موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

التديّـن يجمعنـا في عالـمٍ من الأفـراد

المرض الذي يلي "البلدان" هو الأديان... فهي لم تعد أديان بل بقايا أديان مليئة بالتعصّب وخالية من الإيمان.. تقتل قلب كل إنسان... تجعل الناس يتقاتلون ويقتلون ويرتكبون أبشع الحروب.. بحجج وأسباب لا تهم أي أحد لكنها تأخذ الثأر وتملأ الجيوب...
منذ أن أسأنا فهم الأديان ورسائل الأنبياء... أصبحنا مجرد أغبياء... وصدّقنا أصحاب الشرائع والمصانع.. وآمنا أن الحرب أيضاً يمكن أن تكون من الإيمان!... وهكذا بدأ المسيحيون والمسلمون بقتال بعضهم باسم الله والدفاع عن كلامه ومات الآلاف في الحروب الدينية...
ليس بين المسيحيين والمسلمين فحسب، ولكن أصبح كل دين مقسوماً إلى أديان ومذاهب وطافت الدنيا بالطوائف.. وكل منهم يقول نحن أصحاب الحق والآخرون مخطئون ظالمون وإلى جهنم ذاهبون...
الحب والرحمة تقول: لا يمكن للحرب أن تكون مقدّسة على الإطلاق!... لا يمكن أن يكون هناك شيء يسمّى الجهاد أو الحروب الصليبية.. بل جهاد النفس هو أعظم الجهاد... والصليب فيه علم وسر لتنقية النفْس، لا لرفعه على الرماح واستخدام الفأس!
إذا قمتَ بتسمية الحرب بالحرب "المقدّسة" أو "في سبيل الله" فماذا تركتَ لكي تسميه شيئاً غير مقدّس أو من أجل الشيطان؟؟؟
من الذي يهتم بـهذا التعصّب لـِ "الله" غير رجال الدين؟؟
إنني لم أشاهد أي شخص يهتمّ فعلاً بالله... لا أحد يؤمن بالله حق الإيمان الصادق النابع من القلب... إذا أعطيتَ أحدهم حفنة من الذهب في يد، والإيمان بالله في اليد الأخرى... فسيأخذ الذهب ويقول لك: الله خالد باقي إلى الأبد والمدد.. نستطيع أن نتوب ونؤمن به لاحقاً... أما هذه الليرات الذهبية فلها فائدة كبيرة لي الآن!
لكن رجال الدين المدّعين مهتمّين جداً... فالله جل جلاله أصبح مهنة ووظيفة.. ويريدون لعملهم أن يتوسّع لإشباع الجشع والطمع...

لقد دمّر جهلنا في هذه الأديان تكامل الإنسان... تحطم قلبه ووجدانه إلى قطع.. بل إلى قطع متعاكسة تستمر في قتال بعضها البعض... وأصبحت البشرية بكاملها مصابة بانفصام الشخصية وفي كل إنسان شخصيتان... تم إنجاز هذه المؤامرة بحِنكة وذكاء.. وكانت البداية هي في جعلك تنكر وتكره جسدك وغرائزك.. فتفكر وتسير عكس ما يقول الجسد والضمير... ولم نسمع للنبي عندما قال: لجسدك عليك حقّ...
معظم الأديان المشوّهة كانت ضد أي شيء يجلب السعادة.. وكان من اهتماماتها ومصالحها أن تُبقي الإنسان تعيساً وبائساً.. وأن تدمّر أي إمكانية لإيجاد السلام والفرح والحب داخله... إيجاد الجنة بكاملها هنا وفي هذه اللحظة.
بؤسك يا أخي مطلوب بشدة... لا تستغرب... مطلوب لكي يتواجد "العالم الآخر".. وكمثال للمقال... إذا كانت الغريزة الجنسية مشبعة عندك تماماً... فلن تحتاج إلى الفكرة السائدة عن "الله"... لكن إذا تمّت إدانة واستنكار الطاقة الجنسية في العيب والحرام والخطيئة الأصلية... يزداد الكبت ويزداد حتى تقع في الفلت.. وتقع عندها في مصيدة الذّنب.. فتعود وتستغفر من الله وتعترف للراهب ورجل الدين وتدفع لهم المطلوب المُستحق، ليعودوا ويفتحوا لك باب الجنة الذي انغلق... وتستمر اللعبة والتجارة باسم الله والطهارة.... وأصبح مفهومنا عن الله مرتبطاً بالذنوب والاستغفار وتجنّب غضبه وناره والطمع برضاه وجنته... هكذا قام ما يُدعى برجال الدين بتحويل الله الذي في فكرنا إلى محاسب مالي ومدير لأكبر مصرف عالمي... عملة هذا المصرف هي الطمع بالثواب والخوف من العقاب... عدد الحسنات وعدد السيئات...

لقد علّمك المتعصّبون من رجال الدين أنك لستَ جزءاً من هذا العالم.. وأنت هنا لتُعاقب وتُحاسب... لتتوب وتدفع ديون "خطيئتك الأصلية". كان عليهم القيام بذلك لصنع فكرة خيالية تجارية سمّوها "الله".. وفكرتهم لا علاقة لها بالحقيقة والله والألوهية... ولصنع تجارة أخرى هي "الجنة" والتي هي امتداد لطمع البشر... و"النار" الملتهبة وهي امتداد للخوف.. هذا الخوف المزروع في عمق روح كل مجروح...
الجنة والنار يا أخي ليست أماكن جغرافية خرافية... بل هي أماكن نفسية موجودة في كل قلب يحب... وقالت العاشقة للحق...
أحبّك لأجل الحب يا الله...
إن أحببتك طمعاً بجنتك أو خوفاً من نارك فلا تقبل حبي...
أحبك لأجل الحب والصّدق فقط يا الله...

بقايا هذه الأديان جميعها لا تقبل الظاهرة البسيطة الطبيعية الواقعية، بأن الإنسان كامل وكيان متكامل.. الجسد والوعي معاً... وهذا العالم غير منفصل عن الإنسان...
الإنسان موصول بالأصول وبأمه الأرض تماماً مثل الأشجار المتصلة بالأرض بجذورها.... والجذور هي جزء أساسي من الشجرة مثل الزهور... لولا الجذور لما انتشرت العطور... ولولاها حتى لم يكن هناك شجرة بالأصل!
هذا الكوكب هو أمنا الأرض المباركة... ونحن جميعاً جزء من طاقة الحياة طاقة الكون والمكوّن... ولأن طاقتنا واحدة وجوهرنا العميق واحد.. تظهر إمكانية المحبة والعشق للحق...

أنا مع الأنبياء وضد الأغبياء... مع التديّن في القلب وضد كل الأديان المنظّمة دون أي استثناء... لسبب بسيط وهو أن الحقيقة والمحبة لا يُمكن أن تُنظّم... فهي ليست تجارة أو سياسة ودعارة.
كل هذه الأديان المنظمة المعلّبة جعلتكَ جزءاً من جماعة ما... معتمداً عليها كل الاعتماد... وأخذتْ منك فرديّتك واستقلاليتك... ذكاءك الفطري وحرّيتك... وزرعتْ مكانها معتقدات وهمية خالية من المعنى والأهمية...
الاعتقاد أو "الإيمان" الذي تراه عند أغلب الناس هو إستراتيجية وطريقة لخداع ذاتك.. فأنت لا تريد المسير على الصراط المستقيم.. على درب اكتشاف الحقيقة وطلب العلم... هذا الطريق في جهاد النفس طريق صعب ومتعب.. لأنك تحتاج في بدايته لأن ترمي كثيراً من الخرافات والنظريات والفرضيات الجاهزة... تحتاج إلى تنظيف وعيك من البرامج القديمة والأفكار المُستعارة التي تمنعك من رؤية الحقيقة وتمنعك من معرفة نفسك وربك...
لن تساعدك أي معتقدات في الدرب إلى الرب... لكن كل الأديان المنحرفة ترتكز في أساسها على الاعتقاد والإخلاص والإيمان الأعمى...
الحقيقة هي في البحث... في طلب العلم ولو كان في الصين... وليست في تقليد الآخرين... إنها العطش إلى المعرفة والنور... طلبٌ وسعي دءوب وصبور... جهاد النفس كالقابض على الجمر...... ولكي تتجنّب هذا البحث فإنك تتحول بسهولة إلى شخص بسيط ساذج.. جاهز لكي يصبح ضحية لأي شخص مستعد لاستغلاله واستعباده.....
من الطبيعي أن تشعر بالارتياح في جو المزاح مع الشلة والشَدّة ورفاق السوق والسوء... مع الحشود والأكثرية النائمة... طبعاً ستكون مرتاحاً مطمئن البال مع ستمائة مليون كاثوليكي... ستطمئن ولن تشك في إمكانية أن يكون ستمائة مليون شخص مخطئين... قد تكون أنت مخطئاً عندما يأتيك نور الوعي وتنهض قليلاً، أما ستمائة مليون شخص لا يمكن أن يُخطئوا أبداً.. لكن كل واحد منهم يفكر مثل هذا التفكير... وتنتصر سياسة القطيع والأكثرية... وأكثرنا للحق كارهون.....
أربعة ملايين هندوسي يشعرون أنهم على كامل الحق، والأمر ذاته عند المسلمين والبوذيين واليهوديين وباقي ما يدعى بـ الأديان...

الدّين الحقيقي يجب ألا يكون شيئاً منظماً مسيّساً... بل نوع من التديّن والحب في القلب... مودّة وإخاء تجاه جميع الناس... المسلم من سلمَ الناس من يده ولسانه.... الدين عند الله الإسلام... أي الاستسلام للكون ومشيئة الله.. لا تكفير الآخرين وتحليل دمهم دفاعاً عن "الدين"... ولا إكراه في الدّين...
التديّن في القلب هو الحل للحب.. من أجل هذا لا تحتاج إلى كتب ونصوص مقدسة...
التديّن هو روح الإيمان... قالت الأعراب آمنّا... بل قولوا أسلمنا ولمّا يصل الإيمان إلى قلوبكم... التديّن الحقيقي لا يربطك بأي نبي ولا أي منقذ... لا بكنيسة ولا بابا ولا مُفتي أو شيخ... لأن التدين هو المحبة الصافية.. العطر المنبعث من زهرة قلبك... والله هو المحبة والمحبة هي الله...
إذا انتشر نور التديّن حول العالم ستختفي بقايا الأديان تلقائياً... وهذه ستكون أكبر نعمة وبركة للإنسان عندما يكون خليفة الله على صورته ومثاله... أي إنسان وفقط إنسان.. لا مسيحي ولا مسلم ولا هندوسي ولا ينتمي إلى أي تيار أو حزب...

التديّن هو مسألة شخصية... رسالة محبة من قلبك إلى الكون بكامله... عندها فقط سيعم السلام والوئام... سلامٌ عليكم وعليكم السلام.... سلام شامل سيمسح كل الخلافات والاختلافات... وإلا ستبقى بقايا الأديان تستغل الناس وتستعبدهم.. تجبرهم على الإيمان والاعتقاد الأعمى... وجميع المعتقدات ضد الذكاء والصفاء...

أحبّ أن يصبح العالم بكامله متديّناً... كبحثٍ ناتج عن حرية كل إنسان...

إذاً في البداية على الدول أن تزول لأجل بقاء البشرية على قيد الحياة... لا حاجة لوجود ما يسمّى بريطانيا ألمانيا الصين أميركا... ثم على علب الأديان أن تزول.
إنسانية واحدة وتديّن واحد يجمعنا ويكفينا...
روح التعبّد... كل عمل عبادة... الحقيقة... الحب... الصدق.. الإخلاص... وأهمها تأمل ساعة خير من عبادة سبعين عام... صفات لا تحتاج أي اسم: هندوسي مسيحي مسلم....
تديّن واحد... صفة ونوعية لروح الإنسان وليس شيئاً منظّماً...
في اللحظة التي يدخل فيها التنظيم، سيدخل معه العنف... لأنه سيظهر فوراً تنظيم آخر مضاد...
إننا بحاجة إلى عالم من الأفراد الأحرار دون أي انتماء أو تنظيم... من الممكن أن تظهر هناك تجمّعات من أناس لديهم نفس الرؤى والمشاعر... سيكونون جماعات لا مجتمعات... يد الله مع الجماعة... لكن يجب ألا يدخلها أي نوع من التنظيم أو الطبقية أو البيروقراطية...

أولاً الدول، وثانياً الأديان، وثالثاً: علم مخصص كلياً لخدمة السّلم... لتحسين الحياة ووعي الإنسان... لصنع الإنسان المبدع الوصيّ على الأكوان... لا لإبداع وسائل جديدة لتدمير البناء وقتل السكان...
إذا أمكننا تحقيق هذه الأشياء الثلاثة، سنستطيع عندها إنقاذ البشرية بكاملها من الدمار الذي يخطط له قادتها السياسيون والدينيون والاجتماعيون... هذه مسؤوليتنا جميعاً فكما تكونوا يُولّى عليكم.... والسلام منكم وعليكم.

أضيفت في:22-1-2006... رؤية للعالم الجديد> اقطع الجذور!
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد