يستطيع الإنسان أن يعيش بطريقتين:
إما أن يعيش وفق أوامر الآخرين، من معلمين وفلاسفة ومتعصبين،
أو أن يعيش وفق أنوار قلبه ووعيه وكيانه الدفين...
من السهل جداً إتباع الآخرين، لأنه أمر مريح مربح وملائم،
وعندما تتبع الآخرين سيفرحون بك ويكافئونك...
أهلك سيكونون سعداء إذا تبعتَ أفكارهم، بالرغم من أن أفكارهم عديمة القيمة لأنها لم
تجلب أي نور أو وعي لحياتهم وهذا واضح للكل... لقد عاشوا في تعاسة، ومع ذلك يريدون
فرض أفكارهم على أطفالهم... لا يمكنهم رؤية حقيقة بسيطة: أن حياتهم كانت فشلاً
وإحباطاً وصحراء خالية من ألوان الإبداع ولم يتذوقوا شيئاً من الغبطة والنشوة ولم
يكونوا قادرين على اكتشاف الحق والحقيقة... لم يعرفوا بهجة وبهاء الوجود ولم تصلهم
أي فكرة عن معاني الحياة..
ومع ذلك كله، تصرّ الأنا عند الأهل على طاعة الأولاد لهم وتنفيذ وصاياهم وأوامرهم..
الأهل الهندوسيين سيجبرون طفلهم أن يصبح هندوسياً، والأهل المسلمين سيجبرون طفلهم
أن يصبح مسلماً وهكذا.. ولن يفكروا حتى للحظة واحدة بماذا قد حدث لهم.
لقد اتبعوا تلك الأفكار نفسها طوال حياتهم، وكل حياتهم فارغة لم تتفتح فيها أي
زهرة.. لكنهم يستمتعون بفكرة أن أولادهم مطيعون والأيادي يقبّلون.. وسيعيش أولادهم
في جهنم بؤس وضجر، لكن الأهل يعتقدون أنهم يحبون أولادهم! مع كل النوايا الحسنة
يدمرون مستقبل أولادهم...
يحاول السياسيون أيضاً بكل الطرق الممكنة جعل المجتمع يعيش وفق أفكارهم، وبالطبع
يتظاهرون أمام الآخرين وأمام أنفسهم بأنهم يقدّمون الخدمات العامة لأجل الجميع...
بينما كل ما يقومون بفعله هو تدمير حريات الناس... يحاولون فرض خرافات محددة تم
فرضها عليهم من قِبل أهلهم أو قادتهم أو رجال دينهم...
السياسيون ورجال الدين، وكل المعلمين، يحاولون جميعاً خلق بشرية مزيفة، ويقومون
بصنع إنسان مخادع ومنافق... ربما لم يقصدون فعل ذلك، لكن ذلك ما قد حدث.. والشجرة
تُعرف من ثمارها، لا يهم ماذا كان قصد أو نوايا المزارع عندما زرعها.. إذا كان يزرع
بذور الشوك وهو راغب وقاصد ويأمل بأن تنتج الفاكهة لمجرد نواياه الحسنة، فلن تنتج
الفاكهة من بذور الشوك.. لقد دمّر الحقل بكامله!
فرض بنية محددة من السلوك أو الشخصية على أي شخص، يعني جعله منافقاً ومرائياً..
الإخلاص، الصدق مع الحق.. يعني أن تعيش وفق نورك الخاص بك.
لذلك أول شيء مطلوب لعيش الإخلاص والصدق هو التأمل..
أن تكون واعياً ومتأملاً في كل لحظة وكل عمل...
ليس أول شيء أن تكون شخصاً جيد أو صاحب أخلاق وفضائل وأعمال خير، بل أهم وأول شيء
هو أن تكون متأملاً، بحيث تستطيع إيجاد بعض النور داخل نفسك فتبدأ تعيش وفق هذا
النور..
وبمجرد أن تبدأ تعيش، سينمو النور ويكبر فيعطيك الكمال والاستقامة والحضور
والسلامة.. لأنه يأتي من جوهر كيانك أنت، لن يكون هناك انقسام أو تناقضات..
عندما يقول لك شخص ما: "افعل هذا، لأن هذا هو ما يجب فعله".. طبيعياً سيصنع هذا
انقساماً داخلك... أنت لا تريد فعل ذلك، أردتَ فعل شيء آخر، لكن شخصاً ما، قد يكون
الأهل أو السياسيين أو رجال الدين، أولئك الأشخاص أصحاب السلطة، يريدون منك سلوك
طريق محدد.. أنت لم ترغب أبداً بسلوكه، لذلك ستسلكه دون رغبة حقيقية منك... قلبك لن
يكون حاضراً فيه، ولن تكون مخلصاً فيه ولن تهتم به حقاً.. ستمضي في ذلك الطريق مثل
العبد المأمور لأن ذلك الطريق ليس خيارك ولا ناتجاً عن وعيك وعن حريتك.
الإخلاص يعني ألا تعيش حياة مزدوجة مليئة بالمتناقضات، لكن معظم الناس يعيشون حياةً
مزدوجة.... يقول الشخص شيئاً لكنه يفكر بشيء مختلف... لا يقول أبداً ما يفكر به، بل
يقول ما هو ملائم ومريح، يقول كلاماً يجلب الموافقة والقبول من الآخرين.. يقول
كلاماً يتطابق مع توقعات الآخرين... والآن، صار ما يقول وما يفكّر عالمان مختلفان
تماماً...
يقول شيئاً، بينما يقوم بفعل شيء آخر.. وعندها من الطبيعي أن عليه إخفاء أفكاره
وأفعاله.. لا يمكنه كشف وتعريض نفسه لأن التناقض سينكشف حينها وسيقع في ورطة..
فتراه يتحدث عن الأشياء الجميلة لكنه يعيش حياةً بشعة!
هذا هو ما فعلته البشرية تجاه نفسها حتى الآن...
لقد كان ماضياً مأساوياً سوداوياً مثل الكابوس..
الإنسان الجديد صار حاجة ملحة جداً الآن، لأن القديم تعفن واهترأ... الإنسان القديم
يعيش دوماً بتناقض مع ذاته، يقاتل ذاته ليل نهار... مهما قال ومهما فعل سيشعر
بالبؤس.
إذا اتبع صوته الداخلي الخاص به سيشعر بأنه يسير ضد المجتمع وضد أصحاب السلطة وضد
الهيئات الرسمية... وتلك الهيئات قد صنعت "ضميراً" داخلك، ذلك الضمير هو إجراء ماكر
جداً، إنه إستراتيجية تصنع شرطي دائم داخلك، صنعه المجتمع، ويقوم دوماً بإدانتك:
"هذا خاطئ، هذا غير صحيح.. عليك ألا تقوم بهذا.. عليك أن تشعر بالذنب تجاه فعلك
هذا.. أنت عديم الضمير والأخلاق".
إذا سمعتَ صوتك الخاص بك، سيكون ضميرك حاملاً للخنجر في وجهك ولن يعطيك أي لحظة
راحة أو استقرار.. سيعذبك ليل نهار ويجعلك بائساً محتار... وستصبح خائفاً، خائف من
أن يكشفك شخص ما... ومن الصعب جداً أن تخفي نفسك، فالحياة تعني التواصل والعلاقات..
لا بد أن يكشفك أحد ما لأنك لا تعيش وحدك في الحياة.
لذلك قام الجبناء بالهرب إلى الأديرة والمغاور في الجبال البعيدة.. لأجل سبب وحيد،
هو أنه هناك لن يكتشفهم أحد.. لكن ما هو نوع الحياة التي ستعيشها في مغارة؟ لقد
قمتَ سلفاً بالانتحار.
أن تعيش في مغارة يعني أن تعيش في مقبرة، في مقبرة وأنت حي..
إذا كنتَ ميتاً وفي القبر فلا مشكلة، وإلا فأين ستكون؟... أما أن تكون حياً وفي
مقبرة؟ هذه هي جهنم فعلاً...
يعيش الناس في الأديرة حياةً بائسة ولذلك عندهم وجوه طويلة شاحبة.. تلك الوجوه لا
تدل على التدين والإيمان، بل هي نتيجة هرب أولئك الجبناء من الحياة..
إذا كنتَ في العالم وتعيش مع الناس فلن تستطيع الاختباء والاختفاء فترة طويلة...
تستطيع خداع بعض الناس لبعض الوقت ليس أكثر.
وكيف ستقدر أن تخدع نفسك؟ حتى إذا لم يكشفك الآخرون فأنت ستعرف أنك تعيش حياة
مزدوجة.. والذنب دوماً موجود.
كل شخص يعيش حاملاً لشعور الذنب، يشعر بالتأنيب الداخلي.. ورجال الدين يريدون منك
أن تشعر بالذنب، لأنه كلما شعرتَ بالذنب أكثر صرتَ خاضعاً لسلطتهم وأوامرهم أكثر..
عليك أن تذهب إليهم لتتخلص من ذنوبك.. عليك أن تغتسل في نهر الغانج.. عليك أن تحج
إلى مكة والكعبة فتمسح ذنوبك وأعمالك السيئة.. عليك أن تذهب لتعترف أمام الخوري
الكاثوليكي ليتم غفران ذنوبك.. عليك أن تقوم بالصيام والاستغفار ليل نهار وكل أنواع
التوبة ودفع الكفارة وأداء التقشفات القاسية لكي تعاقب نفسك على ذلك الذنب...
كل ما ذكرته منذ قليل هي عقوبات... ليست صلوات ولا عبادات!
فكيف يمكنك أن تشعر بالسعادة؟ كيف ستبتهج وتفرح بلحظات الحياة؟؟
كيف ستحتفل بالحياة إذا كنتَ باستمرار تشعر بالذنب وتقوم بمعاقبة نفسك وإدانتها
وجلدها؟
وإذا اخترتَ ألا تتبع صوتك الداخلي، وقمتَ بإتباع أوامر الآخرين، التي يسمونها
الأخلاق والأتيكيت والحضارة والثقافة وأساليب السلوك الصحيحة.. عندها أيضاً سيبدأ
ذلك الصوت الداخلي بالنقّ عليك، سيستمر بإزعاجك.. سيقول لك أنك غير صادق مع طبيعتك
وفطرتك.. وإذا شعرتَ أنك غير صادق مع طبيعتك، فلن تكون الأخلاق عندك شيئاً حياً
مبتهجاً مشرقاً... لن تكون أخلاقك إلا تمثيلية هامدة وفارغة من الروح...
هذا هو ما قد حدث للإنسان..
أصبح الإنسان مفصوم الشخصية...
التأمل هو الذي يساعدك لكي تصبح واحداً موحد..
لا تصغي لأي أخلاقيات أو قواعد ولا تحمل الشخصيات..
التأمل هو الذي يساعدك على سماع صوتك الداخلي بوضوح أكثر، وعلى السير معه والنمو
معه مهما كان الثمن...
إذا اتبعتَ صوتك الداخلي دون الشعور بالذنب، ستكون مكافأتك عظيمة حقاً... وعندها
إذا نظرتَ للخلف ستجد أن الثمن لم يكن كبيراً أبداً.. فقط في البداية ظهر الثمن
باهظاً، لكنك عندما وصلت إلى نقطة صار فيها الإخلاص والصدق شيئاً عفوياً وطبيعياً
عندك، عندما لا يبقى أي انقسام أو انفصام، عندها سترى احتفالاً يحدث كل لحظة
وستكتشف أن الثمن الذي دفعته لا يمكن أبداً مقارنته بما ربحت..
إذا خسرتَ نفسك ستخسر كل شيء..
وإذا ربحتَ نفسك ستربح كل شيء..
أضيفت في:11-5-2019... زاويــة التـأمـــل> تأمل ساعة .... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع
|