الجنسي المنتشر، خاصة عند النساء، لا يختبر الإنسان التوازن الطبيعي للهرمونات والرقصة المتناغمة فيها بين صعود وهبوط، ولا يحدث تجاوز للعواطف.... فتبقى أغلب النساء في حالة من الاكتئاب والإحباط والجمود.. في حالة من الانفصال عن الجسد وعن أعضائها، فتصبح الأعضاء فاقدة الإحساس أو متشنجة ممانعة... تتأثر نفسية المرأة وتصبح انفعالية عاطفية سهلة الغضب وإطلاق مسرحيات العواطف وإكثار الكلام الفارغ ومضغ العلكة والأركيلة...

أو بعض النساء قد تعمل ردة فعل معاكسة فتصبح راكضة وراء الشهوة بإفراط، ليستخدمها الجسد في اللاوعي كقناع لإخفاء الألم والحزن أو الصدمة والاعتداء القديم...

لكن الحل دوماً موجود ولكل داء دواء.. بالتأمل والعمل على النفس والجسد وأعضائه بطريقة لطيفة وواعية.. وهناك عدة مدارس وطرق وتقنيات.

كلما كانت قمة الهرمونات أعلى، كان الوادي بعدها أعمق... لكنك من خلال هذه الرقصة في العلاقة، ستدرك شيئاً جديداً: إذا قدرت الطاقة الذكرية والأنثوية على تحقيق لقاء غير مؤقت، سيكون هناك إشباع ورضى أبدي.

كيف نقدر على تحقيق ذلك؟

انطلاقاً من هذا السؤال، تمت ولادة علم كامل للتحويل في الشرق منذ ألوف السنين، وكان اسمه علم التانترا... درسه ونقله كل الأنبياء مع تغيير الاسم حتى لا نخاف ونرجم بالجهل.. صار اسمه علم النكاح أو علم الرجل القوام على النساء أو علم العذرية الحقيقة...

كيف نفعل ذلك؟

يمكن تحقيق التحويل... لا يمكن تحقيقه مع الحبيب الخارجي، ولا يمكن أيضاً تحقيقه دون الحبيب الخارجي، تذكر... لأن اللمحة الأولى تأتي من الشريك.

إنها مجرد لمحة وومضة لكنها تأتي مع رؤية جديدة بأن هناك عميقاً داخل نفسك طاقتان حاضرتان... الطاقة الأنثوية والذكرية كلاهما موجودتان...

الإنسان ثنائي الجنس.. كل رجل وكل امرأة... نصفك ذكر ونصفك أنثى.

إذا كنتِ امرأة، فالنصف الأنثوي في الأعلى والنصف الذكري مخفي في الخلف، والعكس صحيح... حالما تدرك هذا سيبدأ عمل داخلي جديد: المرأة الداخلية والرجل الداخلي بمقدورهما اللقاء وذلك اللقاء يمكنه البقاء للأبد.... ليس هناك حاجة للعودة من القمة.. لكن اللمحة الأولى تأتي من الآخر.

لذلك، يستخدم علم التحويل المرأة الخارجية والرجل الخارجي كجزء مهم من العمل الداخلي على النفس.... حالما تصبح مدركاً لوجود امرأة داخلك أو رجل داخلك، عندها سيبدأ العمل على مسار جديد ونوعية جديدة تماماً، ويبدأ وعيك بالانتقال إلى بعد جديد.... الآن على اللقاء أن يحدث في الداخل، عليك السماح للقاء بين الرجل الداخلي والمرأة الداخلية.

هذا المفهوم موجود في الشرق منذ خمسة آلاف سنة... وفي القرآن دليل من كل شيء ذكر وأنثى يتكاملان... كل إنسان يحمل نصفين نصف رجل ونصف امرأة.. والله ليس له جنس وليس شخص بل هو تكامل وتوحيد النصفين داخل الإنسان.

مع الشخص الآخر، لا يحدث الاندماج إلا للحظة واحدة... بعدها يأتي الكثير من الإحباط والبؤس.. وكلما كانت اللحظة أعلى وأكثر إضاءة، كانت الظلمة بعدها أشد.. لكن اللقاء يمكن تحقيقه داخلياً.

في البداية، تعلّم أن القمة ممكنة في النشوة الجنسية، وبعدها اشعر بالامتنان للمرأة التي أعطتك هذه القمة، أو للرجل الذي أعطاكِ هذه القمة.

علم التحويل يحترم المرأة ويقدسها فهي سيدة نساء العالمين.. وهي إله على الأرض ليس أقل.. ألوهية حية.. والرجل أيضاً ليس أقل.

أي امرأة تساعدك على الوصول لهذه الرؤية هي آلهة بالنسبة لك، وأي رجل يساعدكِ هو إله أيضاً بالنسبة لكِ... الحب هنا يصبح إلهياً مقدساً لأنه يعطيك اللمحات الأولى من الألوهية... عندها يبدأ العمل الداخلي... لقد عملتَ من الخارج والآن ستعمل من الداخل.

علم التحويل له مرحلتان أساسيتان: المحوّل الخارجي المنفتح للخارج، والمحوّل الداخلي المنطوي للداخل... على البداية أن تكون دائماً من الخارج، لأننا نحن موجودون هناك.. علينا البدء من مكان وجودنا ثم الانتقال للداخل.

عندما يلتقي الرجل والمرأة داخلنا يندمجان ويذوبان، وعندما لا تبقى أنت منقسماً داخلياً، وتصبح واحداً موحّداً متكاملاً متبلوراً.. ستصل للأصل... هذا هو نور الاستنارة بنور الرحمن.

لكن الآن كل شيء مقلوب رأساً على عقب... لقد نسيتَ تماماً العالم الداخلي، وأصبح العالم الخارجي يشكل كل حياتك... هذا يشبه شخصاً واقفاً على رأسه، وقد نسي تماماً كيف يقف على قدميه.

الآن عندما تقف على رأسك ستكون حياتك صعبة حقاً... لا يمكنك المشي ولا القيام بأي عمل... وهذا ما يحدث لأغلب الناس.

الناس يقفون على رؤوسهم، لأن العالم الخارجي أصبح مهماً أكثر من العالم الداخلي... الخارجي صار محور الاهتمام والانهمام، والداخلي صار في طيّ التجاهل والنسيان.

الكنز الحقيقي موجود في الداخل.. من الخارج يمكنك الحصول فقط على لمحات من الكنز الداخلي... مجرد سهام تشير إلى الجوهر العميق داخل كيانك... في الخارج هناك فقط لوحة عليها اسم مدينة الكنوز، فلا تتعلق باللوحة ولا تعتقد أنها الهدف وأنك وصلت بالوصول إليها.

تذكر أن الإنسان العادي يعيش حياة غير عادية أبداً.... لأن قيمه مقلوبة رأساً على عقب:

المال أهم من التأمل بالحال... المنطق أهم من الحب والحق... الفكر أهم من القلب... القوة والسلطة على الآخرين أهم من القوة على النفس... الأشياء الدنيوية أكثر أهمية من إيجاد الكنوز الداخلية التي لا يقدر الموت على تدميرها....

ذهب جحا إلى مطعم إيطالي فاخر... وعندما كان النادل يقدّم له الطعام، سكب وعاءً من الشوربة الساخنة في حضنه.... هل غضب جحا السكران أو تذمر من شيء؟

نظر بهدوء ولطف واحترام للنادل وقال: أعتقد أن هناك صحن شوربة في الذبابة على الطاولة!

الأمور كلها مقلوبة رأساً على عقب... الذبابة ليست في الشوربة بل الشوربة في الذبابة... ولا يوجد ذبابة في الأصل!.. لهذا هناك كثير من البؤس والمعاناة... يبدو أن كل شخص يركض وراء الخيالات والأوهام، يعرف تماماً أنه لن يحدث معه أي شيء أبداً، لكن ماذا سيفعل غير ذلك؟.... الوقوف على جانب الطريق يبدو سخيفاً إذا كان كل الناس حولك يركضون... من الأفضل أن تركض وتتدافع بين الحشود.

 

دع هذا يستقر عميقاً في قلبك:

ما لم يصبح العالم الداخلي أكثر أهمية من العالم الخارجي، فأنت تعيش حياةً مشوهة غير عادية أبداً...

الشخص العادي السوي هو الذي يكون داخله هو مصدر كل أفكاره وأعماله...

العالم الخارجي مجرد وسيلة، والداخلي هو الهدف والغاية.

علاقة الحب بينك وبين المرأة أو الرجل هي وسيلة للوصول للغاية...

الغاية في النهاية هي علاقة الحب مع المرأة الداخلية أو الرجل الداخلي..

يجب استعمال الآخر باحترام كحالة للتعلّم وهي فرصة عظيمة..

أنا لست ضد علاقات الحب الخارجية بل أشجع عليها تماماً،

لأنه لولاها من غير الممكن أن تدرك وجود العلاقات الداخلية...

لكن تذكر ألا تبقى عالقاً هناك في الخارج.

 

أضيفت في:25-5-2014... الحب و العلاقات> الجنس و التأمل
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد