<<<< >>>>

لماذا لا أقدر أن أحبه 24ساعة كل يوم ولماذا هذا صعب جداً؟

لماذا لا أقدر أن أحبه 24ساعة كل يوم ولماذا هذا صعب جداً؟

ألا يجب أن يكون الحب شيئاً متواصلاً؟

وهل يتحول الحب في النهاية إلى صلاة مقدسة؟؟

 

الحب ليس فعلاً أو عملاً تقوم به.. إذا قمتَ به فهو ليس حباً.. اللافعل هو المطلوب لأن الحب هو حالة من الكيان الداخلي وليس فعل.

لا أحد يستطيع فعل أي شيء باستمرار 24ساعة.. إذا كنتَ ”تفعل” الحب، عندها بالطبع لن تستطيع فعله 24ساعة.

فمَع أي فعل سوف تتعب، مع أي فعل سوف تضجر، وعندها بعد أي فعل عليك أن ترتاح وتسترخي.. لذلك إذا كنتَ تفعل الحب فعليك أن ترتاح في الكراهية، لأنك سترتاح فقط في الحالة المعاكسة.

ولذلك حبك دوماً مخلوط بالكراهية.. أنت تحبّ في هذه اللحظة وفي اللحظة التالية أنت تكره الشخص ذاته.. الشخص ذاته يصبح موضوع كلّ من الحب والكراهية، وهذا هو صراع الأحباء.. لأن حبك هو فعل، ولذلك توجد هذه المعاناة والبؤس.

إذن أول شيء يجب فهمه هو أن الحب ليس فعلاً، لا يمكنك أن تفعله.. يمكنك أن تكون في الحب ولكنك لا تقدر أن ”تفعل” الحب.. فعله شيء سخيف.. وهناك أمور أخرى هنا.. الحب ليس جهداً مبذولاً، لأنه لو كان جهداً لأصابك التعب بعده.. الحب هو حالة من الفكر.

ولا تفكر بمصطلحات العلاقات، بل فكر بمصطلحات الحالات الفكرية.. إذا كنت في الحب، فهذه حالة فكرية.. هذه الحالة الفكرية قد تكون مركزة على شخص واحد أو قد تكون غير مركزة، أي مركزة على الكل الكامل.

عندما تكون مركزة على شخص واحد، فهذا معروف بأنه حب.. وعندما تصبح غير مركزة، فهي تصبح صلاة.. عندها أنت فقط في الحب، لستَ واقعاً في حب شخص ما، بل فقط في الحب لأجل الحب، تماماً مثلما أنت تتنفس.

إذا كان التنفس فعلاً مطلوباً منك فسوف تتعب منه، وسيكون عليك أن ترتاح وعندها ستموت! إذا كان فعلاً فقد تنساه في لحظة ما وتموت! الحب تماماً مثل التنفس: إنه مستوى أعلى من التنفس.. إذا لم تتنفس سيموت جسمك، وإذا لم تكن في الحب فلن تولد روحك.

لذلك اعتبر الحب أنه تنفس الروح..

عندما تكون في الحب، ستكون روحك حية وحيوية تماماً مثل التنفس.. ولكن فكّر بهذه الطريقة.

إذا قلتُ لك: ”لا تتنفس إلا عندما تكون بقربي، لا تتنفس في أي مكان آخر“ عندها ستموت! وفي المرة القادمة عندما تكون بقربي ستكون ميتاً ولن تقدر على التنفس حتى بقربي!

وهذا ما حدث في الحب.. نحن نتملّك الآخر.. نتملك كل ما نحب ويقول لك حبيبك: ”لا تحب أي شخص آخر، أحبني أنا فقط“ وهنا يضمر الحب ولا يستطيع الحبيب أن يحبك، صار مستحيلاً... وهذا لا يعني أن عليك حب الجميع، ولكن عليك أن تكون في حالة فكرية من الحب.. تماماً مثل التنفس: حتى لو كان عدوك أمامك ستستمر بالتنفس.

هذا هو معنى كلمة السيد المسيح ”أحبوا أعداءكم”.. لقد كانت هذه المقولة مشكلة عند المسيحيين ولم يفهموها جيداً.. المقولة تبدو متناقضة.. ولكن إذا لم يكن الحب فعلاً بل حالة فكرية، عندها لا يهم سواء مع عدو أم صديق.. أنت في حب مستمر.

انظر للموضوع من الناحية الأخرى.. هناك أشخاص يعيشون في كراهية متواصلة، وعندما يحاولون إظهار الحب فعليهم بذل جهد كبير.. حبهم هو جهد لأن حالتهم الفكرية المستمرة هي الكراهية.. لذلك الجهد مطلوب.. هناك أشخاص حزانى باستمرار، عندها ضحكتهم هي جهد مبذول وعليهم أن يقاتلوا أنفسهم لكي يضحكوا.. وهنا ضحكتهم مجرد ضحكة مرسومة رسم ومزيفة ومفروضة، لا تأتي من أعماقهم بعفوية.

هناك أشخاص في غضب مستمر، ليسوا غاضبين على شيء أو شخص محدد بل مجرد غاضبين... عندها الحب يصبح جهداً.. ومن ناحية ثانية، إذا كان الحب هو حالتك الفكرية، فالغضب سيكون جهداً.. يمكنك القيام به، ولكن لا يمكن أن تكون غاضباً.. عليك أن تصنع الغضب وسيكون مصطنع ومزيف.

إذا حاول شخص حكيم أن يكون غاضباً، سيحتاج جهداً كبيراً، وعندها أيضاً سيكون مزيفاً.. وفقط أولئك الذين لا يعرفون الحكيم سينخدعون بالغضب.. أما الذين يعرفونه سيعرفون أن غضبه مزيف، مجرد لوحة مرسومة مؤقتة، لا تأتي من داخله فذلك مستحيل.. الحكيم أو النبي أو المسيح لا يمكن أن يكره.

لأن جهداً سيلزم... إذا احتاجوا لإظهار الكراهية سيكون عليهم القيام بها..

لكن أنتم لا تحتاجون أي جهد لتظهروا الكراهية والغضب! بل تحتاجون جهداً لتظهروا الحب والرحمة...

الحل هو تغيير الحالة الفكرية.

كيف نقوم بتغيير الحالة الفكرية؟؟ كيف نكون في الحب؟؟

الموضوع لا يتعلق بالزمن.. ولا بكيف تكون في الحب 24ساعة في اليوم.. هذا سؤال سخيف.

الموضوع لا يتعلق بالزمن، لأنك إذا قدرت أن تكون محبّاً للحظة واحدة فهذا يكفي، لأنه ليس أمامك حتى لحظتين سوية.. هناك فقط لحظة واحدة.. عندما تفقد هذه اللحظة يتم إعطاؤك لحظة تالية وهكذا.

أمامك دوماً لحظة واحدة.. إذا عرفتَ كيف تكون محباً في لحظة واحدة، فستعرف السر.. لن تحتاج للتفكير بالزمن سواء 24ساعة أم الحياة بكاملها.

مجرد لحظة واحدة من الحب عندما تعرف أن تملأ لحظتك بالحب، سيتم إعطاؤك لحظة تالية وسوف تملأ تلك اللحظة أيضاً بالحب... لذلك تذكر، الموضوع لا يتعلق بالزمن.. بل يتعلق بلحظة واحدة.. واللحظة الواحدة ليست جزء من الزمن، وليست عملية، بل هي اللحظة الحاضرة الآن.

حالما تعرف كيف تدخل للحظة واحدة في الحب، ستعرف الدخول فيه للأبدية كلها: الزمن سيختفي.

الحكيم الواعي يعيش لحظته الحاضرة.. أما أنتم فتعيشون في الزمن.. والزمن يعني التفكير بالماضي والتفكير بالمستقبل... وبينما تفكرون بالماضي وبالمستقبل تضيع اللحظة الحاضرة.

تنشغلون بالماضي وتنشغلون بالمستقبل، وتفوّتون الحاضر.. والحاضر هو الوجود الوحيد الموجود... الماضي قد مضى واختفى والمستقبل لم يأتِ بعد: كلاهما غير موجودان أبداً... هذه اللحظة الحاضرة بالذات، هذه اللحظة المتفجرة بالحيوية هي الوجود الوحيد هنا والآن.

إذا عرفتَ كيف تكون محباً ستعرف السر... ولن يكون أمامك لحظتان سوية، فلا حاجة لكي تهتم بالزمن.

ولا يوجد نوعان من اللحظة الحاضرة.. والوقت لا يمضي بل الوقت يبقى كما هو، بل نحن الذين نمضي ونعبر به.. الزمن النقي يبقى كما هو ونحن الذين نتغير.. لذلك لا تفكر بمصطلح 24ساعة، بل فكر فقط باللحظة هذه.

شيء إضافي أيضاً... التفكير يحتاج زمناً، العيش لا يحتاج زمن.. لا يمكنك التفكير إذا كنت تعيش اللحظة الحاضرة.

في هذه اللحظة بالذات، إذا أردتَ أن تكون شيئاً ما فعليك توقيف التفكير، لأن التفكير يتعلق أساساً بالماضي أو بالمستقبل.. في اللحظة الحاضرة بماذا يمكنك أن تفكر؟ بمجرد أن تفكر تتحول اللحظة إلى ماضي.

أمامك زهرة متفتحة.. وتقول أنها زهرة جميلة.. هذه المقولة لم تعد جزء من الحاضر بل صارت من الماضي.. عندما تصل لإدراك أي شيء عبر التفكير سيكون قد أصبح شيئاً من الماضي.. في الحاضر تستطيع أن ”تكون” لكن لا تستطيع أن تفكر.. يمكنك أن تكون مع الزهرة، لكن لا يمكنك التفكير بها.. التفكير يحتاج للوقت.

إذن بطريقة أخرى، التفكير هو الزمن.. إذا لم تفكر، فلن يكون هناك زمن.. لذلك في التأمل نشعر باختفاء الزمن.. ولذلك في الحب نشعر باختفاء الزمن.. الحب ليس تفكيراً بل اختفاء الفكر والأفكار.. أنت فقط موجود! عندما تكون في حضرة حبيبك فأنت لا تفكر بالحب ولا تفكر حتى بحبيبك.. ولا تفكر بأي شيء مطلقاً.. وإذا كنتَ تفكر، فأنت لستَ فعلاً مع حبيبك بل في مكان آخر... التفكير يعني غيابك عن الحاضر.

لذلك، الأشخاص المهووسون جداً بالتفكير لا يمكنهم حب أحد، لأنهم حتى في حضور الحبيب، وحتى لو وصولوا إلى مصدر القداسة الأعلى، حتى لو قابلوا الله شخصياً فسيستمرون بالتفكير به وسيفوتهم تماماً.. يمكنك الاستمرار بالتفكير والتفكير لكن هذا ليس الواقع أبداً.

لحظة واحدة من الحب هي لحظة أبدية.. وهنا لا يظهر سؤال عن كيف تحب 24ساعة.. أنت لا تفكر كيف تعيش أو كيف تتنفس 24ساعة.. إما أن تكون حياً أو لا تكون.. لذلك الشيء الأساسي للفهم ليس الزمن بل الحاضر، كيف تكون هنا والآن في حالة من الحب.

لماذا هناك كراهية؟ عندما تشعر بالكراهية اذهب عميقاً ابحث عن مصدرها..

عندها فقط يمكن للحب أن يزهر..

متى أنت تشعر بالكراهية؟ عندما تشعر بأن وجودك أو حياتك في خطر، عندما تشعر أن وجودك سينتهي، فجأة تجد أن الكراهية تظهر داخلك.. عندما تشعر أنه ربما يتم تدميرك، ستبدأ بتدمير الآخرين.. هذا إجراء لأجل الأمان.. مجرد جزء منك يكافح لأجل البقاء.. تهديد وجودك هو سبب ظهور الكراهية عندك.

لذلك، ما لم تصل إلى شعور أن وجودك لا يمكن تهديده بأي شكل، وأنه من المستحيل مسحك من الوجود، فلا يمكنك ملء نفسك بالحب... الأنبياء والحكماء يمكنهم أن يعيشوا في حب لأنهم عرفوا شيئاً لا يموت... أما أنت فلا يمكنك أن تكون في الحب لأنك لا تعرف إلا الأشياء التي تموت.. والموت موجود في كل لحظة وفي كل لحظة يأتيك خوف منه.. كيف ستقدر على الحب وأنت خائف؟؟ الحب لا يمكن أن يتواجد مع الخوف سوية.. والخوف موجود، لذلك ستقدر فقط على خلق حب وهمي بأنك تحب وتقوم بتصديق الوهم.

مجدداً حبك هذا ليس إلا إجراء للأمان.. تحب لكي لا تشعر بالخوف أو لكي تتناساه.

متى ما اعتقدتَ أنك في حب، تكون أقل خوفاً.. للحظة ما يمكنك نسيان الموت.. يتم خلق وهم تستطيع داخله أن تشعر بأن الوجود يقبلك ويرحب بك، لذلك هناك حاجة كثيرة لأن تحب وتكون محبوباً.

متى ما شعرتَ بأن شخصاً يحبك، ستخلق حولك وهماً بأن الوجود يحتاجك، على الأقل من قِبل شخص واحد يحتاجك جداً.. أي أنك لستَ شيئاً تافه دون قيمة ولستَ مجرد صدفة في الكون، بل أنت مطلوب في مكان ما، والوجود سيفتقد لشيء ما من دونك.

ذلك يعطيك شعوراً من الراحة والصحة.. ستشعر بوجود معنى وغاية للحياة ووجهة تسير إليها وقيمة عالية لوجودك.

عندما لا يحبك أي أحد، ستشعر بأنك مرفوض والوجود ينكرك ولا يعترف بقيمتك... ستشعر بفقدان معنى وهدف الحياة.. إذا لم يحبك أحد وأتاك الموت فلن يشعر أحد بغيابك وفقدانك.. لن يشعر أحد بأنك كنت موجود ولن يشعر بأنك الآن صرت مفقود...

الحب يعطيك شعوراً بأنك مطلوب وهناك حاجة كبيرة لك، لذلك في الحب يصبح المرء أقل خوفاً أو على الأقل يشعر بخوف أقل.

متى ما غاب الحب ستشعر بخوف أكثر، وفي الخوف، كوسيلة للحماية، ستمتلئ بالكراهية.. الكراهية هي للحماية.. تخاف من تدميرهم لك لذلك تصير أنت مدمراً.

في الحب تشعر بأنك مقبول ومطلوب، لستَ ضيفاً ثقيلاً غير معزوم، بل أنت ضيف معزوم وينتظرك حبيبك بتوق ولهفة وأن الوجود سعيد بوجودك فيه.. حبيبك يصبح الممثل عن الوجود بكامله.. لكن هذا الحب هو حب مبني على الخوف في الأساس.. أنت تحمي نفسك من الخوف ومن الموت ومن لامبالاة الوجود اللاإنسانية تجاهك.

في الحقيقة، الوجود لا يبالي بك فعلاً، على الأقل سطحياً.. الشمس والنجوم والأرض كلهم لا يبالون بك ولا أحد يقلق تجاهك.. ومن الواضح جداً أنه لا توجد حاجة لك.. من دونك كل شيء سيكون على ما يرام ولن يتم فقدان شيء من الوجود.. انظر إلى الوجود ظاهرياً: لا أحد ولا أي شيء يبالي بوجودك أنت... وقد تكون هذه الأشياء والأشخاص حتى غير مدركة لوجودك، النجوم غير مدركة ولا حتى الأرض التي تسمّيها أمي الأرض مدركة لوجودك! وعندما تموت لن تكون هذه الأرض حزينة... لن يتغير أي شيء، ستبقى الأمور كما كانت وكما ستبقى دائماً.. معك أو من دونك لا يوجد أي فرق.

أنت تشعر بأنك مجرد حادث من الصدفة.. لم تكن هناك حاجة لك، وقد أتيت هنا دون دعوة من أحد... مجرد ناتج ثانوي دون قصد.. هذا يصنع الخوف والألم المبرح.. خوف خفي مستمر بأنه لا يوجد حاجة لك.

عندما يحبك شخص ما، ستشعر ببُعد مختلف قد أتى للوجود... الآن على الأقل شخص واحد سوف يبكي ويشعر بالأسى عند غيابك أو موتك.. سيذرف دموعاً كثيرة، أكيد أنه هناك حاجة لك! على الأقل شخص واحد سيشعر بافتقادك.. على الأقل بالنسبة لشخص واحد صار هناك معنى وغاية لوجودك.

لذلك هناك حاجة كبيرة للحب... وإذا لم يحبك أحد ستشعر أن جذورك تم اقتلاعها من الحياة.. لكن هذا الحب ليس الحب الذي يتكلم عنه الحكماء والأنبياء.. هذا الحب هو علاقة، هو خلق مشترك متبادل للوهم: ”أنا أحتاج إليك، وأنت تحتاج إلي.. أنا سأعطيك هذا الوهم بأنه من دونك ستفقد حياتي كل معنى وغاية لها، وأنت تعطيني هذا الوهم بأنه من دوني ستخسر كل شيء.. إذن سنتعاون سوية ونساعد بعضنا لكي نعيش في الوهم.. ونحن نخلق وجوداً منفصلاً خاصاً بنا نصبح فيه ذوي معنى، وفيه ننسى كل هذه اللامبالاة من الكون الشاسع تجاهنا”.

الحبيبان يعيشان في بعضهما البعض.. لقد صنعا عالماً خاص بهما.. ولهذا يحتاج الحب كثيراً من الخصوصية والابتعاد عن عيون الناس.. إذا لم يكن هناك خصوصية، سيستمر العالم بالتأثير عليكما وسيقول لكما أن كل ما تفعلانه هو مجرد حلم وهو وهم متبادل مشترك.. الحب يحتاج للخصوصية لأنه عندها سيتم نسيان العالم بكامله.. فقط الحبيبان هما الموجودان، وكل اللامبالاة من الكون يتم نسيانها... تشعران بالحب والاستقبال وحاجة الآخر لك.. من دونك لن تكون الحياة كما هي، على الأقل في هذا العالم الخاص الصغير لن يبقى كل شيء على حاله.. ستشعر أن الحياة لها معنى كبير.

أنا لا أتحدث عن هذا الحب... هذا مجرد وهم يبدو أنه حب.. وهم تتم تربيته باستمرار.. والإنسان ضعيف لدرجة أنه لا يقدر أن يعيش دون هذا الوهم... أما أولئك القادرون، سيعيشون من دونه.. كل حكيم ومستنير وعاقل يستطيع العيش من دون هذا الوهم، لذلك لا يقوم بصنعه.

عندما يصبح بالإمكان العيش دون أوهام، سيأتي بُعد آخر مختلف من الحب إلى الكيان..

ليس الأمر أن شخصاً واحداً يحتاجك... بل إنه الوصول إلى فهم وإدراك أنك لستً مختلفاً أو منفصلاً عن هذا الوجود الذي يبدو لنا ظاهرياً غير مبالي على الإطلاق.

أنت جزء من الوجود، جزء عضوي حيوي منه.. وإذا كان هناك شجرة تزهر فهي ليست منفصلة عنك: لقد تفتحتَ أنت في الشجرة، والشجرة أصبحت واعية فيك أنت.

البحر والرمل والنجوم والغيوم كلها واحد معك.. أنت لستَ جزيرة معزولة بل جزء لا يتجزأ من الكون كله... الكون بكامله انطوى فيك، وكيانك أنت تفتح في هذا الكون اللامحدود..

ما لم تصل إلى معرفة هذا وإدراك هذا والشعور به، فلن تحصل على الحب الذي هو حالة من الفكر.

إذا وصلت لإدراك هذا، فلن تحتاج لخلق وهم خاص بك بأن شخصاً ما يحبك..

عندها سيكون هناك معنى للحياة، وإذا لم يحبك أي أحد فلن تفقد أي معنى للحياة..

عندها لن تخاف أبداً لأن الموت لن ينهي وجودك..

ربما ينهي وجود الجسد ولكنه لن ينهيك أنت لأنك أنت الوجود ذاته.

هذا ما يحدث في التأمل... لا بل هذه هي الغاية من التأمل..

فيه أنت تصبح جزء من الوجود.... بوابة من أبوابه وسراً من أسراره..

وتصل إلى شعور: أنا والوجود واحد... أنا الحق وما تحت عباءتي إلا الحق..

عندها تشعر باستقبال عظيم، ولا يبقى هناك خوف ولا موت..

عندها يتدفق الحب كنهر منك... ولن يكون جهداً مبذولاً لأنه لا يمكنك فعل شيء سوى الحب..

يصير الحب مثل التنفس.. تأخذ شهيقاً من الحب للداخل وتطلق زفيراً من الحب للخارج..

هذا الحب يكبر ويتحول إلى صلاة أصيلة..

وعندها ستنسى حتى هذا الحب مثلما تنسى أنك تتنفس كل لحظة..

متى أنت تتذكر أنك تتنفس؟ هل لاحظت ذلك؟

ستتذكر فقط عندما يكون هناك مشكلة أو مرض ما.. وإلا فلا داعي أصلاً لتذكر أو إدراك أنك تتنفس...

يستمر التنفس عفوياً بصمت...

إذن عندما تكون مدركاً لحبك، الحب الذي هو حالة من الفكر، فهذا يعني أنه لا يزال هناك خطأ ما..

بالتدريج حتى ذلك الإدراك للحب يختفي.. ببساطة تتنفس الحب داخلاً وخارجاً.. وتنسى كل شيء حتى أنك الحب... عندها يصبح الحب عبادة مقدسة وأعظم صلاة.. هذه هي أعلى قمة للوعي.. يمكنك تسميتها أي اسم..

الحب يصبح عبادة فقط عندما تفقد إدراكك له وتنساه.. وهذا لا يعني أنك أصبحت لاواعي، بل أن العملية أصبحت صامتة جداً فلا تصنع أي ضجة حولها.. أنت لستَ لاواعي تجاهها، ولستَ واعي أيضاً، فقد صارت طبيعية جداً ومتناغمة مع كيانك.

تذكر.. عندما أتحدث عن الحب فأنا لا أتحدث عن حبك العادي.. ولكن إذا حاولتَ أن تفهم حبك العادي، سيصبح خطوة للنمو تجاه نوع مختلف من الحب... لذلك أنا لستُ ضد حبك.. بل ببساطة أقول شيء واقعي وهو أن حبك مستند على الخوف، مجرد حب عادي مثل حب الحيوانات والطبيعة، وهنا لا أقصد أي انتقاص أو إدانة بالكلمة، مجرد وصف للواقع.

الإنسان يخاف.. يحتاج شخصاً ما ليعطيه شعور بأنه مرحّب به وهناك حاجة له فلا داعي أن يخاف.. على الأقل مع شخص واحد لن تحتاج للامتلاء بالخوف... وهذا جيد طالما أنه يسير إلى حدّ ما، ولكن هذا ليس الحب الذي يتحدث عنه النبي والمسيح والحكيم.. لقد تحدثوا عن الحب كحالة فكرية وليس كعلاقة.

لذلك تجاوز واذهب أبعد من مستوى العلاقات، وبالتدريج كن أكثر حباً..

في البداية لن تقدر على ذلك ما لم تدخل في التأمل..

ما لم تصل إلى معرفة الشيء الذي لا يموت داخلك،

ما لم تصل إلى معرفة التوحيد الداخلي العميق بين الداخل والخارج،

ما لم تصل إلى شعور أنك أنت الوجود ذاته،

سيكون الأمر صعباً...

لذلك تم منذ ألوف السنين وضع تقنيات للتأمل،

لتكون أداة مساعدة للنمو والسمو من العلاقة إلى الحالة الفكرية

ولا تفكر أبداً بالزمن... فالزمن لا قيمة له أمام أبدية الحب..

 

 

The Book of Secrets Ch.20

 

أضيفت في باب:16-2-2022... > ما هو الحب ؟
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد