موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

كيف علينا أن نتعامل مع الطفل الصعب؟

 

سألني أحد القراء: لقد قلتَ أن كل طفل يولد نقياً على الفطرة الإلهية.. يولد كإله... رغم ذلك، كان طفلاي مختلفان جداً منذ الولادة.. أحدهما هادئ جداً ويشبه فعلاً الله، لكن الطفلة الأخرى بدت مزعجة ومنزعجة حتى قبل أن تتأثر بأي طريقة تربية... فكيف علينا أن نتعامل مع الطفل الصعب؟

 

...إن سؤالك يطرح سؤالاً آخر أساسي جداً.. الوجود ذاته طاهر ومقدّس، لكن من أين يأتي الشرّ إذن؟ من أين يأتي الشيء السيء الغير أخلاقي أو غير المقبول؟

الجيد مقبول لأننا جعلنا الجيد أو الخيّر مترافقاً مع "الله".. الجيد أو الخير أو الصالح يعني الله.. لكن من أين يأتي السيء؟ لقد أربك هذا وحيّر البشرية طيلة قرون... منذ بداية التاريخ كانت هذه المشكلة موجودة دوماً في فكر الإنسان.

الحل المنطقي، أي الحل الذي يستطيع الفكر إيجاده، هو تقسيم الوجود وخلق ثنائية فيه، أن يقول أن هناك الله وهو الخير الجيد المبارك، وهناك الشر وهو الشيطان أو إبليس اللعين.. هكذا يعتقد الفكر أن المشكلة قد تم حلّها، حيث كل شيء سيء يأتي من الشيطان الرجيم، وكل شيء جيد يأتي من الله الرحيم... لكن المشكلة لم تنحل، بل تمّ دفعها للخلف قليلاً فقط.

 

بقيت المشكلة كما هي.. لم ينحل شيء.. لأنه من أين يأتي الشيطان؟ إذا كان الله هو الخالق، فلا بدّ أنه هو الذي خلق الشيطان في البداية في بدء الخلق، وإلا فلن يكون الله هو الخالق الأعظم.

لقد كان الشيطان موجوداً دائماً هناك، تماماً مثل عدو ماكر، مثل قوة مضادة معادية، وهكذا كانت الطاقتان أبديتان... الله والشيطان... الجيد والسيء...

لو أن الشيطان لم يتم خلقه، عندها لا يمكن تدميره، وهكذا سيستمر الصراع للأبد.. الله لا يستطيع الربح في الصراع وسيبقى الشيطان موجوداً دائماً يفتن يغوي ويوسوس للناس ويزعج الله!

هذه هي المشكلة عند رجال الدين وفي المعتقدات اليهودية والمسيحية والإسلامية والزرادشتية، لأن هذه المعتقدات والأديان قد تبعت الحل البسيط الذي يقترحه الفكر.. لكن الفكر لا يستطيع حل المشكلة.

 

هناك إمكانية أخرى لا تأتي من الفكر، وستكون صعبة الفهم على الفكر... نشأت تلك الإمكانية في بلاد الشرق وعند بعض العارفين بالله الحقيقيين.. وهي أنه ليس هناك شيطان، ليس هناك ثنائية بالأساس، بل فقط الله هو الموجود في كل الوجود، لا إله إلا الله ولا يوجد أي قوة أخرى.. هذا هو التوحيد الحق والأحدية الأصلية.. لا يوجد إلا الواحد الأحد.. ولكن كيف نرى أن الشيطان موجود إذن؟

يقول أهل العرفان أن الشيطان موجود في تفسيرك للواقع، وليس شخصاً أو شيئاً موجوداً بحدّ ذاته.. أنت تدعوه سيئاً لأنك لا تستطيع فهمه أو لأنك ترتبك وتنزعج منه... موقفك وتفسيرك هو الذي يجعله سيئاً أو يبدو سيئاً.

 

الآن سننظر إلى سؤالك حسب هذه الخلفية.. تمّت ولادة طفلين عندك، أحدهما جيد والآخر سيء... لماذا تدعو أحدهما جيد وتدعو الآخر سيء؟ هل هذا شيء واقعي حقيقي أم أنه تفسيرك؟

أيّ طفل جيد ولماذا؟ إذا كان الطفل مطيعاً فهو جيد، إذا كان الطفل غير مطيع أو متمرد فهو سيء.. الطفل الذي يتبع كلامك جيد، والذي يرفضه سيء... مهما قلتَ له، إذا قلت مثلاً: اجلس بهدوء... الأول سيجلس، لكن الثاني سيحاول الرفض والتمرد على أوامرك فتعتبره سيئاً... هذا هو تفسيرك أنت.. وأنت بهذا لا تقول أي شيء عن الأطفال، بل تقول شيئاً ما عن فكرك.

لماذا الطفل المطيع جيد؟ في الواقع، الطفل المطيع لم يكن أبداً ذكياً أو لامع الذهن ومتقد البصيرة، بل هو دوماً بليد وأبله... لم يصبح أي طفل مطيع عالماً عظيماً أو إنساناً روحانياً متديناً أو شاعراً أو فناناً مميز... فقط الأطفال المتمردون هم الذين كانوا مخترعين ومبتكرين عظماء... فقط المتمردون الذين يتجاوزون القديم ويصلون إلى الجديد ويغامرون في المجهول.

لكن بالنسبة للأنا عند الأهل، الطفل المطيع يُشعرهم بأنه جيد، لأنه يساعد الأنا عندهم... عندما يتبعك الطفل ويطيعك طاعة عمياء مهما قلت له، سيكون شعورك جيداً تجاهه، وعندما يرفض الطفل ويقاوم ستشعر بالسوء والانزعاج.

 

لكن الطفل الحيّ حقاً سيكون متمرداً.. لماذا عليه أن يتبعك؟ مَن أنت؟ هل عليه أن يتبعك لمجرد أنك أب؟ ماذا فعلتَ فعلاً حتى تكون أب؟ لقد كنتَ مجرد معبر، وحتى ذلك كان أيضاً غير واعي أبداً.

الجنس عندك ليس فعلاً واعياً، بل تم دفعك بقوى غير واعية لكي تقوم به.. والطفل مجرد حادث بالخطأ، لم تكن أبداً تتوقعه، لم تكن مدركاً ولا واعياً إلى أيّ روحٍ أنت تقدّم الدعوة للمجيء إلى عالمك.. لقد أتي الطفل فجأة كغريب.. لقد لعبت دور الأمومة أو الأبوة الجسدية لكنك لستَ الأم ولا الأب فعلاً.

عندما أقول أنك لعبت دور الأب للطفل، أقصد أن هذا شيء فطري غريزي.. لم يكن هناك حاجة لك، حتى إبرة حقنة بلاستيكية يمكنها فعل ذلك وتلقيح البويضة في الرحم.. لكنك لستَ أباً لأنك غير واعي.. لم تقم أنت بإرسال الدعوة، لم تقم بطلب روح محددة لتدخل رحم زوجتك أو حبيبتك.. لم تقم بالعمل والتحضير لذلك.

 

وعندما يولد الطفل.. حتى عندها ماذا كنت تفعل به؟ عندما تقول أن على الطفل إتباعك، هل أنت واثق لدرجة كافية أنك تعرف الحقيقة وأن عليه أن يتبعك؟ هل أنت متأكد فعلاً أنك أدركتَ شيئاً لذلك على الطفل أن يتبع كلامك؟

يمكنك فرض نفسك على الطفل لأن الطفل ضعيف وأنت قوي.. هذا هو الفرق الوحيد بينك وبين طفلك.. وإلا فأنت أيضاً صبياني طفوليّ وجاهل، لم تنمو ولم تنضج بعد.. سوف تغضب تماماً مثل الطفل، سوف تشعر بالغيرة مثل الطفل، وستلهو بالألعاب مثل الطفل... قد تكون ألعابك مختلفة، أكبر قليلاً، هذا كل الفرق.

ما هي الحياة التي تعيشها؟ إلى أين قد وصلت؟ ما هي الحكمة التي حصلتَ عليها بحيث أن على الطفل إتباعك وقول "نعم" لك مهما طلبت منه؟ الأب سيكون واعياً لهذا، لن يفرض أي فرض على الطفل.. بدلاً من ذلك سيسمح للطفل بأن يكون ذاته، سيساعد الطفل أن يكون ذاته الأصيلة.. سيعطي الحرية للطفل، لأنه لو عرف حقاً أي شيء، فلا بد أنه يعرف أنه فقط من خلال الحرية ينمو العالم الداخلي للإنسان.. لو أنه اختبر حقاً أي شيء في حياته، سيعرف جيداً أن الاختبار يحتاج للحرية، كلما كانت الحرية أكثر كانت تجربتك وخبرتك أكبر وأثرى... كلما كانت الحرية أقل كانت تجربتك أضيق وأفقر.. دون حرية ليس هناك مجال للاختبار.

دون أي حرية، يمكنك فقط امتلاك تجارب مستعارة وتقليد الآخرين والتصرف مثل خيال لهم، لكن لن تكون أبداً حقيقياً أو أصيلاً أو جميلاً...

 

أبوّة الطفل تعني إعطاءه المزيد والمزيد من الحرية، جعله أكثر فأكثر استقلالاً، السماح له باكتشاف الجديد والمجهول وأماكن الوعي التي لم تصل إليها أبداً من قبل.. يجب عليه أن يتجاوزك ويتفوّق عليك، أن يسبقك ويتخطى كل الحدود التي عرفتها.. يجب مساعدته لكن دون فرض، لأنك حالما تبدأ تفرض عليه فأنت تقتل وتذبح الطفل.

 

 }}} الروح تحتاج للحرية.. إنها تنمو في الحرية وفقط في الحرية.. {{{

 }}} إذا كنتَ أباً حقاً، ستكون سعيداً إذا كان طفلك متمرداً، {{{

 }}} لأنه لا يوجد أي أب يرغب بقتل روح طفله {{{

 

لكنكم لستم آباء.. أنتم مرضى بأمراضكم الخاصة بكم.. عندما تجبر الطفل على إتباعك، أنت ببساطة تقول أنك ترغب بالسيطرة على أحدٍ ما... لا تستطيع القيام بذلك مع الناس، لكن على الأقل هذا الطفل الصغير يمكنك امتلاكه والسيطرة عليه... أنت تلعب دور السياسي مع الطفل.. تريد تحقيق بعض الرغبات غير المحققة من خلال الطفل: سيطرة، تحكم، دكتاتورية.. يمكنك أن تكون دكتاتور على الطفل على الأقل، فهو كائن صغير ضعيف ودون أي حول أو قوة.. وهو يعتمد عليك كثيراً لدرجةٍ يمكنك فيها فرض أي شيء عليه.

 

الطفل الذي يتبع سيبدو جيداً، لأنه ميت!

الطفل المتمرّد سيبدو سيئاً، لأنه حيّ!

 

 }}} نظراً لأننا نحن أنفسنا فقدنا الحياة، فنحن ضدّ الحياة.. {{{

 }}} لأننا موتى سلفاً، موتى قبل الموت، نريد دائماً قتل الآخرين.. {{{

 }}} والطرق خفية جداً... باسم الحب يمكنك أن تقتل.. {{{

 

باسم الرحمة يمكنك أن تقتل.. باسم الخدمة يمكنك أن تقتل.. يمكننا إيجاد أسماء جميلة لكن الجريمة مخفية في الأعماق.

أدرك هذا أولاً، ثم لن تفكر بمثل هذه المصطلحات: أن هذا الطفل جيد وذلك الطفل سيء.. لا تفسر الأشخاص! كل شخص مميز ومختلف عن غيره، مثل أصابع يدك الخمسة لا يوجد إصبع مثل الآخر.. قوة الخلق المقدسة مبدعة جداً ولا تتكرر أبداً.

لذلك فقط قل هذا: أن هذا الطفل مختلف عن ذلك.. لا تقل هذا جيد وذلك سيء.. أنت لا تعلم ما هو الجيد وما هو السيء.. هذا الطفل مطيع، وذلك الطفل غير مطيع لكن لا أحد يعلم ما هو الجيد.

ولا تفرض شيئاً... إذا كان هذا الطفل بفطرته وعفويته مطيعاً هذا جيد، هذه هي طبيعته فساعدها على النمو... وإذا كان ذلك الطفل متمرداً ورافضاً للأوامر بطبيعته، هذا جيد أيضاً وساعد طبيعته على النمو.

دع الأول ينمو ليصبح عميقاً في قول نعم وعميق الرضى والتسليم.. ودع الآخر ينمو ليصبح عميقاً في قول لا والتمرد على كل التقاليد.. لكن لا تفسر، لأنك في لحظة التفسير تبدأ بالتدمير.. طبيعة هذا هي قول نعم، وطبيعة ذاك هي قول لا.. كلاهما مطلوب يا محبوب.

 

الحياة ستكون مسطحة جداً وبليدة إذا لم يكن هناك أحد يقول لا... لو كان كل شخص يقول نعم ستكون الحياة جامدة وغبية.. قائل "لا" مطلوب أيضاً لأنه القطب المقابل... الطاعة ستكون دون معنى إذا لم يكن هناك أحد متمرد.

لا تختار.. ببساطة اشعر بالفرق وساعد.. ولا تفرض نفسك عليهما ولا تكن عنيفاً.

كل أب عنيف، وكل أم عنيفة، ويمكنك أن تكون عنيفاً لأنك عنيف تحت اسم الحب... لا أحد سينتقدك، لأنك تقول بأنك تحب طفلك كثيراً لدرجة أن عليك ضربه... تحبه كثيراً لدرجة أن عليك تصويب سلوكه وتصحيح تفكيره.. تحبه لذلك تريد وضعه على الطريق الصحيح ولأنه يسير بشكل خاطئ.

هل أنت متأكد ما هو الخاطئ وما هو الصحيح أو الجيد؟ لا أحد متأكد، ولا أحد يمكنه أن يتأكد... لأن الظاهرة متبدلة: شيء جيد في هذه اللحظة يصبح سيئاً في اللحظة التالية، الاتجاه الذي بدا سيئاً في البداية، ظهر أنه جيد في النهاية.. الحياة نهر وتدفّق وتتغير كل لحظة.

لذلك، الأم الحقيقية أو الأب الحقيقي سيعطي أطفاله الوعي فقط، ليس القيم الأخلاقية لأن هذه القيم شيء ميت... أنت تقول: هذا جيد، اتبعه! لكن في اللحظة التالية يصبح ذلك الشيء سيئاً، فماذا يُفترض على الطفل أن يفعل؟ في اللحظة التالية تتغير الحياة..

التغيير قانون ثابت.. الحياة هي استمرارية من التغيير.. ومبادئك الأخلاقية ثابتة وجامدة، تقول أن هذا جيد يجب أن تتبعه... عندها تصبح ميتاً.. تستمر الحياة بالتغيّر لكنك تبقى تسير مربوطاً بمبادئك التي تدعوها أخلاق.

لذلك يبدو الأشخاص المتدينون بلهاء وأغبياء.. عيونهم فارغة ونظرتهم سطحية خالية من أي عمق، لأن العُمق ممكن فقط إذا كنت تمشي مع نهر الحياة...

 

إذن ما هي الهدية التي يجب على الأب أو الأم تقديمها لأطفالهم؟ الوعي فقط... اجعل الأطفال أكثر وعياً.. اسمح بالحرية وأخبرهم: كونوا يقظين وتحركوا بكل حرية.. حتى لو كان عليك أن تخطئ لا تخف، لأننا نتعلم من الحياة بواسطة الأخطاء أيضاً... الشخص يصبح يقظاً عبر الأخطاء أيضاً، لذلك لا تخف.. الخطأ هو شيء من طبيعة البشر.

وإذا أخطأتَ مع يقظة لن يحدث إلا شيء واحد: لن ترتكب نفس الخطأ مراراً وتكراراً... حالما ترتكب الخطأ سوف تختبره، ستصبح مدركاً له فيختفي.. سيجعلك كياناً أغنى وستتابع الطريق دون خوف.. فقط تذكر شيئاً واحداً، أنه مهما كان الشيء الذي تعبر فيه كن أكثر وعياً.. إذا قلتَ نعم قلها بوعي، وإذا قلتَ لا قلها بوعي.

 

لا تشعر بجرح عندما يقول الطفل لا، فمَن أنت حتى تصلح الطفل؟ لقد أتى من خلالك وأنت كنتَ معبراً له فقط.. لا تصبح دكتاتوراً.. الحب لا يجعلك دكتاتوراً مطلقاً.. وإذا لم تفرض أوامرك، ستختفي الأحكام: الجيد والسيء... عندها ستحب كلا الطفلين معاً وسيتدفق حبك دون شروط.

تلك هي طريقة تدفق الحب الإلهي إلى هذا العالم.. حب غير مشروط..

سأل أحدهم الحكيم الصوفي جُنيد: "هناك رجل شرير جداً يأتي لسماعك، وأنت تسمح له بالاقتراب كثيراً منك والتودد إليك.. اطرده خارجاً فهو رجل سيء جداً!"

قال جنيد: "إذا كان الله لا يطرده خارج الوجود، فمَن أنا حتى أطرده؟ إذا كان الله يقبله.. أنا لستُ أعلى من الله.. الله يعطيه الحياة، الله يساعده ليكون حياً كل يوم، وذلك الرجل لا يزال شاباً ونضراً وسيعيش أكثر منك.. فمَن أنا حتى أقرر؟"

 

الله يهطل بنوره ونعمته على الاثنين كلاهما الجيد والسيء... الحالة واضحة تماماً مثل قرص الشمس.. أنه بالنسبة لله لا يوجد جيد ولا سيء..

عندما أقول الله، فلا أقصد شخصاً ما جالساً في أعالي السماء.. ذلك موقف جاهل يقوم فيه الإنسان بإسقاط ذاته على الله، نفكر بالله حسب مخيلتنا الخاصة بنا.. لا يوجد أي شخص جالس هناك.

الله يعني الكليّة... الأحدية.. الشمولية في الوجود والكون..

الشخص السيء يتنفس بنفس الجمال الذي يتنفس به الشخص الجيد...

الخاطي مقبول في الوجود مثل القديس...

الوجود لا يصنع أي تفرقة أو تمييز... لكن بسبب طريقة التفكير الثنائي الازدواجي، مسيحي يهودي إسلامي زرادشتي، نفكر بمصطلحات التناقض والصراع.

 

تقول القصة في العهد القديم.. كان هناك قرى سدوم وعمورة ربما في غور الأردن.. كان الناس فيها منحرفين جنسياً إلى درجة كبيرة... قوم لوط اللواطيين والسحاقيين.. قيل أن الله دمّر تلك القرى بكاملها.. هبطت حجار ونار هائلة حرقت كل الناس والبيوت.

بعد مضي عدة قرون.. سألوا رجل دين يهودي هاسيدي: "عندما دمّر الله قرية سدوم، لا بد أنه كان فيها على الأقل بضعة أشخاص جيدين وطيبين لكنهم جميعاً قُتلوا.. يمكننا قبول أن السيئين تم قتلهم لأنهم كانوا سيئين، لكن لماذا الجيدين أيضاً؟"

الآن انظروا إلى الفكر الديني الماكر... فكر الحاخام ثم قال: "لقد دمر الله الجيدين أيضاً لكي يكونوا شاهدين على أن أولئك الناس السيئين كانوا فعلاً سيئين".

هذا هو حساب الفكر الماكر، هذا هو حفاظ ماء الوجه عند رجال الدين.. الشيء الحقيقي هو: بالنسبة لله، لا يوجد جيد ولا سيء.. عندما يخلق فهو يخلق الاثنين، وعندما يدمر فهو يدمر الاثنين، بدون شرط أو حكم.

 

إنها فعلاً حماقة، هذه النظرة التي تفرّق بين جيد وسيء... شخص يدخن السجائر يصبح سيئاً، شخص يستمتع بالكحول يصبح سيئاً، شخص وقع في حب زوجة شخص آخر يصبح سيئاً... نعتقد أن الله جالس هناك يحسب ويحاسب: هذا الرجل يدخن، هذا الرجل سكران، هذا الرجل قام بالزنا عشرين مرة، دعه يأتي إليّ وأنا سأعلمه التصرف وأشويه مثل الدجاج!.. من الحماقة أن تعتقد أن الله يحسب مثل هذه الأشياء التافهة! هذا عقلنا الصغير المحدود.

بالنسبة للوجود، ليس هناك تفاسير ولا انقسام.. الجيد والسيء هي مفاهيم بشرية وليست مقدسة.

كل مجتمع لديه مفاهيمه الخاصة من الجيد والسيء، وهي تتغير في كل عصر وتنقلب.. ليس هناك شيء مطلق بالنسبة للجيد أو السيء.. الجيد والسيء أشياء نسبية، نسبية إلى المجتمع أو الحضارة أو لنا نحن... أما الله فعنده قبول مطلق دون تمييز ولا حكم.

 

إذا كنتَ عميقاً في تأملاتك، حيث تختفي الأفكار، عندها لا يوجد تمييز لأن الجيد والسيء هما أفكار.. عندما تكون صامتاً: ما هو الجيد وما هو السيء؟ في لحظة ظهور فكرة هذا جيد أو ذلك سيء يتم فقدان الصمت... في التأمل العميق لا يوجد شيء.. لا جيد ولا سيء.

 

 }}} مرةً قال الحكيم لاوتسو: {{{

 }}} "تمييزٌ ضئيل بسماكة الشعرة، {{{

 }}} سيفصل كامل الجنة والنار عن بعضهما" {{{

 

في فكر المتأمل، حتى لو ظهر تمييز ضئيل جداً، سينقسم العالم بكامله..

التأمل لا يميّز ولا يفرّق ولا يحكم... أنت ببساطة تنظر فترى الكلّ ولا تقسم شيء... أنت لا تقول هذا بشع وذلك جميل، هذا سيء وذلك جيد.. أنت لا تقول شيئاً بل تكون حاضراً مشاهداً فحسب.

 

التأمل هو جوهر الأحدية والتوحيد.. في التأمل تصبح إلهاً...

 

يعتقد الناس أنهم سيشاهدون الله في التأمل:

هذا خطأ، ليس هناك أحد لتراه..

الله ليس شخص ولا شيء.. في التأمل أنت تصبح الله..

لأن كل التمييزات والفروقات تختفي عندك.

في التأمل تصبح واحداً مع الكل والكلّية لأنك في التأمل لا تستطيع فصل نفسك عن الكليّة..

سقطت كل الانقسامات! وأنت صامت جداً ولا يوجد حدود..

 

كل حدّ هو تشويش.. أنت صامت جداً ليس هناك أنا أو أنت.. صامت لدرجة أن كل الحدود صارت ضباباً ثم اختفت.. لا يوجد إلا الواحد الأحد والأحدية الإلهية... الأحدية النهائية الأسمى في الكون.

الفكر هو الذي يقسّم ويصنع الفروقات، يقول هذا هذا وذاك ذاك... في التأمل هناك كيان، حضور غير مقسوم.. أنت هو الله عندما تكون في تأمل، وفقط في التأمل ستتعرف على الحب غير المشروط.

إذا كنتَ أب، كلا طفليك سيكونان مجرد أطفال، غرباء، قادمين من عالم مجهول، يكبرون وينضجون... انطلاقاً من حبّك أنت تعطي لهم، تشاركهم حياتك وخبراتك وتجاربك، لكن لا تفرض أي شيء مطلقاً...عندما لا تفرض، مَن سيكون المطيع أو غير المطيع؟ عندما لا تفرض، كيف يمكن أن تقرر مَن هو الجيد ومن هو السيء؟

 

الآن نأتي إلى النقطة الأخيرة... عندما لا تفرض، كيف يمكن لطفل أن يكون مطيع، والطفل الآخر غير مطيع؟ ستختفي هذه الظاهرة بكاملها... وعندها ستقبل الآخر، سواء كان الطفل أو الزوج أو الزوجة أو الصديق.. ستقبله كما هو.. كواقع موجود.

 

 }}} إذا استطعنا قبول بعضنا البعض كوقائع موجودة، {{{

 }}} دون أي "يجب" و "لا يجب" ودون فكرة جيد وسيء.. {{{

 }}} ستصبح هذه الدنيا هي الجنة في هذه اللحظة بالذات.. {{{

 

لكننا نرفض ونفرض.. حتى إذا قبلنا شخصاً ما، نقبله جزئياً ونقول: عيونك جيدة وجميلة، لكن كل شيء سواها قبيح متسخ.. هل هذا قبول؟.. نقول: هذا التصرف جيد عندك، لكن كل تصرفاتك الأخرى سيئة ولا يمكن قبولها، وأنا أقبل فقط ذلك الجيد... ذلك يعني: أنا أقبل فقط الشيء الذي يوافقني أنا.

 

قد لا تعلمون كيف تقومون بتدمير بعضكم البعض.. لأنه متى ما قال الأهل للطفل: نحن نقبل فقط هذا الجزء ولا شيء سواه... عندما تقول الزوجة لزوجها: أنا أقبل هذا فقط منك وليس الأشياء الأخرى... ماذا تفعلون؟؟ أنتم تصنعون انقساماً في فكر الآخر أيضاً.

عندما يقول الأب: لا تفعل هذا، أنا لا أقبل هذا، هذا يثير غضبي، وعندما يعاقب طفلاً لأنه "هو" يعتقد أنه قام بشيء خاطئ، فماذا يفعل الأب؟؟

عندما يقدّر ويكافئ الطفل ويعطيه لعبة، يجلب له الأزهار والسكاكر ويقول: لقد فعلتَ حسناً، لقد قمتَ بأشياء جيدة أنا أوافق عليها.. فماذا يفعل الأب؟؟

إنه يصنع انقساماً في الطفل... بالتدريج، سيرفض الطفل القسم الذي رفضه أهله ويصبح مقسوماً، سيصبح ذاتين بدل ذات واحدة.

 

ربما راقبتَ ولاحظتَ الأطفال الصغار، إنهم حتى يعاقبون أنفسهم، وحتى يقولون لأنفسهم: يا فوفو، هذا ليس جيداً، لقد قمتَ بشيء سيء... يبدأ الأطفال برفض القسم الذي رفضه أهلهم، بعدها يتم صنع انقسام... القسم المرفوض يصبح اللاوعي أي القسم المكبوت.. والقسم المقبول يصبح الوعي أو الضمير... عندها تصير كل حياتهم جحيماً، لأن القسم المرفوض والقسم المقبول يستمران بالصراع.. فيعيشون حالة متواصلة من الهيجان الداخلي والانفصام.

مستحيلٌ أن تدمّر القسم المرفوض.. إنه أنت وهو موجود! إنه يعمل دوماً داخلك، لقد وضعته في الظلام فحسب.. لكنك حالما تضع جزءاً منك في الظلام، سيصبح ذلك الجزء أكثر قوة لأنه صار يعمل في الظلام فلا تقدر أن تراه، لا تقدر أن تكون واعياً تجاهه، وسيقوم بالانتقام.. عندما تأتيك لحظة من الضعف ويكون القسم الواعي ليس قوياً كفاية، سيظهر اللاوعي.. قد تكون جيداً وقوياً لمدة 23 ساعة، لكن لمدة ساعة واحدة عندما يكون الوعي متعباً، يقوم اللاوعي بفرض نفسه... لذلك، حتى القديسون لديهم أوقات ولحظات من الخطايا، حتى القديس عليه الاستغناء عن قداسته.. إنه يحتاج أحياناً إلى عطلة من القداسة.

لذلك إذا أمسكتَ بقديس أو رجل دين في يوم عطلته لا ترتبك ولا تتفاجأ.. كل شخص يحتاج إلى عطلة.. كل شخص يتعب، إلا إذا كان شخصاً كاملاً متكاملاً.. عندها لا يوجد تعب، لأنه لا يوجد قسم يقاتل باستمرار قسماً آخر فيصنع المشاكل ويفرض نفسه أو ينتقم ويقفز بين الكبت والفلت...

 

لدينا هاتين الكلمتين: القديس والحكيم.. القديس عنده دائماً الخاطي الإبليس مخفيّ داخله، بينما الحكيم هو إنسان كامل.. الحكيم لا يمكنه أخذ إجازة لأنه دائماً في إجازة وعطلة مستمرة، ليس هناك قسم مرفوض وهو يعيش حياة كاملة متكاملة، يتحرك لحظة بلحظة ككيان كامل ولا يُنكر أي شيء... لقد قبل نفسه بشكل كامل وأزال الرفض المرفوض الذي صنعه الأهل والمجتمع.

 

الطفل الصغير هو دوماً مستكشف عظيم، وبالطبع يبدأ رحلة اكتشافه من جسده الخاص به، ذلك هو أقرب جزء من الوجود بالنسبة له.. لا يستطيع السفر إلى الفضاء ولا الصعود إلى قمة إيفيريست فهي بعيدة جداً.. قد يفكر بالذهاب إليها يوماً ما، لكن الآن أقرب منطقة للاكتشاف هي جسده الصغير.. يبدأ باكتشافه، يلمسه ويستمتع به.

راقب طفلاً صغيراً وهو يلمس أصابع قدمه... سعيدٌ جداً.. سعادته لا يمكنك الحصول عليها حتى لو ذهبتَ إلى القمر... لقد اكتشف جسده!. يلامس أصابعه ويستمتع بها، يجلبها إلى فمه لأن هذه هي طرق استكشافه، سيتذوقها ويشمها ويلمسها.

لكن عندما يصل الطفل إلى أعضائه الجنسية يرتبك الأهل... ذلك الارتباك والانزعاج موجود عند الأهل وليس عند الطفل.. إنه لا يصنع أي تمييز أو فروق، أصابع قدمه أو أعضاؤه الجنسية لا تختلف عن بعضها... ليس هناك انقسام في جسده حتى الآن.. الجسد بكامله موجود: أصابع، عيون، أنف، أعضاء جنسية، أرجل... كلها كتلة واحدة وطاقة واحدة.. ليس هناك تقسيم إلى أدنى أو أعلى.

 

الهندوس صنعوا تقسيماً للجسد منذ ألوف السنين ولحقتهم بقية الأديان في كل مكان وفي كل الحضارات.. يقول مثلاً الهندوس والمسلمون أيضاً: لا تلمس أبداً بيدك اليمنى أي شيء تحت مستوى السرّة، لأن ذلك الجزء تحتها قذر ومدنّس... المس تحت السرة بيدك اليسرى الشمال.. فوق السرة بيدك اليمنى.

تم تقسيم الجسد، وقد وصل التقسيم إلى أعماق الفكر حتى صرنا نعني باليمين Right هو الصح والجيد والطاهر.. واليسار صارت كلمة إدانة.. نقول شخص يساري أي أنه شيوعي مثلاً أو متمرد سيء.

الطفل لا يعرف ما هو اليمين وما هو اليسار.. إنه كيان كامل واحد.. لا يعرف ما هو الأدنى وما هو الأعلى.. جسده متدفق بأكمله معاً.

سيأتي لاكتشاف أعضائه الجنسية، وسيرتبك الأهل.. متى ما قام طفل، صبي أو بنت بلمس أعضائه، نقول له فوراً: عييييب! لا تلمس هنا ولا تلعب! ونُبعد يده عنها بقوة... هذا يصدم الطفل.. لقد أعطيتَه صدمة كهربائية... وهو لا يقدر أن يفهم ماذا ولماذا تفعل ذلك.

وسيحدث ذلك عدة مرات.. أنت تطرق باستمرار شيئاً في فكر الطفل يقول أن شيئاً في جسده مرفوض، الجزء الجنسي من الجسد سيء.. أنت بهذا تصنع عقدةً نفسية عنده.. سينمو الطفل، لكنه لن يكون قادراً أبداً على قبول أعضائه الجنسية.

إذا لم تستطع قبول جسدك بكلّيته، سيكون هناك مشاكل، بل مصائب، لأن الطفل سيكبر ويقوم بالحب يوماً ما وسيدخل في الفعل الجنسي لكن سيكون هناك شعور بالذنب: هناك شيء خاطئ يحدث، شيء أساسي عميق وخاطئ.. إنه يُدين نفسه.

 

ممارسة الحب ورقصاته، أجمل شيء في العالم، صار الطفل يُدينه ويشعر بالذنب خلاله... لا يمكنه ممارسة الحب بشكل كامل ولا الانتقال والدخول بشكل كافي في جسد وكيان حبيبه، لأنه يخاف ويمسك بنفسه... نصفه يسير مع الحب والنصف الآخر تحت التحكم... هذا يصنع صراعاً داخله ويتحول الحب إلى بؤس ومعاناة.

 

ويحدث هذا في جميع أبعاد الحياة.. كل شيء يصبح بائساً لأن الأهل قد صنعوا انقساماً في كل شيء: هذا جيد وذلك سيء.. لهذا أنتم بائسون وتعانون، بسبب أهلكم والمجتمع.. فلا تفعلوا نفس الخطأ مع أطفالكم.

سيكون صعباً جداً لأنك أنت مقسوم، سترغب بتقسيم الطفل أيضاً.. إنه فعل من اللاوعي عندك.. انتبه!!

لكنك إذا انتبهت وتيقّظت.. إذا كنتَ فعلاً متأملاً ستصبح واعياً.. لا تصنع نفس انفصام الشخصية عند طفلك، لا تقسم ولا تقتل روحه... لقد عانيتَ ما فيه الكفاية فلا تصنع نفس العناء عند طفلك.

إذا كنتَ تحبّ فعلاً فلن تقسم الطفل لأن التقسيم يصنع المعاناة... ستساعده لكي يبقى كاملاً، لأن الكمال هو القداسة والألوهية، الكمال هو مصدر الجمال وإمكانية تحقيق ذروات النشوة ويفتح أبواب الأبعاد والأسرار...

كيف يمكنك مساعدة الطفل للبقاء كاملاً؟ شيء واحد: ابقَ يقظاً حتى لا تقسمه دون وعي.. لا تُدين أي شيء... إذا شعرتَ أن شيئاً ما مؤذي، فقط أخبر الطفل أنه مؤذي لكن لا تقول أن هذا سيء.. لأنك عندما تقول مؤذي فأنت تقول حقيقة واقعية، أما عندما تقول سيء فأنت تجلب تقييمك للشيء.

 

طبعاً يحتاج الأهل لقول كثير من الأشياء لأطفالهم لأن الأطفال لا يعرفون.. عليك أن تقول مثلاً: لا تقترب من نار المدفأة.. لكن قل: هذا مؤذي.. إذا حُرقتَ ستعاني من الألم لكن رغم ذلك الأمر يعود لك... قل: هذه هي تجربتي، عندما أصاب بالحروق فأنا أتألم.. أنا أخبرك عن تجربتي، لكن حتى لو رغبتَ القيام بذلك فهو ممكن لكن هذا مؤذي.

قل ما هي الأشياء المؤذية، وقل ما هي الأشياء المفيدة، لكن لا تقل جيد أو سيء.. إذا كنتَ يقظاً ستحذف تلك الكلمتين من كلامك كله.. لأنه مع الجيد والسيء أنت تجلب تقييمك للأشياء.. قل هذا مؤذي لكن مع ذلك اسمح بالحرية، لأن تجربتك لا يمكن أن تصير تجربة الطفل.

على الأطفال أن يجربوا ويختبروا بأنفسهم.. أحياناً حتى بعض الأشياء المؤذية سيلزم فعلها.. عندها فقط يستطيعون النمو.. أحياناً عليهم السقوط والإصابة ببعض الأذى، عندها فقط سيعرفون.. عليهم أن يجتازوا عدة أشياء ويصابون ببعض الجروح لكن تلك هي الطريقة الوحيدة للتعلم والنمو.

 

إذا قمتَ بحماية الطفل كثيراً فلن ينمو... كثير من الناس يبقون أطفالاً، عمرهم العقلي لا يتجاوز عمر طفل... يصبحون كباراً ربما 70 سنة لكن عمر عقلهم يبقى 7 سنوات لأنه تمت حمايتهم كثيراً.

انظر إلى العائلات الثرية جداُ والعائلات الحاكمة: أطفالهم محميّون جداً ولا يسمحون لهم بأية حرية لارتكاب الأخطاء أو التجريب والضياع أو الخروج من الطريق المرسوم لهم.. تقريباً في كل لحظة هناك شخص يرافقهم، الخادم، المعلم، الحارس... لا يتركوهم وحدهم أبداً.. ثم انظر ماذا يحدث لهم: غالباً ومعظم الوقت عبر التاريخ، تقوم العائلات الثرية بإنتاج أطفال متوسطين أو بلهاء وأغبياء.. ومن هؤلاء يأتي الحكام والملوك!

أما العقول العظيمة فلا تأتي أبداً من عائلات غنية، صعب جداً، المخترعون لا يأتون منها ولا المغامرون ولا المبدعون... الأغنياء لديهم حماية كثيرة تمنعهم من النمو.

 

لأجل النمو، يلزم عدم الحماية وكذلك تلزم الحماية، كلاهما معاً.. انظر إلى المزارع الذي يعمل مع أشجاره.. إنه يساعدها ويحميها لكن مع ذلك يعطيها الحرية لتتحرك مع الشمس وترقص مع الرياح والعواصف.. لن يأخذ أشجاره إلى داخل منزله لكي يحميها من العاصفة أو الشمس أو الأخطار الموجودة دائماً حولها.. إذا أبقيتَ الأشجار في المنزل ستموت.. نبات البيت البلاستيكي المحمي غير طبيعي، ونحن جميعاً أصبحنا نباتات بيت بلاستيكي بسبب الأهل الذين يحموننا زيادة.

لا تحمي الأطفال.. ولا تتركهم أيضاً دون حماية.. اتبعهم مثل خيال لهم.. انظر واهتم بهم وكن حذراً في صنع التوازن، بحيث إذا أصبحت الحالة خطيرة وتهدد حياتهم ستقوم بحمايتهم، لكن عندما تشعر أن الحالة ليست خطيرة جداً ستسمح لهم... وكلما نموا أكثر ستسمح لهم أكثر... وعندما يصبح الطفل بالغاً جنسياً عليك أن تعطيه كامل الحرية، لأن الطبيعة قد جعلته رجلاً أو امرأة الآن.. والآن لا حاجة لأن تقلق كثيراً عليه.

أحياناً ستقع بعض الحوادث لكنها تستحق الثمن...

أعطي الطفل تكاملاً في كيانه... اجعل تكامله يَعدي وعيك أنت.. أحبه، أخبره ما هي تجاربك، لكن لا تحاول جعله يتبع تجاربك.. لا تفرض.. إذا تبع من تلقاء نفسه فهذا جيد، وإذا لم يتبع فانتظر لا يوجد عجلة.

 

من الصعب حقاً أن تكون أباً أو أماً.. إنه أصعب شيء في العالم.. ويعتقد الناس أنه أسهل شيء.. كان هناك امرأة عائدة من السوق إلى منزلها في سيارة أجرة.. وكان السائق مثل المجنون.. يقود سكراناً إلى اليمين واليسار وفي أي لحظة سيقع الحادث.. وكان يقود بسرعة كبيرة.

توترت المرأة جداً، كانت تجلس على حافة مقعدها وقالت للسائق عدة مرات: انتبه! كن يقظاً! لا تسرع كثيراً فأنا مرعوبة.. لكن السائق لم يرد عليها.. بعدها قالت له: أصغِ إليّ! هناك 12 طفل عندي ينتظروني في البيت، إذا وقع أي حادث ماذا سيحصل لكل هؤلاء الأطفال؟؟

أجاب السائق: 12 طفل.. وتقولين لي كن يقظاً؟!

وصلت النكتة؟ قال لها أنتي ولدتي 12 طفل ولم تكوني يقظة كل تلك السنوات.. والآن تقولي لي كن يقظ في القيادة!

من السهل ولادة عدة أطفال، لا يوجد مشكلة والحيوانات تفعل ذلك بسهولة... لكن أن تكوني أماً هو شيء صعب جداً... أصعب شيء في العالم.. وأن تكون أباً هو شيء حتى أكثر صعوبة، لأن الأمومة ظاهرة طبيعية أما الأبوّة فليست طبيعية كثيراً.. الأب هو ظاهرة اجتماعية.. نحن مَن صنع الأب وهو غير موجود في الطبيعة.. أن تكون أباً هو أكثر صعوبة لأنه لا يوجد غريزة طبيعية تدفعك لذلك.. شيء صعب لأنه أكثر عمل إبداعاً وخلقاً، أن تخلق إنساناً...

 

كن يقظاً.. أعطِ المزيد من الحرية.. لا تصنع تمييزات وتقييمات من الجيد والسيء... اقبل الاثنين، وساعد النوعين على النمو.. قريباً، مساعدتك للأطفال على النمو ستصبح تأملاً عميقاً لك، وأنت أيضاً ستنمو معهم.. وعندما يُزهر طفلك إلى شخص يقول نعم أو شخص يقول لا......

لقد كان هناك أشخاص جميلون يقولون لا، مثل نيتشه... يقول لا لكنه جميل! عبقريته في قول لا هي شيء مذهل ورائع، لدرجة أن العالم لن يكون غنياً هكذا لو لم يكن هناك أشخاص مثل نيتشه... لا يستطيع قول نعم لأنها صعبة عليه.. "لا" هي كامل كيانه.

بوذا أيضاً هو شخص يقول لا... لقد قال: لا يوجد روح، لا يوجد إله، لا يوجد دنيا.. لن تجد شخصاً يقول لا أعظم منه.. لم يترك أي شيء.. دوماً يقول لا يوجد أي شيء... فناء... يستمر بقول لا وحذف الأشياء... من المستحيل أن تسمع كلمة نعم منه.. لكن كم هو حكيم جميل هذا الذي ظهر من كلمة "لا" الكلية... إنها لا كاملة وتامّة.

وقد كان هناك أيضاً أشخاص يقولون نعم... نعم لله، للوجود للحياة... مثل النبي محمد والسيد المسيح وعشاق الله مثل رابعة والحلاج ومييرا.. إنهم يقولون نعم.. وهناك بالطبع نوعان من الدّين: الأول يدور حول شخص يقول لا، والثاني يدور حول شخص يقول نعم..

أنت أيضاً ستنتمي إلى واحد منهما... إذا كنتَ تقول لا، فالبوذية ستكون مساعدة عظيمة لك... إذا كنتَ تقول نعم، البوذية لا يمكن أن تساعدك أبداً بل ستكون مدمرة لك، عندها الإسلام أو المسيحية أو الهندوسية ستساعدك.

 

كلاهما مطلوب... وأعني بهذا أنهما يتواجدان دائماً في تناسب، تماماً مثل نسبة الرجال والنساء في الأرض.. دائماً تقريباً تكون أعدادهما متساوية.. العالم كله مقسوم نصفه رجال ونصفه نساء.. وهي حقاً معجزة كيف تقوم الطبيعة بالمحافظة على النسبة... وفي كل بُعد آخر تتم المحافظة على نفس النسبة: دائماً نصف العدد يقولون لا، والنصف الآخر يقولون نعم في العالم... دائماً نصف الناس يستطيع إتباع طريق المعرفة، ونصفهم يستطيع إتباع طريق الحب... الحب هو قول نعم، والمعرفة هي دوماً قول لا... والطبيعة تحافظ دائماً على هذا التناسب.

لذلك إذا حصلتَ على طفلين، أحدهما يقول نعم والآخر يقول لا، فهذه نسبة صحيحة! من الجميل أنك حصلت على النوعين معاً في منزلك.. يمكنك خلق سيمفونية وتناغم منهما... لا تحاول تدمير قائل لا، ولا تحاول دفع ومساعدة فقط قائل نعم... اصنع تناغماً بينهما فهؤلاء الطفلين ممثلون عن العالم بكامله.. أنثى ذكر، ين يانغ، الأقطاب المتعاكسة المتقابلة.

اصنع تناغماً بينهما وستكون عائلتك عائلةً حقيقية، وحدة وكتلة حية وموحدة..

لكن لا تفسر.. لا تُدين... لا تكن صاحب مبادئ وأخلاق جاهزة جامدة..

فقط كن أباً أو أماً... أحبهما واقبلهما وساعدهما ليكونوا ذواتهم..

هذا هو أساس كل الحب: مساعدة الآخر حتى يكون ذاته..

إذا أردتَ أن تسحب وتتحكم وتتلاعب فأنت لا تحبهم بل تدمرهم..

أضيفت في:9-9-2016... أطفال وأجيال> كيف نربي أطفالنا؟
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد