<<<< >>>>

ما هو مصدر الإلهام الروحي؟

 

حبيبي أوشو... أنت الإلهام الروحي الأكبر لي...

لقد سمعتُك تقول أنه لم يكن عندك أي معلم،

لكن هل كان هناك أي مصدر للإلهام لك عندما بدأتَ رحلتك الروحية؟

 

...الحياة كافية بحد ذاتها

رؤية كل الناس من حولي.. تلك الجثث السائرة... هو إلهام كافي لكي لا تمشي مثلهم ولا في طريقهم، بل ستجد طريقاً ضيقاً خاصاً بك إذا أردتَ أن تكون من الأحياء!

لم يكن عندي أي معلم، وكنتُ محظوظاً بأنه لم يكن عندي معلم... في حيواتي الماضية كنت مع بعض المعلمين.. كانوا أشخاصاً جميلين ومحبوبين، لكن كان هناك شيء واضح لي طوال الوقت، هو أنه لا يمكن أن يكون أي شخص مصدر إلهام لي، لأن تلك الكلمة "إلهام" خطيرة حقاً.

في البداية تكون إلهام، ثم تتحول إلى إتّباع، ثم تصبح تقليد... بهذا تنتهي كنسخة مطابقة رخيصة.

ليس هناك حاجة لأن يلهمك أي أحد.. ليس ذلك فحسب، بل هذا خطير أيضاً.

مع مراقبتي للناس، وجدتُ أن كل فرد مميز وفريد.. ولا يمكنه إتباع أي أحد.

يمكنه أن يجرب، وملايين الناس كانت تحاول طوال آلاف السنين... هناك ملايين المسيحيين، ملايين الهندوسيين، ملايين المسلمين وملايين البوذيين... ماذا يفعلون؟ إلهام بوذا جعل ملايين الناس بوذيين، والآن هم يحاولون المسير على خطواته بالضبط.. ولا يصلون إلى أي مكان، لأن ذلك ليس بالإمكان!

أنتَ لستَ بوذا، وخطوات أقدامه لا تتناسب معك، ولا حتى حذاءه من قياس حذائك... عليك أن تجد قياس الحذاء المناسب لقدمك أنت... لا شك أن بوذا شخص جميل، لكن هذا لا يعني أن عليك أن تصبح مثله... وذلك هو معنى كلمة "إلهام".

إنها تعني أنك متأثر جداً لدرجة أن الشخص يصبح قدوة مثالية لك، وأنك تريد أن تصبح مثله تماماً.. وهذا قد أضاع البشرية بكاملها.

 

لقد كان الإلهام نقمة وليس نعمة..

 

مَن علّمَ الأنبياء؟؟

أرغب لك أن تتعلم من كل مصدر، وأن تستمتع بكل شخص مميز تلتقي به... لكن لا تقم أبداً بإتباع أي شخص ولا تحاول أن تصبح نسخة مطابقة عن أي شخص، هذا شيء لا يسمح به الوجود... لا يمكنك أنت إلا أن تكون نفسك أنت.

وهذه ظاهرة غريبة: الناس الذين أصبحوا مصدر إلهام لملايين الناس، لم يكن عندهم إلهام أو تأثر من أي أحد، لكن لا أحد ينتبه لهذه الحقيقة.

بوذا لم يكن مُلهَماً من قبل أي أحد، وذلك ما جعله حكيماً ومصدراً عظيماً للإلهام.. سقراط أيضاً لم يكن ملهماً من قبل أي أحد، لكن ذلك ما جعله مميزاً.

كل هؤلاء الناس الذين تعتبرهم مصدر إلهام لم يحصلوا على الإلهام من أي أحد.. هذا شيء أساسي يجب فهمه... نعم لقد تعلموا وحاولوا فهم كل أنواع الناس.. أحبوا الناس الفرادى الحاملين لحقيقة أنفسهم، لكن لم يجبروا أحد على التبعية والتقليد... قال المسيح أنا أتيت لكي تكون أنت مسيح آخر وليس نسخة مسيحية.. وقال النبي محمد ما أنا إلا بشر مثلكم وكلكم رسل ومرسلين من الحق إلى الحق.. كل حكيم ونبي حاول دائماً أن يبقى ذاته الأصيلة دون تقليد أحد.

 

لذلك، رجاء لا تكن مُلهماً بي ولا بأي شخص! وإلا فلن تكون مصدراً ونوراً للإلهام....

ستكون مجرد نسخة مصوّرة وستنسى وجهك الأصيل الجميل...

ستصبح منافقاً: ستقول شيئاً ما وتفعل شيئاً آخر.

سوف تُظهر وجهك في حالات مختلفة مع أقنعة مختلفة، وبالتدريج البطيء ستنسى أيٌّ منها كان وجهك الحقيقي... طبقات فوق طبقات من الأقنعة.

 

سمعتُ عن رجل... بعد أن مضت مئة سنة على مقتل رئيس أميركا السابق أبراهام لينكولن بالرصاص.. قاموا بتحضير سنة كاملة كاحتفال عظيم تكريماً له في أميركا كلها.

كان هناك رجل يشبه لنكولن كثيراً، فقط بضعة لمسات هنا وهناك ويظهر كصورة فوتوغرافية مطابقة تماماً للرئيس..

هذه اللعبة يلعبها أصحاب المصالح كثيراً.. منذ فترة قرأت فضيحة من زوجة بوتين أنه تم قتله منذ زمن وما يوجد الآن شبيه مطابق له؟؟ أشك أن أي سياسي يمكن أن يُقتل لأنه ميت بالأصل!

جلبوا ذلك الرجل ودربوه على الكلام مثل لنكولن، بنفس نبرة الصوت وحركات اليدين وتشديده على الكلمات واللهجة وكل التفاصيل، حتى بطريقة مشيه.. وذلك طوال 24 ساعة في اليوم... وكان يؤدي تلك المسرحية عن حياة أبراهام لينكولن عبر كل أميركا متنقلاً من مدينة لأخرى طوال سنة كاملة.

تم إطلاق النار عليه وقتله عدة مرات، كل مرة في المسرحية ليلاً، وأحياناً مرتين في اليوم.. لقد كانت تلك سنة طويلة حقاً، مات فيها عدة مرات، وصار دوره ذلك في المسرحية طبيعةً ثانية لشخصيته...

لذلك عندما انتهت الاحتفالات، تفاجأ الناس: لقد مشى الرجل من الصالة مثلما كان يمشي أبراهام لينكولن بالضبط، كان يعرج قليلاً!

قالت له زوجته: "ارجع إلى نفسك وحواسك الآن!" ... لأنه تحدّث بنفس الطريقة وبلهجة عمرها مئة سنة... قالت زوجته: "لا تطيل هذه النكتة كثيراً.. فقط ارجع مثلما كنت مثل ذاتك الحقيقية وارجع إلى البيت"

قال الرجل: "أنا ذاتي الحقيقية فعلاً، أنا أبراهام لينكولن".

لقد عاش سنةً كاملة متواصلة كأبراهام لينكولن، مات مئات المرات مثلما مات، وقد نسي تماماً أنه كان شخصاً آخر.

تم أخذه إلى الطبيب... تحدث معه الطبيب لكنه لا يزال يلعب نفس دور المسرحية... قال الطبيب: "انسَ تلك المسرحية فحسب!"

أجاب الرجل: "أي مسرحية؟"

استدار الطبيب إلى زوجة الرجل وقال: "هذا الرجل لن يصغي إلينا ما لم يتم قتله بالرصاص!"

كانت عائلة الرجل غاضبة لدرجة الجنون.. لأنه فقد عمله ولم يكن أي أحد مستعداً لمعالجته لأنه لم يكن مريضاً.. لقد كان ببساطة ملتصقاً بذلك القناع... مدة سنة هي فترة كافية عندما تكرر كل يوم و24 ساعة باليوم بأنه أبراهام لينكولن.

بعد كل ذلك، أن تأتي فجأة وتعود لحالة رجل عادي.. من سيرضى بذلك؟ لقد شاهد كل الأيام الجميلة الممتعة الذهبية التي عاشها الرئيس وكان متعلقاً بها بشدة.

بعدها عاش الرجل عدة سنوات وهو أبراهام لينكولن.. كان يوقع الأوراق بنفس الاسم وبنفس الطريقة..

 

هل يمكنك قول أن ذلك الرجل حقق شيئاً أو فقد شيئاً؟ لقد فقد وخسر نفسه، والشيء الذي ربحه هو مجرد دور تمثيلي تافه.. كان شخصية مزيفة تماماً.

هذه هي حالة كل شخص تقريباً في العالم... ليست مسرحية واضحة جداً وعلنيّة لتلك الدرجة، لكن كل شخص يلعب دوراً معيناً تم تعليمه وتلقينه له وتربيته عليه.

عندما يولد الطفل، لا يولد مسيحي أو يهودي أو مسلم.. لكننا بعدها نبدأ نلصق عليه الأقنعة والعناوين... يختفي وجهه البريء.. وسوف يموت وهو يعتقد أنه مسيحي.. لذلك، لا تضحك على ذلك الرجل المسكين الذي مات وهو يعتقد أنه أبراهام لينكولن، لأن كل شخص في الأرض يفعل نفس الشيء.. الناس يموتون وهم هندوس وبوذيين وغيرها لكنهم لم يولدوا مع أي صفة أو لقب.

 

كانت هذه مشكلة متواصلة معي، متى ما قاموا بإحصاء للسكان... كان الموظف يأتي إليّ لأملأ الورقة، وعندما نصل إلى فقرة الدّين كنتُ أقول: "ليس عندي أي دين"... دوماً كان يتفاجأ ثم يقول: "لا بدّ أنك ولدتَ في دين معين.. لا بد أن أهلك كانوا هندوس أو مسلمين أو يانيين".

قلت: "هذا لا يشكل أي فرق.. يمكن لوالدي أن يكون طبيب أو مهندس، هذا لا يجعلني طبيب ولا مهندس... يمكن أن يكون هندوسي أو مسلم، هذا من شأنه هو.. لا يمكنه أو يورثني الدين جسدياً... إذا لم يكن قادراً على توريثي معرفته الطبية، فكيف يمكنه توريثي معرفته الروحية؟! هذا خداع، وأنا لا أريد أن أكون جزءاً من أي خداع".

 

يتم تدريب الناس لكي يصبحوا ممثلين، وفي هذا العالم الكبير ستجد أن كل شخص يمثل...

يتم تربية كل شخص على التمثيل، تحت أسماء جميلة مثل "السلوك الراقي، الأتيكيت، اللباقة" وغيرها.. لكن يختفي خلفها لعبة نفسية ماكرة لتجعلك تنسى وجهك الأصيل، وتتشرب شخصية ممثلٍ ما مطلوب ومرغوب عند أصحاب المصالح الكبرى.

 

لا تكن مُلهماً من أي شخص كان....

ابقَ نظيفاً ومفتوح العقل والقلب دائماً..

عندما تشاهد غروباً جميلاً، أنت تستمتع بجماله طبعاً... عندما ترى مستنيراً أو نبياً، استمتع بجمال الرجل والصدق والحق الذي يحمله، بالصمت والعطر والنور.. لكن لا تتحول إلى تابع وخاضع... كل الأتباع ضائعين.

ابقَ ذاتك كما أنت.. النبي وجد الحقيقة لأن بقي ذاته ولم يقلد أي أحد..

كل تلك الأسماء الجميلة.. لاوتسو، تشوانج تسو، بودي دارما، فيثاغورث، سقراط، هرقل، الرومي، الحلاج، ابن عربي.. أسماء جميلة كانت إلهاماً عظيماً لكثير من الناس لأنهم جميعاً لم يحصلوا على الإلهام من أي أحد.. بهذا قاموا بحماية الأصول والجذور وبقيوا كما هم.

 

لقد كنتُ مع بعض المعلمين، وقد أحببتهم.. لكن بالنسبة لي، رغبة أن أكون مثلهم هي شيء بشع... شخص واحد يكفي، نسخة ثانية منه لن تُغني الحياة والوجود، بل ستكون عبئاً عليه.

بالنسبة لي، فردية الشخص هي الحقيقة الأسمى..

عندما ترى بعض الناس يحملون شيئاً من الحقيقة والصدق والعطر في بُعد ما، يمكنك أن تحبهم.. لكن تذكر، إنهم ينشرون العطر لأن زهرة الأصالة والصدق مع الحق داخلهم تفتحت... تذكر دوماً ألا تقع في حفرة إتباعهم.

 

مقولة سقراط الشهيرة هي: "إعرف نفسك".. لكن يجب إكمالها... قبل إعرف نفسك، يجب إضافة مقولة أخرى: "كُن نفسك"... وإلا فقد تعرف فقط ممثلاً ما تقوم بتأدية دوره دون وعي... معرفة النفس تأتي كشيء ثانوي بعد أن تكون نفسك... وعندها من عرف نفسه عرف ربه.

المعلمون العظماء الحقيقيون، كانوا مجرد أصدقاء ويدٍ ممدودة للمساعدة، أو إصبعاً يشير إلى القمر... لم يقوموا بصُنع أي أتباع أو عبيد... لكن في لحظة موتهم، تركوا أثراً وانطباعاً عظيماً حولهم، فأتى الأشخاص الماكرون مثل رجال الفكر والدين واللاهوت والسياسيين، وبدؤوا يبشّرون للناس: "اتبعوا هذا الحكيم.. اتبعوا هذا النبي..."

الشخص صار ميت الآن ولا يمكنه الإنكار أو الاعتراض... ويبدأ أولئك الناس باستغلال الأثر الكبير الذي تركه المستنير مثل بوذا.. والآن كل قارة آسيا وملايين الناس طيلة 25 قرن من الزمن تبعوا خطوات بوذا، لكن لم يتم خلق أي بوذا منهم مطلقاً.... هذا دليل كافي: ألفين سنة مضت ولم يظهر أي مسيح جديد ولا أي نبي جديد، ثلاث آلاف سنة ولم يظهر أي موسى جديد...

الوجود لا يكرر مطلقاً!

التاريخ يكرر نفسه، لأن التاريخ ينتمي إلى جماهير الحشود غير الواعية...

الوجود لا يكرر ذاته مطلقاً.. إنه مبدع ومخترع ومبتكر جداً..

وهذا جيد، وإلا رغم أن بوذا هو رجل جميل، لكن تخيّل وجود آلاف البوذا وآلاف المسيح هنا وهناك!! بالتأكيد ستضجر منهم وتتعب.. سيدمّر ذلك كل جمال الرجل والحقيقة التي جلبها.

من الجيد أن الوجود لا يكرر... إنه يخلق مرة واحدة فقط من كل نوع.. وبهذا يبقى نادراً وفريد...

أنت أيضاً مميز فريد... لا حاجة للتقليد...

ما عليك إلا أن تتفتح وتنشر عطرك في الوجود...

 

 

أضيفت في باب:4-7-2015... > كيف نربي أطفالنا؟
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد