موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

شفاء "وهم الفكر"

 

يتم تخريب الحياة بالتوتر الذي ينتج بين ما هو فعلاً موجود،

وبين ما نشعر أنه يجب أن يكون موجود..

هكذا توتر هو الناتج الحتمي للطبيعة الثنائية للحياة:

فهي شخصية ومحدودة من ناحية،

لكنها كونية ولا محدودة من ناحية ثانية

 

كثيرٌ منا في هذه النقطة من الزمان والمكان نشعر بهذا التوتر الذي أصاب كل إنسان.. والسنة الجديدة 2018 قد أعلنت حضورها بطوفان من العواطف والآمال التي ملأت الانترنت والمحطات..

إليكم اقتراح: هل يمكن لذلك التوتر أو الفوضى والشدة التي نشعر بها في حياتنا وفي العالم حولنا، هي عاقبة أو تجسيد لظاهرة ترقق الحجاب واختفائه؟ إنه الحجاب الفاصل بين وجهيّ الحياة، الشخصي والكوني، المحدود واللامحدود..

كل الحكماء قالوا أن للحياة طبيعة ثنائية.. ذكر وأنثى موجب وسالب نهار وليل..

وقالوا أن هذه الثنائية بالحقيقة هي وهم من الفكر...

بالنسبة للمستنير لا يوجد أي انفصال بين الروح والمادة..

طبعاً معظمنا غير مستنير.. فمنذ عصور مضت هبطنا إلى الهاوية، هذا الهبوط مذكور بعدة أسماء في عدة حضارات، وهو يدل على انفصالنا عن المصدر ثم ولادة الأنا الفردية.

عبر عهود لا تحصى، وبناء ودمار عدة حضارات، عانت أرواحنا من هذا الانشقاق الذي فصلنا عن طبيعتنا الحقيقية الكاملة الشاملة.. الهبوط قد سبب فقدان ذاكرة جماعي.. وقد صنع "وهم الفكر".

كل معاناتنا هي في النهاية ناتجة عن ذاكرة معطلة... نسيان أصاب الإنسان..

ما هو الشيء الذي نفشل في تذكره؟ إنه ببساطة أننا نسينا ذاتنا الأخرى.. نسينا أننا ثنائيون في الطبيعة مثل ثنائية الحياة والطبيعة حولنا.

 

ستكون نظرتنا ناقصة إذا رأينا العالم كشيء عابر،

وأهملنا حقيقته العميقة الأبدية...

وكذلك ستكون ناقصة إذا رأينا الحقيقة الأبدية فقط،

وأهملنا تجلياتها في العالم المادي..

الوجهان مرتبطان ولا ينفصلان

والرؤية الحقيقية ستراهما متكاملان لا متعاكسان

 

العالم المتجلي، والحقيقة الكامنة خلفه، هما واحد موحد... هذا الواحد قد دعاه الناس بعدة أسماء، مثل الله، براهما، كريشنا، المصدر، البرزخ، المطلق، العقل الكوني.. إلخ.. إنه مصدر كل أشكال الحياة، البذرة الكامنة المقدسة، صانع الأنماط الهندسية المختفية خلف التجسدات..

دعونا ببساطة ندعوه الحقيقة.

يجب أن نرى كلاً من الحقيقة والدنيا، الخفي والمتجلي، عديم الشكل والشكل، اللامحدود والمحدود.. إذا أهملنا جهة واحدة منها، سنجد أنفسنا في هذه الحالة الحالية من التوتر والارتباك.

هل نحن فعلاً نعيش في زمن الكشف؟ زمنٌ يتحطم فيه الحجاب الفاصل بين الحقيقة والدنيا؟

نحن نرى يومياً علامات أكيدة عن حدوث يقظة جديدة.. هل نحن نعبر فعلاً بمرحلة شفاء الانفصام؟ كثير من "التناقضات" تظهر وتزداد هذه الأيام.. مما يدعوك للتساؤل.

انظر مثلاً لانتشار العلوم والحقائق الروحية اليوم على الانترنت.. إن عالمنا المادي التقني يقوم اليوم بنشر حقائق روحية قديمة جداً.. كثير من المعلومات والكتب والمحاضرات والأفلام، كثير منها يقول لنا استديروا للخلف وانظروا داخل أنفسكم.. كل الحكم والمعارف القديمة تقول ذات الشيء بالضبط: "الجنة موجودة داخلك، الحقيقة أقرب إليك من حبل الوريد، وفيك انطوى العالم الأكبر".. إنها ليست خارجك في العالم المصنوع، ولا في الأديان المنظمة وطوائفها الميتة التي فرقت الناس، ولا في الأدوات والتقنيات ولا في عالم التسوق والشراء الذي لا يتوقف.. بل الجنة هي إدراكنا لفكرنا ولقلوبنا ولأن الله ساكن داخلنا مثلما ساكن في كل العالم الطبيعي حولنا.

الجنة هي معرفة أننا في الحقيقة وعي لا محدود، يعيش مؤقتاً في جسد محدود..

الصحوة الضخمة التي تحدث في حركة الصحة الطبيعية والعلاجات الطبيعية الصادقة، عودة الطب الأصيل الذي يعتمد على جرع كافية من اليود الذي يشفي الجسد ويعيد الذاكرة للعمل ويفتح البصيرة التي ترى أبعد من الثنائيات، هي فصل من أوائل الفصول في قصة نهاية عهود الانفصال والانفصام..

مع يقظتنا الفردية للمسؤولية التي نحملها تجاه تغذية الجسد والاعتناء به عبر تغذيته بالأطعمة الحقيقية وتجنب الكيماويات والسموم المنتشرة حالياً، يعود جهاز المناعة لحالته القوية الأصلية.. ومع إدراكنا للضرر الذي نصنعه لأجسادنا عبر الحياة المتوترة وأفكارنا القلقة المتضاربة، نحن في الواقع نخترق الجهل ونصل لمعرفة أن أجسادنا لا تنفصل أبداً عن أرواحنا.

أجسادنا هي وسائط نقل ثمينة تأوي أرواحنا.. الجسد هو مسجد ومعلم ورسول من الحقيقة إليك.

أجسادنا تحمل كثيراً من الغفران والرحمة، لديها قدرة هائلة على الشفاء الذاتي، لكن تحتاج منك المشاركة الواعية معها.. أجسادنا ليست مجرد أشياء مادية آلية نستطيع أخذها إلى الطبيب إذا تعطلت، مثلما نأخذ السيارة  إلى الميكانيكي لإصلاحها...

هناك صحوة هائلة تحدث في إدراك حقيقة اتصال الجسد مع الأفكار والمشاعر والعواطف..

اللاوعي يقود إلى التوتر والمرض في كل المستويات.. ومع ازدياد معرفة الناس لهذا، سنقوم بشفاء الانفصال بين الجسد وبين طبقات حقيقة وجودنا متعدد الأبعاد.

 

عبادة المال وتقديس الممتلكات المادية صار ديناً ميتاً.. رغم بعض الحوادث المعاكسة التي نسمع بها أحياناً، لكن الصحوة تحدث وتفتح عيوننا على دورنا ومساهمتنا في صحة أو مرض هذا الكوكب.. نحن ندرك أكثر الدور الذي تقوم به الأنظمة الاقتصادية التي تركز جداً على المادية، وتأثيرها على الأنظمة البيئية في الأرض.. كل الحكم القديمة تقول لنا أن الأرض هي أمنا وهي تمتلك روحاً حية وتتطور مع تطورنا.. ونحن نساهم في تطورها.. ودون أي شك، قامت الأرض بطرد عدة حضارات في الماضي، حضارات انشغلت جداً بالتجسدات والممتلكات المادية وسوء استعمال الطاقة والسلطة.. ففي إهمالها لـ"الحقيقة" قامت بنثر بذور رحيلها ودمارها الذاتي.. كوكبنا سيفعل ذلك مجدداً مع حضارتنا الراهنة، إذا فشلنا باليقظة في الوقت المناسب.

وهكذا، بغضّ النظر عن نجاتنا أو عدم نجاتنا، من الجيد أن نراقب الآن ماذا يحصل عندما نمرّ بالتوتر والقلق أو أي عاطفة قوية، ونشاهد علاقتها بالأمراض النفسية والجسدية.

هذه السنة هي انطلاقة قوية في هذا الوعي بالتحديد..

ذاتنا العليا تطلب أو تلح أحياناً علينا بأن نتوقف مؤقتاً، نعود للداخل لنراقب ونعيد توجيه أنفسنا.. ببساطة، لا يمكننا المضيّ ونحن نحمل نفس الحقيبة القديمة... تعقيد الكون قد وصل إلى مرحلة حرجة، الزمن يتسارع، ولا نملك وقتاً لا محدود في وجودنا المادي المحدود.

سبب ظهور أن الزمن يتسارع هو أن الزمن يحمل معه المزيد..

هناك المزيد من الأحداث التي تجري في الزمن الحالي أكثر من أي زمن مضى.

وهذا يعني أن التعقيدات تزداد وتتراكم أكثر.. وكل هذا يحدث أسرع بكثير مما تقدر أجسادنا وفطرتنا على التأقلم معه... هل لديك أي فكرة عن تأثير هذه الغيوم الكثيفة من الترددات الكهرطيسية المرسلة من أبراج الموبايل أو مشاريع الكمتريل والهارب مثلاً؟ ماذا تفعل الترددات بأجسادنا وأدمغتنا يومياً؟؟ هذه مجرد بداية وستزداد الأمور تعقيداً.

لكن نحن في نعمة أن الصحوة تحدث.. لا يمكننا البقاء جالسين براحة وبصمت.. علينا أخذ الضيق والتوتر والنار وتحويلها إلى نور لنستعمله في إبطاء هذا السباق المجنون.

إذا استطعنا فقط شفاء واسترجاع نصفنا الآخر، مثلما فعل كل المستنيرون عبر العصور..

العلم الحديث صار يثبت الفوائد الجسدية للتأمل.. كل المعلومات موجودة أمامك، وصار العلم يؤكد الحقائق التي قالتها الحكمة القديمة.. من الحتميّ أن نستدير من الدنيا إلى الداخل وننظر هناك.

إذن، كيف نفعل هذا عملياً؟ أنت تعرف الجواب..

يمكن على كل حال اختصار الجواب بـ:

اقطع اتصالك بالدنيا لكي تستطيع الاتصال بنفسك..

أطفئ الفيسبوك، أطفئ جوالك، أطفئ تلفازك... درب نفسك على فعل ذلك أكثر وبانتظام.

قم بالتوقف والانسحاب من أي شيء تقوم به وأغلق عيونك..

اجلب وعيك إلى مركز قلبك.. أو إلى مركز الهارا في البطن..

تنفس بعمق من خلال هذا الجزء من الجسد عدة مرات..

وتخيّل إذا أردت نوراً أبيض أو أخضر فيه..

أو اذهب في رحلة إلى الغابة أو الشاطئ..

قم كل يوم بالجلوس واعمل أي طريقة تأمل لمدة ساعة،

لكن حتى 10 دقائق ستكون جيدة..

اقرأ عن علوم الروح.. افتح كتباً وكن مع الكتاب خير جليس..

قاوم إغراء كثرة الكلام... قاوم الاستماع للثرثرة الداخلية للفكر..

عندما يحدث ذلك دعه يعبر دون انفعال وأحكام..

تنفس بعمق وببطء.. وراقب أنفاسك..

اعمل بعض وضعيات اليوغا البسيطة المريحة فقط..

ليكن طعامك أقرب ما يكون للطبيعة..

اعمل بعض الرياضة دون إجهاد..

دائماً راقب واسترخي ودع الأمور تعبر بسلام واستمتع باللحظة..

لا يوجد مشكلة إذا بقيتَ وحيداً، والعالم لن ينتهي..

يمكنك العودة إليه عندما تكون جاهزاً.. فهو ينتظرك

ارمي مخاوفك من أن يفوتك أي شيء..

لا يوجد أي شيء جدير ويستحق أن تشغل بالك لأجله..

وفوق كل ذلك، تذكر أن الوجود يحبك،

وأنك في الحقيقة كائن أبدي مقدس ولا محدود..

 

فقط عندما يأتي الوعي، ويستبدل شعور الانشغال المحموم بالحياة،

فقط عندها يقوم المشاهد الداخلي بتحويل الوجود الخارجي..

من الوجود المادي البارد الممل المتكرر مثلما هو في العادة،

إلى وجود مقدس، يحتفل لأنه في كل لحظة هناك موت وولادة..

أضيفت في:23-1-2018... رؤية للعالم الجديد> اقطع الجذور!
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد