موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

كيف نربي أولادنا بلا طمع وجشع؟

HTML clipboard

إن الطمع والمنافسة هي أساس التعليم الذي نعطيه لأطفالنا... وكنتُ البارحة أتذكر طفولتي وتعليمي منذ الصغر... أدركتُ أنه طيلة واحد وعشرين سنة، كل شيء عملته في المدرسة من اللعب في الحديقة إلى سباقات الرياضة حتى دروس الرياضيات والقواعد... كانت بالأساس تمريناً لي كيف أكسر رؤوس زملائي وأتفوق عليهم!

يبدو أن التعليم هو أكثر تجربة مدمرة للطفل في الحياة... ولا شيء أسوأ منها يجعلنا نفقد التناغم مع العالم حولنا... فكيف يمكن أن نساعد الأطفال ليصلوا إلى كامل إمكانياتهم، دون تغذية روح التنافس السيئة فيهم؟

 

بمجرد أن تبدأ التفكير بالطريقة التي يجب أن تستخدمها كي تنشأ أطفالاً لا يوجد بينهم أي روح منافسة تكون قد وقعت في نفس الخطأ مرة أخرى... مجرد التفكير بنظام معين أو برمجة معينة للأطفال مهما كانت هو شيء خاطئ... فالفكرة ليست بما ستبرمج عليه هؤلاء الأطفال بل بالبرمجة بحد ذاتها حتى لو كانت مختلفة عما تربيتَ عليه أنت... الأمر واحد حتى لو كان بنوايا جيدة...

انظر إلى الأشجار كيف تستمر بالنمو دون أن يعلمها أحد كيف تنمو... الحيوانات... العصافير..الوجود بأكمله ليس بحاجة لأي نظام جاهز أو برمجة.

فكرة التربية والمنهاج المحدد تعني بالأصل صنع العبودية.. والبشرية منذ آلاف السنين كانت ولا تزال تخلق المزيد والمزيد من العبيد تحت أسماء مختلفة وبطرق محترفة.. فقط ببعض التعديل من جيل إلى جيل..

وهكذا الآباء والأجداد دائماً يريدون من أبنائهم أن يكونوا عبيداً لأفكارهم وأن يصيروا شيئاً يشبههم بل مثلهم.. لذلك سؤالك كان: " كيف؟".

بالنسبة لي إن دور الأهل ليس حول مساعدة الأبناء على النمو والكبر، فهم سيكبرون بأية حال حتى بدونك.. دور الأهل هو مساعدتهم ودعمهم وتغذية ما ينمو الآن.. ما هو موجود أصلاً...

لا تعطي لأبنائك أي توجيهات ولا طرق تفكير ومُثل وقدوات وحدوات...

لا تقل لهم ما هو الصواب وما هو الخطأ... دعهم يعرفونه لوحدهم من خلال تجاربهم...

هناك شيءٌ واحد فقط يمكنك القيام به وهو أن تشاركهم حياتك أنت وتجربتك... أخبرهم كيف كنتَ دوماً مقيداً بشروط فرضها عليك أهلك كما فُرضت عليهم من قبل... بأنك عشت حياة محدودة ومحددة وفقاً لقواعد اجتماعية وأخلاقية غبية، وفقاً لعقلية معينة ونمط تفكير تقليدي واحد.. وأنه بسبب تلك القيود والحدود الوهمية لم تعش الحياة الحقيقية... ولهذا أنت لا تريد أن تدمر حياتهم كما فعل بك أهلك... تريدهم أحراراً من كل شيء... حتى منك أنت، فأنت تمثل لهم ماضيهم بأكمله.

وهذا يتطلب حقاً الكثير من الشجاعة والحب من الأب ومن الأم.. ليخبروا أبنائهم:

"عليكم أن تتحرروا منا أولاً... وألا تطيعونا وتقلدونا.. استخدموا ذكاءكم وقدراتكم أنتم... عليكم أن تجدوا طريقكم لوحدكم، حتى لو ضعتم وأخطأتم وتعلمتم من أخطائكم، فذلك أفضل بكثير من البقاء عبيداً دون أخطاء... لأنكم بذلك لن تتعلموا شيئاً سوى التبعية والتقليد، وهذا سم شديد يقتل الروح"

الأمر سهلٌ جداً إذا كان الحب موجوداً.. لا تسأل "كيف".. فسؤالك هذا يعني بأنك تسأل عن أداةٍ ما، نظرية ما، تقنية ما... والحب ليس تقنية أو نظرية...

 أحب أولادك واستمتع بفرحهم بحريتهم... دعهم يرتكبون الأخطاء وساعدهم ليروا أين كان الخطأ...

أخبرهم "أن ارتكاب الأخطاء ليس خطأً أو عيباً.. ارتكبوا أكبر قدر ممكن من الأخطاء، فتلك هي الطريقة لتنضجوا وتتعلموا أكثر... لكن لا تكرروا أخطائكم لا تقوموا بارتكاب الخطأ نفسه مرتين.. فهذا يجعل منكم أغبياء"

لذلك لا تتوقع مني جواباً بسيطاً وحلاً مريحاً... سيكون عليك أنت أن تتعلم وتكتشف ذلك مع أولادك حين تعيش معهم لحظة بلحظة.. سامحاً لهم بأكبر قدر متاح من الحرية حتى بأصغر الأشياء.

 

على سبيل المثال: في طفولتي... وكما هو متعارف عليه منذ أجيال... "نام بكير وفيق بكير وشوف الصحة كيف بتصير"... وفي بلدي يقولون: "من ينام باكراً ويستيقظ باكراً يصبح حكيماً عالماً"....

لقد قلت لوالدي حينها: "كم يبدو هذا غريباً: كيف تجبرني على النوم في المساء بينما أنا لا أشعر حتى بالنعاس". وفي القرية حيث عشت كان المساء مبكراً حقاً، فقد كان الجميع يتناولون العشاء في الساعة الخامسة وفي أقصى الأحوال في السادسة وبعدها لاشيء هناك نفعله.. لذلك على الأطفال الذهاب للنوم.

قلت له: "عندما أكون مفعماً بالحيوية ولا أرغب بالنوم تجبرني على النوم، فأبقى لساعات مستيقظاً في الظلمة عاجزاً عن النوم... في حين علي أن استغل ذلك الوقت في عمل شيء ما.. إبداع ما.. بدل من تضييع ذلك الوقت في انتظار النوم.. فنحن لا يمكننا أن نقرر متى ننام فالنوم ليس بيدنا إنه يأتي لوحده لا يمكننا إجباره.. ثم تقوم بإرغامي على الاستيقاظ في الصباح الباكر عند الخامسة فجراً وتجرني من سريري بينما أنا أشعر بقمة النعاس، وتجبرني على الذهاب والمشي إلى الغابة... أنا حقاً لا أفهم كيف سيجعل ذلك مني حكيماً.. ما علاقة النوم باكراً بالحكمة؟؟!!! هل يمكنك أن تفسر لي ذلك؟؟!! هل يمكنك أن تريني بعضاً ممن أصبحوا حكماء بفضل ذلك؟؟ هل هناك أحد حقاً فأنا لم أرى أياً منهم؟"

وكنت قد سألتُ جدي فأخبرني بأن كل ذلك كلام فارغ لا قيمة له... غريب، لم يكن بتلك العائلة بأكملها أحد صادق سوى هذا الرجل العجوز.. لقد قال لي حينها: "كل ما يقولونه لك هو مجرد هراء، الحكمة لن تأتيك عبر النوم باكراً. لقد فعلتُ ذلك طوال حياتي سبعين عاماً من النوم باكراً، ولم يحدث شيء.. لم تأتي الحكمة ولا أظن بأنها ستأتي.. لقد حان وقت الموت ليأتي لا الحكمة... لذا لا تكن مغفلاً وتصدق تلك الأمثال التي يخبرونك بها"

وبعدها ذهبت لوالدي وقلت له: "عليك أن تفكر من جديد بما تفعله بي، وأرجوك كن صادقاً مع نفسك. امنحني ذلك القدر من الحرية بأن أنام عندما أشعر بالنعاس، بأن النوم قد أتى، وأستيقظ حين يذهب النوم وأشعر بالقدرة على الاستيقاظ... فقط بذلك القدر؟!!"

وبعد التفكير ليوم كامل وجد أبي بأنني ربما كنت على حق لذا قال لي: "حسناً، نم واستيقظ بالوقت الذي تشاء وكما ترى، لا تستمع لكلامي، بل استمع لجسدك"

هذا يجب أن يكون المبدأ: عليك بمساعدة أطفالك في الإصغاء لأجسادهم، لحاجاتهم..

الدور الرئيسي للأهل يكمن فقط بحراسة أطفالهم من الوقوع في مأزق أو خطر واضح...

دور الأهل يعمل بطريقة سلبية ليست فاعلة... لا يوجد أي نظام أو منهج أو برمجة إيجابية، بل طريقة عمل سلبية تحرسهم فقط دون أن تقيدهم... فالأطفال يبقون أطفالاً من الممكن أن يقوموا بما هو مؤذي لهم، بشيء يعيقهم، وهنا أيضاً عليك ألا تأمرهم بالتراجع أو عدم الذهاب بل اشرح لهم خطورة الأمر، لا تجعلهم يطيعونك بل أبقي الخيار متاحاً أمامهم... فقط بيّن لهم حقيقة الأمر.

الأطفال لديهم قابلية للقبول، فإذا احترمتهم سيصغون إليك.... سيكونون على استعداد لفهم ما تقول...

بعد ذلك دعهم مع ذلك الفهم....

تلك العملية ستستمر بالحدوث فقط لبضعة سنوات إلى أن ينضج ذكاؤهم، وبعدها حتى حراستك ومراقبتك لن تبقى لازمة... قريباً سيبدؤون بالتقدم والسير لوحدهم بمركبهم الخاص...

 

أستطيع فهم مخاوف الأهل بأن يسلك أبناؤهم طريقاً لا يعجبهم ولا يروقهم.. لكن تلك مشكلتكم أنتم!

فأطفالكم لم يخلقوا لأهوائكم ورغباتكم.. لما تحبونه أو تكرهونه..

عليهم أن يعيشوا حياتهم وعليكم أن تشعروا بالفرح لأنهم يعيشونها... مهما كانت...

 ربما يصبحون موسيقيين فقراء...

 

كنت على معرفة برجل غني جداً في البلدة وكان يريد لابنه أن يصبح طبيباً.. لكن ابنه لم يكن مهتماً إلا بالموسيقى.. لدرجة أنه لم يكن مجرد هاوي بل كان عزفه جميلا حقاً، وأصبح ذلك معروفاً عنه في البلدة كلها.. كان يستغل كل مناسبة أو حدث ليعزف على عوده حتى أنه صار مشهوراً جداً.

وأراد هذا الفتى الانضمام إلى الجامعة التي تدرّس الموسيقى، وكانت هي الوحيدة التي تكرس كل إمكانياتها لتعليم الموسيقى فقط.. وتحتوي كل ما يتعلق بذلك من فنون الرقص والأدوات وكل ما له صلة بالموسيقى...

أما الأب فقد كان ضد الموضوع كله، لذلك اتصل بي باعتباري كنتُ الصديق المقرب لابنه وقال لي:

"عليك أن تقنعه بأن يتوقف عن ذلك وإلا سينتهي به الأمر متسولاً حتى آخر حياته، العازفون هنا غير قادرين على تأمين لقمة عيشهم، فأجورهم زهيدة جداً وفي أفضل الأحوال سيصبح مدرساً للموسيقى في إحدى المدارس أو الجامعات وكم سيكسب من ذلك؟؟ أجور هؤلاء هي كالأجور التي نعطيها للخدم في منزلنا، وما هي المكانة الاجتماعية والسمعة التي سيشغلها بين الناس؟؟"

العزف والموسيقى في مجتمعنا مرتبطة بشكل وثيق بالرقص والراقصات والعاهرات، فإذا أردت أن تتعلم حقاً كل أبعاد الموسيقى وأن تغوص أكثر في فنونها عليك أن تكون برفقة إحدى الراقصات المشهورات!..

هناك في الهند عائلات مشهورة جداً تدعى بالأسر الموسيقية، إنها ليست عائلات بالمفهوم الذي نعرفه بل هم جماعة من التلاميذ يأخذون منهجاً موسيقياً معيناً من الموسيقى ذاتها، لكن مع اختلاف أو تعديل بسيط، كلٌ له طريقته.. فإذا أردت تعلم الموسيقى عليك الانضمام لإحدى العائلات، وبالتأكيد تلك العائلة لن تكون صحبة جيدة ولائقة بالنسبة لرجل غني محترم.

لكن الابن لم يهمه ولم يزعجه أن يكون برفقة أسرة ما، لذلك ذهب إلى جامعة الموسيقى دون أن يهتم لرأي والده، فغضب منه والده جداً وتبرأ منه.

ولأن والده تبرأ منه ولم يكن لديه أي سبل أخرى، ولأن الجامعة كانت في منطقة بعيدة بين الجبال حيث لا يوجد هناك عمل.. عاد الابن واضطر لأن يعمل مدرساً للموسيقى كما توقع والده.

وقد اتصل والده بي ليقول لي: "انظر إليه الآن لقد أصبح مدرساً فقيراً كما قلت لك، بينما بقية أولادي أحدهم مهندس وأحدهم دكتور والآخر بروفيسور... إلا هذا الأحمق الذي لم يستمع لي! لقد تبرأت منه ولن يحصل مني على قرشٍ واحد وسيبقى معلماً فقيراً لآخر حياته"

لكن ابنه أو صديقي كان بغاية السعادة، لم يكن قلقاً بشأن تخلي عائلته عنه أو بأنه سيعيش حياة الفقراء ولن يرث أي تركة...

تلك الأمور لم تعني له شيئاً أمام ما يحس به من الحرية والسعادة... لقد قال لي:

"كنتُ قلقاً عليهم، لم أرد لهم أن يشعروا بالإهانة لما اخترته، والآن وقد تبرؤوا مني أصبح بإمكاني الانضمام لواحدة من الأسر دون قلق... فأنا لم أعد جزءاً من عائلتهم بعد الآن... أنا حر وبإمكاني أن أكون حيث أردت، جزءاً من أي عائلة موسيقية"

هكذا بتعليمه للموسيقى في المدارس وأصبح فرداً من المدرسة الموسيقية... هو الآن من أشهر وأفضل العازفين في الهند بأكملها...

والمسألة ليست بكونه واحد من أفضل العازفين، بل بأنه الآن يعيش البذرة التي كانت موجودة في داخله... تلك الإمكانية والقدرة الكامنة في أعماقه، إنه الآن يعيش ذاته...

فعندما تتبع حدسك الداخلي وتلك القدرة الكامنة فيك ستكون دوماً فريداً، وستكون الأفضل... أما إذا ابتعدت عن ذاتك وإمكانياتك ومشيت في اتجاهات أخرى ستبقى مثل غيرك نسخة عادية تقليدية دون مستوى المتوسط...

المجتمع بأكمله مكون من أشخاص تقليديين متوسطين الغباء، لسبب بسيط جداً أنه لا أحد يعيش ما خُلق لأجله... لا أحد يكون ما قدّر له أن يكون.... إنه دوماً يقلد شخصاً آخر.. غير حقيقته، لذا أي شيء سيقوم به لن يجعله الأفضل... لن يمنحه الشعور بالرضا والمتعة، لأنه لا يفعل ما يحب ويرغب فكيف سيستمتع بفعله؟...

 

إذاً دور الأهل دورٌ حساس وثمين جداً، لأن حياة الطفل بأكملها تعتمد عليه... لا تعطي طفلك أي برمجة حتى ولو كانت إيجابية، فقط ساعده بالطريقة التي يريدها هو..

على سبيل المثال... عندما كنتُ صغيراً كنت أتسلق الأشجار لأحصل على حبات المانغا... وكان هناك أشجار قوية صلبة أغصانها غليظة غير قابلة للكسر، حتى أنه يمكنك تسلقها لتصل إلى قمتها دون الخوف من السقوط أو تكسر أحد الأغصان... وهناك أشجار لينة ليست صلبة كفاية لتسلقها وأغصانها قابلة للتكسر بسهولة... ولأنني اعتدت تسلق الأشجار لأحصل على أنواع الفاكهة اللذيذة، كانت عائلتي قلقلة دوماً علي حتى أنهم كانوا يرسلون أحداً ورائي ليمنعني من التسلق.

فقلت لوالدي: "بدلاً من أن تمنعي من التسلق اشرح لي أي الأشجار التي من الخطر تسلقها لكي أتجنبها، وأيها صالح لذلك لكي أتسلقها... أما إذا حاولت منعي من التسلق سيكون هناك خطر علي من أن أتسلق الشجرة الخطأ وستكون أنت المسؤول عن ذلك... فربما أموت أو أقع فتتحطم عظامي وأؤذي نفسي.. لذا أنا أخبرك بأنني لن أترك التسلق.. أنا أحبه.. من أجمل التجارب أن تكون في أعلى الشجرة والشمس تشرق والريح تهب من حولك فتتمايل الأشجار وكأنها ترقص.. إن ذلك المشهد يملؤني بالسعادة... لذا اشرح لي لكن لا تعطني أمراً قطعياً: توقف عن تسلق الأشجار... فأنا لن أتوقف عن ذلك"..

وهكذا كان على والدي أن يذهب معي بجولة في جميع أنحاء البلدة ليريني أي الأشجار خطرة لا تصلح للتسلق.. وهنا سألته سؤالاً آخر: "هل تعرف من هو أفضل متسلق في البلدة يمكنه تعليمي كيف أتسلق حتى الأشجار الخطرة؟؟"

فأجابني:" يااااااه، أنت لا تحتمل! لقد قلتَ لي بأنك فهمت الموضوع..."

فقلت له: "نعم فهمت وسأتبع ذلك فأنا نفسي قد اقترحته... لكن الأشجار التي قلت بأنها خطرة هي الأشجار التي لا يمكن مقاومتها، فهي تحمل أكثر نوع أحبه من الفاكهة... إنه لذيذ جداً وأخشى ألا أستطيع مقاومة إغواء تلك الحبات لي حين تنضج.. أنت والدي، ومن واجبك إخباري.. لابد أنك تعرف شخصاً ما يمكنه مساعدتي"

فأجابني: "لو كنتُ أعلم بأن مهمة الأب ستكون صعبة هكذا لما صرت أباً.. على الأقل أباً لك أنت!! نعم أعرف شخصاً يمكنه مساعدتك"..وهكذا عرفني على رجل كبير في السن كان متسلقاً محترفاً... الأفضل.

كان هذا الرجل يعمل حطاباً وقد تقدم به العمر لدرجة أنك لن تصدق أنه قادر على تقطيع الأخشاب.. لكنه كان يقوم فقط بالأعمال النادرة التي لا يستطيع أحد غيره القيام بها..

فعمله يتضمن تقطيع الأغصان من الأشجار الضخمة التي تمتد أغصانها لتغطي المنازل، فكان يقتطعها دون أن يحدث أي أضرار في المنزل أو يلحق الضرر بالشجر... كانت لديه خبرة فريدة فكان يربط الأغصان التي يريد قطعها جيداً إلى الأغصان المجاورة كي لا تسقط... ثم يشدها بحبال أخرى بعيداً عن المنزل ويفصلها عن الشجرة لتسقط بسلام.

وبالرغم من سنه الكبير إلا أن الجميع كانوا يستعينون به في مثل هذه الحالات....

وهكذا طلب إليه والدي أن يعلمني شيئاً يساعدني بتسلق الأشجار الخطرة خصيصاً.

وقلت له: "نعم فأغصانها تتكسر وقد وقعت إلى الآن مرتين أو ثلاث ولا زلت أحمل آثار الكدمات على قدمي"..

عندها نظر إلي هذا الرجل وقال: "لم يأتي إلي أحد من قبل ويطلب مني شيئاً كهذا، خاصة كأب يحضر ابنه إلي لتعلم ذلك!... إنه أمر خطر لكن إذا كنت تحبه لا بأس سأعلمك".

وهكذا أراني الكثير من التقنيات والطرق لأحمي بها نفسي عند التسلق: "إذا أردت أن تتسلق لأعلى الأشجار دون أن تقع، أولاً عليك أن تربط نفسك بحبل إلى النقطة التي تجدها صلبة ومتينة كفاية من الشجرة ثم تصعد للأعلى، وهكذا إن وقعت ستبقى مربوطاً بالحبل وتتدلى من الشجرة دون أن تلامس الأرض".. وهذا ساعدني حقاً فمنذ ذلك الحين لم أقع أبداً.

إن وظيفة الأب والأم عظيمة جداً فهما يجلبان ضيفاً جديداً إلى هذا العالم.. وهذا الضيف لا يعرف شيئاً لكنه يجلب معه إمكانية ما... وما لم يكتشف تلك القدرة والبذرة التي يحملها بداخله لن يشعر بالسعادة وسيبقى محبطاً ضائعاً...

لا يوجد أي أهل في الدنيا يريدون لأولادهم أن يبقوا غير سعيدين... لذلك يفكر الأهل بطريقة خاطئة ويظنون أنهم بجعل أطفالهم مهندسين وأطباء وعلماء يجعلون منهم سعداء... ببساطة لا يعلمون!

لا يعلمون أن سعادتهم تأتي حين يكونون ما أتوا إلى هنا ليكونوه... لا يمكنهم سوى أن يكونوا البذرة التي يحملونها في أعماقهم.. لذا ساعدوهم بأي طريقة ممكنة، قدموا لهم الحرية.. الفرص.. الإمكانيات...

 

تعودنا عندما يسأل الطفل أمه عن أي شيء، ترد الأم فوراً دون حتى أن تصغي لما يسأل وتقول: "لا"..

كلمة "لا" أصبحت الجواب الرسمي للأهل الذي يظهر سلطتهم... أما "نعم"...اختفت.

هكذا أصبح الأب والأم، وكل شخص غيرهما في السلطة أو الحكومة، لا يريد أبداً أن يقول كلمة "نعم".. حتى لأي تصرف عادي يقوم به الطفل..

الطفل يريد أن يلعب في خارج المنزل: "لا"..

الطفل يريد أن يخرج من المنزل عندما تمطر ليرقص تحت قطرات المطر: "لا سيصاب بالزكام"..

لكن الزكام ليس سرطاناً...

ذلك الطفل الذي مُنع من الرقص تحت المطر حينها، لن يكون قادراً على الرقص فيما بعد... لقد فقد شيئاً ثميناً وجميلاً جداً..

الزكام شيءٌ لا يقارن أمام متعة الرقص تحت المطر... حتى أنه ليس بالضرورة أن يصاب أصلاً بالزكام.. في الواقع كلما قمتَ بوقاية ابنك أكثر كلما نقصت مناعته وأصبح ضعيفاً... كلما تركته أكثر يعيش أية ظروف صعبة ستزداد مناعته ويصبح أقوى...

على الأهل أن يتعلموا كيف يقولون "نعم"... ففي 99% من الحالات التي يقولون فيها "لا" تكون فقط لإظهار سلطتهم...

لا يقدر كل شخص على أن يكون رئيساً أو ملكاً ويحكم الملايين من الناس... لكن يستطيع أي شخص كان أن يصبح زوجاً ويملك السلطة على زوجته... وكل زوجة تستطيع أن تكون أماً فتملك السلطة على أبنائها...

وكل طفل يستطيع الحصول على دمية الدب فيمتلك السلطة على لعبته... يركلها من زاوية إلى زاوية ويصفعها.. صفعات يريد حقاً صفعها لأمه أو لأبيه... وتلك الدمية المسكينة ليس لها سلطة على أحد...

هذا هو مجتمع السلطة والتسلط...

وأنا أتحدث عن خلق أجيالٍ تملك حريتها... أجيال قيل لها "نعم" ونادراً ما سمعت كلمة "لا"..

عندها سيختفي مجتمع التسلط والقضبان... ويأتي مجتمع الإنسان...

المسألة لا تتعلق فقط بالأطفال، بل أيضاً بما سيفعله هؤلاء الأطفال... الذين سيصنعون المجتمع القادم..

الطفل هو دوماً الأب في المستقبل... فلنقرأ ونفهم ونعمل قبل أن نرحل...

أضيفت في:31-12-2010... أطفال وأجيال> كيف نربي أطفالنا؟
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد