موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

لماذا صار الاسترخاء والتأمل صعباً على الإنسان الحديث؟

http://www.alaalsayid.com/images/articles/Sleeping%20Dogs-web.jpgلأن العالم بحاجة لأشخاص مدمنين على العمل.. بحاجة لجعل الناس عبيداً وطبقة عاملة.. عمالاً مجتهدين يعملون مثل الآلات تماماً.. لذلك كان ولا يزال فلاسفة ودعاة الأخلاق والمتشددون يعلّمون الناس أن العمل له قيمة جوهرية في الحياة.. لكن العمل ليس له قيمة.

العمل له قيمة ما، لكنها من النوع الأدنى.. إنه حاجة، لأن الناس عندهم معدة ويحتاجون للخبز والزبدة.. يحتاجون للثياب والمأوى ليحميهم من الشتاء.. وتم استغلال هذه الحاجة الطبيعية إلى أقصى درجة.. يتم إجبار الناس على العمل، لكن كل ما ينتجونه لا يعود إليهم بل إلى الناس الذين لا يعملون.

كان المجتمع دائماً وسيبقى مجتمعاً استغلالياً.. مقسوماً إلى أشخاص يمتلكون وأشخاص لا يمتلكون... الذين لا يمتلكون عليهم العمل لمجرد البقاء أحياء، والذين يمتلكون يستمرون بتكديس جبال من الأموال... هذه حالة بشعة جداً وغير إنسانية.. بدائية وهمجية.

الناس الذين يعملون نجدهم فقراء مساكين وجائعين، ليس لديهم وقت للثقافة أو الموسيقى أو الرسم.. لا يمكنهم حتى تخيّل وجود عوالم في منتهى الجمال من الفنون والاحتفال.. لا يمكنهم حتى تخيّل وجود شيء مثل التأمل.. يكفي بالنسبة لهم الحصول على وجبة طعام كل يوم.

 

صار الاسترخاء والاستسلام صعباً جداً، لأن هذا كان مداناً دائماً بأنه كسل وبلادة.. كان شيئاً مضاداً للمجتمع المدمن على العمل.

الاسترخاء يعني أن تبدأ تعيش بطريقة عقلانية أكثر.. لم تعد تركض بجنون خلف المال والزبائن، لا تستمر بالعمل والتفكير به ليل نهار، بل تعمل فقط لأجل حاجاتك المادية.. ولكن هناك حاجات روحية أيضاً!

العمل هو شيء ضروري للحاجات المادية، والاسترخاء شيء ضروري للحاجات الروحية.. لكن معظم البشرية كانت ولا تزال محرومة تماماً من أي نمو روحي.

 

الاسترخاء والاستسلام بسلام هو واحد من أجمل الأماكن.. أنت توجد هناك فيه ببساطة.. لا تفعل شيئاً، تجلس بصمت، تنتش البذور وتعطي الخضار والأزهار من تلقاء ذاتها.. أنت ببساطة تستمع وتستمتع بأغاني الطيور وعطور الأزهار وخضار الأشجار... كل هذه العوالم الأخاذة من العطر واللون والسحر.. ليس عليك القيام بأي شيء حتى تختبر الوجود، بل عليك التوقف عن العمل والفعل... عليك أن تكون في حالة غير مشغولة أبداً دون توترات ومقلقات.

 

في هذه الحالة من الهدوء والسكينة، ستصل إلى تناغم وتوليف محدد مع الموسيقى الكونية المحيطة بنا.. ستُدرك فجأة جمال الشمس.. هناك ملايين الناس الذين لم يستمتعوا مطلقاً بمنظر الغروب أو الشروق.. لا يمكنهم احتمال تكاليف ذلك! فهم يعملون دوماً ويُنتجون.. ليس لأنفسهم بل لأصحاب المصالح الماكرين.. أولئك الجالسون في مراكز القوة والسلطة والقادرون على التحكم بالبشر.

من الطبيعي أن يعلّموك أن العمل هو شيء عظيم يا فهيم، لأنه يدعم مصالحهم.. وهذا التشفير صار عميقاً لدرجة أنك صرتَ حتى لا تعرف لماذا تعجز عن الاسترخاء والعيش بهناء.

 

حتى في أيام العطل والأعياد يستمر الناس بفعل شيء أو آخر.. لا يمكنهم الاستمتاع بالعطلة بمجرد الاسترخاء في الحديقة أو على الشاطئ وتنفس هواء البحر المالح المنعش.. لا.. ستجدهم يفعلون أي شيء غبي في يوم العطلة.. وإذا لم يكن عندهم أي شيء، سيفككون الغسالة أو البراد الذي كان يعمل جيداً، أو يفككون ساعة جدهم القديمة التي كانت تعمل بدقة طوال قرون ويحاولون تحسين عملها... لكن في الأساس لا يمكنهم الجلوس بصمت، هذه هي المشكلة.. عليهم فعل شيء ما وعليهم الذهاب إلى مكان ما.

في كل الأعياد، يتدافع ويتسابق الناس إلى المطاعم المشهورة أو إلى الشواطئ، ليس للاسترخاء فيها لأن ملايين الناس يذهبون إليها في العيد.

الأعياد هي أفضل الأوقات للبقاء في البيت، لأن المدينة كلها تذهب إلى الشاطئ وتتدافع السيارات في الازدحام... عندما يصل الناس إلى الشاطئ يجدونه ممتلئاً ولا يوجد مكان حتى للجلوس.. انظر الصورة

http://www.alaalsayid.com/images/articles/a-beach-in-china-web.jpg

بالتأكيد حتى البحر يضحك على غباء هؤلاء الناس

سيجلس الناس على الشاطئ بضعة دقائق، ثم يحتاجون للمثلجات والمشروبات... وقد جلبوا معهم المذياع والتلفاز المحمول والجوال والواتس أب، كل شخص يسمع الأغاني والأخبار ويدردش مع الآلات.. بعدها ينتهي وقت الاستراحة بسرعة لأن عليهم مجدداً خوض سباق العودة إلى البيت!

في أيام الأعياد تحدث حوادث سيارات عبر العالم أكثر من الأيام العادية.. تتحطم السيارات ويموت الناس فيها.. فعلاً شيء عجيب! طوال خمسة أيام من العمل في الأسبوع، ينتظر الناس بفارغ الصبر قدوم يوم أو يومين العطلة.. وفي هذين اليومين ينتظرون ببساطة مكاتبهم ومعاملهم لتفتح مجدداً.

 

لقد نسي الناس تمامأً لغة الاسترخاء.. تم دفعهم عمداً إلى نسيانها..

كل طفل يولد ولديه قدرة داخلية فطرية على الاسترخاء، ولا حاجة لتعليمه كيف يسترخي.. راقب الطفل كيف يعيش ويلعب بمرح واستسلام... لكنكم لا تسمحون لأطفالكم بالاستمتاع بهذه الحالة من الجنة.. ستقومون فوراً بتحضيرهم للحضارة.

الطفل كائن بدائي غير متحضر.. والأهل والمعلمون وكل الناس يدفعون الطفل إلى سخافة الثقافة والحضارة ليصبح جزءاً من المجتمع...

لا أحد يهتم ما إذا كان المجتمع مجنوناً تماماً.. من الجيد إذا بقي الطفل كما هو، ولا نقوم بإدخاله عنوة في المجتمع وما نسميه حضارة.. لكن مع كل النوايا الحسنة لا يقدر الأهل على ترك الطفل كما هو لوحده.. عليهم أن يعلموه في المدارس والجامعات لكي يتعلم كيف يعمل وكيف يصبح منتجاً وكيف يصبح قوياً منافساً لغيره... عليهم تعليمه: "إذا لم تصل إلى القمة والمقدمة ستخذل كل آمالنا وأحلامنا".

وهكذا يركض كل شخص ليصل إلى القمة... فكيف يمكنك الاسترخاء؟!

 

إن كل طرق التأمل ليست إلا طرقاً تساعدك على تذكر فن الاستسلام والتسليم.. على التذكر، لأنك تعرفه بالأساس ولا تزال تعرفه، لكن تلك المعرفة تمّ كبتها من قبل المجتمع.

عليك تذكر بعض المبادئ البسيطة: يجب على الجسد أن يكون نقطة البداية.. عندما تستلقي في سريرك، وأنت تستلقي فيه كل يوم لذلك لا حاجة لشيء خاص، عندها وقبل قدوم النوم، ابدأ بعيون مغلقة بمراقبة الطاقة بدءاً من قدميك... وانتقل بالتدريج وببطء.. فقط راقب من الداخل: هل هناك توتر ما في مكان ما؟ في الساقين أو الفخذين أو في المعدة؟ هل هناك شدّ أو ضيق؟ وإذا وجدتً توتراً ما حاول ببساطة أن تُرخيه.. ولا تنتقل من تلك النقطة ما لم تشعر بقدوم الاسترخاء إليها.

تحرّك أيضاً عبر اليدين والساعدين.. لأن اليدين هما فكرك وموصولتان به.. إذا كانت يدك اليمنى متوترة فنصف دماغك الأيسر يكون متوتراً.. اليد اليسرى متوترة فالدماغ الأيمن متوتر... ابدأ الآن من يديك وتذكر أنها فروع من شجرة فكرك.. بعدها في النهاية تصل إلى الفكر.

عندما يسترخي الجسد بكامله، يكون 90% من الفكر قد استرخى، لأن الجسد ليس إلا امتدادات من الفكر وإسقاطات.. بعدها هذه الـ10% توتر في الفكر، راقبه ببساطة، مجرد مراقبة الغيوم سيجعلها تختفي وتظهر السماء بصفاء.

ستحتاج هذه الطريقة بضعة أيام منك.. فهي موهبة يمكنك تعلمها.. ستعيد إحياء اختبارك للطفولة عندما كنتَ مسترخياً جداً.

 

هل راقبتَ الأطفال وهي يقفزون ويلعبون؟ إنهم يستمرّون بالوقوع على الأرض كل يوم دون أن يتأذوا أو يصابون بكسور.. جرّب بنفسك.. عندما ترى طفلاً يقع، دع جسدك يقع مثله دون خوف أو تفكير.

 

بالإضافة للاسترخاء، صارت الضحكة مفقودة أيضاً.. مع أن الضحكة أكثر أهمية من أي صلاة، لأن الصلاة لن تعطيك الاسترخاء بل تزيد الفكر والحسابات وعدد الحسنات والركعات والطمع بالجنات... هذه الصلاة تجعل الناس أكثر توتراً.. أما في الضحك أنت تنسى كل التشفير وكل تدريبات المجتمع وجدّيته.. فجأة تتحرر من كل شيء للحظة خاطفة.

 

عليك تجميع لحظات واختبارات الاسترخاء من مصادر مختلفة، وقريباً ستحصل على سر الاسترخاء الذي لا ينتهي... وهو شيء أساسي لكل شخص يريد عيش واختبار الحقيقة... هذا سيحررك من التشفير على إدمان العمل.. ولا يعني أنك ستصبح كسولاً، بل على العكس، كلما صرتَ مسترخياً أكثر صرتَ أكثر قوة وطاقة.. سيبدأ عملك بحمل نوعية جديدة من الإبداع وليس الإنتاج... كل ما ستفعله ستفعله من كل قلبك وكامل محبتك.. سيكون عندك طاقة هائلة للقيام به.

لذلك، الاسترخاء ليس شيئاً مناقضاً للعمل.. في الواقع، الاسترخاء يحوّل العمل إلى عبادة وإلى تجربة من الإبداع والولادة في كل لحظة..

 

عندما تضحك اضحك بشكل حقيقي وعميق.. والضحكة ستزيل التوتر من وجهك وجسدك... من معدتك وفكرك... ستشعر فجأة بنوع مختلف تماماً من الطاقة داخلك.. وإلا فمعظم الناس يشعرون بصخور وعقد في معدتهم.

ذهب أبو العبد إلى طبيب اختصاصي مشهور عالمياً لكي يفحصه ويشخص مرضه.. سأل أبو العبد: كم تريد أجرة الفحص؟

قال الطبيب: الأجرة هي خمسة آلاف ليرة

استغرب أبو العبد وقال: خمسة آلاف! مستحيل!!

قال الطبيب: في حالتك، يمكنني تعديل الأجرة إلى ثلاثة آلاف.

قال أبو العبد: ثلاثة آلاف أجرة زيارة واحدة! غير معقول..

 قال الطبيب: حسناً، هل يمكنك دفع ألف وخمسمائة؟

قال أبو العبد: ومن يمتلك كل هذا المبلغ؟!

قال الطبيب: آه.. إذاً أعطني خمسمائة فقط وارحل

قال أبو العبد: أستطيع إعطاءك مائتان فقط.. إما أن تأخذها أو لا تأخذها!

قال الطبيب: لا أستطيع أن أفهمك.. لماذا أتيتَ إذاَ إلى أشهر وأغلى طبيب في المدينة؟

أجاب أبو العبد: طبعاً أيها الطبيب.. عندما يتعلق الأمر بصحّتي، فلا يوجد أي شيء غالي الثمن!

 

كان أبو صطيف صديق أبو العبد، يأخذ دورة مسائية كل يوم في محو الأمية... عندما التقيا سوية سأل أبو صطيف: هل تعرف من هو أوباما أبو عماما؟

أجاب أبو العبد: لا أعرف

قال أبو صطيف: هذا رئيس أميركا... وهل تعرف من هو كاميرون أبو قرون؟

أجاب أبو العبد: لا أعرف

قال أبو صطيف: هذا رئيس وزراء بريطانيا... ألا ترى أنك بحاجة إلى دورة محو الأمية المسائية؟ تعال معي غداً.

قال أبو العبد: الآن أنا عندي سؤال لك... هل تعرف من هو "جوان مش نعسان"؟

قال أبو صطيف: لا أعرف

قال أبو العبد: هذا جارك الأجنبي الذي ينام مع زوجتك عندما تكون في الدورة المسائية!

 

اقرأ أكثر:

  ...الوعي والاسترخاء

  ...((قصة التأمل))

  ...كيف نربي أولادنا بلا طمع وجشع؟

  ...دع الضحك يكون تأملك

  ...تأمل واضحك كالطفل

أضيفت في:23-1-2015... زاويــة التـأمـــل> تأمل ساعة
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد