موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

روح الطفل تنمو في تربة الحرية

عندما يولد لديك طفلان ويكبران... لماذا تقول أن هذا الطفل جيد والآخر سيء؟

هل هذه حقيقة أم هي تفسيرات وانطباعات فكرك عنها؟

أي طفل منهما هو الجيد ولماذا؟

إذا كان الطفل مطيعاً سيكون جيداً... أما إذا كان عاصياً مشاغباً فهو سيء.

الذي يتبعك في كل ما تطلب جيد، والذي يرفض ويقاوم سيء...

الأول يقبل وينفذ كل ما تقول: اجلس بصمت، وسوف يتجمد فوراً.

 

لكن الثاني يحاول رفض الفرض،

يحاول أن يتمرد، لذلك تراه سيئاً.

انتبه!! هذا انطباعك أنت ووجهة نظرك أنت...

وهنا أنت لا تقول شيئاً عن أطفالك، بل عن فكرك أنت بالضبط.

 

لماذا الطفل المطيع جيد؟؟

ما هي هذه الآبائية التي رفضها دين الله... حين قال الكفار أننا لن نؤمن لأن "هذا ما وجدنا آباءنا عليه"؟؟

وهكذا لو ظهر رسول جديد في المسلمين في هذه الأيام لقتلوه أو لقالوا له إنا نتبع ما وجدنا عليه آباءنا، تماماً كما فعلت قريش مع محمد واليهود مع المسيح وكما فعل الجميع مع الأنبياء والأولياء في القديم وحتى الآن...

في الحقيقة، الطفل المطيع ليس ذكياً أو لامعاً على الإطلاق، بل متوسط الذكاء والغباء ومنطفئ تماماً... لا يوجد أي طفل مطيع صار عالماً عظيماً أو متديناً مؤمناً بالحق أو حتى شاعراً جيداً...

فقط الأطفال العصاة المتمردين على جهل الأهل هم الذين صاروا أعظم المخترعين والعلماء المبدعين، فقط المتمردين هم القادرين على تجاوز الماضي القديم للوصول إلى الجديد الحي ثم القفز من المعلوم إلى اللامعلوم.... من المعرفة إلى المجهول والاتصال بأسرار الكون وقلبه الموصول بالأصول...

 

لكن بالنسبة لأنا الأهل المستفحلة، الطفل المطيع يشعرهم بالراحة... لأنه يساعد الأنا ويضخمها عندك... عندما يتبعك الطفل مهما قلت له، ستفرح وترتاح، أما عندما يرفض وينكر وجودك كمسيطر دائم، ستشعر بالغضب والحزن.

لكن الطفل الذي فعلاً يمتلئ بالحياة والذكاء لا بد أن يكون متمرداً!

من أنت؟ ولماذا عليه أن يتبعك؟ فقط لأنك أباه أو أمه؟

ماذا فعلتَ لكي تكون فعلاً أب؟

لستَ سوى ممر للعبور، وحتى هذا حدث بدون وعي....

 

عملية الجنس عندك ليست فعل واعي أو صاحي، بل هناك هرمونات وأسباب غير واعية تدفعك للقيام به... لذلك طفلك ليس إلا حادث اعتراضي...

لم تكن تتوقع قدومه، لم تكن واعياً للدعوة التي توجهها للكون، لأي روح ستأتي؟

وهكذا أتى الطفل فجأة كغريب...

لقد قمت بتربيته وتحمل هذه "الأبوّة"، لكنك لستَ الأب...

عندما أقول أنك لعبتَ دور الأبوّة، أقصد أن هذا أمر طبيعي بيولوجي، لم تكن أنت مطلوباً لتأديته، ومجرد حقنة اصطناعية كان بإمكانها إنجاز ما قمتَ به...

 

لستَ الأب لأنك لستَ واعي!... لم تقم بتوجيه الدعاء والدعوة لشخص محدد أو روح محددة لتدخل رحم زوجتك أو حبيبتك... لم تعمل على نفسك لتقدر على ذلك.

وعندما يولد الطفل، ماذا كنت تفعل من أجله؟ وماذا كنت تفعل به؟

عندما تقول أن الطفل يجب أن يتبعك، هل أنت واثق كفاية أنك تعرف الحقيقة؟ ولذلك عليه أن يتبعك؟... هل أنت متأكد كفاية أنك قد أدركتَ شيئاً هاماً وعظيماً على الطفل أن يتبعه ليصل إليه؟؟؟

يمكنك أن تفرض نفسك على الطفل، لأنه ضعيف وأنت قوي... هذا هو الفرق الوحيد بينك وبين الطفل، وما عدا ذلك، فأنت أيضاً طفولي وجاهل ولم تنمو وتنضج بعد، فأنت تغار تماماً كالطفل، وأنت تلعب بالدمى تماماً مثل الطفل، قد تكون ألعابك مختلفة، أكبر قليلاً وليس أكثر...

ما هي حياتك التي عشتها؟ إلى أين وصلت؟ ما هي الحكمة العظيمة التي حصلت عليها، بحيث على الطفل أن يتبعك ويقول نعم مهما طلبتَ منه؟

 

الأب سيكون حقاً واعياً لكل هذا، ولن يفرض أي شيء على أطفاله.. بل سيسمح للطفل أن يكون كما هو وسيساعده أكثر على تحقيق نفسه.

 

الأب سيعطي الحرية للطفل، لأنه إذا كان فعلاً عرف شيئاً من الحياة، لا بد أنه عرف أن الحرية هي الطريق الوحيد لنمو الوعي والروح... إذا كان اختبر أي شيء في حياته، سيعرف جيداً أن الاختبار يحتاج وسطاً من الحرية، وكلما كانت الحرية أكبر كان الاختبار أغنى وأحلى.... ودون حرية لا مجال لأي اختبار حقيقي، ستكفيه الأخبار!... دون حرية ستتمكن فقط من استعارة تجارب الآخرين وتقليدهم كخيالهم، ولن تكون أبداً شخصاَ حقيقياً أو روحاً متبلورة.

 

أبوّة الطفل أو أمومته سوف تعني إعطاءه المزيد والمزيد من الحرية، وجعله تدريجياً أكثر استقلالية، والسماح له بخوض غمار المجهول، إلى أماكن وتجارب لم تمرّ أنت فيها من قبل.... على الطفل أن يتجاوز ويتفوق على أهله، عليه أن يجتاز كل الحدود والعراقيل التي عرفتها أنت...

يجب أن نساعد الطفل، لكن دون أي إجبار...

حالما تفرض أي شيء ستقتله وتذبحه قطعاً دون أن تدري...

الروح تحتاج للحرية لكي تنمو وتزهر، الروح تنمو في الحرية وفقط في الحرية...

إذا كنتَ فعلاً أب، ستكون سعيداً إذا كان ابنك متمرداً،

لأنه لا يوجد أي أب يرغب بقتل روح طفله...

 

لكن معظم الناس ليسوا آباء ولا أمهات... أكثرنا للحق كارهون وفي المرض غارقون... وعندما تجبر الطفل على أن يتبعك، أنت ببساطة تقول أنك تريد أن تستبدّ وتسيطر على شخص ما... ولا يمكنك القيام بذلك في الدنيا الخارجية، أما هذا الطفل الصغير، دون حول ولا قوة، على الأقل يمكنك أن تسيطر عليه وتمتلكه..

 

وبهذا تكون رجلاً سياسياً بالنسبة للطفل!... تريد تحقيق بعض الرغبات الغير محققة عن طريقه، كالسيطرة والدكتاتورية والامتلاك.

على الأقل يمكنك أن تكون دكتاتوراً على الطفل، لأنه صغير وضعيف ودون إرادة ومساندة، وهو يعتمد عليك جداً لدرجة أنه يمكنك فرض أي شيء عليه.

لكن بالإجبار أنت تصنع الدمار... أنت تقتل طفلك، ولا تعطيه حقه الذي جلبه عندما ولد، أنت تقتله ولا تربيه ولا تنشئه...

 

وهكذا، الطفل الذي ينصاع ويتبع سيبدو جيداً، لأنه ميت!

والطفل الذي يتمرد ويرفض سيبدو سيئاً لأنه حيّ!

 

لأننا نحن أنفسنا فقدنا فرصة الحياة، سنكون ضد الحياة...

لأننا سلفاً موتى، موتى قبل الموت، نريد دائماً قتل الآخرين...

وطرق القتل خفية... قاتل الجسد مقتول بفعلته، وقاتل الروح لا تدري به الأمم!

باسم الله يمكنك أن تقتل... باسم الحب يمكنك أن تقتل

باسم الرحمة يمكنك أن تقتل... باسم الخدمة والإنسانية يمكنك أن تقتل

ودائماً نجد أسماء جميلة لتبرير وتفسير أعمالنا

لكن الجريمة دائماً موجودة في أعمق أعماقنا

لا حل إلا بالتأمل والصحوة لننجو من الجهل

 

أضيفت في:31-12-2010... أطفال وأجيال> كيف نربي أطفالنا؟
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد