موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

المشاعر و العواطف .. الجزء الثاني

المشاعر المزيفة:

كثيراً ما ندعو حالات الخجل، الذنب، والخوف، أنها عواطف.. وهذا خطأ.

إنها ليست مشاعر ولا عواطف، بل ردات فعل جسدية تجاه قواعد السلوك السائدة والتي هي جزء من تشفير المجتمع لنا.

 

دعونا نبدأ من الخوف... إن أعمق جزء من دماغنا هو دماغ بدائي مثل دماغ الزواحف.. وهو مبرمَج طبيعياً لمساعدتنا في التعامل مع الحالات الخطرة.. هذا هو السلوك الشهير (قاتل أو اهرب)... لحسن الحظ، لا تزال هذه الآلية فعالة في الحالات الخطيرة فعلاً.. ويمكنها إنقاذ حياتنا أو بالأحرى تسمح لنا بالعيش أطول.

لكن هذا الجزء من الدماغ لا يميّز بين الذئب المختبئ خلف الشجرة، وغرفة مليئة بالجمهور الذي ينتظر محاضرة منك..

الاستجابة الجسدية (المنعكس الشرطي المبرمج) تكون متطابقة دوماً.. وهي ارتفاع فوري لمستوى الأدرينالين مع عدة ردود فعل جسدية مرافقة: حاجة للتبول أو التغوط، تعرق الجسم، تسارع التنفس، يصبح التنفس سطحي وأعلى أي فقط بمستوى الصدر، تصبح الرؤية حادة ويتضيّق تركيزنا على أكثر شيء مهم في اللحظة... كل هذه العوارض الجسدية مجتمعة ندعوها "الخوف"...

"أوووه.. أنا خائف جداً من الوقوف أمام كل هذا الجمهور!".. في الحقيقة، من الممكن تعلّم كيف تتحكم بالعوارض الجسدية.. تذكر.. أنت فعلاً بحاجة لبعض الأدرينالين لتنفيذ المهمة ومواجهة التحدي المطلوب.. لكن الأمر يعود لك في أن تكون السيد على فكرك وجسدك معاً.

 

المشاعر المزيفة.... تنتج من التشفير

 

الخجل والذنب يعملان بطريقة مختلفة قليلاً، لأن البرمجة الطبيعية (المنعكس الشرطي) مفقودة، وفي هذه الحالة يكون السبب في البرمجة الاجتماعية.

 

...محمود يعيش في عائلة بسيطة متواضعة.. مكوّنة من عمال غير محترفين.. قالوا له: عليك أن تخجل ولا تفعل أي شيء لا يفعله جارك فادي، الذي يعيش في عائلة مثقفة ومتخرجة من الجامعات.

 

...سوزان نشأت في عائلة، كانت الأم تقول لها وتستخدم تعبيرات مثل: "عيبٌ.. عليكِ أن تخجلي من نفسك لقيامك بذلك!"... بسماعها نبرة صوت أمها المؤنبة وكلماتها ونظراتها القاسية، شعرت سوزان بالضآلة والضعف والهشاشة.

الحاجة للحب، والحاجة لكي تكون محبوبة ومقبولة وجديرة بالتقدير، تضمن أن سوزان ستنسحب داخل نفسها وتكبت كل شيء لكي تتصرف "بطريقة لبقة لائقة".

 

...فاطمة نشأت في عائلة، حيث كان استقلالها وتفكيرها الأصيل شيئاً محترماً ومُقدّراً.. ونظراً لأن أهلها يحملون قيماً مختلفة ويستخدمون مصطلحات مختلفة، فقد سمعت فاطمة نفس اللغة التي استخدمتها أم سوزان، لكن بعد أن كبرت قليلاً بالعمر... حينها امتلكت إحساساً أقوى بحقيقة ذاتها الخاصة بها، وكانت غير حساسة لهذه الكلمات المُحبطة والمؤذية.

 

الحالة مشابهة مع الذنب... ضمن فئة اجتماعية محددة (أفراد العائلة المقربون، الأقارب الأبعد، الفئة الاجتماعية، المدرسة، الطائفة، الدين) هناك مقياس أقل أو أكثر وضوحاً، من القواعد غير المكتوبة عن كيفية السلوك والتصرف.

مثلاً، في كثير من الفئات المسيحية، لا يزال مفهوم الخطيئة الأصلية (الجنس شيء سيء) موجوداً في معتقدات الناس، عداك عن الخطايا السبعة الرئيسية التي أضافها البابا في القرن السادس للميلاد.

 

الحاجة للبقاء الأساسية الموروثة والمترسخة عند الأطفال، الحاجة ليشعروا بالقيمة والجدارة والعطف والحب والتقدير، كثيراً ما تقود إلى أفكار مشوهة وإلى أمراض، وإلى الحاجة لمعالجين مختصين، إذا كانوا محظوظين بالوصول إليهم.. والحصول على مساعدة حقيقية في طريقتهم إلى التحرر... وهو في النهاية تحرر من الفكر.

 

الحب:

"أن تكون في الحب"... هذه الكلمة تصف الحالة تماماً... وكأن "في الحب" تصف كيف يكون الوقوف بثبات في نهر الحياة المتدفق... الوقوف نعم، وأنت غارق مغمور بالنور.. عندها هناك شعور واحد فقط هو الغبطة أو النشوة.

لكن ما هي الغبطة؟؟ ليست أكثر أو أقل من التجربة الحسية اللذيذة للحب ولأن تكون في حب، الطاقة الأساسية للحياة والكون وما هي إلا الله... لأجل هذا الشعور، يكفي أن تكون فقط كما أنت في فرديتك وتميّزك، ولا تحتاج لأي أحد آخر.

تذكر للحظة تلك الصورة... نهر الحياة المتدفق: اخرج من النهر، حتى لو خرجتَ خطوة واحدة فقط لتقف على الضفة، هناك ستقابل الفكر مجدداً وكل المشاعر اليومية الأخرى... اخرج منه بشكل كامل، إشغل نفسك بالأعمال اليومية عند الحشود، عندها سيضمن لك الفكر فوراً عودتك وتذكرك للخوف والذنب والخجل.

 

الحب ليس عاطفة.... إنه جوهر كيانك بالتحديد....

 

عديم الانفعال؟ جامد الإحساس؟ فاقد الحساسية؟؟

هناك سر عند أولئك الذين حققوا الحرية من الفكر.. لقد أصبحوا عديمي الإحساس نوعاً ما، لأن حياتهم متوازنة جداً، ووعيهم أبعد من أن يتشوش بالتقلبات والموجات التي تؤثر في معظم الناس.

لقد تحرروا من التحدد بالفكر أو الجسد، من تأثير العناصر الخمسة والتسعة والقمر والكواكب والنجوم...

لديهم الحرية في قدرتهم على إدراك المشاعر "العادية" وإعطائها قيمتها المناسبة، وتمييزها عن الشعور الفطري الأولي من الحب.

فوق كل شيء، يشاهدون العواطف كما هي: مجرد موجات على سطح محيط الحب اللامتناهي.

 

الألم الجسدي:

هل الألم الجسدي هو شعور؟ نعم بالتأكيد... هل الدموع الناتجة عن الألم الجسدي هي عاطفة؟ لا... اختبار الألم الجسدي يتعلق بنوع مختلف تماماً من "الشعور".

إن تحديد وعينا بالجسد يقود إلى استخدام اللغة ومصطلح "شعور":

"أنا أشعر بالمرض"... (أنا أختبر أنني لستُ جيداً)

"أنا أشعر بألم المعدة"... (أنا أختبر أن معدتي لا تعمل جيداً)

"أنا عندي وجع ظهر"... (ظهري يؤلمني ولا أقدر على الوقوف بإستقامة)

 

الأسئلة الثلاثة التالية تساعد على فهم هذه النقطة بشكل أفضل.. والأمر يعود لك أخي القارئ أن تجيب عليهم أم لا:

1- هل أنت جسدك... أم أنه لديك جسد؟

2- هل أنت مشاعرك... أم أنه لديك مشاعر؟

3- هل أنت أفكارك... أم أنه لديك أفكار؟

 

تأكد تماماً.... أن فعلاً من هذه الأسئلة يشير إلى طريقٍ من الحرية وإمكانية الاستنارة، بينما الفعل الآخر يقود إلى حياة في درجة من الخنوع والعبودية.

لشرح هذه النقطة أكثر... أي التعبيرات التالية صحيح أكثر:

"أنا جائع"... أم... "جسدي جائع"؟؟

بعض الحكماء والمعلمين لم يستخدموا أبداً طريقة الكلام الأولى واستخدام التعبير الشخصي.

بالعودة للألم والانزعاج الجسدي... نعم نحن نستخدم فعل "نشعر" لأنه موجود في اللغة، ولأنه يشير لدرجة معينة من "وعي الجسد"... لكن في هذا السياق، يتم استخدامه لوصف إشارات يعطيها الجسم (على فرض أنها لجلب انتباه الفكر إلى الجسد).. إنها لغة من الجسد تُخرج عمليات داخلية إلى السطح.

 

 

يتبع في الجزء الثالث بعد أيام..

 

أضيفت في:20-12-2015... زاويــة التـأمـــل> العلم و التأمل
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد