موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

المشاعر و العواطف .. الجزء الأول

في موضوع طويل من ثلاثة أجزاء، سنحاول معاً توضيح التشويش المنتشر عن الفرق بين المشاعر والعواطف.

 

..الوصول للجواب الجوهري..

عن الدور الذي يلعبه الفكر:

 

...كل شخص لديه قلبٌ لا يزال يتذكر، لا يزال يعرف ما هي "الحالة الأولى الأصلية للكيان".

...كل شخص لديه فكر، وهو كتلة يجتمع فيها التفكير وكل الأفكار وقواعد الحضارة والثقافة والبرمجة الاجتماعية... كل شيء بدءاً من اللغة وحتى ما هو مقبول أو غير مقبول ضمن العائلة، ضمن الأقارب، الفئة الاجتماعية، مكان العمل.. وغيرها الكثير من الشروط... لذلك الفكر هو أساس كل تشفير.

 

لأجل التوضيح، دعونا نبدأ من بعض الأساسيات المباشرة:

 

الشعور الفطري الأولي: الحب

فكّر ولو للحظة بروعة وجمال كيان الطفل الرضيع... ليس تلك اللحظات التي يُعبّر فيها عن انزعاجه مثل الجوع أو الحاجة للحضن، بالوسيلة الوحيدة عنده وهي البكاء... لا...

فكّر بالجانب المضيء المشرق، بالعيون الصافية والعفوية، بأصوات ضحكاته المتنوعة: وهي دليل صافي على فرحه وحريته وعدم مبالاته بشيء، وعلى ثقته وغِبطته الحيّة في اللحظة....

هذه هي الحالة الطبيعية للإنسان، والتي للأسف، يتم كبتها ودفعها إلى العتمة بواسطة البرمجة والتشفير الاجتماعي.

هذه الحالة الطبيعية... يسترجعها أولئك الذين يعرفون ويستنيرون بنور الحيّ والحياة... بهذا يحررون أنفسهم من كل أشكال التشفير.. بكلمات أخرى، لقد حرروا أنفسهم من الحدود التي يفرضها الفكر.

طرق التأمل العميقة... والعلاجات التأملية مثل التي تعتمد على التعبير العفوي عن العواطف وتلك التي تعتمد على التنفس مثل إعادة الولادة وغيرها، يمكن أن تعطيك لمحة أو طعماً من حالة الاستنارة واختباراً لهذه الحالة الطبيعية لكيان الإنسان.

 

الفكر:

الفكر هو منزل الأنا، مصدر المنطق والأحلام وقدرتنا على التعلّم... والشيء الذي نتعلّمه فوق كل شيء آخر هو كيفية التعامل مع الأشخاص الكبار الذين نلتقي بهم، نتعلم ماذا يجب أن نفعل لأجل إسعادهم لكي يعتنوا بنا فنحن أطفال صغار دون حول أو قوة.

الفكر هو منزل اجتماع كل أفكارنا، ذكرياتنا، أنماط سلوكنا وكل الألعاب التي نحملها بسبب التشفير، بما فيها الأشياء الأساسية كاللغة والقواعد الاجتماعية المطبقة في عائلتنا، في مجتمعنا المحلي وكذلك في البلد والأمة.

يجب أن نتذكر دائماً... نحن بحاجة للفكر لكي نعيش ونتعامل مع المجتمع.. الفكر هو خادم رائع إذا بقي خادماً، وإلا سيتحول إلى سيد بشع.

 

تذكّر... عندما ولأول مرة، يحدث لك شيء أبعد من الكلمات..

أن الحياة ذاتها قد حدثت لك..

 

القلب:

القلب لديه لغته الخاصة به الخالية من الكلمات... وندعوها "الشعور".

هذا مستوى اختبار مختلف عن الاختبار الأوّلي للغبطة عند الطفل... لقد صار الآن مرتبطاً بالسعادة، الحزن، خيبة الأمل، الغضب، الكراهية، الغيرة، الإحباط، والرغبة...

عندما تتراكم هذه المشاعر داخلنا، تبقى دون معالجة في الجسد المادي، محبوسة في بنى المفاصل والعضلات والوجه (هذه هي الدروع التي تحدث عنها وليام رايخ).

في النهاية، المشاعر هي رسائل كيميائية مثل الهرمونات والببتيدات القادرة على ملئ الجسم، وتحتاج فترة من الزمن حتى تزول... تاركةً ندوباً وعقداً داخلية ملموسة، تنتظر تحريرها بشكل ملائم عبر التعبير عن مشاعرنا.... هنا نجد أهمية التأملات النشيطة مثل التأمل الديناميكي.

 

العواطف:

إنها المشاعر التي ليس لها رسن أو كابح، والتي يتم التعبير عنها جسدياً:

الحزن يصبح دموعاً، الغضب يُترجم إلى لغة صراخ وأفعال عنيفة، الفرح يعبّر عن نفسه بالضحك والرقص والمرح.

الأطفال الصغار (بشكل عام) هم أمثلة نموذجية.. إنهم يعبّرون عن مشاعرهم بوضوح كبير.. إنهم عاطفيون طبيعياً.. إلى أن يبدأ دخول الكبت والتشفير ويكتشفون أن الأفضل والأأمن لهم الانغلاق وحتى إطفاء كل العواطف... يتعلم الطفل سريعاً كيف يتحكم بنفسه عندما يتلقى تعليمات صارمة مثل: "تصرّف بشكل لبق ولائق!"... "عيب عليك!"... "إلى متى ستبقى طفلاً صغيراً؟!".... بالتأكيد سيتحكم بنفسه لأن بقاءه مهدد إذا لم ينفذ التعليمات.. لكن تلك المواد الكيميائية تبقى في الجسم وتسبب ضرراً كبيراً على شكل أمراض جسدية ونفسية، قلة الحركة والمرونة، التعب العام، قلة الحيوية وضعف المناعة.

تذكر أيضاً، العاطفة هي حركة للطاقة.. شيء من الداخل يذهب للخارج..

 

دور الفكر:

إن المشاعر المعروفة مثل الحزن، الغضب، الغيرة، الإحباط والرغبة.. لا "تحدث" مجرّد حدوث قادم من فراغ... بل يلعب الفكر دوماً دوراً حاسماً، بغضّ النظر عن عمرك أو جنسك.

هذه المشاعر (حزن، غضب، غيرة..) هي نتيجة للمقارنة:

الواقع يختلف عن الفكرة أو الصورة الداخلية.. وتلك الفكرة أو الصورة تنشأ في الفكر، بشكل واعي أو غير واعي.

 

* بشكل واعي: "لقد كنتُ أنتظر وأترقب نزهة رائعة على دراجتي الهوائية يوم الجمعة، لكن الطقس أصبح سيئاً جداً فألغيت المشوار... الآن بعد أسبوع أنا في المكتب وأتذكر ذلك.. يمكنك رؤية مقدار الإحباط عندي".

* بشكل غير واعي: رجلٌ يعتقد أن كل شيء جيد ومثالي في علاقته، لكنه يعود للبيت في أحد الأيام ليجد أن زوجته قد هجرته.

 

في معظم الحالات التي نمرّ بها، يكمن السبب في المقارنة غير الواعية وهي التي تقدح المشاعر... من المهم هنا أن نتذكر.. أن جزءاً مهماً من عملية تطوير وزيادة وعينا، يتضمن تحرير أنفسنا من التفكير وأنماط التفكير الآلية غير الواعية.

 

أمثلة:

1- الغيرة (عند الرجل): إنها زوجتي، ولا يحق لها التصرّف بتلك الطريقة مع رجل آخر.

    الغيرة (عند المرأة): إنه زوجي، يجب أن يقضي معظم وقته وحياته معي أنا وليس مع امرأة أخرى.

2- الحزن (بعد فقدان أو خسارة): أنا أفتقدها ومشتاق لها أو له... سواء لشخص أو لشيء.

3- خيبة الأمل: توقعتُ قبولي في ذلك العمل، لكنهم رفضوني.

 

لأجل التبسيط والتوضيح، نعيد صياغة الأمثلة الثلاثة:

 

1- الشريك لديه صورة أو فكرة عن كيف يجب أن تكون الحالة.. لكن الواقع مختلف.

2- لقد أُصبتَ بالحزن نتيجة غياب ذلك الشخص أو الشيء من حياتك، أنت متمسّك بصورة أو فكرة لم تعد تمثل الواقع.

3- أنت متمسك بصورة عن كيف يجب أن تكون الحالة وفقاً لك ولأفكارك، وتستمر بإيجاد صعوبة في قبول الواقع وقبول اللحظة الحاضرة.

 

الحالة الثالثة هي مثال نموذجي عن ضعف بشري عادي جداً... لكنه في الحقيقة، غياب للبصر وانغلاق للبصيرة: ..نعتقد أن الواقع الحالي هو أزمة وكارثة ضخمة.. لكن غالباً إذا أعدنا النظر إليه بعد 5 أو 10 سنوات سنكتشف حينها أنه كان نعمة كبيرة.. (الرفض من العمل هنا).

 

...الحياة... ليست ما يحدث لك.... بل ماذا تفعل بما يحدث لك!

...إذا أعطتك الحياة ليمونة حامضة... اصنع منها شراب ليموناضة!

 

إن الشعور الأولي الفطري من الغبطة والمحبة هو الشعور الحقيقي الوحيد.. المشاعر الأخرى (يجب عدم تسميتها مشاعر) تتواجد كوظيفة من وظائف الفكر وقدرته على التخيّل وصنع الصور الفكرية المتناقضة مع الواقع.

 

الغِبطة و الحب:

قديماً منذ 450 سنة قبل الميلاد، قال أبقراط أبو الطب أن كل العواطف لها مصدر في الدماغ.... وما ظهر لاحقاً بوضوح، هو أن الحب فقط، أنقى وأكمل حالة للكيان، الشعور الفطري البدائي الأول، هو تعبير من القلب.. بكل نقاوته وبساطته.

المشاعر والعواطف الأخرى جميعها مربوطة بطريقة عمل الفكر.

 

قريباً.. الجزء الثاني

 

أضيفت في:18-12-2015... زاويــة التـأمـــل> العلم و التأمل
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد