موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

تفكّر وتمعّن بحقائق نفسك، واكتشف سر التحويل الأصيل

لقد أصبح الإنسان الحديث مزيفاً بالتعبير عن الغضب، العنف، الجنس.. إلخ.. والأجيال الجديدة في الشرق هم أقل عنفاً في تعبيراتهم العاطفية من الأجيال الجديدة في الغرب... فهل هذا يعني أن الأجيال الجديدة في الغرب وبعض أجيالنا التي تقلد الغرب، تصبح أكثر صدقاً وأقرب للحقيقة في تعبيراتها؟؟ هل التساهل في تعبيرهم عن الجنس والغضب هو نموّ تجاه كونهم أصدق في تعبيراتهم العاطفية وعلاقاتهم وتعاملهم مع الآخرين؟

 

...يجب هنا فهم عدة أمور سويةً.. أولاً، أن تكون صادقاً معناه أن تكون واقعياً تماماً.. النظريات والمعتقدات وبقايا الأديان كلها تشوّشك وتعطيك شخصية مزيفة.. تقوم بتنمية أوجه متعددة، وعندها مهما أظهرتَ من وجوه فلن تكون تلك حقيقة ذاتك... يتم فقدان الاتصال بالحقيقة، وتجد نفسك فجأة تمثّل وتمثّل... فتصبح حياتك أقل حيوية، وتتحول إلى مسرحية تمثل فيها شيئاً ما، ليس من روحك الحقيقية بل شيء منسوخ ومفروض من الثقافة والحضارة والمجتمع.

 

يمكن زراعة الإنسان وصقله، وكلما صقلوك أكثر أصبحتَ أكثر زيفاً وأكثر بعداً عن الحقيقة.

 

الحقيقة الواقعية هي نفسك غير المزروعة والتي لم يلمسها المجتمع... لكن هذا خطير.. الطفل إذا تُرك لوحده، سيكون مجرد حيوان.. سوف يكون أصيلاً لكنه حيوان، ولن يصبح إنسان... لهذا ذلك غير ممكن وخيار غير وارد.. لا يمكننا ترك الطفل لوحده.. علينا فعل شيء ما، وأي شيء نفعله سيشوش النفس الحقيقية... سوف يعطي ثياباً ووجوهاً وأقنعة للطفل.. سيصبح إنسان لكنه عندها سيصبح ممثلاً ولن يكون أبداً حقيقياً.

إذا تركتَ الطفل لوحده سيصبح مثل الحيوان، أصلي وحقيقي لكنه ليس إنسان... لذلك هناك شرّ لا بدّ منه في واجبنا تجاه تعليمه وزراعته وتنشئته وبرمجته... عندها يصبح إنسان لكنه غير حقيقي.

 

الإمكانية الثالثة للإنسان تنفتح أبوابها في تقنيات التأمل... وكل تقنيات التأمل هي في الحقيقة "فك لبرمجة وتشفير المجتمع"... كل ما أعطاه لك المجتمع يمكن إزالته وتنظيفه.. وعندها لن تكون حيوان، بل ستكون شيئاً أكثر من إنسان... إنسان خارق وحقيقي وليس حيوان.

 

كيف يحدث هذا؟

لا بدّ من إعطاء الطفل الدراسة والثقافة والحضارة.. لا توجد إمكانية لتركه لوحده.. وإلا سيبقى حيوان ولن يصبح أبداً إنسان.

سيكون حقيقياً، لكنه سيفقد العالم، سيفتقد إلى بُعد الوعي الذي يتفتح بتحولك إلى إنسان.

لذلك علينا أن نجعله إنسان، وبهذا يصبح مزيفاً..

لماذا يصبح مزيف؟ لأن هذا "الإنسان" هو مجرد شيء مفروض من الخارج.. وفي الداخل يبقى حيوان... من الخارج فقط نقوم بفرض الإنسانية عليه.. يصير مقسوماً إلى قسمين متعاكسين... الآن يستمر الحيوان بالعيش داخله، ويستمر الإنسان بالعيش خارجه... لذلك في كل ما تفعله وتقوله تجد نفسك في مأزق مزدوج.

عليك الحفاظ على وجهٍ تمّ إعطاؤه لك، وعليك باستمرار إشباع الحيوان داخلك أيضاً... ذلك يصنع المشاكل، ويتحول كل شخص إلى كائن مزيف وكاذب... كلما كنتَ مثالياً أكثر، سيكون عليك أن تكون منافقاً مزيفاً أكثر، لأن المثال سيقول لك "افعل هذا" والحيوان داخلك سيقول العكس تماماً.

وماذا يستطيع المرء أن يفعل عندها؟.. يستطيع خداع الآخرين وخداع نفسه، يستطيع الحفاظ على وجه مزيف، ويستمر بعيش حياة الحيوان.

هذا هو ما يحدث في كل مكان... تعيشُ حياةً من الجنس لكنك لا تتكلم عنه مطلقاً.. بل تتحدث عن الصيام والله والعبادات والعزوبية.. حياتك الجنسية مخفيّة فحسب في ظلمة العليّة، مخفية ليس من المجتمع ومن عائلتك فحسب، بل حتى من فكرك الواعي أنت... تدفعها إلى الظلمة وكأنها ليست جزءاً من كيانك وفطرتك... تستمر بالقيام بأشياء أنت ضدها لأن طبيعة جسمك الحيوية لا يمكن تغييرها بمجرد ثقافة أو دراسة.. تذكر، الشيء الموروث، خلاياك الحية، وبنية جسمك، لا يمكن تغييرها بمجرد ثقافة أو حفظ المعتقدات... لا يمكن لأي مدرسة أو معتقد أن يغيّر الحيوان داخلك... يمكن فقط لتقنية علمية أن تغيّر الكيان الداخلي.. أما مجرد تعاليم أخلاقية مفروضة فلن تساعد بتغيير أي شيء.

 

تقنيات التأمل هي فقط التي يمكنها تغيير وعيك الداخلي، وعندها فقط سيزول الانقسام داخلك وتصبح كائناً واحداً موحداً.

الحيوان فرد واحد ويحمل وحدة الكيان، والحكيم أيضاً فرد واحد ويحمل وحدة الكيان...

الإنسان ثنائي مضاعف لأنه تماماً بين أولئك الاثنين: الحيوان والحكيم... أو يمكن القول بين الحيوان والله... بين التخلّي والتجلّي... الإنسان تماماً بينهما، في داخله يبقى حيوان، وفي خارجه يتظاهر أنه إله... وذلك يخلق توتراً وعذاباً ويصبح كل شيء مزيفاً.

كان بإمكانك السقوط لتصير حيواناً وعندها ستكون حقيقياً أكثر من الإنسان.. لكنك عندها ستفتقد الكثير، ستفتقد إمكانية أن تصبح إله.

الحيوان لا يمكن أن يصبح إلهاً لأن الحيوان ليس عنده مشاكل يحتاج لتجاوزها... تذكر، الحيوان لا يمكن أن يصبح إلهاً لعدم وجود شيء فيه يحتاج للتحويل... الحيوان مرتاح جداً بنفسه وليس عنده مشاكل ولا صراع ولا حاجة لتجاوز شيء.. الحيوان حتى غير واعي، إنه ببساطة أصيل بشكل غير واعي.. لكن الحيوان أصيل رغم أن أصالته غير واعية.

لا يستطيع أي حيوان أن يكذب، ذلك مستحيل... لكن ذلك ليس لأن الحيوانات تحمل أخلاق أو فضيلة... لا تستطيع الكذب لأنها غير مدركة لإمكانية أن الشخص يمكن أن يكون مزيفاً.

من المحتوم أن تكون الحيوانات حقيقية، لكن تلك الحقيقة ليست خيارها، بل هي عبوديتها... لا بد أن يكون الحيوان أصيل لأنه لا يستطيع اختيار البديل الآخر... ليس هناك أي بديل أمام الحيوان، لا يقدر أن يكون إلا نفسه.. لا يوجد إمكانية لكونه مزيفاً لأنه غير واعي للإمكانيات.

الإنسان واعي للإمكانيات... وفقط الإنسان يمكن أن يكون مزيف... وهذا نمو! هذا تطوّر! الإنسان يمكن أن يكون مزيف، ولذلك يمكنه أن يكون حقيقي وأصيل.. الإنسان يمكن أن يختار.

الحيوانات حتماً ستكون أصيلة، وهذه عبوديتها وليست حريتها...

إذا كنتَ أصيلاً فهذا إنجاز، لأنه كان بإمكانك دوماً أن تكون مزيف.. الإمكانية مفتوحة، لكنك لم تختر ذلك واخترتَ الخيار الآخر... وهذا قرار واعي.

بالطبع، الإنسان دائماً يمرّ بالصعوبات... الاختيار دائماً صعب، والفكر يريد اختيار شيء يسهل القيام به.

الفكر يرغب بالشيء الأقل مقاومة وممانعة... والكذب شيء سهل، الزيف شيء سهل... التظاهر بالحب والمودة سهل، لكن أن تكون محباَ شيء صعب جداً... صُنع قناع هو شيء سهل، لكن صُنع كيان هو شيء صعب... لذلك يختار الإنسان الشيء البسيط والسهل الذي يمكن فعله دون أي جهد ولا تضحية.

 

مع الإنسان تأتي الحرية إلى الوجود... الحيوانات هي مجرد عبيد...

مع الإنسان تأتي الحرية ويأتي الخيار، عندها تبدأ المشاكل والمقلقات...

مع الإنسان يدخل الزيف والنفاق والتظاهر.. يمكنك أن تَخدع..

إلى هذه النقطة، كان ذلك شراً لا بدّ منه.

لا يمكن للإنسان أن يكون بسيطاً ونقياً بنفس طريقة الحيوانات،

لكن يمكنه أن يكون أكثر بساطة ونقاء، ويمكنه أن يكون أكثر تعقيد وتلوث..

يمكنه أن يكون أكثر بساطة ونقاء وأكثر براءة، لكن ليس بطريقة الحيوان.

تلك البراءة غير واعية، والإنسان قد أصبح واعياً... الآن يمكنه القيام بشيئين اثنين:

قد يستمر مع الزيف والتمثيل ويستمر ككيان مقسوم طوال الوقت في صراع مع نفسه..

أو قد يصبح واعياً للظاهرة كلها:

ماذا حدث وماذا يحدث له، وقد يقرر رمي ذلك الزيف...

قد يترك كل شيء وهمي مزيف...

قد يضحّي، وقد يختار التضحية بكل شيء يمكن كسبه من خلال الزيف...

عندها يصبح الإنسان أصيلاً من جديد.

لكن هذه الأصالة مختلفة، مختلفة بالنوعية عن أصالة الحيوان..

الحيوان غير واعي، لا يمكنه القيام بأي شيء، الطبيعة تجبره أن يكون أصيلاً.

 

عندما يقرر إنسان أن يكون أصيلاً فلا أحد يُجبره، بل بالعكس، كل شيء يجبره أن يكون مزيفاً: المجتمع والثقافة وكل ما يوجد حوله يجبره على التمثيل والتظاهر... إنه "يقرر" أن يكون أصيلاً... هذا القرار يجعلك نفساً وذاتاً مميزة.. هذا القرار يعطيك حريةً لا يستطيع أي حيوان الوصول إليها، ولا يستطيع أي إنسان مزيف الوصول إليها.

تذكر، متى ما كذبتَ أو خدعتَ أو نافقت، فأنت مُجبر على القيام بذلك.

ذلك ليس خيارك، ليس خيار حقيقي...

لماذا تكذب؟ بسبب العواقب، وبسبب المجتمع: سوف تُعاني إذا قلتَ الحقيقة.. لذلك تكذبُ وتهربُ من العناء.

فعلاً، المجتمع هو ما أجبرك على الكذب ولم يكن ذلك خيارك... إذا قلتَ الحقيقة فهذا خيارك، ولم يجبرك أحد على قول الحقيقة... كل شيء يجبرك على الكذب والنفاق... ذلك أسهل وأكثر أمناً وضماناً وملاءمة.. أنت الآن تدخل في الخطر وانعدام الأمان لكن هذا خيارك.

مع هذا الخيار، ستحصل لأول مرةٍ على نفس...

إذن، أصالة الحيوان هي شيء، وأصالة الإنسان شيء آخر مختلف النوعية، إنها خيار واعي.. لذلك المستنير يعود شخصاً واحداً موحداً من جديد.

إنه يشبه الحيوان لكن مع فرق واحد: إنه بسيط ونقي وبريء مثل الحيوان، لكنه يختلف عن الحيوان بأنه واعي... الآن كل شيء هو خيار واعي يقظ ومُدرك.

 

هل الأجيال الجديدة في الغرب تصبح أكثر صدقاً وأصالة؟؟

نعم بطريقةٍ ما... إنها تصبح أكثر أصالة لأنها تهبط باتجاه الحيوان.. هذا ليس خيار، بل مجدداً هذا هو الطريق الأسهل للسقوط... الجيل الجديد الغربي أكثر أصالة من الشرقي بمعنى أنه يهبط الآن أعمق باتجاه الحيوان... الجيل الشرقي مزيف، سلوكه مجرد قناع مُصطنع ليس فيه شيء حقيقي... لكن هذين ليسا الخيارين الوحيدين في الحقيقة.

الجيل الشرقي مزروع ومزيف ومبرمج ومجبور بأن يكون شيئاً غير حقيقي..

الجيل الغربي قد تمرّد على هذا، تمرّد باتجاه أصالة الحيوان... ولذلك أصبح الجنس والعنف يتحكمان ويُمسكان أكثر بالأجيال الغربية والأجيال التي تقلدهم اليوم... بطريقة ما، هم أكثر أصالة، لكن بطريقة أخرى قد فقدوا الإمكانية الأعلى والأعظم.

 

المستنير يعيش التمرّد، والهيبّي (الذي توقف عن كل عادات المجتمع مثل الزواج وحتى قص الشعر والاستحمام) أيضاً يعيش التمرد، لكن تمردهما مختلف تماماً.. مختلف بالنوعية.

المستنير يتمرد أيضاً ضد التشفير وبرمجة المجتمع، لكنه يذهب أبعد من حدودها، يذهب إلى الأحدية التي هي أعلى من الحيوان وأعلى من الإنسان.

يمكنك التمرد والهبوط باتجاه الحيوان، عندها أنت أيضاً تسير إلى أحدية لكنها هبوط دون مستوى الإنسان.

ولكن بطريقة ما، نجد أن التمرد هو شيء جيد، لأنه حالما يأتي التمرد إلى الفكر، سيأتي يومٌ قريب تفهم فيه أن هذا التمرد هو مجرّد رجوع للخلف.

أنت بحاجة لتمرّد يدفعك للأمام... لذلك قد يصل الجيل الغربي عاجلاً أم آجلاً إلى فهم أن تمرّده جيد، لكن اتجاهه خاطئ... عندها سيصبح ممكناً ولادة إنسانية جديدة في الغرب.

في هذا المعني، نجد أن زيف وتظاهر الشرق ليس له أي قيمة... من الأفضل أن تكون أصيلاً وتكون متمرداً، لأن الفكر المتمرد لن يستغرق وقتاً طويلاً حتى يرى أن الاتجاه خاطئ... لكن الأجيال المزيفة قد تستمر بزيفها عصوراً ودهوراً، ولن تصل حتى لإدراك أن هناك إمكانية للتمرد وتجاوز هذه المستويات... لكن بين الغرب وبين الشرق، الاثنان لا يستحقان أن تختار أياً منهما.. البديل الثالث هو الطريق.

 

يجب على الإنسان أن يتمرد ضد البرمجة ويتجاوزها... إذا هبطتَ للأسفل فقد تحصل على متعة التمرد، لكن هذا التمرد أصبح مدمراً وليس مبدعاً.

الدّين هو أعمق تمرّد، لكنك ربما لم تفكر به بتلك الطريقة...

نحن نأخذ الدين على أنه أكثر شيء تقليدي ومكرر وسائد.. تقاليد ومعتقدات ملائمة..

لكنه ليس كذلك... الدين هو أكثر شيء ثوريّ في وعي البشرية، لأنه يستطيع إيصالك إلى التوحيد والأحدية الأعلى من الحيوان والأعلى من الإنسان... تقنيات التأمل الحقيقي هي التي تهتمّ بهذه الثورة والثروة الداخلية.

عندما يقول لك التأمل أن تكون أصيلاً، هذا يعني ألا تكون مزيفاً، وألا تستمر بالزيف والتظاهر... كن واعياً تجاه شخصيتك المزيفة، بكل ما فيها من ملابس ومكياج وأقنعة... وبعدها كن أصيلاً... أدرك حقيقة نفسك مهما كانت.

 

المشكلة الحقيقية هي أن المرء يصبح مخدوعاً بخداعه هو ذاته!

تتحدثُ عن السلام وأنت تحضّر للحرب... تتحدث عن الصحة وأنت تزرع الأمراض.. تتحدث عن الرحمة واللاعنف وصار هناك حركات عالمية للاعنف.. لكنك إذا نظرتَ إلى تصرفات فردٍ منها وعلاقاته وحركاته ستجد أنه عنيف.. لكنه غير واعي بأنه عنيف... قد يكون عنيفاً حتى في دعوته للاعنف.

إذا كان يُجبر الآخرين على أن يكونوا غير عنيفين فذلك عنف... إذا كان يجبر نفسه أن يكون غير عنيف فهذا عنف أيضاً.. أن يكون أصيلاً يعني أن عليه فهم وإدراك ما هي الحالة الحقيقية لفكره، ليس المُثل ولا المبادئ والأفكار بل حالة الفكر.... ما هي حالة فكره؟ هل هو عنيف؟ هل هو غاضب؟

 

أول خطوة في التأمل هي أن تكون أصيلاً... اعرف ما هو حقيقي، ما هو واقع نفسك، لأن الشيء الواقعي هو فقط الذي يمكن تغييره... إذا أردتَ تغيير نفسك، فعليك معرفة حقيقة نفسك وواقعها أولاً.

لا يمكنك تغيير شيء خيالي... أنت عنيف وتعتقد أنك غير عنيف، عندها لا يوجد إمكانية لأي تحويل... اللاعنف هو خيال يخدعك.. العنف موجود لكنك غير واعي له فكيف يمكنك تغييره؟

أولاً تعرّف على الوقائع كما هي...

وكيف تعرف الوقائع؟؟؟ قُم بمواجهتها من دون تفسيرات ولا مبررات.

على نفسك حسيباً ورقيباً... مشاهدة ومراقبة... عندما يأتي موظف أو خادم عندك، راقب كيف تنظر إلى خادمك... عندما يأتي مديرك راقب أيضاً كيف تنظر إليه... هل هي نفس النظرة عندما تنظر إلى الخادم وإلى المدير؟ هل عيونك هي نفسها أو هناك فرق؟ إذا كان هناك أي فرق فأنت شخص عنيف.

أنت لا تنظر شخصياً تجاه ذلك الإنسان، بل نظرتك هي تفسير للآخر... إذا كان غنياً ستنظر بطريقة معينة، وإذا كان فقيراً ستنظر بطريقة مختلفة... نظرتك تصبح دراسة حسابية اقتصادية!

أنت لا تنظر إلى الشخص الواقف أمامك، بل تنظر إلى حسابٍ في بنك ما... وإذا كان الشخص فقيراً، فنظرتك فيها شيء من العنف الخفي، نظرة إدانة وانتقاص وإهانة... إذا كان الشخص غنياً، نظرتك فيها تقدير وتوجيب وترحيب... هكذا يكون هناك اهتمام عميق دائم مهما كنتَ تفعل.

انظر وراقب اهتمامك...

 

أنت غاضبٌ على ابنك أو ابنتك، وتقول أنك غاضب لأجل مصلحته أو مصلحتها وحمايتها... غُص عميقاً داخل نفسك وتمعّن مليّاً: هل هذا حقيقي؟

ابنك لم يكن مطيعاً لك وأصبحت غاضباً عليه، وتقول أنك تريد تغييره لأن هذا لأجل مصلحته.

انظر داخلك وتمعّن بالواقع داخلك... هل الحقيقة أنك تفكر فعلاً بمصلحته، أم أنك ببساطة تشعر بالإهانة لأنه لم يُطع أوامرك؟ تشعر بالجرح لأنه خالف توصياتك؟ الأنا عندك انجرحت لأنه لم ينفذ الوصايا؟

إذا كانت الأنا قد انجرحت، فهذه هي الحقيقة الواقعية، وتستمرّ بالتظاهر بأن الموضوع ليس كذلك.. بأنك فقط تفكر بمصلحة ابنك، ولذلك أنت غاضب... أنت غاضب فقط لأجله، وأنت لستَ غاضباً في الحقيقة، وكيف يمكن أن تغضب؟ أنت أب محبّ وودود، لذلك لا يمكن أن تغضب مطلقاً.

كيف يمكن أن تغضب؟ أنت تحبه كثيراً جداً، لكن لأنه يسلك طريقاً خاطئاً وبسبب محبتك له فأنت تريد تغييره، ولذلك أنت غاضب... أنت فقط تتظاهر بالغضب لأجل مساعدته.

لكن هل هذه هي الحقيقة؟ هل أنت حقاً تتظاهر، أم أنك تشعر بالجرح لأنه لم يُطع أوامرك؟

هل أنت متأكد تماماً أن كل شيء تقوله يفيده ويصبّ في مصلحته؟؟ اذهب عميقاً داخل نفسك، انظر إلى الحقيقة، تمعّن بها وكُن أصيلاً.

إذا شعرتً فعلاً بالإهانة بسبب معصيته لك، فتأكد تماماً بأنك شعرت بالإهانة والجرح وهذا هو سبب ظهور غضبك... هذا هو معنى أن تكون أصيلاً وصادقاً مع نفسك.

عندها يمكن القيام بالكثير لإحداث التغيير داخلك، لأن الوقائع يمكن تغييرها، الخيالات لا يمكن تغييرها...

 

في كل شيء تفعله أو تفكر به، اذهب عميقاً وتمعّن... استخرج الوقائع والحقائق، ولا تسمح للتفسيرات والكلمات بأن تصبغها.

إذا كان هذا التمعّن موجوداً، بالتدريج ستصبح أصيلاً... وهذه الأصالة لن تكون مثل أصالة الحيوان، بل ستكون مثل أصالة القديس والحكيم، لأنك كلما عرفتَ مدى بشاعتك، مقدار عنفك، وكلما اخترقتَ داخل حقائق نفسك وأصبحتَ واعياً للتفاهة التي تقوم بها، سيُساعدك هذا الوعي أكثر فأكثر.... وبالتدريج سوف تختفي بشاعتك لأنك إذا كنتَ واعياً لها فلا يمكنها أن تستمر.

إذا أردتها أن تستمر فلا تكن واعياً لها، واصنع قناعاً من الجمال حولها...

عندها سوف ترى الجمال، وستبقى البشاعة خلفه ولا يمكن رؤيتها مباشرة أبداً... لكن كل شخص آخر سوف يراها وهذه هي المشكلة!! الابن سوف يرى أن الأب ليس غاضباً لأجل مصلحته... سيرى أنه غاضب لأن أوامره قد عُصيت ويشعر بالجرح.. الابن سيعرف حتماً.

 

لا يمكنك إخفاء بشاعتك عن الآخرين

يمكنك إخفاؤها فقط عن نفسك

نظرتك ستبوح لكل شخصٍ أن هناك عنفاً

يمكنك فقط خداع نفسك بأنه كان هناك رحمة

 

لذلك يعتقد كل شخصٍ نفسه كائناً راقياً جداً، ولا أحد سواه يوافق على ذلك!

زوجتك لا توافق معك بأنك كائن أرقى وأنقى... أطفالك لا يوافقون معك بأنك كائن أرحم وألطف من الناس... أصدقاؤك لا يوافقون، ولا أحد يوافق معك بأنك أفضل من غيرك.

هناك قول معروف في روسيا، أنه إذا قام كل شخص بقول كل ما يوجد في فكره تماماً مثلما هو، فمن المستحيل إيجاد أربعة أصدقاء في العالم كله! مستحيل!

مهما كان صديقك يعتقد عنك، فهو لا يقول ذلك أبداً لك.. ولذلك تستمر الصداقة... لكنه دائماً يقول أشياءً من وراء ظهرك، وأنت أيضاً تقول ما تعتقده عن صديقك من وراء ظهره.

لا أحد يقول بصدق ماذا يفكر ويعتقد لأنه عندها يستحيل ظهور أي صداقة.. لماذا؟ لا أحد يوافق معك، وهذا هو السبب الوحيد: يمكنك فقط خداع نفسك، ولا يمكنك خداع أي شخص آخر... خداع النفس ذاتياً هو الإمكانية الوحيدة.

وعندما تظن أنك تخدع الآخرين أنت ببساطة تخدع نفسك... ربما يكون الأمر أن الآخرين يتظاهرون بأنهم مخدوعون بك، لأن هناك لحظات من الملائم فيها لعبُ دور الضحية المخدوعة... ربما تكون مفيدة للشخص.

تتحدثُ لشخص ما عن عظمتك وإنجازاتك وأخلاقك... كل شخص يتحدث بشكل مباشر أو غير مباشر عن عظمته وتفوّقه... ربما يوافقك شخصٌ ما.. إذا كان ذلك مفيداً له، سوف يتظاهر بأنه مخدوع بك وأنه يصدّقك، لكنه يعرف داخله مَن أنت.

 

لا يمكنك خداع أي شخص ما لم يكن الشخص مستعداً لكي يُخدع، وذلك شيء آخر.... بالأصالة أعني: تذكّر حقائق نفسك، واقعية كيانك.. قم دوماً بفرزها وانتقائها من تفسيراتك... ارمي كل التفسيرات والتبريرات وانظر إلى واقع نفسك كما هو... ولا تكن خائفاً... هناك الكثير من البشاعة... إذا كنتَ خائفاً فلن تكون قادراً أبداً على تغييرها... إذا كانت هناك فاقبل أنها هناك وتمعّن بها.

هذا هو معنى التمعّن والمراقبة: انظر جيداً إلى الشيء بكامل عريه وتجرّده... تجوّل حوله واذهب إلى جذوره وحلله... انظر لماذا هو موجود، كيف تساعده لكي يوجد هناك، كيف تُغذيه وكيف تحميه، كيف نما إلى شجرة كبيرة داخلك.... شاهد بشاعتك، عنفك، كراهيتك، غضبك، غيرتك، كيف قمتَ بحمايتها ومساعدتها لتنمو حتى الآن... انظر إلى الجذور، انظر إلى الظاهرة بكاملها.

 

وإذا تمعّنتَ بأي شيء بشكل تام يمكنك رميه فوراً، في هذه اللحظة بالذات، لأنك أنت مَن كان يحميه طوال الوقت... أنت مَن كان يساعده حتى يتجذر داخلك.. إنه مِن خلقك أنت... يمكنك رميه في الحال الآن... يمكنك مغادرته، وعندها لا يوجد حاجة للنظر إليه مجدداً... لكن قبل مقدرتك على فعل هذا، عليك أن تتعرّف عليه وتعرفه، ما هو وما هي آلية تشكله وكل التعقيدات خلفه وكيف تساعده كل لحظة.

إذا قال شخصٌ شيئاً مهيناً لك، فكيف تكون ردّة فعلك؟ هل فكرتَ بهذا من قبل، بأنه قد يكون محقاً؟ عندها انظر! ربما يكون معه حق.

هناك إمكانية لكونه مصيباً في رأيه عنك أكثر من رأيك عن نفسك... لأنه شخص مراقب وحر بعيد جداً فيمكنه الملاحظة.

لذلك لا تقم بردّ الفعل... انتظر! قل له: "سوف أفكر وأتمعن بما قلته لي.. لقد أهنتني، وسوف أفكر وأبحث عن الحقائق في نفسي... ربما تكون محقاً... وإذا كنتَ محقاً سأقدّم لك شكري.. دعني أتمعّن... وإذا وجدتُ أنك مخطئ فسوف أخبرك".... لكن لا تقهم بردّ الفعل.. رد الفعل شيء مختلف.

 

إذا شتمتني أو أهنتني، سأقول لك بدلاً من رد الفعل: "انتظر... ارجع إليّ بعد سبعة أيام... سأفكر بكل ما قلته لي... ربما تكون محقاً... سوف أضع نفسي مكانك وسأراقب نفسي صانعاً مسافة... ربما تكون محقاً، لذلك دعني أنظر إلى واقع نفسي.... من الجميل واللطيف منك أنك أشرتَ إلى ذلك، لهذا سوف أنظر في الموضوع... إذا شعرتُ أنك محق سأشكرك، وإذا شعرتُ أنك مخطئ سأخبرك بذلك".

ما هي الحاجة لردّة الفعل؟!

أنت تهينني فماذا أفعل؟ أردّ لك الإهانة فوراً ومباشرةً.. أهرب من التمعّن والتفكّر: فلقد قمتُ بردّ الفعل... أهنتني فأهنتك.. شتمتني فشتمتك.

وتذكر، ردة الفعل لا يمكن أبداً أن تكون صحيحة!... إذا أهنتني، فأنت تخلق إمكانية لظهور غضبي... وعندما أغضب فأنا لا أكون واعي، سوف أقول شيئاً غريباً عنك لم أفكر به من قبل... في هذه اللحظة بالذات، بسبب إهانتك سأقوم برد فعل بطريقة عنيفة، وفي لحظة أخرى قد أندم على ذلك.

 

لا تقم بردّ الفعل... تمعّن بالحقائق الداخلية....

وإذا كان تمعّنك كلّي وكامل، يمكنك رمي أي شيء... الأمر ومفتاح التحويل موجود بين يديك.

لأنك متعلق بالشيء فهو موجود هناك.. لكن يمكنك رميه في الحال ولن يكون هناك كبت له، تذكر....

عندما تتمعّن بحقيقة ما فلن يكون هناك أي كبت لها.

إما أن تُعجب بها وتستمر بها، أو أن لا تعجبك فتستغني عنها.

 

أضيفت في:12-2-2016... زاويــة التـأمـــل> تأمل ساعة
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد